المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة: - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

وقوله: "أمر بالمؤاجرة" فيه دليل على إباحة دفع الأرض بأجرة تسلم لصاحب الأرض سواء زرعا المستأجر أم لم يزرعها، وسواء كسب من ورائها مثل الأجر أو أقل أم لم يكسب شيئًا، انتهى الكلام عن المساقاة.

وهنا مسألة: وهي لو أعطيت الأرض شخصًا وقلت: إن زرعتها برًا فلك النصف، وإن زرعتها شعيرًا فلك الثلث فهل يجوز هذا؟ الصحيح أنه يجوز، وقد ثبت ذلك من فعل عمر فقد كان رضي الله عنه يدفع الأرض للزارع ويقول: أنت بالخيار، لكن إن زرعت برًا فلي النصف ولك الباقي، وإن زرعت شعيرًا فلي الثلثان ولك الباقي لماذا زاد سهمه إذا كان شعيرًا؟ لأن الشعير أرخص من البر؛ ولهذا يبعد أن يقول: إن زرعتها برًا فلي النصف، وإن زرعتها شعيرًا فلي الثلث، هذا بعيد، لكن ربما يأتي يوم من الأيام يكون الشعير أغلى من البر.

على كل حال: هذا لا بأس به، وهذا الأثر الوارد عن عمر رضي الله عنه بجواز هذا دليل على جواز قول القائل: أبيعك هذا الشيء بعشرة نقدًا أو بعشرين لمدة سنة ثم يقبل المشتري بأحد الثمنين، فإن الصحيح أن ذلك جائز، وأن هذا ليس من البيعتين في بيعة.

‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

870 -

وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: «احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الذي حجمه أجره، ولو كان حرامًا لم يعطه» . رواه البخاري.

قوله: "احتجم" أي: طلب من يحجمه، والحجامة: عبارة عن إخراج الدم الفاسد في البدن، وهي نافعة قرنها النبي صلى الله عليه وسلم بالعسل والكي وقال:"الشفاء في ثلاث وذكر منها شرطة محجم"، ولها أطباء معروفون يعرفون من أين يحجمون وفي أي موضع، ويعرفون الإنسان يحتاج إلى الحجامة أو لا يحتاج، وقد كان الناس يفعلونها كثيرًا، وإذا اعتادها الإنسان فإنه لابد أن يفعلها، وإذا لم يفعلها كثر عليه الدم، وربما يؤثر عليه، حتى إن الإمام أحمد قال: لو هاج به الدم وهو صائم في رمضان فله أن يحتجم ويفطر، ثم إن الحجامة لها مواضع معينة في البدن، ولها أزمنة من الشهر، فلا تفعل في نصف الشهر ولا في أول الشهر ولا في آخر الشهر، يعني: لا تفعل حين ضعف الهلال من أول الشهر، ولا من آخره، ولا حين امتلائه بالنور؛ لأن فوران الدم في الأجسام له صلة بنور القمر فهو يغار في أول الشهر وفي آخره وعند

ص: 248

وسطه يزداد فورانه، والحجامة في هذا وفي هذا ليست جيدة؛ لأنها في حال فوران الدم ربما يخرج دم كثير من الإنسان يضره وفي حال انقباضه وغوره ربما تكون الحجامة مؤثرة؛ لأن الدم يكون أنقص، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد الأوقات التي ينبغي أن يحتجم فيها الإنسان، من أراد أن يطلع عليه فليفعل.

يقول: "احتجم وأعطى الذي حجمه أجره"، ولم يبين الأجر؛ لأنه لا فائدة من بيانه.

ثم قال: "ولو كان حرامًا لم يعطه" يعني: لو كان أجر الحاجم حرامًا لم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم إياه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يفعل الحرام؛ لأنه مشرع؛ ولأنه أتقى الناس لله عز وجل وأخشاهم له فعلا يفعل.

871 -

وعن رافع بن خديجٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كسب الحجام خبيث» رواه مسلم.

هل كسب الحجام من البيع بالبر والرز والسكر والثياب؟ لا، ولكن من حجامته، من أين نأخذ من حجامته؟ من الوصف، يعني: كسب الحجام بحجامته كما لو قلت: المتقي في الجنة من أجل تقواه.

"كسب الحجام خبيث" يعني: أجرة الحجام التي يكتسبها من حجماته خبيثة، الخبيث يطلق على الحرام، ويطلق على الرديء، ويطلق على المكروه الذي تكرهه النفوس وتعافه النفوس، فمن إطلاقه على الحرام قوله تعالى:{ويحل لهم الطيبت ويحرم عليهم الخبئث} [الأعراف: 157]. إذن يحرم المحرمات، فالخبيث هنا المحرم، ومن إطلاقه على الردي قوله تعالى:{ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون} [البقرة: 267]. الخبيث: يعني: الرديء، ومن إطلاقه على ما تعافه النفس وتكرهه قول النبي صلى الله عليه وسلم في البصل والثوم:«إنها شجرة خبيثة» ، يعني: تكرهها النفوس وتعافها.

نأتي إلى كسب الحجام هل نقول: إن المراد بقوله "خبيث": حرام؟ ممكن، هل المراد بذلك أن النفس تعافه؟ ممكن، هل المراد أنه رديء مخالف للمروءة؟ ممكن، إذن ما دام الاحتمال قائمًا بين هذا وهذا وهذا فإنه لا يمكن الاستدلال بالحديث على التحريم، لماذا؟ لأنه مع قيام الاحتمال سقط الاستدلال، إذ لا يتعين أن المراد بالخبيث: الحرام، ولهذا احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره، ولو كان المراد بالخبيث الحرام لم يعطه، وكان الذي ينبغي من حيث الترتيب أن يذكر حديث ابن عباس بعد حديث رافع لأجل أن يرفع حديث ابن عباس الوهم الذي يحصل من حديث رافع، لكن على كل حال المسألة من باب الأولوية.

ص: 249

هذان الحديثان - كما ترون - قد يبدو بينهما تعارض، فإن حديث رافع بن خديج احتمال أن يكون المراد به التحريم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بالخبيث من أجل المبالغة في التنفير عنه، ولم يقل: لا يأخذ الحجام الأجرة، بل قال: خبيث مبالغة في النفير عنه، وإلى هذا ذهب بعض العلماء وقال: إنه لا يجوز أن يأخذ أجرة على حجامته، لكن هذا القول ضعيف ويضعفه حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره.

ثانيًا: يضعفه أن لقوله: "كسب الحجام خبيث" ثلاثة معانٍ، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال.

ثالثاً: أنه مخالف لقواعد الشريعة؛ لأن القاعدة الشرعية أن ما جاز أخذ العوض عنه كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم شيئًا حرم ثمنه» ، فمفهومه: أنه إذا أباح شيئا أباح ثمنه، وإذا كان عملاً فإن ثمنه الأجرة، فإذا أبيح العمل أبيحت أجرته.

والحجامة هل هي حرام أو حلال؟ حلالا، هذا أدنى ما يقال فيها، فإذا كانت حلالاً فأخذ العوض عليها حللا، وبهذا تبين أن الذين قالوا بتحريم كسب الحجام واستدلوا بالحديث تبين أن قولهم هذا ضعيف لوجوه ثلاثة.

هل يمكن أن نستدل بمعنى آخر وهو أننا لو قلنا بأن كسب الحجام حرام لأدى ذلك إلى عدم وجود الحجامين؟ نعم، فتعطل مصلحة للمسلمين وهي الحاصلة بالحجامة؛ لأننا لو قلنا للحجام استأجر حانوتًا وهات كراسٍ وهات آلات الحجامة، واقتطع جزءًا كبيرًا من وقتك لتحجم الناس ثم إياك أن تأخذ منهم قرشًا لأنه حرام ماذا يقول؟ يقول: لا أشتغل، فيتعطل شيء فيه مصلحة وهي الحجامة.

من فوائد حديث ابن عباس: جواز الحجامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، بل إن الحجامة أحيانًا تكون مطلوبة وذلك فيما إذا تضرر الإنسان بتركها، والذين يعتادونها إذا تركها يتضررون ويبتعهم فوران الدم حتى يحتجموا.

ومن فوائد الحديث: أن الحجامة طب نبوي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعلها.

ومن فوائد الحديث: أن أجرة الحاجم حلال، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحاجم أجره، ولو كان حرامًا لم يعطهز

ومن فوائده: الاستدلال بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأن الأصل أن لنا فيه أسوة هذا هو الأصل، فلو ادعى مدعٍ الخصوصية قلنا: عليك الدليل، وبهذا نعرف ضعف ما سلكه بعض العلماء المتأخرين

ص: 250

كالشوكاني رحمه الله في أنه أدنى معارضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم مع فعله يحملها على الخصوصية مع أن الجمع ممكن، وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة وسنة كما أن قول كذلك، فمتى أمكن الجمع بين الفعل والقول وجب الجمع بينهما، ولا يحمل على الخصوصية إلا إذا تعذر الجمع.

ومن فوائد الحديث: بيان فقه ابن عباس رضي الله عنه وأنه أتى بدليل منطقي في مقدمة ونتيجة قال: "أعطاه ولو كان حرامًا لم يعطه"، وبه نعرف أن ما ذهب إليه المنطقيون من تضخيم على المنطق، وأن من لم يحط به علمًا على يقين من أمره، ولهذا قالوا: لابد أن نتعلم المنطق من أجل أن نعتقد المعتقد الصحيح، ولكن شيخ الإسلام قابل هذه الدعوى عندهم فقال: إني كنت أعلم دائمًا أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد، إذن فهو إضاعة وقت.

أما حديث رافع بن خديج وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كسب الحجام خبيث" ففيه دليل على دناءة كسب الحجام، واستدل به بعض العلماء على أن كسب الحجام حرام، ووجه استدلاله بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«كسب الحجام خبيث ومهر البغي خبيث» ، فقرنه بمهر البغي، والبغي هي الزانية، ومهرها هو ما تعطاه على الزنا، ومعلوم أنه حرام، قالوا: فهذا دليل على أن كسب الحجام حرام، ولكن يعارض هذا الاستلال بما استدل به عبد الله بن عباس من أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجره ولو كان حرامًا لم يعطه، ثم نقول: إن دلالة الاقتران ضعيفة، صحيح هي قرينة لكنها ليست لازمة بمعنى: أنه إذا اقترن شيئان في حكم لا يلزم أن يكونا فيه سواء وإلا فلا شك أن اقترانهما يدل على تساويهما، ودليل هذا قوله تعالى:{والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً} [النحل: 8]. فقرن الخيل بالبغال والحمير، وبالبغال والحمير حرام، والخيل حلال، استدل الحنفية على تحريم الخيل بهذه الآية، وقالوا: إن الخيل حرام؛ لأن الله تعالى قرن الثلاثة في حكم واحد، كما قلت لكم: إن دلالة الاقتران ضعيفة، ولكنها قوية من وجه، فإذا قلنا بأن الآية دالة على التحريم مثلاً في الثلاثة قلنا: الآية لا تدل على تحريم الأكل بل إنما تدل على أغلب الانتفاع بها وهو الركوب والزينة، أما الأكل فليس في الآية تعرض له هذا من وجه، من وجه آخر أنه قد ثبت في صحيح مسلم من حديث أسماء رضي الله عنها قالت:"نحرنا فرسًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المدينة وأكلناه"، وهذا نص صريح عن أن الخيل حلال، إذن رددنا هذا الاستدلال بكون كسب الحجام حرامًا بما ذكره ابن عباس رضي الله عنه، وذهب بعض أهل العلم إلى أن كسب الحجام إن كان أجرة يعني: معاقدة فهو حرام وإن أعطي على ذلك مكافأة فهو

ص: 251