الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أول ليلة، فلذلك لا يمكن أن يتخذ من هذا الحديث دليل على ما يسمونه بشهر العسل، ثم هذا الذي يسمونه بشهر العسل كثير من الناس الذين عندهم مال يذهبون إلى خارج البلاد وينفقون نفقات كثيرة وربما يفعلون أشياء منكرة فيبدلون شكر النعمة كفرا -والعياذ بالله-، وما أحسن ما يفعله بعض الناس -وأقول: ما أحسن، يعني: أنه أهون من غيره وإلا فليس له أصل في الشرع- يسافر بها إلى مكة أو المدينة يؤديان عمرة وزيارة للمسجد النبوي، لكن مع ذلك أننا نقول: إن هذا أمر مشروع، لكن نقول: إذا بليتم فهذا أحسن، لكن -الحمد لله- يبقى الإنسان في بلده مستريحا وآمنا.
****
1 - باب الكفاءة والخيار
«الكفاءة» يعني: مكافأة الشيء بالشيء، ومن المعلوم أن الكفاءة في الدين من حيث أصل الدين لابد منها، فلا تتزوج المسلمة كافراً باتفاق المسلمين وبالنص أيضا:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]. والكفاءة في العدالة يعني: فاسق يتزوج امرأة ملتزمة هذا ليس بشرط ما دام فسقه لا يخرجه من الإسلام، لكنه لا ينبغي أن يزوج الفاسق مع إمكان أن تزوج بعدل لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه» ، ولكن أحيانا تلجئ المصلحة إلى تزويج فاسق مثل أن تكون المرأة ثيبا لا يكثر الخطاب عليها، أو تكون المرأة قد كبرت ويقل الخطاب عليها، فهنا تزويجها بالفاسق يكون لحاجة إلا أنه يستثنى من الفسق فسق الزنا كما سبق فإن تزويج الزاني حرام ولا يصح النكاح لقوله تعالى:{الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3]. إذن الكفاءة في الدين لابد منها، ويستثنى منها: أن يتزوج المسلم بالكتابية؛ لأن الزوج هنا أعلى من الزوجة، وقد جاء في القرآن الكريم يحل تزوج الرجل المؤمن بالمرأة الكتابية فقال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
…
} [المائدة: 5]. ولكن مع هذا كره كثير من السلف أن يتزوج المؤمن كتابية مع إمكان أن يتزوج مسلمة وإن كان هذا حلالا لكن كرهوا ذلك، وعللوا الكراهة بأمرين: الأول: أن هذا قد يكون خطراً على دين المرء المسلم، ولاسيما إذا أحبها حباً شديداً فإن ذلك يخشى أن تؤثر فيه، ويذكر أن رجلاً مؤذناً صعد المنارة فوجد على أحد السطوح امرأة نصرانية
جميلة فأخذت بلبه فأرسل إليها يخطبها فأبت إلا أن يكون نصرانيا -نعوذ بالله- فحاول فقالت: لا يمكن إلا أن تكون نصرانيا فتنصر، ولما تنصر قالت له: إنك بعت دينك بشيء رخيص فستبيعني بأرخص، لا حاجة لي فيك، فصار مرتداً عن الإسلام، ولم يحصل له مقصوده. إذن استثنينا من مكافأة الدين المسلم يتزوج كتابية، ومع ذلك قلنا: إن كثيرا من السلف كره ذلك خوفاً على الإنسان من أن تؤثر فيه. السبب الثاني: إنه إذا تزوج الكتابية فإنه سوف ينقص تزوج المسلمة، فتبقى النساء المسلمات عانسات لا أزواج لهن، فبدلاً من أن يتزوج كتابية يتزوج مسلمة، يحصن فرج امرأة مسلمة خير له من أن يحصن فرج امرأة كتابية. الكفاءة في العدالة ليست بشرط، لكن لا ينبغي أن يزوج امرأة ذات عدالة برجل فاسق إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ومثلنا لهذا بمثالين. الثالث: الكفاءة في النسب، يعني: أن تكون المرأة ذات نسب، وأن يكون الزوج لا نسب له، وليس معنى لا نسب له ألا يكون له أب، لا، هو له أب لكنه ليس من قبائل العرب، والمرأة من قبائل العرب وهو ما يعرف عندنا بالخضيري والقبلي، وعند العامة البحتة الشيخ والعبد القبيلي يسمى شيخاً، والذي ليس له قبيلة يسمى عبداً بناء على الأصل؛ لأن الأصل أن غير القبيلي من الموالي من الذين أسلموا ولم يعرف لهم نسب عربي من الفرس أو الروم أو غيرهم، على كل حال: الكفاءة في هذا الأمر مختلف فيها، فمن العلماء من يقول: إنها شرط للصحة في النكاح، فلو تزوج غير قبيلي بقبيلية فالنكاح غير صحيح لفوات شرط الكفاءة، وقال بعض أهل العلم: إنه شرط للزوم وليس شرطاً للصحة، يعني: أن المرأة إذا زوجت بغير قبيلي وهي قبيلية فلأوليائها أن يفسخوا، أولياؤها غير الذين زوجوها؛ لأن الذين زوجوها قد رضوا أبناء العم وأبناء الأخ وما أشبه ذلك فلهم أن يفسخوا النكاح، ولكن هذا القول الثاني والذي قبله كلاهما ضعيف، أما القول الأول الذي قبله فهو من الغرائب أن تكون هذه الكفاءة شرطاً للصحة؛ رجل عالم غني كريم ذو خلق دين لكنه غير قبيلي يأخذ امرأة قبيلية جلفة، ونقول: إن النكاح غير صحيح؟ ! هذا نتعجب أن يقول به عالم من العلماء، ولكن كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. كذلك أيضا كونه شرطا للزوم هذا فيه نظر، امرأة رضيت هي ووليها الأقرب بهذا الرجل العالم العادل الكريم الشجاع ولكنه غير قبيلي كيف تقول لابن العم البعيد: افسخ إن شئت مع أننا نخشى أن يكون قصده بهذا الفسخ الحسد والغيرة أن يتزوجها مثل هذا الرجل، فالصحيح أنه ليس لأحد أن يفسخ، وما أحسن ما حصل في قضية عند أحد قضاة هذا البلد سابقاً تزوجت
امرأة قبيلية لشخص غير قبيلي زوجها أبوها ورضيت بذلك فجاء أعمامها يتحاكمون إلى الشيخ القاضي فقال لهم: لا بأس أنا أفسخ النكاح، ولكن بشرط أن تلزموا بالإنفاق عليها مدى الحياة وهو قاضٍ ذكي يعرف أنهم لن يلتزموا بذلك، تناظروا فيما بينهم وإذا الإنفاق عليها سيكون متعباً لهم، فقالوا: لا، فقال: ارجعوا وراءكم، وهذه لاشك أنها ذكاء من القاضي لعلمه أنهم لن يلتزموا، أما لو علمنا أنهم سيلتزمون لقلنا: إنكم ليس لكم حق، وسيذكر المؤلف (رحمة الله) ما يتعلق بهذا الأمر. وأما قوله:«الخيار» فيعني به: خيار العيب، وأعلم أن الخيار في النكاح له سببان بل أكثر: السبب الأول: العيب، يعني: أن يجد أحد الزوجين صاحبه معيباً، هذا واحد، الثاني: فوات صفة مشروطة مثل أن يشترط الزوج أن تكون الزوجة بكراً فيتبين أنها ثيب، أو أنها جميلة فيتبين أنها غير جميلة، المهم: فوات صفة مشروطة، السبب الثالث: ما سيذكره المؤلف من إسلام أحد الزوجين وما أشبه ذلك، فهذا الخيار إما سببه عيب في المرأة أو فوات صفة مشروطة يكون لمن له حق الخيار إن شاء فسخ النكاح وإن شاء أمضاه. هل هناك خيار شرط اختلف العلماء هل يثبت خيار الشرط في النكاح أو لا؟ فمنهم من قال: إنه يثبت بناء على أنه يشترط عند العقد أن لكل واحد منهم الفسخ لمدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فمن العلماء من قال: يصح، ومنهم من قال: لا يصح، قال: لأنه إن كان خياراً للزوج فهو مستغن عنه بماذا؟ بالطلاق، يطلق بلا خيار، وإن كان الخيار للزوجة فإن الزوجة ناقصة في عقلها ودينها ربما إذا حصل من زوجها أدنى كلمة قالت: اخترت الفسخ فهدمت النكاح هذا هو الواقع، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال:«إنك لو أحسنت إلى أحداهن الدهر كله ثم رأت منك سيئة واحدة قالت ما رأيت منك خيراً قط» ؛ فلهذا لا يصح لها الخيار. والذي نرى في هذه المسألة التفصيل، وهو أنه إذا كان الخيار لغرض مقصود فلا بأس مثل أن تقول إن طاب لي سكنه في هذا البيت فذاك وإلا فلي الخيار، ثم تنزل على قوم يؤذونها مثلا نزلت على أناس عندهم إخوة متعددون كل واحد منهم له زوجة، كل زوجة لسانها أطول من ذراعها ويتعبون هذه المرأة فقالت له: أنا أشترط لنفسي أنه إذا لم يطب لي المسكن فلي الخيار هذا جائز؛ لأنه لغرض مقصود ليس خيارا مطلقاً بل هو خيار لغرض مقصود. إذن خيار عيب، خيار فوت صفة مشروطة، خيار شرط.