الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفلاني، وإلا فالنعال لك فوافق صاحب الدكان، وهذا دليل على أنه يرى جواز هذه المسألة، ومن المعلوم أن من رجح قولا على قول فإنه يلزمه أمران: بيان وجه الترجيح والإجابة عن أدلة الآخرين، فما هو وجه ترجيح هذا القول؟ أنه داخل في عموم قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة: 1]. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أخل حراما أو حرم حلالا» ، وهذا شرط لا يحل حراما ولا يحرم حالا، وأما الإجابة عن قولهم أن هذا من باب إغلاق الرهن، فنقول: هذا ليس من باب الإغلاق في شيء، لماذا؟ لأنه باختياره، ولم يكرهه على هذا أحد.
من فوائد الحديث: أولا: تحريم أخذ المال بغير رضا صاحبه سواء قلنا: "لا" ناهية أو نافية.
ومن فوائده: أن الرهن لا ينقل الملك عن المرهون بل هو باق على ملك الراهن لقوله: "من صاحبه" وهو كذلك.
ومن فوائد الحديث: تحريم إغلاق الرهن بصورتيه وهو أن يستغل المرتهن هذا الرهن أو يأخذه قهرا إذا حل الأجل بغير رضا صاحبه.
ومن فوائده: الإشارة إلى القاعدة المعروفة وهي أن الغنم بالغرم، وهذه القاعدة مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم:«الخراج بالضمان» ومن هذا الحديث أيضا لقوله: «له غنمه وعليه غرمه» فمن عليه غرم شيء فله غنمه، كيف تحمل الراهن والغرم ولا نعطيه الغنم؟
الترغيب في حسن القضاء:
825 -
وعن أبي رافع: «أن النبي صلى الله عليه وسلم استلف من رجل بكرا فقدمت عليه إبل نت الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فقال: لا أجد إلا خيارا رباعيا، فقال: أعطه إياه، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء» . رواه مسلم.
"استلف" أي: اقترض، لأن السلف يطلق على السلم، ويطلق على القرض؛ لأن في كل منهما تقديما، ففي السلم تقدير الثمن وتأخير المثمن، وفي القرض تقديم المقترض وتأخير الوفائ.
وقوله: "بكره" البكر هو الصغير من الإبل، وقوله:"من إبل الصدقة" يعني: الزكاة وقوله: "يقضيه بكره" أي: يوفيه، وقوله:"بكره" أي: عوض بكره لا البكر الذي استسلف؛ لأن البكر الذي استسلف مضى على سبيله، ويحتمل أن يقال:"بكره" أي: بكرا مماثلا لبكره، وعلى هذا فيكون فيه
استعارة وهي استعارة المقضي الذي حصل به القضاء للمقضي الأول الذي ثبت به القضاء، الفرق إذا قلنا أن المراد بالبكر هنا البكر الأول الذي استسلف، صار لابد من تقدير ما هو؟ عوض بكره، لأن بكره الأول راح، وإذا قلنا: إن المراد بالبكر هنا البكر المدفوع قضاء صار إطلاق البكر عليه من باب الاستعارة؛ لأن يكون شبيها للأول، كأنه قال: اردد عليه بكرا مثل بكره. فقال: "لا أجد إلا خيارا رباعيا"، الخيار الجيد: الذي يختاره الإنسان على غيره، والرباعي: ما بلغ سبع سنين، هذا بالنسبة للإبل، وبالنسبة للبقر ما بلغ خمس سنين، وبالنسبة للغنم ما بلغ أربع سنين، فالرباعي يختلف، فقال له:"أعطه إياه" بعني: أعطه هذا الخيار الرباعي بدلا عن البكر، "فإن خيار الناس أحسنهم قضاء""خيارهم"، أي: في الوفاء وقضاء الدين، وليس المراد: الخيار المطلق، بل المراد: خيار الناس في قضاء ما عليه من الدين.
من فوائد هذا الحديث: أولا: بيان ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من قلة ذات اليد، ولو كانت الدنيا خيرا لكان أولى الناس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه صلى الله عليه وسلم كان يمضي عليه الشهر والشهران والثلاثة ما أوقد في بيته نار، طعامه الأسودان: التمر والماء.
ومن فوائده: جواز اقتراض الحيوان، فتأتي إلى الشخص وتقول له: من فضلك سلفني شاة، لا بأس بهذا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا، جئت إلى شخص وقلت: سلفني حمارا فيجوز، جئت إلى شخص وقلت: أقرضني جاريتك هذا لا يجوز، قالوا: لأنه يؤدي إلى أن يقترض جارية فيطؤها عدة ليال ثم يردها، وهذا معلوم أنه حرام، ولهذا أجاز بعضهم استقراض الذكر فتقول: أقرضني فيقرضه ثم يوفيه عبده.
هل يجوز استقراض السيارات؟ يجوز، القرض غير العرية، العرية لا يملكها المستعير، لكن القرض يمكله.
وهل يجوز التوكيل في الاستقراض والوفاء؟ في القضاء فقط، أما الاستسلاف فلا، إذن في الحديث دليل على جواز التوكيل في القضاء.
ومن فوائد الحديث: أن الوكيل لا يتعدى ما أكثر مما وكل فيه إلا بعد مراجعة الموكل، الدليل: أن أبا رافع لما لم يجد إلا خيارا رباعيا لم يوف حتى استأذن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: جواز الزيادة في الوفاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوفاه مما استقصى وقال: «إن خير الناس أحسنهم قضاء» ، ولكن الزيادة لا تخلو إما أن تكون في الكمية أو في الكيفية، إن كانت في الكيفية فلا شك في جوازها؛ لأن هذا الحديث يدل عليها، يعني: مثلا استقرضت منه صاع بر جيد هذا لا بأس به ولا حرج فيه، ولكن في الكمية هل نقول: بالجواز أو نقول: بعدم الحواز؟ فيه خلاف، يعني: إذا استقرضت واحدا فأوفيت ثلاثة، فالصحيح
جوازه، وأنه لا فرق بين الكمية والكيفية، وعليه فلو استقرضت منه درهما ورددت عليه درهمين، فلا حرج فهو جائز، لكن يشترط ألا يكون هذا مشروطا في عقد القرض، فإن شرط في عقد القرض فإنه لا يجوز كما سيأتي في الحديث الذي بعده.
ومن فوائد الحديث: أن المثلي يجري في الحيوان، كيف هذا؟ يعني: أن الحيوان يضمن بمثله لا بالقيمة إلا إذا تعذر المثلي والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رد النبي رد بعيرا عن بعير، وذهب بعض العلماء إلى أن المثلي لا يجري في كل مصنوع ولا في كل ذي روح ويقولن في تعرف المثلي: كل مكيل أو موزون لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه فيضيقون المثلي، وبناء على هذا القول نقول: إذا استقرص الرجل شاة فإنه لا يرد شاة بل يرد قيمة الشاة وقت القرض، زادت أو نقصت، ولكن هذا الحديث يرد عليه، وهذا هو الصحيح، أي: ما دل عليه الحديث أن المثلي يجري في الحيوان والمصنوع وفي كل شيء له مثل فالثياب مثلا مثلية، والأواني مثلية والفرش مثلية، والحيوان مثلي، والسيارات مثلية، وهكذا لأن المثلي هو ما كان مثيلا للشيء أو مقاربا له.
ومن فوائد الحديث: فضيلة حسن القضاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن خيار الناس أحسنهم قضاء» ، وقد جاء في حديث آخر:«رحم الله امرأ سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا قضى وسمحا إذا اقتضى» ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لسماحته.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بقرن الأحكام وبعللها، وجهه: أنه قال: «أعطه إياه فإن خيار الناس
…
إلخ»، وإلا لكان يكفي أن يقول: أعطه إياه.
ومن فوائد الحديث: تفاضل الناس في الأخلاق لقوله: «فإن خيار الناس» ، والناس يتفاوتون في الأخلاق، ويتفاوتون في الأعمال، ويتفاوتون في الإيمان، وفي كل شيء، ويتفرع من هذه القاعدة: أن الإيمان يزيد وينقص، وجهه قوله:«خيار الناس» ؛ لأن الرسول فضل بعض الناس على بعض.
ومن فوائد الحديث: أن العقود تنعقد بما دل عليها لقوله: «أعطه إياه» ، ولم يقل: أوفه، ومعلوم أن العطية أوسع من الوفاء، قد تكون العطية ابتداء هبة، ولكن القرينة تدل على أن المراد أعطه إياه وفاء، فيستدل به على أن العقود تنعقد وهو القول الراجح.
ومن فوائد الحديث: جواز استدانة ولي الأمر على بيت المسلمين، وجه ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى هذا من الصدقة، وقضاؤه إياه من الصدقة يدل على أنه لم يستند به لنفسه؛ لأنه لو كان لنفسه ما أداه من الصدقة لأنه تحرم عليه الصدقة، ولكن يشترط ألا يظهر نفسه بدين لا يرجو وفاءه، بل يستدين للحاجة بقدر للحاجة إذا كان يرجو الوفاء.
826 -
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل قرض فهو ربا» . رواه الحارث بن أبي أسامة، وإسناده ساقط.
- وله شاهد ضعيف عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه عند البيهقي.
- وآخر موقوف عند عبد الله بن سلام رضي الله عنه عند البخاري.
هذا الحديث: «كل قرض جر منفعة فهو ربا» والربا -كما نعلمه- حرام، والقرض مر عليمنا تعريقه، وقوله:«جر منفعة» أي: للمقرض فهو ربا لا للمقترض، المقترض لابد أن يجر إليه القرض نفعا فييسد حاجته، لكن للمقرض، ولأن الربا يكون من جانب واحد وهو الدافع، أما الآخذ فالربا عليه وليس له، فالربا في الواقع يكون من جانب واحد، إذا فالمراد بقوله:«جر منفعة» أي: للمقرض، «فهو ربا» يعني: داخل في الربا، لكن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن إسناده ساقط، والمرفوع ضعيف والموقوف على اسمه فهو قول صحابي، وحينئذ نقول: إن الحديث لا تقوم به حجة، ولكن هل يمكن أن نعرف حكم هذه المسألة من القواعد العامة؟ نقول: يكمن، الأصل في القرض أنه عمل خيري يقصد به المقرض وجه الله، والإحسان إلى المقرض؛ ولهذا جوز الشرع أن أقرضك دينارا وتوفيني بعد شهر أو شهرين دينارا مع أن هذا لو وقع على سبيل المعاوضة والبيع لكان حراما؛ لأنه ربا نسيئة، ولكن لما كان المقصود الإحسان إلى المحتاج وسد حاجته رخص فيه الشرع، وإلا فالأصل أن إبدال دينار بدينار لا يوفي إلا بعد مدة، الأصل أنه ربا لكن من أجل يفتح باب الإحسان وسد الحوائج أجاز الشارع القرض، فإذا اشترطت المنفعة؛ أي: إذا شرط المقرض المنفعة خرج به عن مقصوده وصار الآن الهدف تجاريا والمقصود المعارضة والربح الدنيوي، فمن أجل هذا نقول: إذا جر منفعة للمقرض فهو ربا؛ لأنه خرج عن مقصوده، فمثلا إذا أقرضتك ردهما بشرط أن أركب سيارتك إلى المحل الفلاني صار هذا معاوضة، صار كأنما بعت درهما بدرهم وزيادة ركوب السيارة، وهذا ربا لا شك فيه، ولهذا نقول: هذا الحديث وإن كان لا يصح عن الرسول صلى الله عليه وسلم لكن القواعد الشرعية تقتضي تحريم المنفعة التي يشترطها المقرض؛ لأنه حينئذ يخرج بالقرض عن مقصوده الأصلي، وقولنا:"جر منفعة" يشمل أي منفعة كل سواء كانت بدنية أو مالية أو عين؛ لأنه إذا منعت المال فالعين من باب أولى، فالبدنية أن يقول: أقرضك عشرة آلاف درهم بشرط