الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالمال والبنين لا يدل على أنهم خير القرون؛ لأنه بلا شك خير القرون هم الصحابة ومع هذا فهذه حالهم في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز إخبار الإنسان عن نفسه وإن كان الإخبار يدل على البؤس؛ لقوله: "وكان طعامنا الشعير"، والإنسان إذا أخبر بما يفيد البؤس عن نفسه فلا يخلو إما أن يكون المقصود مجرد الخبر، أو يكون المقصود التسخط على القدر، أو يكون المقصود التشكي إلى المخلوق، فأما الأول فلا بأس به، وقد قال لوط عليه الصلاة والسلام للملائكة:{وقال هذا يوم عصيب} [هود: 77]. وأما الثاني الذي يقصد به التسخط ولوم القدر فإن هذا لا يجوز، قال الله تعالى في الحديث القدسي:«يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر مقلب الله والنهار» ، وأما الثالث- وهو الذي يقصد به التشكي إلى المخلوق- فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأن المخلوق لا يرحمك، والله يرحمك، ولهذا قيل:[الكامل]
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما
…
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
وهذا صحيح، والإنسان لا يجوز له أن يشكو الخالق إلى أحد، فكيف إذا شكاه إلى مخلوق ضعيف؟ هذا المخلوق لو أصيب بمثل مصيبتك لا يستطيع أن يزيل عن نفسه ذلك.
بيع الذهب بالذهب:
803 -
وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: «اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً، فيها ذهب وخرز، ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تباع حتى تفصل» . رواه مسلمٌ.
قوله: "يوم خيبر" يعني: يوم فتح خيبر، وكانت خيبر حصوناً ومزارع لليهود تقع في الشمال الغربي من المدينة على بعد نحو مائة ميل، وقد فتحها النبي صلى الله عليه وسلم في عام ستة من الهجرة، ولما فتحها طلب منه اليهود أن يبقيهم عمالاً فيها لأنهم أهل حرس وزرع، على أن يكون لهم الشطر وللنبي صلى الله عليه وسلم الشر، فوافقهم على هذا؛ لأن الذين معه من المهاجرين والأنصار مشغولون معه بمصالح المسلمين من الجهاد وغيره؛ ولأن هؤلاء أهل حرس وزرع فهم أعلم بحروثهم وزروعهم، المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم غنم منها مغانم، منها الذهب، فكانت هذه القلادة مما غنم فبيعت باثني عشر ديناراً وهذه رواية مسلم.
وقد اختلفت الروايات في مقدار الثمن الذي بيعت به اختلافاً كثيراً، حتى إن بعضهم ادعى أن الحديث ضعيف لاضطرابه؛ لأن اضطراب الرواة في نقل الحديث يؤدي إلى ضعفه إذا لم
يمكن الجمع ولا الترجيح؛ لأن الاضطراب يشترط فيه شرطان: ألا يمكن الجمع وألا يمكن الترجيح، فإن أمكن الجمع جمع وزال الاضطراب، وإن أمكن الترجيح أخذ بالراجح وشذ فيما سواه، ولكن الصحيح ما حققه ابن حجر رحمه الله؛ لأن الاختلاف في مثل هذا لا يضر؛ لأن الاختلاف فيه لا يعود إلى أصل الحديث؛ إذ إن أصل الحديث متفق وهو بيع القلادة بذهب، وأما الاضطراب فلا يتعلق به حكم، ونظير ذلك اختلاف الرواة في مقدار جمل جابر، فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً ومع ذلك لم يعد هذا من الاضطراب؛ لأن الاختلاف ليس في أصل الحديث، أما الاختلاف في أصل الحديث- مثل أن يكون أحدهم روى النهى، والثاني رواه بلفظ الأمر مما يعود إلى أصله- فهذا نعم يحكم بالاضطراب، إذا لم يمكن الجمع ولا الترجيح، والذي يهمنا صيغة العقد والمعقود عليه جنسه، أما قبضه فلا يهم.
يقول: "باثني عشر ديناراً فيها ذهب وخرز" كما هي العادة في القلادة أن يكون فيها خرز من ذهب وخرز من خزف ونحوه، يقول:"ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً"، يعني: من الذهب، وذلك بالوزن، فكان الذهب الذي فيها يزن أكثر من اثني عشر ديناراً، ومعلوم أن بيع الذهب بالذهب لابد فيه من التساوي.
يقول: "فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تباع حتى تفصل" أي: تفصل من الخرز ويجعل الذهب وحده، والدنانير وحدها ثم توزن، فإذا تساوت وزناً جاز بيعها، وقوله:"لا تباع" لم يقل: لا تفعل، فيفيد أن هذا البيع يجب إبطاله وإعادته؛ لأنه بيع فاسد باطل.
هذا الحديث فيه شراء جنس من الربوي بجنسه مع التفاضل، والقاعدة الشرعية في بيع الربوي بجنسه أنه لا يجوز مع التفاضل.
في هذا الحديث فوائد: منها: أن ما غنم من مال الكفار فهو ملك للغانمين؛ ولذلك صح العقد عليه، فهل ما ملكوه منا ملك لهم؟ الصحيح: نعم أنه ملك لهم؛ لأنهم يأخذونه على أنه حل لهم؛ ولأن الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكسبون من المسلمين ويبيعونه تبع أموالهم، فما ملكناه من أموالهم فهو لنا، وما ملكوه من أموالنا فهو لهم، كما أن من قتلوه منا لا يضمنونه ولو أسلموا؛ لأنهم يعتقدون أن هذا حلال.
ومن فوائد الحديث: أن الصنعة لا تؤثر في اشتراط التساوي إذا بيع الربوي بجنسه، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباع حتى تفصل» .
فإن قال قائل: الزيادة هنا في المصنوع وكلامنا إذا كانت الزيادة في غير المصنوع.
فقال: إذا منع الشرع الزيادة في المصنوع فعكسه من باب أولى.
ومن فوائد الحديث: ما ذهب إليه أكثر أهل العلم من أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه معه
أو معهما من غير جنسهما، مثال ذلك: باع برا وتمراً ببر هذا لا يجوز؛ لأن مع أحدهما من غير الجنس، ولأننا نقول إن الجنس هنا مساوياً للجنس الذي جعل عوضاً عنه، فالذي معه يعتبر زيادة، يعني: باع صاع بر ومعه نصف صاع تمر بصاع البر، نقول: هذا صار براً ببر ومع أحدهما زيادة وهذا لا يجوز وإن كان البر الذي معه التمر وبيع به البر أنقص من البر الذي جعل عوضا عنه، فقد بيع البر بالبر مع التفاضل وهذا أيضاً لا يجوز، فإن كان البر المفرد أطيب من البر الذي معه غيره بحيث تكون قيمة الاثنين مساوية لقيمة البر فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأنه سبق لنا أن الوصف لا يبيح الزيادة، فإن كان المفرد الذي ليس معه شيء أكثر من الذي معه شيء لكن زيادة المفرد تقابل الشيء الذي معه -مع العوض- فهل يجوز؟ ، مثال ذلك: باع صاعين من البر بصاع من البر وصاع من التمر والقيمة سواء، هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم؛ فمنهم من قال: إنه يجوز جعل الصاع الزائد في المفرد في مقابل المشفوع في المثنى يعني: يقول هذان الصاعان بصاع من البر وصاع من التمر نجعل صاعاً من التمر في مقابل صاع من البر وصاعاً من البر في مقابل الصاع من البر، وحينئذً لا ربا، فيقول هذا القائل: إنه إذا كان في المفرد زيادة تقابل ما مع المشفوع من غير جنسه فإن ذلك جائز، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد، فيجعلون الزيادة في الجنس في مقابل المصاحب للمشفوع ويقولون: نجعل صاعاً بصاع وصاعاً من التمر بالزيادة التي مع البر، وكذلك لو باع صاع بر وتمر بصاع بر وتمر يقولون أيضاً لا بأس به؛ لأننا نجعل البر مقابل التمر والتمر مقابل البر يقولون مثلاً: رجل أتى بصاع من البر وصاع من التمر وباعهما على شخص آخر بصاع من البر وصاع من التمر يقولون: هذا أيضاً جائز؛ لأنك إن جعلت صاعاً من البر في مقابل صاع من البر وصاعاً من التمر في مقابل صاع من التمر فهذا جائز، وإن جعلت صاعاً من البر في مقابل صاع من التمر وصاعاً من التمر في الطرف الآخر في مقابل صاع البر فهذا أيضاً جائز، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية هو الصحيح؛ لأن العلة منتفية، فإذا كان هذا الزائد الذي مع العوض المقابل له زيادة في هذا فقد بعت طعاماً بطعام مع التساوي ولا محظور في ذلك؛ لأن الكمية الزائدة في المفرد تقابل بالمشفوع مع الطرف الآخر، وهذا الحديث لا يمنع القول بذلك؛ لأن هذا الحديث فيه أن القلادة زادت على الثمن، فإذا كانت زادت على الثمن فهي ليست موضع النزاع، فإن ما دل عليه الحديث هذا ممنوع على القولين جميعاً، أما لو فرض أنها أقل من الدنانير ومنعها الرسول صلى الله عليه وسلم لكان هذا فصل للنزاع ودليل على أنه لا يجوز أن يكون العوض المفرد مقابلاً بشيئين من جنسين ولو كانت القيمة واحدة.