المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌15 - باب المساقاة والإجارة ليته قال: والمزارعة كان أحسن، وجعل - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: ‌ ‌15 - باب المساقاة والإجارة ليته قال: والمزارعة كان أحسن، وجعل

‌15 - باب المساقاة والإجارة

ليته قال: والمزارعة كان أحسن، وجعل للإجارة بابا مستقلاً؛ لأن بينهما فروقًا كثيرةن أي: أن بين المساقاة والمزارعة وبين الإجارة فروقًا كثيرة، لكن المساقاة والمزارعة هما المتشابهتان.

"المساقاة" في اللغة: مأخوذة من السقي؛ لأن حروفها الأصلية سين، وقاف، وباء، إذن هي من السقي، وهي معروف يعني: صب الماء على الأرض لتشربه، فهي من المساقاة وهي: دفع أرض وشجر لمن يقوم عليه بجزء مشاع معلوم من ثمره، مثال ذلك: رجل عنده بستان وتعب من العمل فيهن وجاء إلى شخص وقال: هذا بستاني خذه واعمل فيه ولك نصف ثمره، هذه المساقاة جائزة؛ لأن فيه مصلحتين: مصلحة لصاحب الأرض، ومصلحة للعامل، فصاحب الأرض يستريح ويكفيه هذه المؤنة والتعب، والآخر استفاد لأنه ليس عنده ما يشتري ثمرًا ولي عنده بستانًا فيعمل في هذا البستان ويحصل الثمر، ففيها مصلحة للطرفين؛ وهي تشبه تمامًا المضاربة.

"الإجارة": مأخوذة من الأجر وهو الثواب، أي: مكافأة العامل على عمله، ولهذا لو قلنا: فلان له أجر عند الله، يعني: ثوابًا مكافأة على عمله فهي في الأصل من الأجر وهو الثواب، أي: المكافأة على العمل، وأما في الاصطلاح فهي: دفع عين لمن ينتفع بها بعوض معلوم أو القيام بعوض معلوم أو القيام بعوض معلوم، فالبيت إذا أعطيته عاملاً ليخيطه لك فهذا دفع عين لمن ينتفع بها بعوض معلوم، والثوب إذا أعطيته عاملاً لخيطه لك فهذا دفع عين لمن يعمل فيها بعضو معلوم، والعامل إذا استأجرته ليعمل عندك فهذا عقد على عمل معلوم بعوض معلوم، فالإجارة قد تكون على عمل وعلى عمل في عين، وعلى نفع في عين، ولكها جائزة:{إن خير من استئجرت القوي الأمين} [القصص: 26].

‌حكم المساقاة:

867 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرعٍ» . متفق عليه.

"عاملهم" أي: أعطاهم الأرض على أن يعملوا فيها، "بشطر ما يخرج منها"، شطر يعني: نصف من ثمر هذا باعتبار الشجر، أو زرع باعتبار البقول، الزروع يعني: على النصف من الثمر في الأشجار والزرع في البقول، وقوله:"عامل أهل خيبر" وهم اليهود، خيبر حصون ومزارع تبعد عن المدينة نحو مائة ميل من الشمال الغربي، فتحها النبي صلى الله عليه وسلم، ولما فتحها إذ الناس لا

ص: 236

يستطيعون القيام عن العمل بها لاشتغالهم وهي مزارع، فطلب اليهود من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعملوا فيها على النصف، ولهذا قال:

- وفي رواية لهما: «فسألوه أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: نقركم بها على ذلك ما شئنا، فقروا بها، حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه» .

إذن هم الذين طلبوا البقاء فيها يكفونهم المؤنة، يعني: العمل على هذه الأشجار والأرض ولهم نصف الثمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«نقركم بها على ذلك ما شئنا» ، فقروا حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه، "نقركم على ذلك ما شئنا" يعني: لكم نصف الثمر، لكن ما شئنا حسب مشيئتنا، وإذا رأينا ما يقتضي أن نخرجكم منها أخرجناكم، فوافقوا على هذا الشرط، فبقوا آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم يعني: أربع سنوات قبل أن يموت، وبقوا خلافة أبي بكر كلها وبقوا في خلافة عمر حتى أجلاهم عنها، وكان إجلاؤه إياهم عنها في سنة عشرين من الهجرة، أجلاهم إلى فدك، إذن بقوا بعد الفتح أربع عشرة سنة، وكان سبب إجلائهم أربعة أمور: منها ما ثبت في الصحيح، ومنها ما ثبت في غيره، فالذي ثبت في الصحيحين أنهم فدعوا عبد الله بن عمر كان عندهم فألقوه من ظهر بيت ففدعوه، والفدع: انسلاخ الكف من الذراع أو القدم من الكعب، ويسمى عندنا الفك يعني: أنفكت قدمه، فأجلاهم عمر؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه نزل هناك في ليلة من الليالي فحصل منهم ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: ليس لنا عدو هنالك إلا اليهود، وإني سأجليهم؛ لأنه رأى أن اعتداءهم على ابن الخليفة يعنيك اعتداءهم على الإسلام وتحديًا للمسلمين فرأى رضي الله عنه أن يجليهم، فجاءه زعيمهم وقال: كيف تجلينا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال أتظن أني نسيت ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف بك إذا خرجت بك قلوصك تخطو بك يومًا فيومًا"، يعني: من خيبر، قال: يا عمر، قالها محمد هزيلة، يعني: يضحك - هزل ليس جد - قال: كذبت يا عدو الله، فأخرجهم هذا في البخاري وغيره.

السبب الثاني: أنه لما ثبت عند عمر أنه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، واليهود في خيبر يقيمون دينهم، قال: لا يمكن ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قاله: «لا يجتمع دينان» سأجليهم، فأجلاهم عمر لهذا السبب.

السبب الثالث: أن رجلاً من الأنصار قدم من الشام إلى المدينة فنزل في خيبر ومعه علوج،

ص: 237

يعني: عبيد من الشام، فاتصل اليهود بهؤلاء العلوج وقالوا: اقتلوا صاحبكم تحرروا منه، فقتلوه فصار في هذا غدر من اليهود، فكان من أسباب إجلائهم.

السبب الرابع: أن المسلمين كانوا قلة وهم في حاجة إلى عمل أهم، فلما كثر المسلمون واستغنوا عن عمل اليهود في خيبر أجلاهم عمر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطهم عقدًا مؤبدًا بل قال:«نقركم على ذلك ما شئنا» حسب ما تقتضيه المصلحة.

لكن هذه الأسباب ليست في الصحيحين، فقد تكون صحيحة وقد تكون ضعيفة، لكنها لها وجه إلا أن كون سبب ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» فيه إشكال؛ لأن هذا الدين كان موجودًا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف يقرهم وهذا الدين باقٍ، وقد يجاب عنه بأن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت كان محتاجًا إليهم، ولهذا لم يأمر بإخراج اليهود والنصارى في جزيرة العرب إلا في آخر حياته، حتى قال:«لئن بقيت - أظنه قال: - إلى قابل لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب» ، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم في الأول متساهلاً في هذا ثم بعد ذلك لما رأى من خطرهم على الجزيرة أمر بإخراجهم، حتى قال في مرض موته صلى الله عليه وسلم:«أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» ، وهو عام شامل للمشركين الذين يعبدون الأصنام، وكذلك لكل من كان كافرًا بالله العظيم.

على كل حال: نحن نقول: إن صحت هذه الأسباب الأربعة فهي أسباب، وإن لم تصح فيكفي السبب الأول الثابت في الصحيح وهو فدع عبد الله بن عمر، فكان في ذلك إذلال للمسلمين عمومًا، فأجلاهم عمر.

- ولمسلم: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع عن يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم، ولهم شطر ثمرها» .

النخل معروف، والأرض لأجل الزراعة، فالأرض يزرع عليها والنخل ليقتسم ثمرها، وقوله:«أن يعتملوها» يعني: هم الذين يدفعون أجرة العمل على ثمر النخل وهم الذين يدفعون الحب الذي يزرع، «ولهم شطر ثمرها». يعني: ثمرها وزرعها كما جاء في الرواية التي قبل، يعني: لهم النص من الزرع والنصف من الثمر.

ص: 238

ففي هذا الحديث فوائد منها: جواز معاملة اليهود، وهذا أمر مشهور مستفيض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود بيعًا وشراء ومساقاة ومزارعة، وكان عليه الصلاة والسلام عند موته رهن درعه عند رجل من اليهود بطعام اشتراه لأهله، وكذلك يقاس على اليهود من سواهم من الكفار كالنصارى والوثنيين وغيرهم، إلا أن أهل العلم يقولون: إنه لا ينبغي أن يوليهم ولاية مطلقة؛ لأنهم ربما يتجرون بالخمر وهو لا يعلم، أو يتجرون بالربا وهو لا يعلم، أو يتجرون بالأشياء الممنوعة وهو لا يعلم، فأما الشيء الذي يؤتمنون فيه أو الشيء الذي يكون هو رقيبًا عليهم فإن هذا لا بأس به.

وفيه دليل على جواز ائتمان الكافر ما لم تتبين خيانته، ووجه ذلك: أن هؤلاء مؤتمنون على الثمر وبإمكانهم أن يجزوا شيئًا من التمر أو يأخذوا شيئًا من الزرع والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم، فإذا كان الكافر مؤتمنًا فلا بأس من ائتمانهم، أما إذا كان غير مؤتمن فإنه لا يؤمن، لاسيما فيما يتعلق بأمور المسلمين العاملة كمثل هذه المسألة، ومثل كتابة دواوين وغيرها.

هل يؤخذ من هذا الحديث بقول الكافر إذا كان أمينًا؟ قد نقول: إنه يؤخذ، وقد نقول: إنه لا يؤخذ، لكن هناك أدلة تدل على جواز الأخذ بقول الكافر إذا كان أمينًا، مثل: استرشاد النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أريقط الديلي الذي استأجره النبي صلى الله عليه وسلم ليدله على الطريق في سفره إلى المدينة في الهجرة فإن هذا كان مشركًا، ولكنه كان أمينًا فاستأمنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى على راحلته وراحلة أبي بكر، وقال له: موعدك بعد ثلاث ليال غار ثور، فذهب الرجل بالراحلتين، وأتى بعد ثلاث ليال إلى الغار مع أن المقام خطير جدًا وهو أن قريشًا كانت تطلب الرسول صلى الله عليه وسلم وقد جعلت لمن يدلها عليه وعلى أبي بكر مئاتي بعير، وكانت فرصة لهذا المشرك أن يدل قريشًا على النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لما ائتمنه النبي صلى الله عليه وسلم أدى الأمانة.

فإذن نقول: إن دل هذا الحديث على قبول قولهم والأخذ بقولهم فذاك، وإن لم يدل فهناك أدلة أخرى تدل على أنه يجوز الأخذ بقول الكافر، ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى جواز فطر المريض إذا قال له الطبيب الكافر: إن الصوم يضرك، وكذلك جواز الصلاة قاعدًا إذا قال الطبيب: إنه يضرك القيام، وكذلك الإيماء بالركوع والسجود إذا قال له الطبيب: يضرك السجود، المهم: أنه متى وجدت الثقة فإنه لا بأس بالأخذ بقول الكافر.

ص: 239

ومن فوائد الحديث: جواز المساقاة لقوله: «عامل أهل خيبر» ، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة.

ومن فوائده: أنه إذا شرط سهم لأحد المتعاملين للآخر، فمثلاً إذا قيل في عقد المساقاة: لرب الشجر الثلث وسكت عن سهم العامل فإن هذا صحيح؛ لأنه إذا تعين سهم أحدهما كان للثاني الباقي، أي: لا يشترط أن أقول في المساقاة: لرب الشجر الثلث وللعامل الثلثان؛ لأنك إذا عينت سهمًا لأحدهما كان الباقي للآخر.

ومن فوائد الحديث: جواز المشاركة إذا تساوى الشريكان في المغنم والمغرم؛ لقوله: "بشطر ما يخرج منها". مع أن العامل ربما يعمل ويتعب في ماله وبدنه ثم تفسد الثمرة فيكون غير رابح، لكن كما أنه غير رابح فكذلك صاحب الشجر هو أيضًا غير رابح؛ لأنه كان يؤمل أن شجره يثمر ولم يثمر، فإذا تساوى الشريكان في المغنم والمغرم فإن الشركة جائزة، المحظور هو أن يختلف الشريكان بأن يكون أحدها غارمًا بكل حال والآخر تحت الخطر.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يشترط أن يكون الغراس في المغارسة والبذر في المزارعة من رب الأرض، مثال ذلك: أعطيت شخصًا أرضًا بيضاء ليغرسها وله نصف الشجر، هذه مغارسة هذا يجوز حتى لو كان هو الذي يشتري الشجر، كذلك أعطيته هذه الأرض البيضاء ليزرعها بنصف الزرع والحب على المزارع هذا أيضًا لا بأس به، هذا ما دل عليه حديث ابن عمر في قصة المساقاة والمزارعة لأهل خيبر، من أين يؤخذ؟ يؤخذ من وجهين: أولاً: في اللفظ المتفق عليه بشرط ما يخرج منها من ثمر أو زرع، ولم يذكر أن البذر على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الأرض، ثانيًا: في رواية مسلم قال: «على أن يعتملوها من أموالهم» ، وهذا صريح في أن المال على المزارع، وهذا القول الذي دل عليه الحديث هو القول الراجح وهو الذي عليه العمل من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على أنه لا يشترط في المزارعة وكذلك في المغارسة أن يكون البذر والغراس من رب الأرض، وذهب بعض العلماء إلى اشتراط أن يكون البدر والغراس من رب الأرض، وعلى هذا فلو أعطيت رجلاً أرضًا بيضاء ليزرعها بالنصف من الزرع وجب علي أن يكون البذر مني، وكذلك الغراس من المغارسة، لماذا؟ قالوا: قياسًا على المضاربة؛ لأن المضاربة يكون المال من صاحب المال المضارب وليس على المضارب إلا العمل، قالوا: فقياس ذلك في المزارعة أن يكون البذر من رب الأرض، ولكن هذا القياس قياس فاسد الاعتبار، لماذا؟ لأنه مصادم للنص، والقياس المصادم للنص فاسد الاعتبار لا عبرة به، ثم هو قياس مع الفارق؛ لأن نظير المال في المضاربة الأرض وقد دفعها، أما مسألة

ص: 240

الزرع فهي من جنس ما يلزم في المضاربة من سقي الحيوان، لو أشترى المضارب حيوانًا فإنه سوف يسقيه ويروضه وما أشبه ذلك، فالبذر يكون تابعًا لعمل المزارع والمغارس، أما نظير المال فهو الأرض المدفوعة، وبهذا تبين أن هذا القياس فاسد، أولاً: لمصادمته للنص، وكل قياس في مصادمة النص فإنه مرفوض، وثانيًا: أنه قياس مع الفارق؛ وذلك لأن المال الذي يقال: إنه يدفعه المضارب نظيره الأرض التي يدفعها من تعامل من تعامل مع شخص في الزراعة.

ومن فوائد الحديث: جواز كون المساقاة غير معلومة الأجل، يعني: جواز الأجل المجهول في المزارعة والمساقاة؛ لقوله: "نقركم ما شئنا"، ومعلوم أن مشيئته مجهولة فعليه يجوز عقد المساقاة والمزارعة إلى أجل مجهور، وهذا أحد الأقوال في تخريج هذا الحديث.

القول الثاني: أن هذا الحديث يدل على أن المساقاة والمزارعة من العقود الجائزة، وبناء على ذلك لا يشترط لها ذكر الأجل ولكل واحد منهما - أي: من المساقي والمساقى - أن يفسخ متى شاء.

الوجه الثالث في تخريج الحديث: أنه من باب الخيار لأحد المتعاقدين؛ لأن لو كان ذلك من العقود الجائزة ما احتاج أن يقول: "نقركم ما شئنا"؛ لأن العقد الجائز نفسه للمتعاقدين فيه المشيئة متى شاءا فسخا.

فإذن الاستدلال بهذا الحديث على أن المساقاة والمزارعة من العقود الجائزة غير صحيح، إذ لو كانتا من العقود الجائزة لم يحتج إلى ذكر المشيئة، فإن العقد الجائز لكل من المتعاقدين فسخه ولو لم يشترطا المشيئة، فأقرب ما يقال في ذلك هو أن هذا من باب الخيار، وأنه إذا اشترطا، أو أحدهما الخيار فلا بأس، وبناء على هذا نقول: إن المساقاة والمزارعة من العقود اللازمة، ولابد من تقدير الأجل فيها سنة أو سنتين أو ثلاثًا أو أكثر، لابد من هذا، ولكل من المتعاقدين شرط الخيار إما لهما جميعًا، وإما لأحدهما، والحديث هذا من باب اشتراط الخيار لأحدهما لقوله:"ما شئنا"، ولم يقل: وما شئتم، واستدل به بعض العلماء على جواز الإجارة المجهولة، وأنه يجوز أن تقول للشخص: أستأجر منك هذا البيت حتى أجد بيتًا أشتريه، وإلى هذا ذهب ابن القيم في زاد المعاد، وأنه يجوز الأجرة المجهولة المعلقة بشرط مجهول، قال: لأن هذا ليس فيه شيء، فمثلاً هذا رجل يبحث عن بيتٍ فجاء إلى شخص وقال: أجرني بيتك حتى أجد بيتًا فأجره كل سنة بمائة ريال حتى يجد بيتًا، فوجد بيتًا في نصف السنة، قله أن يفسخ ويعطيه خمسين ريالاً، وهذا القول الذي اختاره ابن القيم وجيه؛ لأن الأصل في العقود الحل في أصلها وشروطها حتى يتبين دليل التحريم، فما دام الأصل الحل وهذا لا يترتب عليه

ص: 241