الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحث على الهدية:
895 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تهادوا تحابوا» . رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى بإسناد حسن.
«تهادوا» : فعل أمر من الهدية، والمعنى ليهد بعضكم إلى بعض، وسبق لنا أن الهدية نوع من الهبة، ولكنه يقصد بها التآلف والتودد، ولهذا تُسمّى هدية.
وقوله: «تحابوا» ، فعل مضارع حُذفت منه إحدى التائين، والتقدير: تتحابون، وحُذفت النون منه، لأنه مجزوم على أنه جواب الأمر في قوله: تهادوا تحابوا يعني: أنكم إذا تهاديتم كان ذلك سببا للمودة فيما بينكم، فإن الهدية تُوجب المحبة إذا أهدى إليك شخص شيئا فإنك تحبه، هذه فطرة الناس التى فطرهم عليها، ومن ثمّ كان للمؤلفة قلوبهم نصيب من الزكاة؛ لأنهم إذا أعطوا منها أحبوا المُعطي وألفوه وازدادت قوة إيمانهم أو انكف شرهم إن أعطوا لكف الشر.
يُستفاد من هذا الحديث: استحباب الهدية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، ولكن لابد لذلك من
شروط:
الشرط الأول: أن يكون المهدي قادرا عليها فلا يذهب يستدينها ثم يهديها كما يفعل بعض الناس يستدين قيمة الهدية ثم يهديها إلى تاجر أو أمير أو ملك يرجو من وراء ذلك أن يعطى أكثر ثم قد لا يُعطى ويُنسى، فلابد من هذا القيد.
الشرط الثاني: ألا تكون عونا للمهدى إليه على معصية الله، فإن كان يُهدي إلى هذا الشخص ثم يذهب المهدى إليه فيشتري بها شيئا محرمًا، فإنه لا يجوز الإهداء إليه، لأن القاعدة الشرعية أن ما ترتب عليه الإثم فهو إثم لقول الله تعالى:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] هذا بالنسبة للمهدى لابد أن يكون واجداً، ولابد ألا يستعين المهدى إليه بها على شيء محرم، بقي علينا قبول الهدية هل يُشرع للإنسان أن يقبل الهدية أو أن يردها أم ماذا؟ سبق لنا حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان يقبل الهدية ويثيب عليها» ، وعلى هذا فنقول: يُسن للإنسان قبول الهدية إذا كان يريد أن يثيب اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبق لنا هناك أنه يُشترط للقبول ألا يخاف الإنسان منة المهدي، فإن خاف أن يمن عليه فإنه لا يلزمه القبول، ولا يشرع له القبول؛ لأن بعض الناس إذا أهدى هدية صار يمن بها على المهدى كلما جلس معه مجلساً، قال: يا فلان لا تنس هديتي ذلك اليوم، فيكسر على رأسه البيض، وهو قد أهدى إليه، هذا لا يلزمه
القبول، بل ولا يشرع له، إذن نقول للمُهدّى إليه: إذا كنت تخشى أن يمن عليك هذا المُهدي فإنه لا يُشرع لك أن تقبل لئلا يؤذيك ويشترط لقبولها أيضا ألا تعلم أو يغلب على ظنك أنه إنما أهداها حياء أو خجلاً، فإن علمت أو غلب على ظنك أنه أهدى حياء أو خجلاً، فإنه لا يجوز لك أن تقبل، ولكن هل تقول: أنا لا أقبل الهدية، لأنك ما أعطيتني إلا خجلاً أو تردها بردّ لطيف؟ الثاني، لكن أنت إذا علمت أن هذا الرجل لم يهد إليك الهدية إلا خجلاً منك أو حياء: فقل يا أخي جزاك الله خيرا أنا مستغنٍ عنها وأنت ربما تكون أحوج بها وكلامًا لطيب خاطره.
ومن فوائد الحديث: أن الهدية سبب للمحبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك جوابًا للأمر بها في قوله «تهادوا» .
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يفعل كل ما فيه جلب المودة بينه وبين الناس سواء في الهدية أو في لين الجانب أو في الكلام الحسن أو في طلاقة الوجه، كل ما يوجب المودة بينك وبين الناس فافعله بقدر المستطاع، ولكن يعتري الإنسان أحيانا حالات قد لا يكون فيها على الوجه الذي ينبغي، فمثل هذه الحال ينبغي له أن يعتذر لصاحبه، أحيانا قد يكلمك شخص وأنت مثلاً مشغول فكريا أو مشغول بدنيًا أو مشغول اجتماعيا بشيء لا يمكنك أن تنبسط مع هذا الرجل فحينئذ ينبغي أن تعتذر منه من أجل أن يطيب قلبه وتقضي حاجتك أنت.
قال: رواه البخاري في «الأدب المفرده وهو كتاب للبخاري غير الصحيح، وقد جمع فيه رحمه الله أحاديث جيدة في الأخلاق والسلوك لكنها ليست في الصحة كالصحيح؛ ولهذا قال المؤلف هنا: وأبو يعلى بإسناد حسن مع أن البخاري هو الذي رواه.
? ? ? - وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا، فإن الهدية تَسُلُّ السخيمةَ» . رواه البزار بإسناد ضعيف.
«تهادوا» أي: ليهد بعضكم إلى بعض، وهذا أمر ثم علل هذا الأمر بقوله:«فإن الهدية تسل السخيمة» ، وهي: الضغينة والحقد والكراهة، وهو بمعنى الحديث الأول، «وتسل السخيمة» أي: تذهبها فإن الإنسان قد يكون في قلبه شيء عليك فإذا أهديت إليه شيئا فإنه يزول عنك ما في قلبك، ولكن يشترط في هذه الهدية، وهو ينبغي أن يكون في الحديث السابق - ألا تكون الهدية سببًا لترك واجب أو فعل محرم، فإذا كانت سببًا له فهي ممنوعة، وهذا يتصور فيما لو أهدى
إليك رجل من التجار هدية، وهو ممن يتعامل بالربا من أجل ألا تنكر عليه فهنا لا يجوز لك القبول؛ لأنه متى كانت الهدية وقاية لدينك فلا تقبلها، وهذا يقع كثيرا، فإن بعض الناس يُماكس بعض العلماء على مسائل الدين فيكثر لهم من الهدايا، من أجل أن يسكتوا عنه، فإذا كانت الحال هكذا فإنه لا يجوز قبول الهدية، لأنك صرت الآن بعت دينك بها، اشتريت بآيات الله ثمنا قليلاً، لكن هذين الحديثين على ما فيهما من ضعف معناهما صحيح، لا شك أن الهدية تجلب المودة وتذهب السخيمة.
(897)
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة» . متفقٌ عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: «يا نساء المسلمات» من باب إضافة الموصوف إلى صفته، يعني: يا أيتها النساء المسلمات، وخص النداء بنساء المسلمات؛ لأن المرأة المسلمة هي التي يحملها إسلامها على قبول ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من باب الإغراء والحث على قبول ما أمر به صلى الله عليه وسلم.
وقوله: «لا تحقرن» ، هذا نهي، وفيه إشكال من حيث الإعراب؛ لأن المعروف أن «لا» الناهية تجزم الفعل، وهنا الفعل آخره الراء وهو غير مجزوم بل هو مفتوح ولننظر ماذا تقولون؟ لأنه مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، لكن يرد على هذا قوله تعالى:{ثُمّ لَتُسْأَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ} [التكاثر: 8]. فإن الفعل هنا متصل بنون التوكيد ولم يُبْنَ؟ إذن نقول: يبنى على الفتح إذا كانت مباشرة لفظا وتقديرا، وهذه لفظا لا تقديرا يقول:«لا تحقرن جارة لجارتها» ، الجارة: هي القريبة وليس المراد بالجارة: الضرة، يعني: الزوجة الثانية للزوج المراد بالجارة هنا القريبة قال: «ولو فرسن شاة» ، فرسن الشاة هو للغنم بمنزلة الخف للإبل، وهو مما يضرب به المثل في القلة والزهد فيه، والحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا تحقر المرأة أن تهدي لجارتها شيئا من بيتها ولو كان شيئا قليلاً مثل فرسن الشاة» .
فنستفيد من هذا الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يهدي لجيرانه ولو شينَا قليلاً وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا اشتريت لحمًا فأكثر مرقها وتعاهد جيرانك» ، حتى في هذا الأمر، وذلك لما يترتب عليه من الفائدة وهي الألفة بين الجيران، ولا شك أن الألفة بين الجيران فيها مصالح كثيرة منها: التعاون على البر والتقوى فيما إذا كان أحدهما مقصراً، ومنها: الحماية والرعاية، لأن جارك يحميك.
ومنها: التغاضي عن الحقوق إذا كان بينك وبينه حق ومعلوم أن الجار بينه وبين جاره حق فإذا كنت تهدي إليه ويهدي إليك تغاضى عن حقوقك وتغاضيت أنت عن حقوقه.
ومنها: أن الإنسان ينال بها كمال الإيمان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره» . ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهدية إلى الجيران حتى في الشيء القليل.
ومنها جواز هدية المرأة من بيت زوجها للشيء اليسير لقوله: وجارة لجارتها، والعلماء رحمهم الله قيدوا ذلك بشرط ألا يكون الزوج بخيلاً لا يرضى فإن كان بخيلاً لا يرضى فإنه لا يجوز لها أن تُهدي شيئا من بيت زوجها حتى ولو قليلاً وقد كان بعض النساء المجتهدات المحبات للخير تُهدي الشيء القليل ولو كان الزوج قد نهاها وتقول: إنه يفسد؛ لأن بعض الأزواج يقول لزوجته: لا تهدي شيئا أبداً ولو فسد الطعام، فمن النساء من تقول: إذا كان يفسد فأنا سأهدي، وجوابنا على ذلك أن نقول لها: لا يحل لكي أن تهدي إذا نهاك عن الهدية، لأن المال ماله، والبيت بيته، والإثم الحاصل بفساد هذا المال عليه هو، أما أنت فليس لك الحق، لكن في هذه الحال ينبغي لها أن تعظه وتخوفه من الله فإذا بقي شيء من الطعام الذي يفسد لو بقي تحثه على أن يتصدق به، وهذا يقع كثيرا فيما إذا كان عند الزوج وليمة، أما إذا كانت المسألة عادية، فإنه يمكنها أن تجعل الطعام بقدر الحاجة فقط، وحينئذ لا يبقى شيء في الغالب، لكن إذا كان هناك دعوة فربما يبقى شيء كثير.
ومن فوائد الحديث: جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، وجهه أنه إذا جاز أن تتصدق من مال زوجها اليسير فمن باب أولى أن تتصدق بشيء من مالها.
(898)
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من وهب هبه؛ فهو أحق بها ما لم يثب عليها» . رواه الحاكم وصححه، والمحفوظ من رواية ابن عمر، عن عمر قوله.
يعني: المحفوظ أنه موقوف وليس بمرفوع، موقوف على عمر يقول:«من وهب هبة فهو أحق بها» ، هذا ليس على إطلاق بل المراد من وهب هبة ثواب فهو أحق بها ما لم يُثب عليها، وذلك أن الهبة على نوعين: نوع يُراد به الثواب، فهذه حكمها حكم البيع إذا لم يحصل لك الثواب فلك أن تردها، ونوع يُراد به التبرع المحض، فهذه تكون ملكا للموهوب له سواء أثابك أم لم يثبك، فيحمل هذا الحديث على النوع الأول أي: على الهبة التي يريد بها المهدي الثواب.