الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز لأي واهب أن يرجع إلا الوالد، وظاهره حتى لو أن شخصا وهب إنسانا هبة بناء على سبب معين، وتبين انتفاء هذا السبب، فإنه لا يرجع، ولكن بعض العلماء قال: إنه في هذه الحال يرجع لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» ، مثال هذا: امرأة أحست من زوجها أنه يريد أن يطلقها أو فعلاً قال سأطلقها، فأعطته دراهم لئلا يطلقها، ولكنه ما كاد أن تصل الدراهم إلى جيبه حتى طلقها، فهذه ذكر أهل العلم أنها ترجع؛ لأنها إنما وهبته من أجل أن تبقى عنده لا من أجل أن يطلقها، فإذا علمنا بلسان المقال أو بقرائن الأحوال أنها إنما وهبته ليبقيها ثم طلقها، فلها أن ترجع، ومثل ذلك لو أن شخصا وهب إنسانا هبة بناء على أنه هو الذي أنجز له الحاجة الفلانية، ثم تبين أنه غيره فله أن يرجع؛ لأن هذه الهبة وإن لم يشترط أنها فى مقابل العمل فالقرينة تدل على أنها فى مقابلة العمل، فإذا تبين أن العمل لم يقع من الموهوب له فللواهب أن يرجع، وقد يُقال: إن هذا لا يدخل في الحديث أصلاً؛ لأن الحديث يقول: «لا يحل لمسلم أن يعطي العطية» ، وهو ظاهر في أن هذه العطية ليس لها مقابل، وما ذكر في مسألة الزوجة وفي مسألة العامل إنما أعطي في مقابل شيء لم يحصل فلا يدخل فى هذا الحديث.
شروط قبول الهدية:
891 -
وعَنْ عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، وَيُثيب عليها» . رَوَاهُ البخاري.
يقول العلماء رحمهم الله: إن «كان» إذا كان خبرها مضارعا فإنها تدل غالبًا على الدوام
لا دائما، وما أطلقه بعض العلماء من أن «كان» تفيد الدوام، فليس مرادًا، والدليل على هذا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بسبح والغاشية، وأنه كان يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة والمنافقين، ولا يمكن أن نقول: إن «كان» تدل على الدوام، لو قلنا بذلك لتناقض الخبران، فإذن هي تدل على الدوام غالبًا، نقول:«كان يقبل الهدية صلى الله عليه وسلم كان يقبلها من أي شخص حتى قال صلى الله عليه وسلم: «لو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلته» . مع علو مرتبته صلى الله عليه وسلم وشرف مقامه لو أهدي إليه هذا الشيء الزهيد لقبله من أي شخص حتى إنه يقبل الهدية من اليهود، أهدت إليه امرأة من يهود خيبر - حين فتح خيبر- أهدت إليه شاة وقد سألت ما الذي يعجبه من
الشاة؟ قالوا: كان يعجبه، فجعلت في هذا الذراع سمًا قاتلاً، وأهدت الشاة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا أصحابه وأخذ من هذا الذراع فلما لاكه - لم يهضمه مضغه ولكنه ما هضمه ما نزل إلى معدته ثم لفظه عليه الصلاة والسلام، وتبين أن فيه سما فدعا المرأة فقال: وما الذي حملك على هذا؟ قالت: أردت إن كنت نبيًا فإن الله سوف يُنقذك منه، وإن كنت كاذبًا فنستريح منك، فكان هذا آية للرسول صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أنجاه منها، ولكن مع ذلك كان في مرض موته يقول:«ما زالت أكلة خيبر تعاودني، وهذا أوان انقطاع الأبهر مني» حتى إن الزهري قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يُعتبر شهيدا؛ لأن اليهود قتلوه، وهذا من عادة اليهود عليهم لعنة الله إلى يوم القيامة، يقتلون الأنبياء بغير حق، الحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، وقد ذكر ابن القيم نقلاً عن ابن عساكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الأكلة صار إذا قُدم إليه طعام جعل المقدم يأكل منه قبله، أو شراب جعل المقدم يشرب منه قبله احترازا وتحريا، والإنسان مأمور بالتحري.
على كل حال: نقول: «كان يقبل الهدية» والهدية: هنا جنس يشمل القليل والكثير من أي مُهدٍ كان، ولكنه لكرمه يثيب عليها يعني: يُعطي مقابلاً لها، هو كريم صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق فيعطي أكثر، ولكن ربما نقول: إنه يثيب عليها بما تيسر له، المهم أن يكسر منة المهدي حتى لا يقع في نفسه يومًا من الدهر أنه منَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: قبول الهدية، يعنى: أن قبول الهدية جائز، ولكن اشترط العلماء ألا
يعلم أنه أهدى له خجلاً وحياء فإن علم أنه أهدى له خجلاً وحياء فإنه لا يجوز أن يقبلها.
ثانيًا: ألا تقع موقع الرشوة بحيث يُهدي الخصم إلى القاضي هدية أمام الحكومة، يعني:
أمام المحاكمة لأنها رشوة.
ثالثا: ألا تعظم منة المهدي بحيث نعرف أن هذا المهدي من أهل المن يعني: من الناس المنَّانين؛ لأن في قبولها في هذه الحال غضاضة على المهدى إليه، لا يأمن أنه كلما جلس في مجلس وسلم قال: عليك السلام، قال: تذكر لما أعطيتك ذاك اليوم! ! فإن هذا يؤذيه فإذا كان يخشى من الأذية فلا يقبل، والإنسان لا ينبغى له أن يذل نفسه.
الشرط الرابع: ألا تكون الهدية محرمة سواء كان التحريم لعينها أو لحق الغير، مثال المحرم لعينه: أن يهدى إليه علبة دُخان، فالقبول هنا حرام حتى وإن كان المهدى إليه لا يشرب الدخان؛ فإنه لا يجوز أن يقبلها، لأن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه، أو محرمة بعينها لحق الغير