المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

عليه بامتناعها شهوته، ولكن من أجل أنه يشعر بأنها تحتقره وأنها تريد أن تذله وقد يكون من الجهتين جميعًا يكون هو محتاج إلى ما يريد فتحول بينه وبين إرادته فيغضب، وقد يكون من الناس سريع الغضب يغضب لأدنى سبب ولا يفكر في الأمور والعواقب، المهم أنه إذا بات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح "لعنتها" أي: دعت عليها باللعن، يعني: قالت اللهم العنها، هذا هو الظاهر، وليس المراد باللعن: أن الملائكة تسبها، لأن اللعن يطلق على السب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل هل يلعن الرجل والديه؟ قال:"نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه". وهذا دليل على أن السب لعن؛ لأن الساب يطرد المسبوب ويبعده عنه لكن قوله هنا "لعنتها الملائكة" الذي يظهر لي -والعلم عند الله- أن المعنى: دعت عليها بلعنة الله يعني قالت: اللهم العنها، والملائكة جمع ملأك وأصل ملأك مالك من الألوكة وهي الرسالة والملائكة رسل كما قال تعالى:{جاعل الملائكة رسلاً} [فاطر: 1]. ففيها إعلال بالقلب وهو أن يجعل حرف بدل حرف فالملائكة أصلها ملأك، وأصل ملأك مألك؛ لأنه مشتق من الألوكة وليست الهمزة قبل اللام إذن ففيه إعلال بالقلب أي حرف مكان حرف ومن ذلك "أشياء" أظنكم تقرءونها غير مصروفة كما قال الله تعالى:{لا تسألوا عن أشياء} [المائدة: 101]. "وأسماء" أظنكم تقرءونها مصروفة كما قال الله تعالى: {إن هي إلا أسماء سميتموها} [النجم: 23]. مع أن "أسماء"، و"أشياء" الوزن واحد، فلماذا كانت "أسماء" مصروفة و"أشياء" غير مصروفة؟ السبب هو الإعلال بالقلب فأصل "أشياء": شيئاء على وزن فعلاء ففيها ألف التأنيث الممدودة لكن "أسماء" على وزن "أفعال" ليس فها ألف تأنيث فالهمزة الثانية في "أسماء" هي لام الكلمة والهمزة الثانية في "أشياء" همزة التأنيث الممدودة فلهذا لو أشكل على طالب العلم لماذا "أسماء" مصروفة و"أشياء" غير مصروفة والوزن واحد؟ نقول: لأنه يوجد إعلال بالقلب "فأشياء" فيها قلب ليس أولها همزة أولها الشين التي هي فاء الكلمة والهمزة بعدها وهي عين الكلمة الهمزة في شيئاء قلنا: إنها ألف التأنيث الممدودة، فلهذا منعت من الصرف "أسماء" نقول: الهمزة زائدة لكن في مكنها فليست فاء الكلمة في "أسماء" هي السين وعينها الميم واللام هي لام الكلمة فليس فيها ألف تأنيث ولهذا لو قال لك قائل: زن "أسماء"، تقول:"أفعال" زن "أشياء""فعلاء". إذن ينبغي لكم قراءة الصرف، "الملائكة" مأخوذة من الألوكة وهي الرسالة.

‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

ومن الأشياء التي يجب علينا أن نؤمن بها والإيمان بها من أركان الإيمان الستة؟ الملائكة

ص: 560

يقول العلماء: هم عالم غيبي مغيب عن الناس خلقهم الله عز وجل من نور ليقوموا بعبادته، وهم صمد لا يأكلون ولا يشربون؛ لأنهم لا يحتاجون لأكل ولا شراب، ليس عندهم أمعاء ولا معدة ولا أجواف يسبحون الليل والنهار، يفعلون ما يؤمرون، أعطاهم الله تعالى قوة وسمعًا وطاعةً لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، هؤلاء الملائكة ربما يتشكل بعضهم أو يتمثل بعضهم بالبشر جبريل عليه الصلاة والسلام أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر ولا هو من أهل المدينة غير معروف بالمدينة ثم جلس إلى النبي وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد وسأله، ومرة جاء على صورة دحية الكلبي، وملك من الملائكة جاء مرة على صورة أبرص أقرع أعمى مسافر ثلاث مرات وهو ملك؛ إذن هم يتمثلون بالبشر، لكن بإذن الله وإلا فالأصل ما ذكرنا عنهم آنفًا. ولا بأس أن نقول: ما وظائف الملائكة؟ هي وظائف متعددة، منهم الموكل بالوحي وهو جبريل، ومنهم الموكل بالقطر والنبات وهو ميكائيل، ومنهم الموكل بالنفخ في الصور وهو إسرافيل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل يستفتح:"اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"، ومنهم مالك خازن النار، خازن الجنة قيل: إن اسمه رضوان ولكنه لم يثبت، اشتهر أن ملك الموت اسمه عزرائيل ولكن ذلك لم يثبت وإنما نقول ملك الموت كما قال الله عز وجل:{قل يتوافكم ملك الموت} [السجدة: 11]. أما تسميته إذا كانت لا تصح عن معصوم فليس لنا أن نسميه، وهناك ملائكة موكلون بكتابة أعمال بني آدم" {وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون} [الانفطار: 10 - 12]. {عن اليمين وعن الشمال قعيد} [ق: 17]. قال العلماء: والذي عن اليمين له السلطة على الذي على الشمال إذا أذنب الإنسان ذنبًا يقول صاحب اليمين لصاحب الشمال: أمسك لعله يتوب ولا يكتب وصاحب الشمال ليس له إمرة على صاحب اليمين بمجرد ما يفعل الإنسان الحسن تكتب وهذا من لطف الله بنا؛ لأنه علم حالنا فرحمنا، ويوجد ملائكة حفظة يسمون المعقبات، يعقب بعضها بعضا:{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد: 11]. هؤلاء

ص: 561

يتعاقبون فينا ليلاً ونهارًا يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ينزل كلائكة النهار في صلاة الفجر ويغادر ملائكة الليل في صلاة الفجر وينزل ملائكة الليل في صلاة العصر ويغادر ملائكة النهار في صلاة العصر انظر اعتناء الله عز وجل بنا يسخر الملائكة أن تتنزل علينا ونحن نصلي وأن تغادر ونحن نصلي إكرامًا لنا، يوجد أيضًا ملائكة سياحون في الأرض يطلبون حلق الذكر فإذا وجدوا حلقة ذكر جلسوا يستمعون الذكر:"إذا وجدتم رياض الجنة فارتعوا". قالوا: يا رسول الله، وما رياض الجنة؟ قال:"حلق الذكر". المهم: أن الملائكة عليهم السلام لهم وظائف متعددة شتى فنؤمن بالملائكة إجمالاً، ونؤمن بما علمنا من تفاصيل حالهم على وجه التفصيل ولا يتم إيماننا إلا بذلك والإنسان تحيد به ملائكة يحفظونه من أمر الله وتحيط به شياطين يأتونه من كل جانب قال الله عز وجل عن الشيطان:{قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} [الأعراف: 17]. فاستحضر أن الملائكة تحفظك من هؤلاء الشياطين؛ لتزداد قوة وتزول عنك الوحشة ولا تخضع وتذل وتخف من الشياطين ما دمت تشعر أن الله قد سخر لك ملائكة معقبات من بين يديك ومن خلفك يحفظونك من أمر الله، فكن قويًا بهذا الحفظ، بعض الناس تغلبه الشياطين وينسى الملائكة الذين يحفظونه فتجده في وحشة وربما يدخله الشيطان من الوحشة يقشعر جلده ويفز وحينئذ يكون سببًا لدخول الجني فيه فإذا شعر الإنسان بأن عنده ملائكة يحفظونه من أمر الله اطمأن وقال: الحمد لله جنود من جنود الله، وجنود الرحمن أقوى من الشياطين لما قال سليمان لمن حوله:{أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن} عفريت ليس جنيًا عادياً {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين} [النمل: 38، 39]. {قوي} ما أعجز أن أحضره، {أمين} ما أتلف فيه شيئًا:{قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} [النمل: 40]. أيهما أبلغ؟ الثاني بكثير؛ لأن قوله: {فبل أن تقوم من مقامك} لأن له ساعة معينة يقوم فيها المهم أن الذي عنده علم من الكتاب قال: {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} فإذا العرش عنده ولذلك قال {فلما} الفاء تدل على التعقيب {فلما رآه مستقرًا عنده} {مستقرًا} كأنه وضع منذ عشر سنين ولهذا النحويون قالوا كيف تقولون: إن مفعول "ظن وأخواتها" كيف يقولون: لازم يكون محذوفًا متعلقًا وهذا مذكور مستقرًا عنده؟ قالوا: لأن الاستقرار هنا ليس الاستقرار العام هذا استقرار خاص ثابت له سنوات، إذن الذي

ص: 562

عنده علم من الكتاب من الذي جعله يأتي بهذه السرعة؟ قال العلماء: إنه دعا الله فحملته الملائكة إذن الملائكة أقوى من الجن وشياطين الجن فإذا شعر الإنسان بما أخبر الله به {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} [الرعد: 11]. اطمأن وقالوا إن معنا قوة أكثر من قوة الشياطين. يقول: "حتى تصبح" يعني حتى يأتي الصباح، ذلك بطلوع الفجر، فياويلها إذا كانت في ليالي الشتاء تكون الليالي طويلة. ولمسلم:"كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها" أي: الزوج؛ لأنه إذا بات غضبان فيسخط عليها رب العالمين حتى يرضى عنها الزوج وقوله: "كان الذي في السماء" هو الله، لكنه ذكره في السماء مبالغة في التعظيم؛ لأن المقصود السماء هو العلو والله سبحانه وتعالى هو العلو المطلق الذي لا شيء فوقه ولا شيء يحاذيه وهو في المخلوقات كلها وما فوق المخلوقات عدم إلا من الله؛ لأنه إذا كانت المخلوقات كلها تحت الله ما الذي يكون معه؟ لا شيء كله عدم؛ ولهذا نقول: الله في السماء ولا يحيط به شيء؛ لأنه ليس هناك شيء حتى يحيط بالله. وهذا الحديث وأمثاله مما فيه إثبات أن الله في السماء، يعتد أهل السنة والجماعة أن الله في السماء حقيقة وأن المقصود بالسماء هو العلو المطلق وليس السماء المبنى على أنه يمكن أن يراد به السماء المبنى ولا يدل ذلك على أن السماء محيط به أو على أنه في السماء مباشرة كما يقول:"استوى على العرش" فعلو الله على السماء بمعنى أن السماء تحته لا بمعنى أنه مستو عليها كما استوى على العرش. أقول: أهل السنة والجماعة يقولون: إن الله في السماء حقيقة؛ في العلو المطلق الذي ليس فوقه شيء ولا يحاذيه شيء، وهذا العلو المطلق هو عدم ليس فيه شيء لا سماء ولا أرض ولا كرسي ليس فيه إلا الله عز وجل كل شيء تحته، هذا مذهب أهل السنة والجماعة، وقال أهل التعطيل: إن الله ليس في السماء قيل لهم: {ءأمنتم من في السماء} [الملك: 16]. قال: نعم، من في السماء ملكه وسلطانه فيقال: هذا القول باطل؛ لأننا إذا قلنا: من في السماء ملكه وسلطانه احتجنا إلى تقدير والأصل عدم التقدير؛ ولأنه ليس من المعقول أن يكون ملكه وسلطانه فوقه لابد أن يكون هو فوق كل ما يملك وكل ما له سلطان عليه. فإن قال قائل: إذا جعلنا "في" للظرفية ألا يحصل إشكال؟

فالجواب: لا، ما دمنا نقول: إن السماء هنا هو العلو المطلق وليس السماء المبنية فلا إشكال والسماء يطلق في اللغة العربية بمعنى: العلو، قال أهل اللغة كل ما علاك فهو سماء

ص: 563

حتى السقف الذي فوقنا يسمى سماء؛ لأنه من السمو، وهو الرفعة، فإذا كان الله في السماء حيث العلو المطلق لم يبق إشكال في أن تكون "في" للظرفية، وإذا جعلنا المراد بالسماء السماء المبنية فإنهم يخرجون "في" على معنى "على" أي: من على السماء ويستشهدون لمجيء "في" بمعنى "على" بقوله تعالى عن فرعون: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: 71]. يعني عليها وبقوله تعالى: {قل سيروا في الأرض} [النمل: 69]. أي: عليها، ليس معنى: سيروا فيها احفروا نفقًا تسيرون فيه.

الخلاصة: أن أهل السنة والجماعة يثبتون علو الله وانه فوق كل شيء وأنه في السماء، أي: في العلو المطلق ولا يقتضي ذلك شيئًا ممتنعًا على الله. وقوله: "ساخطًا عليها" منصوب على أنه خبر "كان" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، والسخط والغضب معناهما متقارب وهما صفتا كمال عند وجود سببهما؛ لأنهما يدلان على كمال القوة؛ لأن الساخط يشعر بأنه قادر على الانتقام فهو صفة كمال وكذلك الغضبان واعلم أن أهل التعطيل الذين ينكرون قيام الأفعال الاختيارية بالله ينكرون السخط والغضب ويقولون: إن الله لا يسخط ولا يغضب ينكرونه إنكار تأويل لا إنكار تكذيب وإلا كفروا يقولون يسخط ولكن بمعنى ينتقم أو يريد الانتقام فمعنى "ساخطًا" أي: مريدًا للانتقام منها أو منتقمًا منها ولكن لاشك أن تأويلهم هذا تحريف فهو تفسير للقرآن برأيهم لا بمقتضى اللغة ولا بمقتضى الشرع والدليل على هذا أن الله تعالى قال في كتابه: {فلما أسفونا انتقمنا منهم} [الزخرف: 55]. فيجعل الانتقام غير الأسف والأسف وهو الغضب فجعل الانتقام غير الغضب وجعل الانتقام مترتبًا على الغضب وما يترتب على الشيء فليس هو فليس هو الشيء وهذا يرد تحريفهم للكلم عن مواضعه، لماذا قالوا: إن الله لا يغضب؟ قالوا: لأن الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام ولهذا تجد الرجل إذا غضب يحمر وجهه؛ لأن أوعية الدم تحتقن بسبب غليان الدم ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم

"إنه جمرة يلقيها الشيطان في قلب بني آدم" وبعض الناس تحمر حتى عيناه ترمي بشرر وبعض الناس يتنفش شعره حتى يكون وجهه كوجه الأسد فالحاصل أن الغضب جمرة فيقولون: الغضب غليان دم القلب وهذا ممتنع عن الله، ماذا نقول لهم؟ نقول إن الله ليس كمثله شيء فإذا كان هذا غضب المخلوق فإننا نجزم بأن غضب الخالق ليس كذلك بل هو غضب يليق به ونقول لهم ونحن نخاطب الآن الأشاعرة: ألستم تثبتوب لله إدارة؟ فسيقولون: بلى، نقول: الإرادة أن يميل الإنسان إلى الشيء إما الجلب منفعة وإما لدفع مضرة هم يقولون: الإدارة

ص: 564

بهذا المعنى: هي إرادة المخلوق، نقول: جواب سديد وإرادة الله تختص به وتليق به وليس كمثله شيء، ماذا نقول؟ قولوا هذا في الغضب، قولوا غضب الله عزو جل يليقٍ به، فإذا كنا نعلم جميعًا أن غضب المخلوق هو غليان دم القلب لطلب الانتقام فإننا نعلم أن غضب الخالق ليس كذلك؛ لأن الله يقول:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. إذن نحن نؤمن بأن الله يسخط سخطًا حقيقًا ولكنه لايشبه سخط المخلوق، انظر سخط المخلوق يترتب عليه آثارًا سيئة، ربما يشجج ورق النقود، وربما يكسر الإناء أحيانًا يغضب يأخذ بالشيء فوق ويضرب به على الأرض فيصير هذا خسارة أحيانًا، ألا ترى أنه قد يؤدي به إلى أن يطلق زوجته أحيانًا، أما غضب الخالق فلا يكون فيه سوء تصرف أبدًا؛ لأنه ينتقم بحكمة عز وجل فيكون غضبًا آثاره حميدة بخلاف غضب المخلوق.

من فوائد الحديث: أن أمر الجماع راجع إلى الزوج؛ لقوله: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشة". ومن فوائده: أنه ينبغي أن يكني بما يستحيا من ذكره بما يدل عليه حيث قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشة"؛ لأن المراد من هذه الدعوة معلوم.

ومن فوائد الحديث: أن تخلف المرأة عن إجابة دعوة الزوج إلى فراشه من كبائر الذنوب؛ وذلك لأنه رتب عليه عقوبة وهو لعن الملائكة لها أو سخط الله عليها. ومن فوائد ذلك: أن هذا مشروط بما إذا بات الرجل غضبان، أما إن استرضته فرضي فإن هذه العقوبة تزول يؤخذ هذا من قوله تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا

} [غافر: 7]. وفي السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن توضأ في بيته فأسبغ الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة ثم صلى إذا دخل المسجد ما كتب له ثم جلس ينتظر الصلاة فإن الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه تقول: اللهم صلى عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ومن فوائد الحديث: إثبات أن الله في السماء لقوله: "كان الذي في السماء" وكون الله في السماء من الصفات الذاتية التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها أما استواؤه على العرش فهو من الصفات الفعلية المتعلقة بمشيئة؛ لأنه لو شاء لم يستو على العرش ولو شاء لم يخلق العرش

ص: 565