المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

ولا حرج فيه، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للذي قطع أنفه أن يتخذ أنفًا من ذهب ومن ذلك أيضًا لو كان الإنسان أعلم -يعني: مشقوق الشفة العليا- فأراد أن يجري عملية لضم بعضها إلى بعض فهل يجوز؟ نعم، لأن هذا إزالة عيب، ومن ذلك لو كان الإنسان أحول فأراد أن يعدل النظر يجوز ذلك؛ لأنه إزالة عيب، إذن القاعدة عندنا: أن تغيير خلق الله بالتجميل لا يجوز وتغيير خلق الله إزالة للعيب جائز هذا الضابط، هل يجوز ربط الأسنان لإصلاح صفها؟ فيه تفصيل إذا كان عيبًا فلا بأس يعني: لو فرضنا أن السن طالت فهذا عيب، وعليه فلا بأس أن يصف مع زملائه، وإذا كان ليس عيبًا لكن يريد الإنسان أن تكون أسنانه على وجه أجمل فإن هذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشرة والمستوشرة والمتفلجات لحسن، المتفلجات: هن اللاتي يفلجن ما بين أسنانهن حيث ينفتح؛ لأنهم كانوا يرون أن الفلج من محاسن المرأة، على كل حال الضابط ما ذكرنا. ومن فوائد الحديث: بيان انقلاب العادات اليوم في الشعر، الشعر كان طوله يعد جمالاً والمرأة بدأت تقصه؛ لأن المرأة الإفرنجية تقص فقالت: نقص هذا أحسن لأجل أن نصنع الطائرات والدبابات والصواريخ وعابرات القارات؛ لأن الأمة هذه ما وصلت إلى ما وصلت إلا بقص الشعر، لم يعملوا أنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا حيث استخدموا قواهم التي أعطاهم الله فيما أمر الله به المسلمين:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60]. {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها} [الملك: 15]. نحن مفرطون لو أننا فعلنا مثل فعلهم في التنقيب عما أودع الله في الأرض من المصالح العظيمة وفي استخدام عقولنا في تصنيع هذه الأشياء لكنا أهدى منهم سبيلاً لأن المتأمل في أحوال البشر يجد أن أصح الناس فطرة وأقواهم ذكاء وأسدهم عقلاً هم العرب ولا شك أن جنس العرب أفضل أجناس بني آدم والدليل على ذلك أن أفضل الخلق منهم ولا يمكن إلا أن يكون من أفضل معادن البشر معدن: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} [الأنعام: 124]. لكن مع الأسف أن العرب الآن تخلفوا كثيرًا عن غيرهم.

‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

981 -

وعن جدامة بنت وهب رضي الله عنها قالت: "حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، وهو يقول: لقد هممت أن أنهي عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر ذلك أولادهم شيئًا".

ص: 569

ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الوأد الخفي". رواه مسلم. هذا الحديث فيه أصول عظيمة تتبين فيما بعد، تقول:"حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس"، "أناس" هو الأصل لكلمة ناس، لكن حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال فصاروا يقولون الناس وقولها:"في أناس" لم يتبين هل هم في المسجد أو خارج المسجد؟ فهل هذا متوقف عليه فائدة أو لا؟ لا يتوقف، وجملة "وهو يقول" حال من الرسول. وقوله:"هممت" الهم هو حديث النفس وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام .. ". الحديث. فهو حديث النفس؛ يعني: حدث نفسه أن ينهي عن الغيلة؛ أي: أن يأمر الناس بالكف عنها و"الغيلة" هي وطء الحامل على أحد القولين والقول الثاني إرضاع الحامل يعني أن يطأ الإنسان امرأته وهي ترضع أو أن ترضع المرأة ولدها وهي حامل فعلى القول الأول: يكون نهياً عن السبب؛ لأن الرجل إذا جامع زوجته وهي ترضع فربما تحمل ثم ترضع الطفل وهي حامل، وعلى القول الثاني: يكون نهيا عن الغاية وهي أن ترضع المرأة وهي حامل؛ لأنهم يقولون: إن إرضاع المرأة طفلها وهي حامل يضر الطفل. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم"، "الروم" أمة معروفة تعيش شمال الجزيرة العربية، وفارس أمة معروفة تعيش شرق الجزيرة العربية، فارس ديانتهم المجوسية عباد النار، والروم ديانتهم النصرانية كلهم في ذلك الوقت كفار فنظر الرسول في حالهم فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر ذلك أولادهم شيئًا؛ يعني: فتركت النهي عن الغيلة لماذا؟ لأن الروم وفارس بشر والطبائع البشرية لا تختلف باختلاف الدين؛ لأنها من مقتضى الطبيعة لكن لاشك أن الإيمان قد يزيد الغرائز الطيبة يزيدها قوة، لكن الأصل أن الطبائع البشرية يستوي فيها المسلم والكافر، وهذا سيجرنا إلى أن نقول:{أو نسائهن} [النور: 31]. ليس المراد: نساء المؤمنات، المراد: نساء؛ وذلك لأن المرأة سواء كانت كافرة أو مسلمة لا فرق بينهما بالنسبة للنظر كما هو معروف، ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذلك الوأد الخفي"، العزل هو أن الرجل إذا جامع زوجته وقرب من الإنزال نزع من أجل أن يكون الإنزال خارجًا حتى لا تحمل فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ذلك الوأد الخفي" الوأد هو دفن الجارية وهي حية وكانوا في الجاهلية يفعلون هذا يئد الرجل ابنته وهي حية إن بعضهم يحفر لها الحفرة فإذا أصاب لحيته شيء من التراب نفضت التراب عن لحيته وهو يدفنها وهي حية هذه طائفة من العرب، طائفة يقتلون أولادهم قتلاً الذكور والإناث أما الأولى التي تئد البنات فإنهم يخافون من العار؛ لأنهم يعيرون بالبنات لهذا جعلوا البنات لله وجعلوا لأنفسهم البنين وأما الثانية فإنما تقتل الأولاد إما خشية الفقر، وإما من الفقر كما في القرآن: {ولا تقتلوا

ص: 570

أولادكم من إملاق} [الأنعام: 151]. {ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} [الإسراء: 31]. وانظر إلى البلاغة في القرآن لما قال: {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق} قال: {نحن نرزقكم وإياهم} فبدأ برزق الآباء لأنهم يقتلونهم من إملاق الفقر حاصل ولما قال: {خشية إملاق} قال: {نحن نرزقهم وإياكم} ؛ لأنكم الآن أغنياء لكن تخافون الفقر فرزق هؤلاء الأولاد على الله. وقوله: "الوأد الخفي" يعني: الذي بظاهر؛ لأن الوأد نوعان: وأد ظاهر وهو أن يقتل الإنسان ابنته وهي حية ووأد خفي وهو أن يحاول منع الحمل ولكن هل هذا الوأد الخفي حرام أم لا؟ سيأتي -إن شاء الله- في بيان فوائد الحديث. أفادنا صلى الله عليه وسلم بقوله: "ذلك الوأد الخفي": أن الوأد نوعان كما ذكرنا ظاهر وخفي فالظاهر ما كانت الناس تفعله ف الجاهلية وهو: أن يدفن الإنسان ابنته وهي حية خوفًا من العار وذكرنا أن طائفة من العرب تدفن الأولاد الذكور والإناث خوفًا من الفقر وكلا الأمرين باطل منكر وهو يخالف حتى عادة الحيوانات نجد البهيمة ترفع حافرها عن ولدها مخافة أن تصيبه وتدافع عن الولد لو أنك أتيت هرة وهي على أولادها ترضعهم تهاجمك خوفًا على أولادها ثم تسمعها تأمر أولادها بالتردي تحن لهم حنا معينا؛ يعني: اخلوا مساكنكم لأجل ألا يصيبهم أذى هذا الخفي فهذا فسره صلى الله عليه وسلم بالعزل، عزل الرجل عن المرأة وأد خفي؛ لأنه فيه شيء من الحيلولة دون وجود الأولاد؛ لأن العزل من أسباب عدم الولد، وإن كان الله إذا أراد أن يخلقه ما متعه أحد ففيه شبه من الوأد وإن كان ليس كالوأد؛ لأن الوأد يدفنونه وهو حي، أما هذا فيمنع الحياة ففرق بين المنع وبين الرفع، العلماء يقولون: إن المنع أو الدفع أسهل من الرفع. أما هذا الحديث ففيه فوائد منها: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان اجتماعيًا يجتمع إلى الناس ويجتمع بهم ويحدثهم بما يناسب المقام والحال لقولها: "حضرت النبي صلى الله عليه وسلم في أناس". ومن فوائده: أن هذا الدين الإسلامي مداره على منع الضرر وجلب النفع، تؤخذ هذه الفائدة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم هم أن ينهي عن الغيلة مخافة الضرر، فلما رأى الروم وفارس لا يضرهم شيئًا عدل عن هذا لم ينه سواء نظر في الروم وفارس أم لم ينظر، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين تأخر في صلاة العشاء حتى مر عامة الليل قال:"إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي". ويدل لهذا أيضًا: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة". فهذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرع أحيانًا عن طريق الوحي وأحيانًا عن طريق

ص: 571

الاجتهاد، ثم إن أقره الله على الاجتهاد فهو من شريعة الله وإن لم يقره ارتفع هذا التشريع، فمثلاً أذن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المنافقين الذين اعتذروا فقال الله له:{عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين} [التوبة: 43]. وحرم على نفسه العسل إرضاء لزوجته فقال الله له: {لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1]. فإذا أقره الله عز وجل على حكم من الأحكام صار هذا الحكم من حكم الله كما أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقر أحدًا من الصحابة على حكم أو على فعل من الأفعال صار منسوبًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى إقراره ويكون مرفوعًا صريحًا.

ومن فوائد الحديث: جواز الأخذ بما عليه الكفرة إذا كان نافعًا، فإذا وصفوا لنا دواء مع الثقة بهم أخذنا به وإذا فعلوا أشياء مفيدة أخذنا بها لقوله:"فنظرت في الروم وفارس .. " الخ؛ فلا حرج على الإنسان فيما يفعله الكفار من المنافع ليأخذ بها أو من المضار فيتركها.

ومن فوائد الحديث: أن الناس في الطبيعة والجبلة على حد سواء مسلمهم وكافرهم لكن بالنسبة للأخلاق الاختيارية يختلف الناس، فخلق المؤمن خير من خلق الكافر لكن بالنسبة للأمور الطبيعية التي هي من طبيعة البشر لا يختلف فيها المؤمن والكافر تؤخذ من مقارنة حال المسلمين بحال الروم وفارس في أمر طبيعي بمقتضى الطبيعة والجبلة، ولا يقال: إن هذا من باب إتباع الكفار والتشبه بهم، بل يقال: هذا باب الاقتداء بالكفار في أمور جرت عليهم بالتجارب وليست من باب الولاء والبراء يتفرع على اشتراك المؤمن والكافر فيما تقتضيه الطبيعة والجبلة، يتفرع على هذه الفائدة: ترجيح التسهيل في قوله تعالى: {أو نسائهن} [النور: 31]. وقد اختلف المفسرون هل المراد ب {نسائهن} أي: نساء المؤمنات، أو نسائهن؛ يعني: الجنس، يعني: النساء اللاتي من جنسهن والصحيح الثاني؛ وذلك لأن الطبيعة في الكافرة والمسلمة واحدة، فالمراد لا ننظر إلى المرأة كما ينظر الرجل إلى المرأة لا فرق بين المسلمة والكافرة كما أن الرجل لا ينظر إلى الرجل كما ينظر إلى المرأة لا فرق بين الرجل المسلم والرجل الكافر فهذا بمقتضي الطبيعة والجبلة أن المرأة نظرها إلى المرأة ليس كنظر إليها فبهذا يترجح القول بأن النساء هنا للجنس وليس المراد الموافقة في الدين وأما تعليلهم بأن الكافرة ربما تصف هذه المسلمة لغير المسلمين، فيقال: إن هذا المحظور إذا وجد منع من النظر حتى ولو كان بين مسلمة ومسلمة لو كنا يغلب على ظننا أن هذه المرأة المسلمة إذا نظرت إلى هذه المرأة ذهبت تصفها للناس كأنهم ينظرون إليها؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

ص: 572

ومن فوائد الحديث: أنه يجوز السؤال عما يستحيا منه للتفقه في الدين لقوله: "ثم سألوه عن العزل"، وهذا أمر يستحيا منه، لكن لابد من معرفته؛ لأنه يتعلق بأمر ديني وقد كانت النساء يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء يستحيا منه أكثر من هذا، فإن أم سليم قالت يا رسول الله، المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فهل عليها غسل؟ قال:"نعم إذا رأت الماء" فقالت عائشة: نعم نساء الأنصار لم يمنعه ينبغي للإنسان أن يدع العلم حياء وخجلاً، وقد قال بعض السلف:"لا ينال العلم حيي أو مستكبر". الحيي تجد حياءه يمنعه من السؤال والبحث، والمستكبر كبره يمنعه؛ إذ يجعله الكبر يقول: كيف أسأل؟ إذا سألت قالوا هذا ما يعرف وهذا خطأ.

ومن فوائد الحديث: تحريم العزل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وأدًا، والوأد حرام، وإلى هذا ذهب ابن حزم وجماعة من العلماء وقالوا: إن عزل الإنسان عن امرأته حرام سواء رضيت أم لم ترض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه وأدًا ووصفه بأنه خفي لا يرفع عنه التحريم ولكنه يرفع عنه أن يكون قتل نفس لأن الوأد الظاهر قتل نفس ولاشك في تحريمه، أما هذا فهو وأد خفي يكون حرامًا؛ لأنه وصف بأنه وأد ولا يرتقي إلى درجة الوأد الظاهر الذي هو قتل النفس؛ لأنه وصف بأنه خفي؛ لأن الناس لا يعلمون عنه ويخفى حكمه على كثير من الناس وذلك وأد الظاهر حكمه لكثير من الناس فهو ظاهر من جهة وضوحه للناس وظاهر من جهة معرفة حكمه أما هذا فهو خفي؛ لأنه بين الرجل وبين زوجته؛ ولأنه يخفى حكمه على كثير من الناس ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه ولهذا ذهب كثير من أهل العلم إلى جواز العزل لكن اشترطوا شرطين: الأول: أن يكون باتفاق من الطرفين الزوج والزوجة؛ لأن للزوجة حقًا في الولد قد يرغب أن يعزل لتبقى زوجته شبه بكر ولكن الزوجة لا ترغب ففي هذه الحالة لا يجوز له أن يعزل؛ لأن الزوجة لها حق في الولد ولهذا إذا تبين أن الزوج عقيم فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن للمرأة الفسخ لأنها يفوتها ما تريده من الأولاد.

والشرط الثاني: ألا يكون في ذلك ضرر فإن كان في ذلك ضرر إما على الزوج وإما على الزوجة فإنه يمنع، وهذا الضرر قد لا يمكن الإفصاح عنه ولكن يعرفه الزوج وتعرفه الزوجة؛ لأن النزع قبل استكمال اللذة فيه خطورة على الزوج وعلى الزوجة؛ فإذا انتفى الضرر واتفق

ص: 573

الطرفان على ذلك فإنه جائز عند الجمهور لكن مع ذلك يقولون: إنه غير مرغوب فيه؛ لأنه ضاد ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقصده من هذه الأمة حيث قال: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". فهذا يدل على أن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الأمة أن يكثر نسلها، لاشك أن كثرة النسل عز للأمة، وأما قول من قال إن كثرة النسل سبب لضائقة اقتصادية؛ لأنه بدل من أن يكون أهل البلد مائة يكونون مائتين، والمائة يكفيهم مثلاً صاع من الرز، وإذا كانوا مائتين يحتاجون إلى مائتي صاع، فهؤلاء مع سوء ظنهم بالله عز وجل قد يبتلون بأن يضيق الله عليهم الرزق ولكن لو أحسنوا الظن بالله وعلموا أنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، فإذا ولد لك ولد انفتح عليك باب رزق، وقد حدثني شخص أعرفه الآن قبل أن تنفتح عليه الدنيا يقول أنه كان فقيرًا وأشير عليه بالزواج فقال: ما عندي شيء، فقالوا: تزوج يرزقك الله فإن الله يقول: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله} [النور: 33]. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثة حق على الله عونهم" وذكر منهم المتزوج يريد العفاف، المهم: تزوج يقول: لما تزوجت كثر الذين يعطونني المال أحرج عليه والحراج كان في الزمن الأول حيث كان الرجل يعطي ثوبا مشلاحًا أو يعطي شيئًا يحرج عليه إذا باعه له نسبة مئوية يقول فكثر الناس الذين يعطونني يقول: فولد لي عبد الله فرأيت الأمر يزداد، فولد له الولد الثاني يقول فصرت متوسعًا أكثر فالإنسان إذا اعتمد على الله فهو الذي يتكفل بالرزق، فأنا لا أرزق أولادي الذي يرزقهم هو الله عز وجل لكن أصدق الاعتماد على الله يرزقك. المهم: أن ما ذهب إليه أهل التشاؤم الذين لا يعرفون حق المعرفة الذين يقولون: إن كثرة الأولاد تؤدي إلى ضائقة اقتصادية، ما داموا تعلقوا بالأمور المادية يبتلون بها "من تعلق بشيء وكل إليه". ولو اعتمدوا على الله لوجدوا أن الرزق ينفتح لهم كلما كثر أولادهم. إذن نقول العزل مع قولنا بجوازه غير مرغوب فيه لأنه يضاد ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من هذه الأمة وهو تكثير النسل، وليعلم أنه يجب علينا الحذر من النصارى الذين يولدون النساء سواء كانوا ذكورًا أم إناثا فإنه بلغنا أنهم يسيئون في التوليد يجذبون الولد بشدة أحيانًا تنخلع يده أو جميع رقبته أو يناله أذى وربما يحاولون أن يضيق الخناق عليه حتى يموت كذلك يحاولون أن

ص: 574

يجعلوا لكل ولادة من أجل أن يبقى بطن المرأة مخرقًا ما يتحمل الحمل؛ لأنهم يجرون العملية في أماكن متعددة فيبقى البطن مخرقًا مع العلم أنهم يمكن أن يجروا الولادة إجراء طبيعيًا لكن لا يريدون. فالمهم: أنه يجب علينا نحن المسلمين أن نحذر منهم وأن نعلم أن النصارى واليهودي أعداء لنا مهما أبدوا من المودة فإنهم يتزلقون إلينا لينالوا مقصودهم وإلا فما الرابطة بيننا وبين النصارى واليهود؟ بل بيننا وبينهم العداء منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما يدي من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين} [الصف: 6]. وقال: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} [البقرة: 89]. فليس بيننا وبين النصارى أي مودة وإن تزلفوا لنا فإن ذلك لمصالحهم لا لمصلحتنا نحن وكل شيء يؤدي إلى مصالحهم فهو ضرر علينا؛ لأن صلاحهم ونمو اقتصادهم كله علينا وليس لنا. على كل حال: أنا أقول أنه يجب علينا أن نحذر من هؤلاء وألا نمكن نساءنا من الذهاب إلى مستشفياتهم للولادة إلا عند الضرورة القصوى، أما إذا كانت الولادة طبيعية فلابد من المشقة، كيف يخرج هذا الولد من هذا المكان الضيق إلا بتعب ولولا تسهيل الله عز وجل ذلك لما كانت المرأة تطيق هذه العملية إطلاقًا، فإذا تعذرت للضرورة فلا بأس، أما لغير الضروري فأرى أنه من الخطأ والخطر أن نذهب بنسائنا إلى هذه المستشفيات.

ومن فوائد الحديث: أن محاولة منع الولادة ولو بغير العزل وأد خفي، بل قد يكون أشد ضررًا من العزل مثل استعمال الحبوب المانعة من الحمل، هذه الحبوب يقول لنا الأطباء إنها مضرة على الرحم والدم والولد في المستقبل، ولهذا كثرت التشوهات في الأجنة في الوقت الحاضر بسبب تناول هذه العقاقير؛ لأننا نعلم أن الله عز وجل ركب البدن على طبيعة معينة، فإذا أعطي البدن ما يضاد هذه الطبيعة صار فيه ضرر على البدن، دع البدن على طبيعته التي خلق عليها فهذا هو المناسب له، هناك أيضًا محاولة أخرى غير هذه الحبوب وهي ما يعرف باللولب يركب في عنق الرحم بحيث يمنع من نفوذ الماء إلى الرحم -ماء الرجل- هذا أيضًا يشبه العزل بل سمعت بعض الناس يقول إن هذا لا يجوز؛ لأنه قتل للحيوانات المنوية ولكن هذا ليس صحيح؛ لأن الحيوانات المنوية لم تثبت لها الحياة شرعًا وإلا لقلنا إن الرجل إذا احتلم بالليل فقد قتل أنفسًا! ! هذا خطأ لأن هذا الماء ينزل على ملابسه ويذهب فالحيوانات المنوية ليست لها حكم الحياة إطلاقًا وإن سموها حيوانات فإنها ليست في الشرع ذات حياة، وهذا اللولب الذي يمنع دخول الماء للرحم لا يعد قتلاً للحيوانات، وإن كان الأطباء قد سموه قتلاً فليس بقتل شرعًا، حكم اللولب أنه كالعزل وهو أهون من الحبوب، وأخص من العزل؛

ص: 575

لأن المرأة والرجل كلاهما ينالان تمام اللذة؛ الرجل ينال لذته بإنزاله في محل الإنزال وكذلك المرأة، المحاولة الرابعة: أن الإنسان عند إتيان أهله يلبس محل التناسل كيسًا بحيث إذا حصل إنزال يكون في هذا الكيس هذا يجب أن يراجع فيه الأطباء فهل هذا لا يضر؟ فهو لاشك أنه ينقص به كمال اللذة قطعًا؛ لأن هناك فرقًا بين الملامسة والحائل، فهو ناقص؛ لكن لا أدري هل يضر أو لا يضر، فليرجع إلى الأطباء وهم أعلم منا في ذلك.

982 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي جارية، وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى. قال: كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه". رواه أحمد وأبو داود واللفظ له، والنسائي، والطحاوي، ورجاله ثقات. قال:"أن رجلاً" فأبهمه والإبهام لا يضر في مثل هذا؛ لأننا سبق لنا أن قلنا: إن صاحب القضية لا يهمنا الذي يهمنا القضية نفسها هل فيها أحد مبهم حتى يعين، أما صاحب القضية فإنه لا يضر سواء اسمه زيد أو محمد أو بكر لا يهمنا؛ ولهذا يأتي العلماء الشراح ويحرص على أن يعرف المبهم في هذا ولكن أرى أنه لا حاجة إلى ذلك. وقوله:"أن رجلاً قال يا رسول الله إن لي جارية" الظاهر أنها مملوكة وليس المراد الجارية صغيرة السن "وأنا أعزل عنها" الجملة هنا حال وسبق لنا معنى العزل وهو أن الرجل إذا قارب الإنزال نزع من زوجته أو ممن يطأها كالمملوكة، قال:"وأنا أكره أن تحمل" يكره حملها لماذا؟ لأنها إذا حملت ووضعت صارت أم ولد وأم الولد لا تباع أو تباع إذا فقد ولدها وإذا مات سيدها صارت حرة فيكره أن تحمل وأيضًا لو أراد أن يبيعها بعد أن حملت ووضعت صارت قيمتها رخيصة وإذا لم تحمل وتضع صارت أغلى فالمهم إذا قيل لنا ما هو سبب كراهيته؟ نقول: الذي يظهر لنا ما ذكرنا أولاً: أنه يخشى أن تحمل وتضع فترتبط بولدها؛ لأنه لا يجوز التعريف بين الوالدة وولدها، ثانيا: أنها إذا حملت ووضعت عتقت بعد موته ففاتت على الورثة، ثالثًا: أنها إذا حملت ووضعت نقصت قيمتها فيما لو أراد بيعها فلهذه الأسباب ولغيرها مما لا نعلم يكره أن تحمل، "وأنا أريد ما يريده الرجال" كنى عن الجماع بهذه العبارة. "وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى"، اليهود أهل كتاب وهم الذين يدعون أنهم يتبعون موسى وسموا يهودًا إما لأن جدهم الذي ينتسبون إليه اسمه يهودًا وإما من قولهم:{إنا هدنا إليك} [الأعراف: 56]. أي: رجعنا إليك، وذلك حينما تابوا من عبادة العجل والظاهر أنه

ص: 576

نسبة إلى أبيهم يهوذا لكن عند التعريب تحول إلى هذا، "تحدث" هذه مضارع، لكن حذفت منه إحدى التاءين كقوله تعالى:{فأنذرتكم نارًا تلظى} [الليل: 14]. أي: "أن العزل الموءودة الصغرى"؛ لأن الموءودة قسمان: صغرى وكبرى، فالكبرى هي أن تؤد الجارية وهي حية بعد أن تولد والصغرى كما زعمت اليهود أن يعزل الإنسان، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كذب هذا فقال:"كذبت اليهود" يعني: ليس موؤدة وعلل ذلك بقوله: "لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه" صدق النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد الله أن يخلقه لخرج الماء من الإنسان قبل أن يعزل وحينئذ لا يستطيع أن يصرفه. هذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كذب اليهود في دعواهم أن العزل الموؤدة الصغرى وسبق لنا أنه سماه الوأد الخفي فهل بينهما تعارض؟ لا ما الجمع؟ إذن الرسول كذبهم باعتبار أنه حرام لكنه موءودة لكنها صغرى وأما الأول فقد قال: "إنه وأد خفي"؛ لأن الإنسان يمنع الولد على وجه خفي. أما هذا الحديث ففيه عدة فوائد: أولاً: بيان أن الإنسان إذا تكلم بما يستحيا طلباً للحكم فلا بأس به؛ لقوله: "وأنا أعزل عنها". فيستفاد منه: أن ما سبق لنا "أن من شر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها" أنه ما لم يكن هناك حاجة؛ لأن هذا فيه نوع من السر. ومن فوائده: أنه يجوز للإنسان أن يكره ما يكون عليه فيه ضرر مالي، ولا يقال إن هذا تكالب على الدنيا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الرجل على قوله:"وأنا أكره أن تحمل". ومن فوائده: أنه يجوز العدول عن تكثير الأولاد إذا كان هناك سبب شرعي؛ لأنه إذا كره من جاريته أن تحمل قل أولاده منها مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على كثرة الأولاد فنقول: إذا كان لمصلحة شرعية فلا بأس. ومن فوائده: الكناية عن الشيء الذي يستحيا منه إذا لو تدع الحاجة للتصريح، قوله "وأنا أريد ما يريد الرجال" فهنا لا حاجة للتصريح حيث صرح فيما قبل بأنه كان يجامع ويعزل. ومن فوائده: اعتبار أقوال من عنده علم وإن كان كافرًا لقوله: "إن اليهود تحدث أنه موءودة صغرى" فلولا أن لهذا القول تأثيرًا في نفوسهم ما ذكروه للرسول صلى الله عليه وسلم. ومن فوائده: أنه إذا حدثك من تشك في خبره أو في حكمه أو في فتواه فإنه يجب عليك أن تسأل من يزيل الشك، لأن الصحابي لما حدثه اليهود بذلك سأل النبي عن هذا. ومن فوائد الحديث: الإشارة إلى جواز العزل وذلك بتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لليهود.

ص: 577

ومن فوائده: بيان أن الله عز وجل إذا أراد شيئًا فإن السبب لمنعه لا يفيد؛ لقوله: "لو أراد الله

"الخ، وما أكثر الذين يعالجون لإزالة الأمراض ولكن يعجزون، وما أكثر الذين يحاولون أن يرتقوا إلى شيء ولكن يعجزون؛ لأن الله لم يرده، وإرادة الله فوق كل شيء.

983 -

وعن جابر رضي الله عنه قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل، ولو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن". متفق عليه.

- ولمسلم: "فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا عنه". يقول: "كنا نعزل" وسبق معنى العزل، قوله:"على عهد النبي صلى الله عليه وسلم" على عهده أي: على زمنه وقوله: "والقرآن ينزل" الجملة حالية وهي مؤكدة لما سبق؛ لأنه من المعلوم أنهم إذا كانوا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن القرآن ينزل ولكنها مؤكدة لما سبق ولو اقتصر على قوله: "كنا نعزل على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أكد ذلك؛ يعنى نقول: إن القرآن لم ينقطع بعد حتى يقال: لعله لم ينقل الحكم لانقطاع الوحي وجملة "والقرآن ينزل" حال من الفاعل في قوله: "نعزل". قال: "ولو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن" أي: ولو كان العزل شيئًا فاسم كان مستترًا، وهذه الجملة تسمى عند أهل الحديث في الإصلاح: إدراجاً؛ لأنها ليست من كلام جابر ولكنها من كلام سفيان الذي رواه عن جابر، فتكون هذه الجملة مدرجة وليست من كلام جابر وقوله: "لنهانا عنه القرآن" أضاف النهي إلى القرآن مع أن القرآن كلام ليس ذاتًا تتكلم بل هو صفة فيقال نعم يصح إضافة الفعل إلى القرآن كما قال تعالى: {إن هذا القرءان يقص على بني إسرائيل} [النمل: 76]. مع أن الذي يقص هو الله عز وجل بواسطة القرآن. وفي رواية لمسلم "فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهانا عنه"، هذه الرواية تفيد أن الحديث مرفوع صريحًا؛ لأنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم واقره. في هذا الحديث فوائد: أولاً: جواز العزل والطريق للاستدلال به على جواز العزل من وجهين: الوجه الأول: اللفظ الأول الذي تجعل الحديث فيه مرفوعًا حكمًا لأنه مضاف إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم

ولم يصرح بأنه بلغه، والوجه الثاني: أنه مرفوع صريحًا، فتكون فيه الدلالة بوجهين بأنه مرفوع حكمًا على اللفظ الأول، وبأن مرفوع صريحًا على اللفظ الثاني. ومن فوائد الحديث: الاستدلال بإقرار الله عز وجل على الحكم لقوله: "ولو كان شيئًا ينهى عنه لنهى عنه القرآن"، وهذه الفائدة تفيد طال العلم فيما يذكره بعض العلماء في العلماء في باب المناظرة إذا قيل فعل هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعله لم يطلع عليه، نقول: افرض أنه لم يطلع عليه لكن

ص: 578

اطلع عليه عز وجل وأقره، والدليل على أن ما خفي على النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقره الله يكون ثابتًا أن الذين يخفون المنكر يفضحهم الله لقوله تعالى:{يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} [النساء: 108]. فدل هذا على أن ما خفي على الناس إذا لم ينكره الله فهو حق ثابت إن كان عبادة وإن كان مباحًا فهو مباح.

ومن فوائد الحديث: أن القرآن منزل لقوله: "والقرآن ينزل"، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أنه منزل غير مخلوق، والمعتزلة يقولون إنه منزل مخلوق كقوله:{أنزل من السماء ماء} [الأنعام: 99]. فالماء مخلوق، وكقوله:{وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} [الزمر: 6]. والأنعام مخلوقة، وكقوله:{وأنزل الحديد} [الحديد: 25]. والحديد مخلوق، ولكنا نقول الفرق بين الحديد والأنعام والماء وبين الكلام ظاهر جداً؛ الكلام صفة لا يقوم إلا بموصوف والحديد عين بائن منفصلة تقوم بذاتها فتكون مخلوقة وأما ما ذكر إنزاله وهو صفة فلا شك أنه صفة الله عز وجل. ومن فوائد الحديث: الاستدلال بالطريق الذي أشرنا إليه وهو إقرار القرآن يعتبر دليلاً لكنه كما قلت من كلام سفيان وكلام سفيان ليس بدليل؛ لأن سفيان من التابعين والصحيح أن أقوال التابعين غير حجة والعلماء مختلفون في أقوال الصحابة هل هي حجة أو لا؟ والإمام أحمد يذهب إلى أن قول الصحابي حجة بشرطين الأول ألا يخالف النص، والثاني: ألا يخالفه صحابي آخر فإن خالفه صحابي آخر فإنه يطلب الترجيح، وإن خالف النص فهو مرجوح أما التابعي فلا أعلم أحدًا قال إن قوله حجة ولكننا لاشك نستأنس بقول التابعي لأن التابعين عاصروا الصحابة فهم من أعلم الناس بالأدلة الشرعية وأحكام الله الشرعية.

ومن فوائد الحديث: أن أهل العلم-رحمهم الله إذا علموا بالمرفوع الصريح اغتمنوا فرصة وجود ذلك ولهذا قال: ولمسلم: "فبلغ

" الخ فأتى بهذه الرواية التي انفرد بها مسلم لما فيها من الفائدة وهي الدلالة على أن الحديث مرفوع صريحًا. ومن فوائد الحديث: الاستدلال بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم وسكوته لقوله: "فلم ينهنا".

984 -

وعن أنس بم مالك رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد". أخرجاه، واللفظ لمسلم. "كان يطوف" من المشهور عند أهل العلم أن "كان" تفيد الدوام غالبًا، لكنها لا تستلزم الدوام دائمًا هي دالة على الدوام ولكن لا يلزم منها الدوام، فمثلا:

"كان يطوف على نسائه"

ص: 579

هل كان يطوف كل يوم كل ساعة؟ لا لكن ربما طاف وقد لا يفعل ذلك كما ثبت في الحديث أنه كان يقرأ بالجمعة والمنافقين، والحديث الآخر كان يقرأ بسبح والغاشية ولو قلنا إن "كان" على الدوام دائمًا للزم التعارض بين الحديثين لكنها لاشك أنها تشعر بالدوام لكنها لا تستلزمه. وقوله:"يطوف على نسائه" يعني: الجماع فإن الطواف بالمرأة هو جماعها والدليل على هذا قول سليمان عليه الصلاة والسلام: "والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله". قوله: "لأطوفن" أي في الجماع، قوله:"بغسل واحد" يعني: لا يغتسل إلا مرة واحدة مع أنه يجامع عدة نساء وقد مات عن تسعة. في هذا الحديث دليل على أمور: الأول: جواز إعادة الجماع بلا غسل ولا وضوء لقوله: "بغسل واحد" فإذا طاف على النساء بغسل واحد من باب أولى أن يكرر الجماع على امرأة واحدة، لكن أقول: بلا وضوء، والحديث لا يدل عليه، هذا فلا يعارضه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء إذا أراد الإنسان أن يجامع مرة أخرى؛ لأن الأفضل إذا أراد الإنسان أن يجامع مرة أخرى أن يتوضأ لما في ذلك استعادة الجسم نشاطه بعد أن كسل بالجماع الأول.

ومن فوائد الحديث: جواز تأخير الغسل، وأنه لا تجب المبادرة به؛ لأنه إذا طاف عليهن بغسل واحد فلابد أن يكون هناك فرق في الوقت لأنهن لسن في بيت واحد في بيوت متعددة ومعلوم أن صفية بيتها خارج المسجد، كما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءت عنده في اعتكافه خرج يشيعها وهذا دليل على أن بيتها ليس لاصقًا بالمسجد كبقية البيوت بل هو بعيد عنه. ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجب عليه القسم، وجهه: أنه كان يطوف عليهم في ليلة واحدة، ولو كان القسم واجبًا عليه لانفرد بواحدة في جميع الليل، ولكن بعض العلماء قال أن هذا ليس فيه دليل وأخذ منه أنه يجوز للرجل أن يجامع زوجاته ولو في ليلة واحدة لأن الجماع ليس هو المبيت يكون المبيت عند من لها الليلة، وأما الجماع فله أن يطوف عليهن لاسيما إذا كانت المرأة التي هو عندها فيها مانع من الجماع كالحيض والنفاس فحينئذ قد يضطر أو يحتاج حاجة شديدة إلى أن يطوف على نسائه، واستدل به بعض العلماء على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجب عليه القسم كما قلنا أولاً، وبناء على هذا القول لا إشكال في الحديث، وقد استدل من قال: إنه لا يجب على النبي صلى الله عليه وسلم القسم بقوله تعالى: {ترجى من تشاء منهن

ص: 580