الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بذلك مطبقين للقاعدة الاستدامة أقوى من الابتداء المعروفة عند العلماء، ولها فروع منها الطيب للمحرم ممنوع ابتداء وليس ممنوعا استدامة ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها:«كنت أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم» .
ومن فوائد الحديث: تحريم نكاح الشغار، ودليله: النهي، والأصل في النهي التحريم؛ لأن الله يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]، ويقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24].
ومن فوائد الحديث: أنه لو عقد نكاح الشغار فإنه لا يصح، لماذا؟ لأنه منهي عنه، ولو صححنا المنهي عنه لكان في ذلك مضادة لله ورسوله، لأن الذي نهى الله عنه ورسوله يُراد منه اجتنابه والقضاء عليه، فإذا صححناه فهذا إثبات له وإبقاء عليه، ولقول النيي صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» . والمنهى عنه ليس عليه أمر الله ورسوله، بل أمر الله ورسوله على تركه واجتنابه فيكون بذلك باطلاً مردودًا.
ومن فوائد الحديث: عناية الشرع بالمرأة لحماية حقوقها لئلا تكون ألعوبة بيد الرجال، فإنه لو جاز الشغار لتلاعب الرجال بالنساء وصار الإنسان يجعل مولياته اللاتي ولأه الله عليهن ألعوبة يكتسب بها الأبضاع ويتزوج بها ما شاء من النساء، وجهه: النهي عن الشغار.
ومن فوائد الحديث: سد الشرع لجميع أبواب ما يقتضي النزاع؛ لأن نكاح الشغّار من أسباب النزاع، فإنه إذا وقع العقد شغارا وساءت العلاقة بين إحدى الزوجتين وزوجها حاول هذا الزوج أن يُفسد المرأة الأخرى على زوجها وحصل بذلك من النزاع والشقاق ما هو معلوم.
تخيير من زوجت وهي كارهة:
943 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن جارية بكرًا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت: أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم» . رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وأعل بالإرسال.
«الجارية» تطلق على الأنثى الصغيرة، وتطلق على الأمة المملوكة، وتطلق على مجرد الأنثى، فلها إطلاقات بحسب السياق، ولكن الأكثر أن الجواري: النساء الصغار.
يقول: «جارية بكرًا» ، هو عطف بيان يبين أن هذه الجارية بكرا ليست ثيبا، «أتت النبيّ
…
» إلخ.
قوله: «زوجها وهي كارهة» ، الجملة هنا حال، يعني: والحال أنها كارهة لم ترض الزواج أو لم ترض الزوج، «فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، خيرها بين أن تبقى مع الزوج أو تفسخ النكاح مع أنها بكر والولي أبوها.
وقول المؤلف على هذا الحديث: «أعِلُ بالإرسال» ، العلة: وصف خفي لا يطلع عليه إلا جهابذة العلماء يوجب القدح في الحديث؛ وذلك لأن العلة إذا كانت ظاهرة فإنها تكون معلومة كل يطلع عليها مثل لو أسند الإمام أحمّد حديثًا إلى عمر بن الخطاب علة هذا الحديث ظاهرة واضحة لكن لو يأتي إنسان معاصر لشخص يسند الحديث إليه ولكنه لم يسمع منه هذا يخفى على كثير من الناس أن الرجل المعاصر لم يسمع ممن أسند الحديث إليه، ولهذا قال ابن حجر رحمه الله في شرح «نخبة الفكرة»: هذا من أغمض أنواع الحديث، يعني: أنه غامض، الإرسال علة لا شك، والذي فات فيه اتصال السند، لكن إذا روي الحديث مرسلاً تارة وموصولاً أخرى وكان الواصل ثقة فإن هذه العلة لا تقدح؛ لأن مع الثقة زيادة علم مثال ذلك: الحديث رواه أربعة (? ، ? ، 3، 4) تارة يروى الحديث بهذا السند كله أربعة رجال، وتارة يروى بسند (? -? -4) فيسقط واحد، هذه الرواية مرسلة، لكن إذا كان راوي الأولى ثقة فإن الإرسال في الثانية لا يقدح، لماذا؟ لأن معه زيادة علم، واحتمال النسيان في الرواية الثانية وارد، قد يكون الراوي الذي أرسله نسي، إذن العلة هنا غير قادحة لا على رأي الفقهاء ولا على رأي المحدثين؛
لأن له شواهد تؤيده منها ما ثبت في الصحيحين فيما سبق: «لا تُنكح البكر حَتَّى تُستأذن» ، وفي رواية لمسلم صريحة:«البكر يستأذنها أبوها» ، فإذا كانت لا تُنكح حَتَّى تُستأذن، فإن أنكحت بغير استئذان صار النكاح منهيًا عنه، ولكن يرد علينا إذا كان منهيًا عنه فكيف نخير المرأة؟ أفليس القاعدة أنه إذا كان منهيا عنه ألا يصح ثم إن اختارت النكاح جددنا العقد؟ فيقال: إن النهي هنا ليس لحق الله عز وجل وإنما هو لحق الآدمي، فإذا رضي الآدمي بإسقاط حقه وإمضاء العقد فإن العلة -علة النهي- تزول، ولهذا خيرها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفسخ النكاح.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يشكو والده عند القاضي في الحقوق الخاصة، مثلاً: لو أن والده أبى أن يزوجه وهو فقير وأبوه غني فله أن يرفعه للحاكم ويطالبه بتزويجه؛ لأن هذه من الحقوق الخاصة التي لابد له منها، ولو أبى أن ينفق عليه وهو فقير والأب غني فللولد أن يرفعه إلى الحاكم؛ لأن هذه من الحقوق الخاصة التي لابد للولد منها، فإذا زوّجه بواحدة
ولم تعفه فطالب بثانية فيجب أن يزوجه وبثالثة وبرابعة، على كل حال: الحقوق الخاصة للإنسان أن يُطالب والده بها، أما ما لا يختص بذات الشخص كالديون مثلاً فإنه لا يُطالبه بها مثل أن يكون الولد قد أقرض أباه دراهم ثم طالبه بها وأبى أن يعطيه إياها فليس له أن يرفعه للحاكم، وإن فعل فإن الحاكم يقول له:«أنت ومالك لأبيك» ، فتبطل الحكومة يعنى: الخصومة.
ومن فوائد الحديث: أن نكاح البكر ولو كان من الأب يرجع إليها لا إلى الأب، ووجهه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم خيرها، ولو كان الأب يملك إجبارها لقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لاحق لك مع أبيك.
ومن فوائد الحديث: جواز تصرف الفضولي وهو أن يتصرف الإنسان في حق الغير بغير إذنه، فإذا أذن له نفذ التصرف، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أمر هذا النكاح -أي: نكاح الجارية التي أكرهت على الزواج- إليها، فيفهم من هذا: أنها إن أجازته نفذ، وإن لم تجزه انفسخ، فإذا كان هذا في النكاح مع خطورته ففي غيره من العقود أولى، فعلى هذا لو أن شخصا باع سيارة إنسان بلا توكيل لكنه يعرف أن هذا الرجل يرغب أن يبيع سيارته، فجاء شخص يطلب سيارة فاغتنم الفرصة فباعها عليه بدون توكيل، ثم بعد ذلك أخبر صاحب السيارة فوافق فهل العقد يصح؟ يصح، وهل يملكه المشتري من حين العقد، أو من حين الإجازة؟ الأول، من حين العقد؛ لأنه أجاز العقد السابق، وهذا يُشبه من بعض الوجوه ما مر علينا وهو إجازة الورثة للوصية أو قبول الموصين له الوصية بعد موت الموصي بمدة، فهل ينسحب الملك على ما مضى وتكون في ملك الموصى له من موت الموصي أو من قبول الموصى له؟ ذكرنا أن في هذا خلافا، وأن الذي مشى عليه صاحب «زاد المستقنع» ، أن الملك يثبت من حين الموت، وأن المذهب لا يثبت إلا بالقبول.
ومن فوائد الحديث: أن الشريعة الإسلامية تأخذ للمظلوم حقه، ولو كان على أقرب الناس إليه، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خير هذه المرأة التي زوّجها أبوها وهي كارهة؛ لأن هذا ظلم لها، من أظلم الظلم أن المرأة تُزّوج بشخص تكرهه؛ لأن هذا الشخص سيبقى شريكها في البيت وفي الأولاد، فكيف يمكن أن يُجبرها على شخص لا تريده؟ يحصل عليها من الضرر والقلق النفسي، وربما يصل أحيانا إلى حد الجنون، وبعض النساء تحاول أن تخرق نفسها أو تقتل نفسها من شدة ما وجدت من القهر، ولا شك أن هذا من الاعتداء والظلم، والشرع يرفع الظلم عن المظلوم ولو كان من أقرب الناس إليه.