المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

شيء فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم"، ويسلفون في الثمار يعني: يعطون دراهم إلى الثمرة الآتية، وهذا بيع تمر بدراهم مع تأخر القبض، وعلى هذا يكون هذا الحديث مخصوصاً بحديث ابن عباس رضي الله عنه في السلم، ولهذا قال الفقهاء في هذا الحكم: ليس أحدهما نقداً، يحرم ربا النسيئة في بيع كل جنسين اتفقا في علة، ربا الفضل ليس أحدهما نقداً، فإن كان أحدهما نقداً فإنه يجوز النساء، أما التفاضل فمعلوم.

‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

؟

قال بعض العلماء: لا يلحق بها غيرها؛ لأن التخصيص والتعيين يدل على اختصاص الحكم بما ذكر؛ ولأن الله تعالى قال: {وأحل الله البيع وحرم الربوا} [البقرة: 275]. فأطلق، فإذا كان لدينا آية يقول الله فيها وأحل الله البيع على سبيل العموم فإنه يجب ألا تضيق على عباد لله، وأن تجعل التحريم خاصاً بما جاءت به السنة في هذه الأصناف الستة فقط وما سواها لا نقيسه عليها، وإلى هذا ذهب الظاهرية وهم- كما تعلمون- أهل ظاهر يأخذون بالظاهر ولا يلتفتون إلى المعنى، هذه جادة مذهبهم، مع أنهم أحياناً يلتفتون إلى المعاني، وقد ذكر إلى أن أول من ذهب إلى هذا القول قتادة بن دعامة، وذهب بعض العلماء إلى اختصاص الحكم بهذه الأشياء الستة من أهل النظر، يعني: لا من أهل الظاهر، وعللوا ما ذهبوا إليه بأن العلماء اختلفوا في العلة- علة الربا-، واختلافهم في العلة يدل على أن العلة مضمونة؛ لأن العلة المتعينة لا يختلف الناس فيها غالباً، فلما اختلفوا فيها إلا على أنها مضمونة وإذا كانت مضمونة فلا يعمل بها، وعلى هذا فنقتصر على هذه الأصناف الستة لا من أجل أننا لا نعقل العلة أو أن ليس لها علة، لكن لأن العلة ليست معينة لدينا، لا بالكتاب ولا بالسنة ولا بالإجماع، فالناس مختلفون فيها مضطربون، إذن نلغي هذه الأقوال كلها ونقول: نقتصر على ما جاء به النص والباقي على الحل، وإلى هذا ذهب بعض أصحاب الإمام أحمد كابن عقيل من كبار أتباع الإمام أحمد رحمه الله وقال بعض أهل العلم: بل يلحق بهذه الأصناف الستة ما سواها في العلة، ثم اختلفوا على ذلك ما هي العلة؟ فقيل: العلة في الذهب والفضة أنهما موزونان، لأن الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يتبايعون في الذهب والفضة بالوزن وأحياناً بالعد، قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ليس فيما دون خمس أوراقٍ صدقة» هذا وزن، وفي حديث أنس بن مالك في الكتاب الذي كتبه أبو بكر رضي الله عنه في الصدقات:"في الرقة في مائتي درهم ربع العشر، فإن لم يكن إلا عشرون ومائة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها"

ص: 19

هذا عد، فقالوا: الذهب والفضة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تباع بالوزن وتباع بالعد، والرسول صلى الله عليه وسلم قال:«وزناً بوزن سواء بسواء» ، فالعلة في الذهب والفضة هو الوزن، وعلى هذا فكل موزون فهو ربوي، الحديد ربوي، والنحاس والرصاص كله ربوي، لأن العلة هي الوزن، العلة في البعضية الكيل، قالوا: فكل مكيل فإنه ربوي سواء مطعوماً أو غير مطعوم حتى الأشنان مثلاً تغسل به الثياب يجري فيه الربا، حتى الحنة الذي تمشط به المرأة يكون فيه ربا؛ لأنه مكيل، ولا عبرة بالأكل أو الاقتيات وهذا هو المشهور من مذهب الأمام أحمد بن حنبل رحمه الله، إذن إما غير معلل أو هو معلل، والعلة: الكيل والوزن.

وقال بعض العلماء: العلة في الذهب والفضة الوزن، والعلة فيما عداهما الطعام، يعني: مطعوم يؤكل، وعلى هذا سيجري الربا في كل ما يؤكل سواء كان مكيلاً أم غير مكيل، ولا يجري فيما لا يؤكل ولو كان مكيلاً، بناء على هذا القول الأشنان والسدر والحنة ليس فيه ربا، البرتقال والتفاح والرمان فيه ربا؛ لأنه مأكول مطعوم، فالعلة الطعام الرز البر والشعير فيه ربا على القولين جميعاً؛ لأنه مكيل ومطعوم.

القول الرابع يقول: العلة الاقتيات أنه مطعوم، ويقتات يعني: يتخذ قوتاً يأكله الناس على أنه قوت لا على أنه تفكه، وعلى هذا فنقول: إذا وجد شيء يكال أو يوزن لكنه ليس قوتاً للناس فإنه ليس فيه ربا، وهذا مذهب مالك رحمه الله وإليه يميل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم أن العلة هي القوتمع الكيل فإذا لم يوجد إحدى العلتين فإنه ليس فيه ربا.

وإذا دققت النظر وجدت أن الأشياء الأربعة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم البر والشعير والتمر والملح وجدت أنها مكيلة لا شك وأنها مطعومة يقتاتها الناس.

والقول الخامس: أن العلة في الذهب والفضة الثمينة أنها ثمن الأشياء وقيمة الأشياء والعلة في الأربعة أنها قوت للناس يقتاتونها وليست من الكماليات، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن على ذلك القول يجري الربا في كل ما كان أثماناً سواء كان من الذهب أو من الفضة أو من الحديد أو من الخشب أو من الورق أو من أي شيء ما دام جعل ثمناً للأشياء ففيه الربا، وما كان قوتاً ففيه الربا، وما ليس بقوت فلا ربا فيه، وما ليس بثمن فلا ربا فيه، وهذا القول لا بأس به لكنه يرد عليه أنه ثبتت السنة بجريان الربا في الذهب وليس بثمن ويعني: وهو

ص: 20

ليس بثمن كما في حديث فضالة بن عبيد في شراء القلادة من الذهب بأثني عشر ديناراً فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تباع حتى تفصل؛ لأن فيها خرزاً.

والظاهر لي- والله أعلم- أن نقول: العلة في الذهب والفضة أنها ذهب وفضة فيجرى الربا في الذهب والفضة مطلقاً كما جاء به النص سواء كان ثمناً أو كان حلياً أو تبرا أو غير ذلك يجري في الربا بكل حال، أما إذا كان هناك أثمان من غير الذهب والفضة فإنها تلحق به إلحاقاً في أن العلة هي الثمينة؛ يعني: فيه شبهة قوية، ولأننا لو لم نلحق هذه الأثمان بالذهب والفضة لأرتفع الربا غالباً في الوقت الحاضر؛ لأن الناس الآن لا يتعاملون إلا بالأوراق النقدية، وإذا قلنا: ليس فيها ربا معناه: أن هذه البنوك ليست تتعامل بشيء محرم لأنه ليس في الورق ربا، والفقهاء- رحمهم الله قالوا: إذا كان النقد من الذهب والفضة فيه الربا ربا الفضل وربا النسيئة، وأما إذا كان النقد غير ذهب ولا فضة ففيه ربا النسيئة دون ربا الفضل فقالوا: ليس في الفلوس ربا إلا أن تكون نافقة يعني: دارجة متداولة ففيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، وبعضهم عبر بقوله: لا ربا فيها مطلقا، لكن القول الأول أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل هو الصحيح، وعلى هذا فالأوراق النقدية لا يجري فيها ربا النسيئة، قول متوسط، ليس كقول من يقول: إنها عروض مطلقاً ليس فيها ربا وليس فيها زكاة، وليس كقول من يقول: إنها كالذهب والفضة فيها ربا فضل ونسيئة، بل هذا وسط بين القولين أنه يجري فيها ربا النسيئة دون ربا الفضل، يعني: لا يجوز أن أصرف نقداً بنقد غائباً بناجز، ولكن يجوز أن أصرف عشرة بثمانية ناجزاً يداً بيد أو أكثر أو أقل؛ لأن هذه الأشياء ليس لها قيمة ذاتية، إنما قيمتها تبع للعرض والطلب أو سبب لما تقرره الدولة أو الحكومة، فمثلاً عندنا قدرت الحكومة أن الورقة ذات الريال الواحد تقدر بريال واحد من المعدن ولو شاءت لقالت: تقدر بريالين كالنصف والربع/ فهذا تقويم نظامي فقط، وعلى هذا فيمكن أن يكون خاضعاً للعرض والطلب، فإذا رخصت الأوراق صار صرف هذه العملة النقدية أرخص، وإذا غلت صارت أغلى، وأنا أذكر أن الناس كانوا يفضلون الورق النقدي على الريال الفضي، والآن الريال الفضي يساوي عشرة ريالات ورقية.

فأصبح الأقوال في هذه المسألة: أن العلة في الذهب والفضة كونها ذهباً وفضة، يعني: هذا الجنس يجري فيه الربا على كل حال، ثم لشبهة علة الثمنية أن أقول: ما جعل ثمناً في الأشياء وقيمة فإنه يجري فيه ربا النسيئة دون ربا الفضل؛ لان الأصل الحل: {وأحل الله البيع} حتى نتيقن أنه يدخل في الأموال الربوية، ولولا الفساد الكبير لقلنا: إنه لا يجري فيه لا ربا الفضل ولا ربا النسيئة، لكن لا شك أن هذا القول يترتب عليه فساد عظيم، يترتب عليه حل، ويترتب

ص: 21

سقوط الزكاة عن الأغنياء في الوقت الحاضر؛ لان أموال الناس الآن أوراق، فلو قلنا بأنها عروض مطلقا- كما قال به بعض الفقهاء- لسقط الربا فيها، ولسقطت الزكاة، ولحصل فساد كبير، فالحاصل: أن القول الوسط أننا نلحقها بالثمينة في وجوب الزكاة وفي ربا النسيئة فقط، وهذا هو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي، بل إنه رحمه الله يجيز تأخير القبض إذا تؤجل إذا لم يكن فيه أجل؛ يعني: أنه تصرف عشرة دراهم سعودية بدينار كويتي مثلاً مع تأخر القبض بشرط ألا يكون التأخير مؤجلاً ولكن الذي أرى أنه يجب التقاضي قبل التفرق ولا يجوز التفرق قبل القبض.

ما تقول في رجل أبدل برتقالة مغربية ببرتقالتين مصريتين؟ على قول من يقول: إن العلة الطعم فإنه لا يجوز، وعلى قول من يقول: إن العلة في الاقتيات فإنه يجوز؛ لأن هذا ليست بقوت، وكذلك من يرى أن العلة الكيل فإنه يجوز؛ لأنه لا يكال.

ما تقول فيمن أبدل صاعا من السدر بصاعين من السدر؟ من قال: إن العلة في الكيل فإنه لا يجوز؛ لأنه مكيل ومن قال: إن العلة الطعم فإنه يجوز.

على كل حال: الآن فهم الحكم، الأحكام هذه تبني على اختلاف العلماء- رحمهم الله في علة الربا.

من فوائد الحديث الأول حديث ابن مسعود: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بتصنيف الكلام وتنويعه حيث قال: «الربا ثلاث وسبعون باباً» .

ومن فوائده: أن الشارع قد ينص على الشيء مجملاً ويكل العلم بتفصيله إلى الناس ليتتبعوه، وهذا فيما يمكن أن يدرك بالتتبع؛ لأنه قال:"ثلاث وسبعون باباً"، ولم يبينها، لكن العلماء يتتبعونها حتى يعرفون، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة» ، ولم يبينها لكنها مبينة بالتتبع تعرف وإنما قلت لكنها مبينة لئلا يرد علينا مذهب أهل التعطيل في صفات الله كالذين يقولون: إن الله أراد بها معنى غير ظاهرها ووكل علمه إلى الناس ليدركوه بعقولهم، فإن هذا قول باطل وليس مثل مسألتنا؛ لان نصوص الصفات بينه واضحة لا تحتاج إلى تحريف.

ومن فوائد الحديث: أن الربا من أكبر الكبائر؛ لأنه جعل أيسر هذه الأبواب مثل أن ينكح الرجل أمه.

ص: 22

ومن فوائد الحديث: أن استطالة الإنسان في عرض المسلم من أربى الربا؛ لانه لا يكلفه شيئاً فيزداد في استطالته في عرضه فيكسب آثاماً كثيرة وهو لا يدري لقوله: "أربى الربا"، وعلى هذا فيكون اسم التفضيل بالنسبة للكمية لا للكيفية.

ومن فوائد الحديث: التحذير من الربا؛ لان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أيسره مثل أن ينكح الرجل أمه.

ومن فوائده: التحذير من أعراض المسلمين؛ حيث قال: «إن أربى الربا عرض الرجل المسلم» .

وأما حديث أبي سعيد ففيه دليل على: تحريم بيع الذهب بالذهب متفاضلاً، ويؤخذ من عمومه: أنه لا فرق بين كون أحد العوضين أجود من الآخر؛ لعموم قوله": "لا تبيعوا الذهب بالذهب"، أو مصنوعاً والآخر غير مصنوع لعموم قوله: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل".

ومن فوائد الحديث: تحريم بيع الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل، ويقال فيها ما قيل في الذهب.

ومن فوائد الحديث: أنه يحرم تأخير القبض فيما إذا بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والذهب بالفضة، ولهذا أعقب الجملة فقال:"لا تبيعوا منها غائباً بناجز".

ومن فوائد الحديث: كمال بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث إنه- عليه الصلاة والسلام فصل تفصيلاً كاملاً في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة.

وحديث عبادة بن الصامت فيه دليل على: أن هذه الأصناف الستة يجري فيها الربا، وأن الربا فيها نوعان: ربا فضل وربا نسيئة، فغن بيع الشيء بجنسه اجتمع في ربا الفضل وربا النسيئة، وإن بيع بغير جنسه ففيه ربا النسيئة فقط، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم:«مثلاً سواء بسواء يداً بيد» هذا فيه التماثل والتقابض، فإذا اختلفت هذه الأصناف "فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد" هذا فيه ربا النسيئة إذا اختلف الجنس، وظاهر الحديث شمول هذا الحكم فيما إذا باع تمراً بدراهم أو بدراهم أو شعيراً بدراهم أو ملحاً بدراهم، لكننا ذكرنا في أثناء الشرح أن السنة قد دلت على عدم وجوب التقابض فيما إذا كان أحدهما نقداً، وما هي السنة التي بينت ذلك؟

حديث ابن عباس: «كان الناس يسلفون الثمار السنة والسنتين فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك» .

[نكمل حديث أبي هريرة] وقوله في حديث أبي هريرة: "فمن زاد أو أستزاد فهو ربا". زاد شيئاً بدون طلب، "استزاد": طلب الزيادة، فالذي يزيد ويعطي الزيادة مربي، والذي يطلب الزيادة أيضاً مربي، ومعلوم أن الزيادة فيها باذل ومبذول له، فالمبذول له هو المستزيد، والباذل هو الزائد، وكلاهما واقعان في الربا، أما الآخذ للزيادة فوقوعه في الربا ظاهر، وأما الثاني فلأنه

ص: 23

معين على ذلك وراضٍ به، ولأن هذه الزيادة نشأت من عقد واحد فكانا فيها سواء، فلهذا قال:"فمن زاد أو استزاد فهو ربا".

وهذا الحديث وحديث عبادة وحديث أبي سعيد الأول يغني عنهما حديث عبادة؛ لانه أشمل واوسع مدلولاً، وفيه ذكر النوعين من الربا ربا: الفضل وربا النسيئة، يعني: لو أن المستدل الذي أراد أن يتكلم على تحريم الربا اقتصر في الاستدلال على حديث عبادة لكان كافياً، لكن أتى المؤلف بهذين الحديثين من باب توكيد المسألة، وأن الأمر لم يأت من طريق واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل جاء من عدة طرق.

في هذا الحديث دليل على ما سبق من وجوب التساوي في بيع الذهب بعضه ببعض، ووجوب التساوي في بيع الفضة بعضها ببعض، وأن المعيار لابد أن يكون هو الوزن، وان الآخذ للربا والمعطي كلاهما واقعان في الربا.

800 -

وعن أبي سعيد ألخدري وأبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله «استعمل رجلاً على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكل تمر خيبر هكذا؟ فقال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً» . وقال في الميزان مثل ذلك. متفق عليه.

- ولمسلم: "وكذلك الميزان".

قوله: "استعمل رجلاً"، هذا الرجل اسمه سواد بن غزيه، وإبهام الرجل أو بيان اسمه الغالب أنه لا يتعلق به حكم ويكون خفاء اسمه من الشيء الذي إن جهله الإنسان لا يضر وإن علمه فهو زيادة خير لكن ليس بلازم في الغالب ولا يترتب عليه حكم يقول:"استعمل على خيبر" أي جعله وكيلاً في قبض ما يستحقه المسلمون منها "فجاء بتمر جنيب" التمر الجنيب هو الطيب الذي يكون قاسياً شديداً لأن التمور تختلف منها ما يكون ليناً ليس فيه شحم ومنها ما يكون صلباً قوياً شديداً طيباً فالثاني يسمى الجييب يعني: التمر الطيب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أكل تمر خيبر هكذا؟ » يسأل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم عن هذه الأشياء ولا يعلم عن كل تمر خيبر فسأل فقال: "لا والله يا رسول الله" يعني: ليس كل تمر خيبر هكذا بل فيه التمر الطيب وفيه التمر الرديء "وإنا لنأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة" قوله بالصاعين أي من تمر خيبر وبالثلاثة أي من تمر خيبر أيهما أرخص الصفقة الأولى أو الثانية الصاع بالصاعين يعني: المائة بالمائتين، الصاعين بالثلاثة يعني المائتين بخمسمائة، يعني ثلاثة أخماس هذا نسبة الثلاثمائة، إلى الخمسمائة ثلاثة أخماس وذلك نسبته النصف فأيهما أكثر؟

ص: 24

لو أخذنا بالأول الصاع بالصاعين كم يكون الصاعين؟ أربعة، وإذا كان الصاعين خمسة صار الصاعين أربعة أصواع ونصف صار الأخير أرخص، يعني: التمر الرديء أرخص يأخذ الصاع بصاع ونصف، يعني الطيب أرخص بالنسبة للذي أخذ صاع بصاعين، وبالعكس إذا أخذ الصاعين بالثلاثة، المهم أنهم كانوا يأخذون إما المائة مائة أو المائتين ثلاثمائة، يعني: معناه أرخص من الأول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تفعل هذه ""لا" ناهية يعني: لا تفعل هذا الفعل فتشتري شيئاً أقل بشيء أكثر من التمر ثم أرشده فقال: "بع الجمع بالدراهم" لما منعه من صورة الربا أرشده إلى صورة الحلال فقال: "بع الجمع بالدراهم" الجمع هو: التمر المجمع المخلوط، والغالب أن التمر المجمع المخلوط أنه يكون رديئاً؛ لأنه يكون من الأنواع الرديئة ويخلط جميعاً ولا يعتني به ما ينقي ولا يهذب، "ثم ابتع بالدراهم جنيباً" يعني: اشتر تمراً طيباً.

وفي لفظ لمسلم قال: "ردوه" يعني: ردوا هذا التمر، وهذا اللفظ فيه فائدة عظيمة وهي أن العقد وإن كان صاحبه جاهلاً إذا كان محرماً يجب رده وإبطاله؛ لأن في إنقاذه معصية لله ورسوله واعتباراً لما ألقاه الشرع. وقال:"في الميزان مثل ذلك" ما المراد بالميزان؟

قال بعض العلماء: المراد به: كل ما يوزن، وقال بعض العلماء: المراد بالميزان: الذهب والفضة لأنها توزن، يعني قال بالذهب والفضة مثل ما قال في بيع التمر بالتمر.

فإذا قال قائل: ما مناسبة ذكر الميزان في هذه الصورة؟

فالجواب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من حسن تعليمه إذا ذكر الشيء ذكر ما يمكن أن يحتاج إليه السائل وغن لم يسأل عنه، وهذا من الجود بالعلم، كما لو سألك فقير قال: أعطني قميصاً، فأعطيته قميصاً وعمامة، فغن هذا من الكرم بالمال والزيادة على سؤال السائل، ونظير هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن البحر فقال:"هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، مع انه لم يسأل عن الميتة، لكن من ركب البحر سيحتاج إلى الأكل، فبين النبي صلى الله عليه وسلم ما يمكن أن يحتاج إليه؛ لان ميتته طاهرة، هذا الحديث كما ترون أصله بيع تمر بتمر متقابلاً هذا أصله، والرسول صلى الله عليه وسلم حكم هذه المسألة بياناً شافياً كاملاً.

فيستفاد من الحديث: جواز استعمال الرجل الواحد في قبض الزكاة ومحاسبة الشركاء، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر، ومن المعلوم أن خيبر ثمارها شطرها للمسلمين والشطر الثاني للهيود على سبيل المساقاة، ولكن يشترط في العامل أن يكون ذا خبرة وأن يكون أميناً، وهذان الشرطان شرط في كل معاملة أسندت إلى شخص أن يكون الشخص ذا خبرة وأن يكون أميناً، وقد أشار الله إلى ذلك في كتابه، فقال عز وجل عن العفريت من الجن الذي قال لسليمان:{أنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوى} [النمل: 39]. وهذه الخبرة {أمين} وهذه

ص: 25

الأمانة، وقالت ابنة شعيب صاحب مدين:{يا أبت استئجره -يعني: موسى- إن خير من استئجرت القوى الأمين} [القصاص: 26]. فلابد فيمن استعمل على عمل أن يكون ذا خبرة وأن يكون أمينا.

ومن فوائده: أن اختلاف الجنس في الجودة والرداءة لا يؤثر في منع الربا، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رواية أخرى: "عين الربا" يعني: هذا عين الربا مع أن القيمة مختلفة، فإن الرديء لا يساوي في القيمة الجيد ومع ذلك منع الرسول صلى الله عليه وسلم الفضل بينهما بين التمرين؛ لأنهما من جنس واحد.

ومن فوائد الحديث: أن اختلاف النوع لا يؤثر أي في منع الربا، والفرق بين النوع والجنس؟ التمر كله جنس، لكنه أنواع: سكري، شقراء، أم الحمام، أنواع كثيرة، لكن ثلاثة أنواع: الأول أحسن، وعلى هذا فلا يجوز أن أبيع صاعا من السكري بصاعين من الشقر وإن كان النوع مختلفا، بدليل أن "الجمع" تمر مخلط مختلف الأنواع، ومع ذلك منع الرسول صلى الله عليه وسلم بيعه متفاضلا بالجنيب الذي لم يخلط معه شيء، فدل هذا على أن اختلاف النوع لت يؤثر في منع الربا.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز إمضاء العقد المشتمل على محرم؛ بل الواجب أن يعاد هذا العقد وأن يفسخ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: "ردوه" وهذا يدل على بطلان العقد وإن كان الإنسان جاهلا.

فإن قال قائل: أليس الله تعالى قال في كتابه: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} [البقرة: 286].

فالجواب: بلى قال ذلك، ونحن لا نقول: إننا نؤاخذك بخطئك أو نسيناك، بل أنت معذور وليس عليك إثم، لكن إمضاء العقد الذي أبطله الشرع بعد أن تعلم أنه باطل لابد أن تبطله لو أنك تعمدت عن علم وذكر لكنت آثما مع وجوب الرد، أما الآن فلست بآثم لكن يجب الرد.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان المفتي إذا ذكر المنع أن يذكر للناب باب الحل حتى إذا أغلق الباب من جهة انفتح من جهة أخرى، وجه ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشده إلى هذا لما قال هذا ممنوع أرشده فقال: "بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبا"، وهكذا ينبغي للمفتي وللعالم ولكل من يتكلم في أمر الشرع إذا ذكر للناس الباب الممنوع أن يذكر لهم الباب الجائز حتى تمشي أحوالهم؛ لأن الناس لابد أن يتعاقدوا ويتعاملوا، ومن هذا لو أن الإنسان ذكر للناس بدعة يتعبدون لله وقال لهم: هذه بدعة ينبغي أن يفتح لهم باب سنة، فمثلا يقول: يغني عنها كذا وكذا، مثلا إذا قال: بدعة المولد وما دمنا الآن في شهر ربيع الأول الليلة الخامسة عشرة فإننا قريب عهد بمن يختلفون بالليلة الثانية عشر من هذا الشهر بما يقولونه من صلوات على النبي صلى الله عليه وسلم إذا قلنا لهم: إن هذا بدعة وليس بسنة لا عن الرسول ولا

ص: 26

عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أئمة المسلمين نقول: بدل من هذا الذي تدعون أن فيه ذكرا للرسول صلى الله عليه وسلم إما أن نقول لكم: إن ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فرض كفاية على المسلمين كل يوم خمس مرات عند حلول الصلوات في الأذان أشهد أن محمدا رسول الله على رءوس الأشهاد، وإن ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في كل عبادة فإن الإنسان الفطين الكيس يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليس باسمه ولكن يذكر بالاتباع كل عبادة فيها من الإخلاص لله والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأنت حين تستحضر المتابعة سيكون في قلبك ذكر للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم في الصلوات الخمس السلام عليك أيها النبي فرض إما أن تكون فرضا مرتين في الصلاة الخمس السلام عليك أيها النبي فرض إما أن تكون فرضا مرتين في الصلاة أو مرة واحدة، فإذا ذكرنا لهم هذه البدعة نقول: عندكم سنن كثيرة، فالمهم أن الإنسان الذي يتصدى الناس بالإفتاء أو غيره إذا ذكر لهم الشيء الممنوع فليذكر لهم الشيء الذي يحل محله، وهذا كما أنه مما وجه إليه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه مما وجه إليه الخالق عز وحل فقال الله تعالى:{يا أيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا} [البقرة: 104]. لما نهى عن هذه اللفظة {راعنا} [البقرة: 104] فتح لهم لفظ آخر فقال: {انظرنا} [البقرة: 104] حتى يستغنوا بما أباح الله عما حرم الله ومن ذلك قول لوط عليه الصلاة والسلام لقومه: {أتأتوان الذكران من العالمين وتذرونا ما خلق لكم من أزواجكم} [الشعراء: 166].

فالحاصل: أن هذه من الأشياء التي في كتابه ووجهت إليها المرسل، بمعنى: أنك إذا سددت بابا على الناس فافتح لهم أبواب الحل.

ومن فوائد الحديث: أن بعض العلماء استدل به على جواز العينة أو على جواز الحيلة كما يقولون: بع التمر بالدراهم إذا بعته على زيد بدراهم واشتريت به -بالدراهم- تمرا طيبا فيقولون: إن هذا يدل على جواز التحيل على الربا؛ كيف؟ لأنك بدلا من أن تقول: خذ هذه التمر الرديء بعشرة ريالات وأعطني صاعا بعشرة ريالات، وهذه حيلة، يعني: تمر دخلت بينهما دراهم غير مقبوضة، ولكن هذا الاستدلال ليس بصحيح؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيبا» مطلق، ما قال: اشتر ممن تبيع عليه ولا اشتر من غيره، فهو مطلق، والمطلق يقيد بما دلت عليه السنة طريق آخر، فإن السنة دلت على تحريم الحيل كما في قوله صلى الله عليه وسلم:«قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها حملوه، يعني: أذابوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه» ، فدعا عليهم لكونهم تحيلوا لما حرمت عليهم الشحوم قالوا: لا نأكلها نذوبها ثم نبيعها ثم نأخذ الدراهم.

وقال صاحب كتاب "الحيل" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود

ص: 27

فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل»، ومن المعلوم أن الذي يحرم صاعا بصاعين من التمر تأبى حكمته أن يحل لك أن تقول بعتك هذين الصاعين بعشرة دراهم فأعطني بها صاعا من التمر الطيب! ! هذا تلاعب، فليس في الحديث دليل على ما ذهبوا إليه، لأنه مطلق، والمطلق يجب أن يقيد بما دلت عليه النصوص من تحريم الحيلة.

ومن فوائد الحديث: جواز اختيار الأجود من المأكولات وأنه لا ينافي الزهد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الرجل على اختيار التمر الجيد ليطعم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل: لا، فاختيار الأجود من الأنواع لا شك أنه جائز لهذا الحديث، ولم يناف الزهد؛ لأن الزهد حقيقة ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يضر في الآخرة، فالزهد يترك كل شيء لا ينفعه في الآخرة.

فإن قال قائل: إذا قلنا: إن اختيار الأجود من المأكولات لا ينافي الزهد فهل يمكن أن نحوله إلى زهد؟

فالجواب: نعم، إذا صد الإنسان التعبد بهذا المأكول الطيب لمنة الله به عليم وليعرف منة الله بذلك صار عبادة فصار نافعا في الآخرة.

ومن فوائد هذا الحديث: جريان الربا في الذهب والفضة إذا خصصنا لفظ "الميزان" بهما أو في كل موزون إذا قلنا بالعموم، وأنه لا يجوز التفاضل.

ومن فوائد الحديث: الرد على الذين قالوا بجواز الربا إذا لم يشتمل على ظلم، حيث عللوا تحريمه بأنه ظلم وقالوا: إذا انتفت العلة انتفى الحكم وبنوا على هذا جواز الربا للاستثمار لا للاستغلال من أين يؤخذ؟ من أن هذه المعاملة أخذ منه صاع طيب ورد عليه صاعان رديئان، وكذلك باذل الزيادة لم يظلم، لأنه يرى أن أخذ الصاع الطيب بالصاعين كسب له وليس فيه ظلم له، فدل هذا على أن الربا ممنوع سواء وجدت العلة التي من أجلها ثبت الحكم أم لم توجد، وهذا الحديث لا شك أنه يدمغ هؤلاء الذين قالوا بالجواز إذا كان الربا من أجل الاستثمار وتنمبة الاقتصاد كما زعموا، فنقول: هذا الحديث ليس فيه ظلم بل فيه اختيار.

ومن فوائد الحديث: أن الله سبحانه إذا حرم على عباده شيئا فتح لهم بابا للحل، بل إننا نقول: إن أبواب الحل أكثر من أبواب المنع أخذا من قوله سبحانه وتعالى فيما كتب عنده: "إن رحمتي سبقت غضبي"، فالغضب يترتب عليه المنع كما حرم الله على الذين هادوا بسبب ظلمهم:{فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم} [النساء: 160]. والرحمة سبب السعة والحلم، وباب المباحات في المعاملات أكثر من باب المحرمات.

ص: 28