المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

في حكم هذه المسألة، فذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى حل نكاح المتعة، وناظره على ذلك ابن عمه علي بن أبي طالب مُناظرة تامة حتى قال له: إنك رجل تائه، قاله علي لابن عباس وبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها وشدد على ابن عباس، ثم إن ابن عباس أختلف الناقلون هل أباحها للضرورة أو إباحة مطلقة؟ والمشهور -بل الذي عليه المحققون - أنه أباحها للضرورة؛ يعني: إذا كان الإنسان في بلد واضطر إليها وخاف الزنا فإنه لا بأس، لكنه لما رأى الناس توسعوا في هذا الأمر وصار كل واحد يدّعي الضرورة رجع عن فتواه ووافق الجماعة، أما العلماء من بعدهم فإن المشهور عند الشيعة أنهم يُحلون ذلك ويجيزونها، والعجب أنهم يدّعون عصمة علي بن أبي طالب وأنه إمامهم ثم يخالفونه في هذه المسألة، هو ينكرها إنكارا شديدا حتى على ابن عمه ويصفه بأنه تائه عن الصواب ومع ذلك يخالفونه كما خالفوه في المسح على الخفين، هو الذي روى التوقيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، وهم يقولون: لا يجوز المسح على الخفين، ولكن علماء الأمة وأئمتها حرموا المتعة وقالوا: إنها حرام، حَتَّى إن بعض علماء الشيعة المتأخرين أنكر المتعة وقال حقيقة الأمر أنها جناية على النساء، تصبح النساء وكأنهن غنم تقرعها التيوس، والمرأة إذا أفسدها الرجل المتمتع هل يرغب أحد في نكاحها بعد؟ لا، فتفسد النساء وتضيع الذرية ويصبح الشعب كأنه شعب بهائم، يعني: بعض العقلاء من الشيعة المعاصرين أنكروا هذا وقال: إن هذا لا يجوز، وإن الصواب مع المانعين.

على كل حال: أئمة المسلمين المشهورين كلهم يُحّرمون المتعة، ومن أجازها مثل ابن عباس أجازها عند الضرورة ويشترط ألا يترتب عليها مفسدة بالتوسع فيها وإلا مُنعت كغيرها من المباحات.

إذا قال قائل: الحكمة في النهي عن المتعة ما هي؟

أولاً: أن الله جعل النكاح مقراً وسكنًا بين الزوجين، فقال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] وهذا من أعظم مقاصد النكاح وهو مفقود في نكاح المتعة؛ لأن الرجل نفسه يشعر إنما أراد أن ينال الشهوة فقط والمرأة تشعر بأنها امرأة مُستأجرة للمتعة فقط ولا تشعر بسكن ولا مودة ولا رحمة، ولهذا تجد المتمتع إذا لم تعجبه هذه المرأة ذهب يطلب امرأة أخرى وربما يأخذ بالمتعة عشر نساء قبل أن تغرب الشمس.

‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

، يعني: لو أن الإنسان كان في بلد غريبًا، ثم أراد أن

ص: 499

يتزوج امرأة، ومن نيته أن يطلقها إذا غادر البلد، فهذا نكاح مؤقت ولكن بالنية، هذه المسألة اختلف فيها العلماء على قولين، فالمشهور من مذهب أحمد أن ذلك حرام ولا يجوز، وعللوا هذا بدليل وقياس؛ أما الدليل فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الأعمال بالنيات» ، وهذا نوى نكاحًا مؤجلاً فثبت له ما نوى، وأما القياس فقالوا: إن الإنسان إذا تزوج امرأة لتحليلها لمطلقها ثلاثا بالنية لا بالشرط فإن النكاح يكون فاسداً كما لو شرط ذلك في العقد، قالوا: فإذا كان نكاح التحليل يثبت بالنية فكذلك نكاح المتعة: مع أن التزوج في نكاح التحليل لا يعلم أهل الزوجة ماذا يريد هذا الزوج، وأما الذين قالوا بالجواز فقالوا إن الفرق بينه وبين نكاح المتعة أن نكاح المتعة إذا تمّ الأجل انفسخ النكاح بمقتضى الشرط الذي اشترطه الزوج على نفسه واشترطته المرأة أيضا لنفسها، وأما النية فإنه لا ينفسخ النكاح، لأنه ربما تتغير نيته ويرغب في المرأة ويبقيها زوجة له، ولكن أنا أرى أنه حرام حتى وإن قلنا: إنه ليس من المتعة، وذلك لأن فيه غشًا للزوجة وأهلها، فإن الزوجة لو علمت أن هذا الرجل لا يريد إلا أن يتمتع بها أيامًا ثم يُطلقها لم ترض بذلك وأهلها لا يرضون بذلك، لاسيما أنها تكسد إذا فضر بكارتها أصبحت يَا غير مرغوب فيها، لاسيما أن بعض دول الكفر يرون أن المرأة المطلقة لا يمكن أن تتزوج مدى الدهر وحينئذ تكون معرضة نفسها للسفاح، ولذلك نرى أن هذا حرام لا من جهة العقد، لأننا حتى لو تنازلنا وقلنا: إن العقد لا تُؤثر فيه النية فإن فيه تحريمًا من جهة أخرى وهي الغش، أنت لو أراد شخص أن يتزوج ابنتك أو أختك بهذه النية هل ترى بأنه غاش لها؟ نعم لا شك، ولو علمت بأن هذه نيته ما زوجته، إذن فعامل غيرك بما تُحب أن يعاملك به.

فإذا قَالَ قائل: القول بالجواز فيه فسحة للغرباء وفيه منع لهم عن الزنا؟

فالجواب عن هذا سهل أن نقول: إن دواء خوف الزنا بينه الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم» فأنت إذا كنت مستطيعًا للنكاح الصحيح فتزوج بنكاح صحيح لا بنية أنه سيطلقها، وإذا كنت غير مستطيع فعليك بالصوم، هكذا بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أن نرتكب المحظور من أجل إرضاء الشهوة وخوف الفتنة كما يقولون فهذا ليس بصحيح، خوف الفتنة بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دواءه فلنأخذ بهذا الدواء، أما أن نرتكب المحظور ونخلع الناس ونغشهم فهذا ليس بسديد، أما الآن فنعود لبقية الحكم في تحريم نكاح المتعة فنقول: إن فيها مخالفة لمقصود النكاح، لأن مقصود النكاح الألفة وبناء البيت الزوجي والحصول على الأولاد، وهذا -أعني: نكاح المتعة - لا يشتمل على

ص: 500

هذه الحكمة، لماذا؟ لأن الزوج نفسه يشعر بأنه مفارق لهذه الزوجة فلا تحصل الألفة التي يطمئن بها القلب لا بين الزوج ولا بين الزوجة. ثانيا: أن الزوج في هذه الحال سيحاول بقدر الاستطاعة ألا تلد المرأة؛ لأنها مفارقة عن قرب، فسيحاول ألا يأتيه أولاد، وحينئذ تضيع هذه المياه التي كانت بصدد أن تنجب أولاداً بدون فائدة. ثالثا: أن في هذا مفسدة كبيرة للنساء؛ لأن هذا الرجل الذي يريد أن يتزوج نكاح متعة ليس له حد معين في العدد يتزوج ما شاء، فممكن أن يتمتع في الليلة الواحدة بعشر نسوة، يعني: في الشهر ثلاثمائة امرأة تفض بكارتها وتذهب هباء، وإذا قدرنا أن المتمتعين عشرات فكم من امرأة تفسد كل الأبكار تذهب بكارتهن بغير فائدة من سيتزوجها وهي ليست ببكر إلا إنسان بحاجة يعجز عن إدراك البكر ويتزوج امرأة ثيباً أو لغرض آخر يختار الثيب على البكر. ومنها أيضا: أن في هذا إهانة للمرأة وإهدار لكرامتها؛ لأن هذا المتمتع أصبح كالتيس بين الغنم لا يبالي بالنساء ولا يهتم بهن كأنه سلط عليهن لقضاء وطره فقط. ومنها أيضا: أن جميع ما يترتب على النكاح من الأحكام مفقود في المتعة، فيكون هنا استمتاع دون أن تترتب أحكام النكاح عليه مثل التوارث والمهر والأولاد وغير ذلك، كل هذه تفوت، وهذا لا شك أنه دمار، ولهذا كان من الحكمة أن الله سبحانه حرم نكاح المتعة وفي حديث سيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرمها إلى يوم القيامة وعلى هذا فلا يمكن النسخ؛ لأن الحكم إذا قيد إلى يوم القيامة فإنه لا يمكن نسخه بعد ذلك؛ إذ إننا لو قلنا بجواز النسخ لقلنا بجواز كذب خبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا شيء مستحيل.

953 -

وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء، وعن أكل الحمر الأهلية يوم خيبر. أخرجه السبعة إلا أبو داود. كأن المؤلف ساق هذا اللفظ ليبين انفصال النهي عن المتعة عن أكل لحوم الحمر قال:«نهى عن متعة النساء» . تم الكلام، «وعن أكل الحمر الأهلية يوم خيبر». قوله:«نهى عن متعة النساء» احترازاً من متعة الحج؛ لأن هناك متعتين الأولى: متعة الحج، وهذه ليست منهيا عنها، بل مأمور بها، إما أمر إيجاب وإما أمر استحباب، ومتعة الحج هو أن يحرم الإنسان بالعمرة في أشهر الحج ويتحلل منها ثم يحرم بالحج من عامة فتكون العمرة مستقلة عن الحج ويكون هو متمعاً بين العمرة والحج بما أحل الله له، ولهذا سمي تمتعا كما

ص: 501

قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196]. أي: بسبب العمرة وتحلله منها، تمتع بماذا؟ بما أحل الله له، لو أنك قدمت إلى مكة في أشهر الحج ومررت بالميقات وأنت تريد الحج لزمك أن تحرم من الميقات وتبقى في إحرامك إلى يوم العيد، وحينئذ لا تمتع بنساء ولا بطيب ولا غير ذلك من محظورات الإحرام، فإذا نويت العمرة من الميقات ودخلت مكة وطفت وسعيت وقصرت حللت وتمتعت بما أحل الله لك من محظورات الإحرام، إلى متى؟ إلى الحج، إن قدمت في ذي القعدة تمتعت إلى ثمانية من ذي الحجة، ولهذا جاءت «إلى» الدالة على الغاية هذه مأمور بها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها أصحابه وحتم عليهم، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنها كانت في تلك -أي: المتعة- واجبة على الصحابة وهذا هو الصحيح بمعنى: أنها واجبة على الصحابة سنة في حق غيرهم، وقد روي مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سئل عن المتعة فقال: كانت لنا خاصة، والمراد بهذا: وجوبها، أما مشروعيتها لعامة الناس فإن سراقة بن مالك سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ قال:«بل لأبد الأبد» لأنها مشروعة، لكن كانت واجبة على الصحابة؛ لأنهم هم الذين خوطبوا بها مباشرة، ولأن في عصيانهم إبطالاً لهذه الشرعة؛ لأنه إذا كان الصحابة المجابهون بالأمر يتركونها ولا يأتون بها كان من بعدهم من باب أولى، فلهذا كان قول شيخ الإسلام أصح مما مال إليه تلميذه ابن القيم من وجوب التمتع أو فسخ الحج إلى العمرة، بل نقول: على الصحابة واجبة وعلى من بعدهم سنة، ولهذا قيدها قال:«عن متعة النساء» ، فما هي متعة النساء؟ هي أن يتزوج الإنسان المرأة إلى أجل نهى عنها الرسول صلى الله عليه وسلم وعن أكل الحمر الأهلية يوم خبير، «الحمر الأهلية» قيدها احترازا من الحمر الوحشية، لأنه يوجد حمر وحشية تعتبر صيداً تعيش في البر، وقد اصطاد الصعب بن جثامة للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزل به بالأبواء، وكان الصعب كريماً، وكان عداء سبوقاً يسبق الحمر الوحشية ويصيدها، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحمار وحشي فرده النبي صلى الله عليه وسلم، فتغير وجهه وحق له أن يتغير أن يرد النبي صلى الله عليه وسلم هديته والنبي صلى الله عليه وسلم أكرم الناس خلقاً فتغير فقال:«إنا لم نردها عليك إلا أنا حرم» فاقتنع. على كل حال: الحمر الوحشية حلال، الحمر الأهلية حرام، لكن قيل: يوم خيبر حلال تذبح وتؤكل، وسبحان الله! قبل أن تحرم كانت من الطيبات وبعد أن حرمت كانت من الخبائث، لأن الحكم لمن؟ لله، فالله عز وجل بعد أن حرمها أودع فيها خبثاً، وكانت في الأول طيبة تؤكل كما يؤكل البقر، لكن لما حرمها الله صارت خبيثة أوجد الله فيها خبثا ولهذا أمر أبا طلحة عام خيبر: إن الله ورسوله ينهياكم عن لحوم الحر الأهلية فإنها رجس، أي: خبيثة نجسة. في هذا الحديث: دليل على تحريم نكاح المتعة فإذا عقد هل يصح أو لا؟ لا يصح، لأن

ص: 502

لدينا قاعدة مفيدة لطالب العلم وهي أن ما نهي عنه لذاته لا يكون صحيحاً ولو فعله الإنسان، فلو أراد شخص أن يصلي في أوقات النهي صلاة لا سبب لها فصلى صلاة خاشعاً فيها مطمئناً لا تصح الصلاة، وكذلك لو أن الإنسان عقد نكاح متعة لا يصح النكاح، كل شيء نهي عنه لذاته فإنه لا يصح، لو باع الإنسان بعد نداء الجمعة الثاني لا يصح البيع ولا ينتقل فيه الملك، بل يبقى المبيع ملكاً للبائع والثمن ملكاً للمشتري. فإذا قال قائل: ما الحكمة؟ لماذا لا تقولون إذا فعل المنهي عنه فهو آثم والعقد الصحيح؟ فالجواب: أن في تصحيح العقد مضادة لله ورسوله، لأن تحريم الشرع له يريد من الأمة ألا يبقى له كيان، وإذا صححناه أبقينا له كيانا وصار معتبرا، ويظهر هذا بالمثال: إذا باع شخص بيتاً على إنسان بعد نداء الجمعة الثاني البيع حرام، العقد باطل غير صحيح، لو قلنا: إن البيع حرام والمتعاقدان يأثمان، ولكن العقد نافذ وصحيح صار هذا مضادة للشيء، لأن الشرع إنما نهاك لئلا تعقد ولئلا ينتقل الملك إلى المشتري في المبيع وملك الثمن إلى البائع، فإذا صححناه فهذا ضد ما أراد الشارع. إذن القاعدة: كل ما نهي عنه لذاته من عبادة أو معاملة إذا وقع من المكلف فهو غير صحيح. ومن فوائد الحديث: تحريم لحوم الحمر الأهلية حتى ولو كانت صغيرة ولو سمينة، لو اضطر الإنسان إليها جاز الأكل لكن بقدر الضرورة، ودليل ذلك قوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ اليوم الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 3]. وإذا كان الخنزير وهو أخبث من الحمار يجوز عند الضرورة فالحمار من باب أولى، نحن قلنا: الخنزير أخبث من الحمار، لأن الخنزير لم يأت عليه يوم من الدهر وهو طاهر حلال، والحمار قد أتى عليه يوم من الدهر وهو طاهر حلال.

954 -

وعن ربيع بن سبرة عن أبيه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً» . أخرجه مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، وابن حبان.

ص: 503