الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا شرط في قرض؟ قلنا: لكن هذا ليس شرط عقد آخر، إنما هو شرط للوفاء، يعني: أنا أعطيتك على شرط أن ترد علي فقط وما رددت على أكثر مما أعطيتك، وحينئذ يعتبر القول بأنه من القول الذي جر نفعا يعتبر وهما؛ لأنه ليس فيه نفع إطلاقا، نعم، لو أنه قال: أنا أريد أن أسلفك من راتبي ألفا على أن تسلفني من راتبك ألفين لكان هذا لا يجوز، لأنه قرض جر نفعا.
* * * *
6 - باب التفليس والحجر
"التفليس" تفعيل من الفلس، والفلس هو الإعدام والفقر؛ لأن الفقير المعدم ليس عنده فلوس فهو مفلس؛ أي: خال اليد من الفلوس، وأما التفليس فهو الحكم بإفلاس من حكم عليه به، يعني إذا أفلسه القاضي وحكم عليه بالفلس، فهذا يسمى تفليسا فعندنا فلس وإفلاس بمعنى واحد، تفليس: الحكم عليه بأنه مفلس، والإفلاس والفلس هو الفقر والإعدام.
أما "الحجر" فهو في اللغة: المنع، والمراد به: منع المالك من التصرف في ملكه، ولكن الحجر ينقسم إلى قسمين: حجر لمصلحة الغير، وحجر لمصلحة الغير، وحجر لمصلحة المحجور عليه، فالحجر للسفه أو الجنون هذا حجر لمصلحة المحجور عليه، فالحجر للسفه أو الصغر أو الجنون هذا حجر لمصلحة المحجور عليه، والحجر لحق الغرماء حجر لمصلحة الغير، هناك أنواع من الحجور كحجر الراهن من التصرف في الرهن، هذا نوع من الحجر لمصلحة المرتهن، لكن هذا غير مراد، مراد المؤلف: بمن حجر عليه إما لمصلحة غير؛ كمدين أفلس، أو لمصلحة نفسه كالصغير والمجنون والسفيه.
827 -
عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس، فهو أحق به من غيره» . متفق عليه.
"قد أفلس" يعني افتقر إذا أدركه بعينه فهو أحق به من غيره، هذا الحديث يقول:«من أدرك» ، وكلمة "من" هذه شرطية فتفيد العموم، يعني: أي إنسان أدرك ماله عند رجل
…
إلخ.
وقوله: "ماله بعينه" المال هو كل ما يجمعه الإنسان من نقود وعروض ومنافع وغيرها، وأحيانا يقال: المال هو منفعة، فيراد بالمال: الأعيان، وبالمنافع: المنافع، وقوله:"بعينه" يعني: لم يتغير بل أدركه كما هو لم يتغير بعيب أو غيره.
وقوله: "عند رجل قد أفلس"، "رجل" هذه كلمة للمذكر -كما هو معروف- لكنها ليست خاصة بالرجل بل حتى لو أدركته بعينه عند امرأة لكن ذكر الرجال تغليبا وتشريفا، تغليبا لأن
أكثر من يتعامل بالمال الرجال، وتشريفا؛ لأن الرجل أشرف من المرأة، لأن الله تعالى فضل الرجال على النساء.
"فهو أحق به من غيره"، "أحق" اسم تفضيل من الحق، بمعنى: الاستحقاق، يعني: فيستحقه هو دون غيره، وإن لم يكن لهذا الذي أفلس مال سواه يكون صاحبه أحق به من غيره، وصورة المسألة: رجل باع على شخص سيارة، ثم إن هذا الرجل الذي اشترى السيارة انكسر بماله، يعني: أفلس، فنقول لصاحب السيارة: أنت أحق بسيارتك، صاحب السيارة قد باعها بعشرة آلاف ريال، والرجل صار عليه مائة ألف ريال لعشرة أنفس من جملتهم صاحب السيارة قد باعها بعشرة آلاف ريال، والرجل صار عليه مائة ألف ريال لعشرة أنفس من جملتهم صاحب السيارة الذي عليه مائة ألف منها عشرة لصاحب السيارة وتسعة وتسعون لغرماء آخرين تسعة رجال كل واحد عشرة آلاف، الآن المال الذي عليه مائة ألف، والغرماء عشرة كل واحد منهم له عشرة آلاف، هذا الرجل الذي أفلس ما وجدنا عنده إلا السيارة، كم لصاحب السيارة؟ عشرة آلاف ريال لو جعلنا لصاحب السيارة أسوة الغرماء لم يأته إلا ألف ريال لماذا؟ لأننا نقسمها على عشرة أنفس لا يأتيه إلا ألف، لكن مقتضى الحديث أن نقول: لك السيارة وهي لم تتغير، فيكون صاحب السيارة لم يفته شيء، والباقون فاتهم، هذه صورة المسألة التي دل عليها الحديث، وإنما كان أحق؛ لأن ماله الذي لزم المفلس الدين به موجود ومال الآخرين مفقود غير موجود، فكيف يجعل مال هذا الرجل فداء لمال الآخرين، هذا ليس بحق، ولهذا قلنا: إنك أنت يا صاحب السيارة أحق بسيارتك، ولكن هل إذا أحق يأخذها بالغة ما بلغت قيمتها أو يرجع بما نقص ويرد ما زاد؟ قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فهو أحق به» يدل على أنه أحق به من غيره، لكن لا يدل على أن حقه يثبت، يعني: لو فرضنا أن السيارة لا تساوي الآن إلى تسعة آلاف وقد باعها بعشرة، هل نفول بقي له ألف في ذمة المفلس، أم نقول: ليس لك إلا مالك؟ نقول بقي له ألف أنت أحق، يعني: أنت مقدم على غيرك فيه، كذلك لو فرض أن هذه السيارة تساوي الآن عشرين هل يأخذها بعشرين أو نقول: خذها بعشرة واردد عشرة؟ الثاني، فإذا قال: أنا لا أريد أن أرد عشرة، قلنا: إذن تباع السيارة فتكون أسوة الغرماء.
ففي هذا الحديث عدة فوائد: أولا: تقديم صاحب السلعة بالشرط الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يكون بعينه أي: لم يتغير.
ومن فوائد الحديث: أنه لو تغيرت السلعة بزيادة أو نقص فإنه ليس أحق بها؛ لأن قيد "بعينه" تخرج ما تغير بزيادة أو نقص، ما تغير بالزيادة مثل أن تكون بعيرا فسمنت أو حملت هذه الزيادة، النقص: مثل أن تكون هذه البعير قد هزلت، أما الأول -وهو ما إذا زادت- فظاهر أنه ليس أحق بها؛ لأن الزيادة حصلت على ملك المشتري المفلس فلا يمكن أن تكون أنت أحق
بها، وأما الثاني إذا نقصت فقد يقال إن البائع إذا رضي بها ناقصة فإنه يعطى إياها؛ لأن في هذا مصلحة للمشتري، فمثلا إذا قدر أنها هزلت حتى كانت لا تساوي إلا نصف القيمة وقال: أنا راض بالقيمة كلها، فهنا قد نقول: إنه له حق فيها؛ لأن هذا من مصلحة المشترى حيث إنه سيسقط عنه في هذه الحال نصف الدين.
فإن قال قائل: هذا يضر بالغرماء لو تقاسموها لحصل لهم منها شيء؟
قلنا: إذا كان أخذه إياها وهي تساوي عشرة قد أباحه الشرع مع أن فيه إضراراً بالغرماء فإباحته إذا كانت دون ذلك وأسقط الباقي من باب أولى، والشرع كله مبني على العدل:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان} [النحل: 90]. وفي هذا عدل.
من فوائد الحديث: أن البائع له أن يسقط حقه؛ لأن الحق له، يعني: لو أن البائع رحم المشتري والغرماء وقال: أنا أسقط حقي وأجعل نفسي كغريم منهم، فهل له ذلك؟ نعم، لأنه قال:"فهو أحق"، نجعل الحق له، فإذا رضي بإسقاطه فلا حرج عليه، وهذا لمصلحة الغرماء ومصلحة الغريم المفلس، أما الغرماء فظاهر، وأما الغريم؛ فلأنه يسقط من ذمته شيء من ديون الغرماء، وأنتم تعلمون أن الغرماء يختلفون، بعض الغرماء يكون شديدا لا يخاف الله ولا يرحم مخلوقا، فتجد المدين يود أن يقضي دين هذا الرجل حتى يسلم منه، فإذا رضي البائع بأن العين هذه التي هو أحق بها من غيرها تضاف إلى ما لديه من المال، وتجعل للغرماء جميعا فهذا لا بأس به؛ لأن الحق حقه.
- ورواه أبو دواد، ومالك: من رواية أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلا بلفظ: «أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه، ولم يقض الذي باعه من ثمنه شيئا، فوجد متاعه بعينه، فهو أحق به، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء» ؟ .
- ووصله البيهقي، وضعفه تبعا لأبي داود.
لماذا كان مرسلا؟ لأن أبا بكر بن عبد الرحمن تابعي، وليس صحابيا، استفدنا من هذا الحديث المرسل فائدة وهي أنه يشترط ألا يكون البائع استوفى شيئا من ثمنه، فإن كان استوفى شيئا من ثمنه ولو كان درهما واحدا من ألف درهم فليس أحق به من غيره، إذن نضيف هذا الشرط إلى ما سبق من أنه يشترط ألا يتغير ويشترط أيضا ألا يكون قد قبض من ثمنه شيئا فإن كان قد قبض من ثمنه فلا حق له فيه ويكون صاحبة أسوة الغرماء، وهذا الشرط لا يتنافي مع الحديث الصحيح المتصل؛ لأن قوله:"من أدرك ماله بعينه" قد يؤخذ من كلمة "بعينه" أنه إذا
قبض من ثمنه شيئا لم يصدق عليه أنه وجده بعينه، قد يؤخذ من كلمة "بعينه" أنه إذا قبض من ثمنه شيئا فقد بقي بعض المبيع، وهو الجزء المقابل لما أخذ من الثمن بقي طليقا ليس للبائع فيه حق، وحينئذ يكون لم يجده بعينه.
إذا كان قد باعه بمائة درهم وقبض عشرة كم صار يستحق من هذا المبيع؟ تسعين، يعني: تسعة أعشار المبيع فقط، والعشر الباقي لا حق له فيه، إذا فكأنه لم يدركه بعينه، كأنه أدركه ناقصا، العشر المقابل لما قبضه من الثمن.
على كل حال: سواء أمكن أن نأخذ هذا الشرط أم لم يمكن فإن هذا الحديث المرسل فيه أنه يشترط ألا يكون قد قبض من ثمنه شيئا.
قال: "وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء"، أضف إلى هذين الشرطين السابقين شرطا ثالثا، وهو أن يكون المشتري حيا، فإن مات فصاحب المتاع أسوة الغرماء، يعني: ليس له حق فيه هو وغيره سواء، ونبقى مفرعين على المثال السابق الذي باع عليه سيارة بعشرة آلاف ريال، وكان الدين الذي عليه مائة ألغ لتسعة غرماء آخرين، قلنا: لصاحب السيارة أن يأخذ سيارته عن دينه، لكن لو مات الذي اشترى السيارة قبل أن يأخذ البائع سيارته صار البائع أسوة الغرماء، أي: أن هذه السيارة تكون مشتركة بين الغرماء العشرة بالتساوي، وهذا الشرط أيضا يمكن أن يؤخذ من الحديث من قوله:«من أدرك متاعه بعينه عند رجل قد أفلس» وبعد موته لا يكون أدركه عند الرجل، بل يقال: أدركه عند الورثة، وحينئذ يكون القيد في قوله:"عند رجل قد أفلس" مخرجا لما إذا مات هذا المفلس وانتقل المتاع إلى ورثته، فإنه لا حق لصاحب المتاع فيه بل يكون أسوة الغرماء فإن مات صاحب المتاع فهل يسقط حق ورثته، أو نقول: إن الورثة نزلوا منزلة الموروث وهذا حق يورث؟ الثاني، من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس، هذا الذي باع متاعه على رجل وأفلس الرجل، نقول: أنت الآن أحق بمتاعك من غيرك لكنه مات البائع فهو ينزل الورثة منزلته؟ قال الله تعالى: {ما ترك} [النحل: 61]، وهذا حق متروك ثابت للمورث، فإذا كان حقا متروكا ثابتا للمورث دخل في عموم ما ترك أزواجه أو ما تركتم وما أشبه ذلك، إذن المسألة فيها قولان، والقول الراجح: هو أنه يورث فيكون الورثة أحق به من بقية الغرماء؛ لأنه داخل في عموم قوله تعالى: {ما ترك} [النحل: 61]، والترك يكون في الأصل، ويكون في الوصف، وكما أن الوارث يرث حق الشفعة وحق الخيار كذلك يرث حق الأخذ بالمال، ولا فرق.
بقي عندنا الجواب عند حجة المعارض، لأننا ذكرنا أن الترجيح لابد فيه من أمرين: إقامة الحجة، والرد على الحجة، إقامة الحجة لك، والرد على حجة المعارض، فيكف يرد على
حجة المعارض وهو واحد، وقد ذكر ابن جرير أن الواحد لا يخرق الإجماع، ومسألة توزبع المال على الغرماء يكون بالقسط، كيف ذلك؟ أن ننسب الموجود من المال إلى المطلوب الذي يطلب منه ونعطي كل واحد من دينه بمثل تلك النسبة، فإذا قدرنا أن المطلوب خمسون ألفا والموجود عشرة آلاف فقط كم مسبة العشرة للخمسين؟ الخمس نعطي كل واحد خمس دينه، الذي له خمس ريالات نعطيه ريالا، والذي له خمسون ألفا نعطيه عشرة آلاف، والذي له خمسمائة ألف فعطيه مائة ألف إذن نقلل، الذي له خمسون ألفا أعطيناه عشرة، والذي له مائة ألف تعطيه عشرين، وعلى هذا فقس، المهم أن الطريق هو أن ننسب الموجود على المطلوب، ونعطي كل واحد من دينه بمثل تلك النسبة، هذا معنى قوله:"أسوة الغرماء".
وهل يفرق بين صاحب الدين السابق واللاحق؟ الجواب: لا نفرق الدين السابق الذي له عشر سنوات والدين اللاحق الذي ليس له إلا عشرة أيام كلها سواء.
- ورواه أبو داود، وابن ماجه: من رواية عمر بن خلدة قال: "أتينا أبا هريرة رضي الله عنه في صاحب لنا قد أفلس، فقال: لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به" وصححه الحاكم، وضعف أبو داود هذه الزيادة في ذكر السموات.
يقول: رواه أبو داود من رواية عمر بن خلدة، قال:"أتينا أبا هريرة رضي الله عنه"، أبو هريرة كان أميرا على المدينة في وقت من الأوقات، وكان في جملة ما يقول:"لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة على جداره، ثم يقول: ما لي أراكم عنها معرضين! والله لأرمين بها بين أكتافكم" أي: بهذه السنة بين أكتفاكم وإن كرهتموها، أو لأرمين بالخسب بين أكتافكم حتى تحملوها إن لم تحملها جدركم؟ الثاني أنسب، وهذا نظير قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمحمد بن مسلمة لما منع من إجراء الماء على أرضه لأرض جاره قال عمر: لتجرينه أو لأجرينه على بطنك، فهذا قسط من سياق هذه القصة أن أبا هريرة رضي الله عنه كان أميرا على المدينة في وقت من الأوقات، وكان يلزم الناس بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا يجب على كل وال أن يكون إلزامه للناس بما تقتضيه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم لا بما تهواه نفسه، ولذلك يحرم على ولي الأمر أن يلزم الناس التمذهب بمذهبه، لو كان مثلا حنبليا لا يجوز أن يلزم الناس بالمذهب الحنبلي، أو حنفيا لا يجوز له أن يلزم الناس بالمذهب الحنفي، وهكذا، بل يدع الناس وما يرون في دين الله، أما إذا رفع الأمر إلى الإنسان فإن الواجب عليه أن يحكم ويلزم بما يرى أنه الحق، وليس عليه ملامة في ذلك.
يقول: "لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: "بقضاء" قال بعض العلماء: أي بمثل قضاء؛ لأن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم قد انتهى حياته، ولا يمكن أن تكون القضية التي قضى بها أبو هريرة أو غيره من حكام المسلمين هي القضية التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المسألة على حذف مضاف، أي: بمثل قضاء، وبعضهم يقول: لا حاجة إلى التقدير، لأن الأمر معلوم، وإذا كان معلوما فلا حاجة إلى التقدير، قالوا: ونظير ذلك قوله تعالى: {وسئل القرية التي كنا فيها} [يوسف: 82]. لا حاجة أن نقول: واسأل أهل القرية؛ لأن الأمر معلوم.
ثم قال: «من أفلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو أحق به» ، وهذا الحديث كما ترون يوافق ما سبقه في مسألة الإفلاس، لكنه يخالفه في مسألة الموت؛ لأن الحديث السابق يدل على أنه إذا فصاحب المتاع أسوة الغرماء، وهذا يدل على أنه إذا مات فإن صاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه، ولهذا قال: صححه الحاكم وضعفه أبو داود، وضعفه أيضا هذه الزيادة في ذكر الموت؛ لأنها تخالف الحديث السابق، والحديث السابق أصح، والقاعدة في مصطلح الحديث: أنه إذا تعارض لفظان وكان أحدهما أرجح من الآخر رواية أو متنا فإن المرجوح يسمى شاذا، حتى لو فرض أن هذا الحديث الشاذ روي بسند متصل، رواته ثقات، لكنه يخالف ما هو أرجح منه، فإنه يعتبر شاذا، على أنه لو انفرد لقبل، ومن ذلك ما رواه أهل السنن من النهي عن الصوم بعد منتصف شعبان، فإن الإمام أحمد رحمه الله ضعفه، وقال: إنه شاذ، لماذا؟ قال: لحديث أبي هريرة "لا يتقدمن من أحد رمضان بصيام يوم أو يومين"، فإن هذا الحديث يدل على أن النهي خاص بما يسبق رمضان يوما أو يومين لا من النصف، والذين قالوا: لا شذوذ قالوا: يمكن الجمع، فيحمل النهي في حديث أبي هريرة على التحريم، وفي الحديث الثاني على الكراهة، إنما قصدي أن العلماء رحمهم الله يستعملون الشذوذ في مخالفة الأحاديث التي هي أصح وإن اختلف المخرج، يعني: لو كان المخرج مختلفا وقد كان عند كثير من الطلبة أن الشذوذ لا يحكم به إلا إذا كان المخرج واحدا، يعني: مثل أن يختلف راويان في حديث واحد ولكن تبين من صنيع أهل العلم أنه إذ خالف ما هو أرجح منه ولو كان الحديث مباينا لهذا الحديث فإنه يعتبر شاذا.
على كل حال: الذي نحن فيه الآن هذا الحديث يدل على أنه إذا مات الغريم المفلس فإن صاحب المتاع أحق به من غيره، والأول يدل على أنه أسوة الغرماء، والراجح الأول؛ لأن الثاني ضعيف، الفوائد مثل الأول لكن فيه زيادة إذا صح الحديث.
فمن فوائده: أنه ينبغي للحاكم أن يطمئن الخصوم عند الحكم لقوله: "لأقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وكذلك أيضا المفتي ينبغي له أن يطمئن المتستفتي إذا أفتاه، لاسيما إذا