الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: اعتبار المال في الترجيح لقوله: «أما معاوية فصعلوك لا مال له» ولكن يرد على هذا أن أسامة أيضا مولى والراجح من حال المولى أنه فقير، فيقال: إن هذا يجبره صلته بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه يلقب بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن فوائد الحديث: مراعاة حسن الخلق في الخاطب لقوله: «أما أبو جهم فضراب للنساء» . ومن فوائد الحديث: أنه لا حرج في الخطبة على خطبة الرجل إذا لم يعلم الخاطب، لأن هؤلاء الثلاثة خطبوها جميعا ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لها: انكحي الخاطب الأول، لأن الخاطبين الاثنين قد اعتديا على حقه، بل جعل الأمر سواء. ومن فوائد الحديث: أن فاطمة قالت إنها نكحت أسامة فاغتبطت، فيؤخذ من هذا: مشورة أهل الدين والصلاح قد يكون فيها خير لمن استشار. ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يفيد غيره فيما يرى أنه أعلم به منه، هذا إذا أشكل عليه الأمر، وأما إذا لم يشكل فالأمر ظاهر لا يحتاج إلى مشورة.
960 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند، وانكحوا إليه» وكان حجاماً. رواه أبو داود، والحاكم بسند جيد. «بني بياضة» قبيلة من العرب، و «أبو هند» مولى من الموالي، يعني: ليس بذي قبيلة فيما يظهر، وقوله:«أنكحوا» أي: زوجوه، «وانكحوا إليه» يعني: تزوجوا من بناته، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجوه وأن يتزوجوا منه، أي: من بناته، «وكان حجاماً» ، والحجام كما عرفنا سابقاً هو الذي يمارس مهنة الحجامة وهي معروفة، ووصفناها لكم فيما سبق. ففي هذا الحديث دليل على جواز إنكاح الحجام والتزوج من بناته. وفيه دليل على ضعف الحديث الأول حديث ابن عمر في قوله:«إلا حائكاً أو حجاماً» ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بني بياضة أن يزوجوا هذا الرجل وكان حجاماً.
أنواع الخيار:
961 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «خيرت بريرة على زوجها حين عتقت» . متفق عليه في حديث طويل.
- ولمسلم عنها رضي الله عنه: «أن زوجها كان عبدا» . وفي رواية عنها: «كان حراً» . والأول أثبت. وصح عن ابن عباس عند البخاري: أنه كان عبداً. بريرة هذه مولاة مملوكة، ثم إن أهلها كاتبوها؛ أي: باعوا نفسها عليها، يعني: اشترت نفسها من أهلها على تسع أواقٍ من الفضة، الأوقية كم درهماً؟ أربعون درهماً تسع في أربعين بثلاثمائة وستين درهماً هذه قيمتها، اشترت نفسها من مالكيها بثلاثمائة وستين درهماً، ثم جاءت إلى عائشة رضي الله عنها تستعينها تطلب منها المعونة، فقالت عائشة:«إن أحب أهلك أن أعد لهم هذه الدراهم وأنقدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت» ، فذهبت بريرة إلى أهلها وقالت لهم ذلك ولكنهم أبوا، فجاءت بريرة تخبر عائشة وكان النبي صلى الله عليه وسلم حاضراً فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:«خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق» يعني: وإن اشترطوا أن الولاء لهم فالولاء لك؛ لأنك أنت المعتقة، فاشترتها عائشة واشترطت لهم الولاء، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وأبطل هذا الشرط وقال:«ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرطه أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق» ، لما عتقت خيرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تبقى مع زوجها أو أن تفسخ النكاح وهذا هو وجه الشاهد من الحديث اختارت رضي الله عنها أن تفسخ النكاح، وكان زوجها يحبها محبة شديدة وهي تكرهه كراهة شديدة ففسخت النكاح، فجعل زوجها يتابعها في أسواق المدينة يبكي يريد أن تبقى معه ولكنها لم ترحمه لأنها لا تحبه، ومشكل أن يبقى الإنسان مع شخص لا يحبه هذا شيء ثقيل على النفس، كما قال المتنبي:[الطويل]
(ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
…
عدوا له ما من صداقته بد)
المهم: أنه توسط بالنبي صلى الله عليه وسلم، طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له عند هذه الزوجة فشفع له عند الزوجة فقالت: يا رسول الله، إن كنت تأمرني فسمعاً وطاعة، وإن كنت تشير علي فليس لي حاجة فيه، فقال:«بل أشير» ، قالت: لا حاجة لي فيه، ففسخت النكاح، بقيت بريرة عند عائشة في البيت وكانت كالخادمة عندهم، في يوم من الأيام دخل النبي صلى الله عليه وسلم يريد طعاماً فقدموا له طعاماً ليس فيه لحم، فقال:«ألم أر البرمة على النار؟ » ، البرمة: إناء من الفخار من الطين، فقالوا: يا رسول الله، هذا لحم تصدق به على بريرة، والنبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الصدقة لا
الزكاة ولا التطوع، فقال:«هو عليها صدقة ولنا هدية» ، فجاءوا به فأكل منه، فهذه من بركات هذه المرأة أنه حصل للأمة هذه السنة العظيمة أن من قبض شيئاً ومَلَكه فله أن يُملكه من لا يحل له تملكه، هذه قاعدة مفيدة، هذا لأن التحريم إنما جاء من حيث الكسب، أما ما كان محرماً لعينه فهذا لا يحل لأحد، لو أن شخصاً ملك خمراً وأراد أن يهبها لأحد قلنا: هذا حرام، لو أن شخصاً سرق مال شخص وأراد أن يهبه لأحد، قلنا: هذا حرام، لأنه محرم لعينه إلا إذا رضي صاحب المال، أما المحرم للكسب فإن هذا يتبع السبب إن كان السبب مباحاً فهو حلال وإن كان غير مباح فهو حرام، الشاهد من هذا أنها خيرت. وقوله: «ولمسلم
…
» إلخ فهذه روايات مختلفة أولاً: أن زوجها كان عبداً، هذه رواية، رواية أخرى:«كان حراً» رواية مؤيدة للأولى أنه كان عبداً وهذا أرجح أنه كان عبداً، ومن ثم اختلف العلماء من أجل اختلاف هذه الروايات، هل إذا عتقت الأمة تحت حر يكون لها الخيار؟ على قولين لأهل العلم، أما إذا كانت تحت عبد فالخيار لها واضح، لأنها إذا عتقت وهو عبد صارت أعلى منه، لأنها صارت حرة وهو عبد، فلما صارت أعلى منه قلنا: لكِ الخيار الآن أن تبقي مع من هو دونك أو أن تفسخي النكاح لكن إذا عتقت تحت حر، وهل يمكن للأمة أن تتزوج حراً؟ نعم بالشرطين اللذين ذكرهما الله تعالى:{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ} [النساء: 25]. ثلاثة شروط:
الأول: أنه لا يستطيع مهر الحرة.
الثاني: أن تكون الأمة مؤمنة لا كتابية ولا غير كتابية.
الثالث: أن يخاف العَنَت، فإذا تزوج الحر جارية بهذه الشروط ثم عتقت عتقها سيدها فهل لها الخيار؟ نقول: في هذا قولان لأهل العلم منهم من قال: إنه لا خيار لها؛ لأن غاية ما حصل أنها ارتقت إلى مرتبة توازن الزوج فلا خيار لها، وهذا هو الأرجح، ومنهم من قال: لها الخيار، واستدل ببعض ألفاظ هذا الحديث أن زوج بريرة كان حراً، وعلل ذلك بأنه إنما ثبت لها الخيار، لأنها ملكت نفسها ومن حين زوجت وهي أمة زوجها سيدها، ولكن يقال في الرد على هذا التعليل: إذا كان زوجها سيدها باختيارها ورضاها فإنه لا ضرر عليها هي لم تكره،