الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتجدون هذه الآية تبين قوله تعالى: {الطلاق مرتان} . وقوله: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حَّتى تنكح زوجًا غيره} [البقرة: 230]. وبكونها بين الطلاق المرتين والطلقة الثالثة يتبين أنه- أي: الخلع- ليس من الطلاق؛ لأنه لو كان من الطلاق لكانت الطلقة المذكورة بعده الرَّابعة، وليس الأمر كذلك، والطلقة المذكورة بعده هي الثالثة إذن هو فراق بين طلقتين وثالثة، وحينئذ لا يحسب من الطلاق، وهو كذلك فلو خالع الإنسان امرأته عشر مرات فهو على طلاقها لو خالعها من أول مرة عشر مرات كم يبقى له من الطلاق؟ يبقى له ثلاث طلقات؛ لأن الخلع ليس بطلاق ودليله من القرآن ما عرفتم ودليله من السنة ما سيأتي.
الخلع ورد ما أخذت الزوجة:
1022 -
عن ابن عباس رضي الله عنها: "أن امرأة ثابت بن قيس أنت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردِّين عليه حديقته؟ فقالت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقه". رواه البخاريُّ. وفي رواية له: "وأمره بطلاقها".
من ثابت بن قيس؟ هو أحد خطباء النبي صلى الله عليه وسلم، بل ومن الشعراء، وله مقام محمود حينما نزل قول الله تعالى:{يأيها الذين امنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعٍض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2].
وكان رضي الله عنه جهوري الصوت، فاختفى في بيته يبكي خائفًا أن يحبط عمله وهو لا يشعر، فتفقده النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال:"أين ثابت؟ " فقالوا: يا رسول الله ما نزل من بيته منذ نزلت هذه الآية؛ أي: الآية السابقة، فأرسل إليه، وقال له:"إنك لست كذلك إنك تعيش حميدًا وتقتل شهيدًا وتدخل الجنة"، من خاف أمن هذا لما خاف أن يحبط عمله فيكون من أهل النار أمن على يد النَّبي صلي الله عليه وسلم؛ ولهذا مثل به شيخ الإسلام في العقيدة الواسطية قال: ولا يشهدون بالجنة-يعني: أهل السنة- إلا لمن شهد له النَّبي صلى الله عليه وسلم كالعشرة وثابت بن قيس بن شماس فهو ممن يشهد له بالجنة عاش حميدًا وقتل شهيدًا في اليمامة مع مسيلمة الكذاب، قتل شهيدًا ومرّ به رجل وهو مقتول فأخذ درعه يعني كالغلول ثمَّ ذهب به إلى رحله في طرف الجيش ووضعه تحت برمة- قدر من الخوف- فرآه أحد أصحابه- رأى ثابت بن قيس- في المنام وأخبره ثابت بالخبر، قال: إنه مرَّ بي رجل وأخذ الدرع ووضعه تحت برمة في طرف الجيش وهو حوله فرس تستن
فاذهب إليها، وأوصاه أيضًا بوصية لا يحضرني الآن نوع هذه الوصية، فلما ذهب الرجل في الصباح وجد الأمر كما وصفة ثابت، سبحان الله! ميت كشف له عن هذه القضية وبلغ أبا بكر رضي الله عنه وصيته فنفَّذها؛ ولهذا يقال: لم تنفذ وصية أحد أوصى بها بعد موته إلا وصية ثابت بن قيس بن شماس؛ لماذا؟ لأنه يوجد قرينة تشهد بأن هذا حق وهي إخباره بأن الدرع قد أخذ ووضع تحت البرمة وحوله فرس تستن، وهذه لا شك أنها من الكرامات لثابت بن قيس بن شماس.
ثابت بن قيس مع هذه المرأة شأنه عجيب تكرهه ولا تحبه وهو زوجها، فجاءت إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم تقول له:"يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين"، وهذه شهادة منها، "لا تعيب عليه" يعني: لا تصفه بعيب في خلقه ولا بعيب في دينه لكن في خلقته، لم يعجبها، أما في خلقه فهو من أحسن الرجال، وأما في دينه فهو من أحسن الرجال، ويكفيك دليلاً على حسن دينه وصلاحه هذا الخوف العظيم حينما نزلت الآية الكريمة، ويكفيك أيضًا أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة، قالت:"ما أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام" أي: كفر العشير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للنساء: "إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير"؛ أي: تجحدن فضله، فهي تقول: أخشى أن أكفر عشيري في الإسلام فآثم بذلك، وقيل: إن المراد اكره الكفر أي: الردة عن الإسلام إذا بقيت مكرهه معه، ولكن هذا التفسير ضعيف يبعد من امرأة من الصحابة ترتد بمجرد أنها بقيت مع زوج تكرهه، هذا بعيد، ولكن الصحيح أنها تكره كفر العشير، ولا شك أن كفر العشير معصية، وإذا أصرت المرأة عليه صار من الكبائر.
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟ " قالت: "نعم"، الحديقة البستان، وكان ثابت قد أصدقها بستانًا فيه نخل وفيه زروع، وسيأتي الكلام على هذه المسألة، قالت:"نعم" يعني: أرد عليه حديقته
…
إلخ، الاستفهام هنا في قوله:"أتردين" للاستعلام والاستخبار؛ يعني: يسأل هل تردين عليه الحديقة، وكانت هذه الحديقة مهرًا لها وأضافها إليه- أي: إلى ثابت- مع أنها صارت ملكًا للزوجة باعتبار ما كان، وإلا فإن المهر تملكه المرأة لقوله تعالى:{وأتوا النساء صدقاتهن نحله} [النساء: 4]. فأضاف الصدقات وهي المهور إلى النساء وقال: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئًا} [البقرة: 229]. فبين حكم هذا المال الَّذي دفع إليها مهرًا أنه ملكها ولا يحل أن يأخذ منه شيئًَا؛ إذن فالإضافة هنا باعتبار ما كان "قالت: نعم".
وفي رواية: أنها قالت: "نعم وأزيده". مما يدل على شدة كراهتها له، وقوله:"فقالت: نعم"، "نعم" حرف جواب لإثبات المستخبر عنه؛ فإذا قلت: أقام زيد؟ فالجواب: إن كان إثباتًا: