الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الحوالة وشروطها:
838 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» متفق عليه.
وفي رواية أحمد: «ومن أحيل فليحتل»
قوله: «مطل الغني ظلم» «المطل» هو المنع، يعني: منع ما يجب على الإنسان دفعه من دين يسمى مطلاً، والغني هنا هو القادر على الوفاء، وإن كان قد يسمى فقيرا في عرف الناس كرجل عليه مائة درهم وهو لا يملك إلا مائة درهم، فهذا في عرف الناس في وقتنا الحاضر فقير، ولكنه باعتبار قدرته على الوفاء غني فمطل هذا ظلم، يعني: منعه من وفاء الحق الذي عليه ظلم، والظلم في الأصل في اللغة العربية بمعنى: النقص، ومنه قوله تعالى:{كلتا الجنتين أتت أملها ولم تظلم منه شيئا} [الكهف: 33] أي: لم تنقص منه شيئا، وقال تعالى:{وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} [الزخرف: 76] أي: ما نقصناهم مما يجب لهم أو مما هو من حقوقهم، ولكن هم الظالمون، ثم إن الظلم وإن كان بمعنى النقص فإنه أن كان في ترك ما يجب فهو ظلم في واجب، وإن كان في فعل محرم فهو ظلم في محرم
…
إذن الظلم نقص، والنقص هنا نقص واجب أو فعلي محرم مطل الغنى ظلم نقص واجب لأن الواجب على الغنى أن يبادر بالوفاء فإن لم يفعل فقد نقص ما يجب عليه فكان ظالماً صورة المسألة رجل مدين لشخص بألف درهم، وهذا الشخص يطلبه: أعطني حقي والآخر يماطله يقول: غدا بعد غد بعد غد، نقول: هذا الرجل المطلوب يعتبر ظالماً، لأنه مطل في الحق الذي عليه، أي منعه مع قدرته على القيام به. ق ال:«وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» «أتبع» فسرته رواية الإمام أحمد رحمه الله وهي قوله: «من أحيل» ومعنى «أتبع» أي: طلب منه أن يتبع غيره؛ أي: أحيل، يقول صلى الله عليه وسلم:«من أحيل مليء» المليء مأخوذ من الملاءة أي: على قادر على الوفاء بماله وبدنه وحاله، معناه: أن نقدر على الاستيفاء منه بماله وبدنه وحاله.
أما المال فهو أن يكون واجداً للمال الذي أحيل به عليه، فإن كان فقيراً معدماً ليس عنده مال فليس بمليء.
«قادراً ببدنه» أي: يمكن أن يحضر لمجلس الحكم عند المحاكمة فيما لو امتنع من الوفاء فإن لم يكن إحضاره لسلطته أو قرابته فليس بملئ لأنه لا يمكن استيفاء الحق منه.
الثالث: بحاله، يعني: ألا يكون مماطلاً فإن كان غنياً يمكن إحضاره لمجلس الحكم لكنه مما طل لا يوفي فإنه ليس بمليء، إذن فالمليء من يمكن استيفاء الحق منه بماله وبدنه وحاله، فإن كان فقيرا فإنه لا يجب التحول عليه مثل أن يحيلك شخص على آخر بدراهم تطلبه إياها لكن هذا المحال عليه فقير ليس عنده مال فإنه لا يلزمك أن تتحول، لأن في ذلك إضرار عليك. ببدنه: فلو أحالك على أبيك قال: أنت تطلبني مائة ريال وأن أطلب أباك مائة ريال فأنا حولتك على أبيك فإنه لا يلزمك أن تتحول لماذا
لأنه لا يمكن أن تحاكم أباك وتحضره إلى مجلس الحكم، لو أحالك على سلطان فإنه لا يلزمك أن تتحول، لماذا؟ لأنه لا يمكن مطالبته وإحضاره لمجلس الحكم رجل أمير في القرية أو شيخ القبيلة مثلا لا يمكن إحضاره لمجلس الحكم فلا يلزمك أن تتحول، فلو أحالك على شخص معروف بالمماطلة لا يمكن أن يوفي بل يلعب على الناس فإنه لا يلزمك أن تتحول، لأن في ذلك إضراراً بك؛ إذ يستحيل عليك أن تستوفي مالك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «فليتبع» اللام هنا للأمر ولام الأمر مكسورة إلا إذا وقعت بعد حرف من حروف العطف وهي الواو والفاء وثم فإنها تكون ساكنة قال الله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته} [الطلاق: 7] مكسورة هنا، {من قدر عليه رزقه فلينفق} ولم يقل: فلينفق، لماذا؟ لأنها أتت بعد الفاء، وقال تعالى:{ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم} [الحج: 29] ولم يقل: ثم ليقضوا لأنها وقعت بعد {ثم} و [ليوفوا] ولم يقل: وليوفوا؛ لأنها وقعت بعد الواو هنا «فليتبع» بسكون اللام، لأنها وقعت بعد الفاء ومعنى «فليتبع» أي: فليحتل كما تفسره رواية أحمد، وهذا اللام قلنا: إنها للأمر، ولكن هل الأمر للوجوب أو الأمر للاستحباب والإرشاد؟ اختلف في هذا أهل العلم، فمنهم من قال: إن الأمر للاستحباب وليس للوجوب؛ لأن صاحب الدين الذي أحيل يقول: أنا لا أقبل إلا من لي عليه الدين، والآخر ليس لي عليه دين ولا سبيل فلا يلزمني أن أتحول، وقال بعض العلماء: بل الأمر للوجوب؛ لأنه ذكر بعد قوله: «مطل الغني ظلم» حيث إنه قال: وتحول المحال على المليء عدل، والعدل واجب، وهذا القول الثاني هو المشهور من مذهب الإمام أحمد على أنه يجب أن يتحول إذا أحيل على مليء ولكن جمهور أهل العلم يرون أن التحول ليس بواجب، وأنه من باب حسن الاقتضاء، فإن فعله الإنسان وتحول كان ذلك خيراًن وإن لم يفعل فهو حر؛ لأنه لا يلزمه أن يستوفى دينه من غير مطلوبة، مثال ذلك: زيد يطلب من عمرو مائة ريال وعمرو يطلب من بكر مائة ريال، فقال عمرو لزيد: أحلتك بالمائة التي لك على المائة التي لي عند بكر وكان بكر مليئاً فهل يلزم زيدا أن يتحول؟ على قول من قال: إن اللام في قوله: «فليتبع» للوجوب يجب على زيد أن يتحول، وعلى القول
الثاني لا يجب، ولكنه إذا تحول فله أجر؛ لأن هذا من حسن الاقتضاء، وربما تناله الرحمة التي دعا بها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:«رحم الله امرأ سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتض» .
في هذا الحديث فوائد كثيرة: أولاً: تحريم مطل الغني لقوله: «مطل الغني ظلم» والظلم حرام لقول الله تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} [الشورى: 42] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة»
ومن فوائده: أن مطل غير الغني ليس بظلم، يؤخذ من قوله:«مطل الغني» وهذا وصف مناسب للحكم وهو كن المطل ظلماً فإذا كان مناسباً للحكم كان قيداً فيه فإذا مطل الإنسان الفقير فليس بظالم، بل الظالم من يطالبه لقوله الله تعالى:{إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280]
ومن فوائد الحديث: أنه إذا لم يطالب صاحب الحق بحقه فإن تأخير وفائه ليس بظلم، كشخص أقرض شخصاً مائة ريال، ولم يقيده بأجل، ولم يطالبه به، فنقول: ما دام المقرض لم يطالبك فلست بظالم، لماذا؟ لأنك لست بمماطل وهو كذلك، لكن إن علم من قرينة الحال مثل أن نعلم أن هذا الطالب فقير لكنه رجل كريم خجول لا يطالب أحداً فمطله حينئذ ظلم، لأننا نعلم أن الأمر لو عاد إليه لطالب لكنه رجل خجول وكريم، ولا يحب أن يقول لأحد: أعطني حقي، فإذا منعته حقه فإنك مماطل فتكون ظالماً، أما لسان المقال فمثل أن يؤجل الحق إلى أجل، فإن الحق إذا أجل إلى أجل كان ذلك دليلاً على أن صاحبه يريد وفاؤه إذا جاء ذلك الأجل، مثل أن يقول بعتك هذا الشيء بمائة ريال تحل على رأس المحرم في أول يوم منه، فإذا جاء أول يوم من محرم وجب على المشتري أن يسدد؛ لأن تأجيله هذا الأجل المعين، يعني: أنه إذا جاء هذا الأجل وجب على المطلوب أن يوفي الطالب،
ومن فوائد الحديث: إثبات القصاص بين الناس، لأن الظلم لابد أن يقتص منه صاحبه، أي: المظلوم كما جاء في الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من تعدون المفلس فيكم؟ » قالوا: من لا درهم عنده ولا دينار، أو قالوا: ولا متاع، فقال: المفلس من يأتي بحسنات أمثال الجبال فيأتي وقد ضرب هذا وشتم هذان وأخذ مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه ثم طرح في النار.
ومن فوائد الحديث أن لصاحب الحق أن يطالب من عليه حقه ووجه الدلالة: أنه جعل
مطل الغني ظلم، فإذ كان ظلما كان لصاحب الحق أن يطالبه لأنه صاحب حق، على هذا فلا يجوز أن نلوم صاحب الحق إذا طالب بحقه من له مطالبته، وما يجري على ألسنة بعض الناس من كونهم إذا رأوا الشخص يطالب غيره بحقه لاموه، وقالوا: عندك حلال كثير، لماذا تطالب؟ فنقول: ما دام الحق له فهو غير ملوم، ولهذا جعل الله تعالى من استعمل حقه غير ملوم فقال:{إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون: 6] فلا يجوز أن يلام شخص يطالب بحقه.
ومن فوائد الحديث: جواز الدعاء على المماطل الغني، وأن دعوة من مطله حرية بالإجابة، لأنه إذا ثبت أن مطل الغني ظلم كان الممطول مظلوماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل:«اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» .
ومن فوائد الحديث في قوله: «وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» جواز الحوالة وأنها ليست من الربا؛ لأنها عقد إرفاق فهي كالقرض ولو كانت عقد معاوضة لم تصح، لأنها بيع دين بدين، ولأنها ربا إذا كانت في أموال ربوية، ولكن لما كان المقصود بها الإرفاق صارت جائزة، مثلا أنا أطلب شخصاً مائة ريال وآخر يطلبني مائة ريال، فإذا أحلت الطالب لي على الذي أنا أطلبه جاز ذلك مع أنني لو بعت عليه ما في ذمة المطلوب لي كان البيع حراماً وفاسداً، لأنني بعت دينا بدين على غير من هو عليه، حرام كما سبق، ولأني بعت بدراهم بدراهم بدون قبض فلا يجوز، لكن الحوالة تجوز مع أن حقيقتها أنني بادلتك بالدين الذي لي بالدين الذي علي، وهذا هو البيع، ولكن لما كان المقصود بها الإرفاق صارت جائزة كالقرض، أرأيت لو أعطيتك قرضا مائة ريال ثم أوفيتني بعد شهر أليس هذا جائزاً؟ نعم، ولو اشتريت منك مائة ريال بمائة ريال إلى أجل لكان هذا حراماً، والفرق بينهما لأنني في الأول قصدت لإرفاق، وفي الثاني قصدت المعاوضة والاكتساب، والحوالة نفس الشيء لما كان المقصود بها الإرفاق صارت جائزة، ولو كان المقصود بها المعاوضة صارت حراماً، ولهذا لو أحلت بفضة على ذهب كان ذلك حراماً، لأن هذه معاوضة اختلف الجنس، ولو أحلتك ببر على شعير كان ذلك أيضا حراماً؛ لأنه معاوضة بيع، ولو أحلتك بمائة على مائتين كان ذلك حراماً لأنه صار معاوضة، مثال: أن تطلب مني مائة وأنا أطلب شخصا مائتين فقلت: أحلتك بالمائة التي تطلبني على المائتين التي أطلب هذا الشخص، كان ذلك حراماً لماذا؟ من أجل الزيادة صارت معاوضة تحولت من إرفاق إلى اكتساب والعكس لو أحلتك بمائة على ثمانين الصحيح جوازها؛ لأن هذا إرفاق وزيادة وليس فيه ربا، المسألة الأولى: إذا أحلتك مائة على مائتين فيها ربا لكن
أحلتك بمائة على ثمانين وقيلت هذا في الحقيقة إرفاق وزيادة إرفاق، لأنك قبلت التحول بحقك من ذمتي إلى ذمة فلان وزيادة؛ لأنك أبرأتني وأسقطت عني، فإذا كان يجوز أن أحيلك بمائة على مائة فجواز أن أحيلك بمائة على ثمانين من باب أولى، لأنه إرفاق بلا شك كما لو كان في ذمتي مائة وطلبت مني ثمانين وأسقطت الباقي فإن الصحيح جوازه فهذا مثلها، وإن أحلتك بثمانين على ثمانين من المائة التي أطلب شخصا مائة وأنت تطلبني ثمانين فأحلتك بثمانين على ثمانين من المائة التي أطلب هذا الشخص، هذا يجوز قولا واحداً؛ لأنني ما نقصت حقك ولا زدته، ولكنني أحلتك أن تستوفي بعض حقي الذي في ذمة هذا الشخص، إذن الحوالة لابد فيه من اتفاق الدينين حنساً، نأخذها من أن جوازها إنما هو للإرفاق فإذا اختلف الجنس صارت معاوضة، فصارت ربا ليست إرفاقا ولو أحلتك بمائة على مائة وعشرين من جنسها كان حراماً لأنه ربا، وعلى هذا فيشترط أيضا اتفاق الدينين قدراً، فلا يصح أن يحال بناقص على زائد، يعني: يحال بمائة على مائة وعشرين لا يصح، فإن أحيل بمائة وعشرين على مائة فهذا فيه خلاف، والصحيح أنه جائز؛ لأنه لم يخرج عن الإرفاق، بل فيه إرفاق وزيادة، إذن يشترط اتفاق الدينين قدرا ولكن هل يجوز أن يحال بناقص على زائد أو بزائد على ناقص أو بعبارة أخرى يشترط إنفاق الدين قدراً فلا يحال بناقص على زائد ولا بزائد على ناقص، بناء على اشتراط هذا الشرط، إلا أن القول الراجح أنه يجوز الإحالة بزائد على ناقص لماذا؟ لأن هذا إرفاق وزيادة، والرجل المحال لم يقصد المعاوضة ولا التكسب، لو قصد التكسب أو المعاوضة ما أخذ ثمانين عن مائة، وهل يشترط اتفاق الدينين أجلا فلا يحل حال على مؤجل ولا مؤجل على حال؟ ننظر إذا كان كل من الدينين المحال به والمحال عليه حالا مع اتفاق الجنس والقدر فالحوالة جائزة، وليس فيه إشكال، وإذا كان المحال به حالا والمحال عليه مؤجلا فقد أحلنا بحاضر على مؤجل، أيهما أنقص؟ المؤجل، يعني: إذن أحلنا بزائد على ناقص، الإحالة بالزائد على الناقص جائزة، وعلى هذا فإذا أحلنا بحال على مؤجل لكنه غير زائد، بعني: بمائة حالة على مائة مؤجلة فالحوالة جائزة لماذا؟ لأنها اشتملت على الإرفاق وزيادة، وهذا الرجل المحال لم يقصد المعاوضة؛ لأنه لو قصد المعاوضة ما أخذ مؤجلاً بحال؛ إذ لا يعقل أن يأخذ مؤجلا بحال، بالعكس لو أحلنا بمؤجل على حال؟ هناك ناقص على زائد لكنه ليس زائداً قدراً بل هو زائد وصفا؛ زيادة الوصف هذه لمن؟ للمحيل، فإذا أسقطها فإنه لا بأس بذلك؛ يعني مثلا: لو أحال بمؤجل على حال الآن المؤجل حق للمحيل؛ لأنه هو الذي يتوسع إلى صاحب الحق المؤجل عليه، فإذا رضي بإسقاطه فهو كما أوفاه قبل الأجل، ومعلوم أنه إذا أوفاه قبل الأجل بدون نقص فإنه جائز قولا واحدا، فهنا إذا قال أن الحق لي أن يبقي الدين مؤجلا على لكن أنا مسقط هذا الحق وأنا أحيلك على فلان وديني
عليه، حال فإن هذا لا بأس فيه، وإن كان في الحقيقة إحالة بناقص على زائد لما كان القدر لا يختلف، وإنما الاختلاف في الوصف حق لمن أسقطه كان ذلك جائزاً، هذا هو القول الصحيح، ومن العلماء من يرى أنه لا يصح، ويرى أنه لابد أن يتساوى الدينان جنساً ووصفا وقدراً، لو أحاله برديء على جيد أو بجيد على رديء فهنا إذا أحاله بجيد على رديء فقد أحاله بزائد على ناقص فيجوز، لأن المحال أسقط بعض حقه والحق له، وبالعكس لو أحاله برديء على جيد فهنا ننظر هل الزيادة هنا في القدر أو بالوصف، هنا بالوصف، فعلى القاعدة التي أصلنا وأن الاختلاف في الوصف لا يضر، نقول: هذا لا بأس به، ولاسيما إذا أحيل بجيد على رديء هذا لا شك أنه من الإرفاق وأنه إسقاط لبعض حقه، أما إذا أحيل برديء على جيد فهنا قد نتوقف في جواز ذلك لماذا؟ لأن المحال أخذ أكثر من حقه، ولأن الغالب أن المحيل لا يحيل برديء على جيد إلا من أجل إحراج وضغط فربما يكون الطالب المحال قد أحرج المطلوب المحيل وضغط عليه فأراد أن يتخلص منه، فقال: أنا أطلب فلان مائة صاع من البر وأنت تطلبني مائة صاع فأحلتك عليه، فهنا ربنا نتوقف فيما إذا أحال برديء على جيد، أما العكس فلا شك في جوازه.
وقوله: «إذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» من فوائده: أنه إذا أحيل على غير مليء فإنه لا يلزمه الإتباع لماذا؟ لأنه علق الحكم على وصف مناسب له، فإذا انتفى هذا الوصف الذي علق عليه الحكم وهو مناسب له انتفى الحكم ضرورة أن المعول يتبع العلة، والحكم تابع للعلة وجودا وعدماً، فإذا أحيل على غير مليء فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل لأن الحق له.
ومن فوائد الحديث: أنه لو كان المحال متصرفا لغيره فهل يجوز أن يحتال مع كون المحال عليه غير مليء أو لا يجوز؟ يعني: إنسان يتصرف لغيره كولي اليتيم، وكيل لشخص أحيل على غير مليء فهل يجوز أن يحتال أو لا؟ لا يجوز؛ وذلك لأن المتصرف لغيره لا يجوز أن يتصرف إلا بالتي هي أحسن لقول الله تعالى:{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الإسراء: 34] ومن المعلوم أنه إذا أحاله الغني على شخص غير مليء فليس هذا بأحسن بل هو إضرار.
وعلى هذا فنقول: لو أحيل الوكيل بالدين على شخص غير مليء فإنه لا يجوز له أن يقبل، مثاله: وكلت شخصاً ليبيع لك سيارة فباعها على إنسان غني، فقال الغني الذي اشترى السيارة: أنا أحيلك على فلان يقول للوكيل، وكان فلان غير مليء فهل يجوز للوكيل في هذه الحال أن يقبل ويتحول؟ لا: لأنه يتصرف لغيره، والمتصرف لغيره يجب أن يكون تصرفه بما هو أحسن ولا يجوز أن يتصرف بما فيه الضررر، لو كان هذا الذي باع السيارة باعها لنفسه فهل يجوز أن يتحول على غير مليء؟ نعم يجوز،