الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استمر فيه بإرادته فإنه ينظر إن كانت العبادة ينبني آخرها على أولها فسدت العبادة كالصلاة، فإذا طرأ عليه الرياء في الركعة الأخيرة ولم يدافعه بل قبله واستلذه فإن الصلاة تبطل؛ لأنه إذا بطل آخرها بطل أولها وإن كانت العبادة لا ينبني آخرها على أولها بل آخرها منفصل عن أولها فإن ما وقع فيه الرياء لا يصح وما كان خالصاً يصح.
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال أعدها للصدقة فتصدق بخمسين منها بدون رياء ثم طرأ عليه الرياء في الخمسين الباقية فهنا تكون الخمسون الأولى صحيحة مقبولة، وتكون الخمسون الثانية باطلة؛ لأن المفسد حصل فيها وهي لا تنبني على أولها، بمعنى: أنه يمكن أن يصح الأول دون الآخر والآخر دون الأول.
بقى علينا في القسم الأول أنه لو شارك العبادة من أولها نحن ذكرنا أنها تبطل إلا أنه يُستثنى من ذلك ما إذا دافعه وعالج نفسه فإنه لا يضره؛ لأن هذا بغير اختياره ويتعلق بهذا بحث يسأل عنه الناس كثيراً وهي أن بعض الناس يخشى من الرياء في عباداته فيأتيه الشيطان ويقول أنت إذا صليت فقد راءيت، إذا طلبت العلم فقد راءيت، إذا تصدقت فقد راءيت، كثيراً ما يأتي الشيطان للإنسان فما دواء هذا؟ دواء هذا أن تعرض عن ذلك وأن تتناساه وكأن شيئاً لم يكن، لأنك إن أنخذلت أمامه لم يبق عليك الشيطان عبادة إلا أفسدها عليك، ولكن استمر وتعوذ من الشيطان وابق على ما أنت عليه، لأنه في النهاية سيزول عنك الوسواس الذي يلقيه الشيطان عليك.
صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:
1002 -
وعن صَفية بنت شيبة رضي الله عنها قالت: «أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير» . أخرجه البخاري.
«مُدَّين من شعير» ، المُدَّان النبويان نصف صاع، لأن الصاع النبوي أربعة أمداد ثم إن الصاع النبوي بالنسبة إلى الصاع العرفي عندنا ينقص الخمس وخمس الخمس هذا بالنسبة عندنا هنا في القصيم، وعلى هذا فيكون المد النبوي بالنسبة إلى صاعنا خمساً كيف ذلك؟ يقول لنا مشايخنا: إن الصاع النبوي زنته بالبر الجيد ثمانون ريالاً فرنسياً، وصاعنا زنته بالبر الجيد مائة وأربعة، إذا نُسبت الثمانين إلى مائة وأربعة يكون أربعة أخماس ويكون النقص خمسا وربع خمس أربعة من عشرين، وعلى هذا فتقول: إن المدين من الشعير بالنسبة للصاع العُرفي يعتبران خمسي صاع.
فيُستفاد من هذا الحديث: أن الوليمة تصح بأدنى من الشعير، وأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف:«أولم ولو بشاةٍ» يعني: أكثر ما يُولم وليس أقل كما زعم بعض أهل العلم، حيث ذهبوا إلى أن أدنى الوليمة هي الشاة، نقول: هذا غير صحيح، لأن قوله:«أولم ولو بشاة» يعني: أدنى شيء وليست هي أكثر شي، يستفاد من كونها أدنى شيء ليس على سبيل الوجوب بل يجوز أن يولم الإنسان بما هو أدنى منها ويلاحظ في ذلك حال المولم إن كان غنياً قلنا: أولم ولو بشاة، وإن كان دون ذلك قلنا أولم بما تستطيع وتقدر عليه.
ومن فوائد الحديث: مشروعية الإيلام، لكن هل يكون على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ نقول: هذا فعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفعل المجرد محمول على الاستحباب، لكن وجوب الوليمة يؤخذ من أدلة أخرى.
1003 -
وعن أنس رضي الله عنه قال: «أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليالٍ يُبنى عليه بصفية، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها من خبز ولا لحم، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت، فألقي عليها التمر، والأقط، والسمن» . متفق عليه، واللفظ للبخاري.
قوله: «أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة» ، خيبر اسم لمكان فيه مزارع وبيوت وقلاع لليهود، يبعد عن المدينة نحو مائة ميل من جهة الشمال الغربي، وهو معروف، فتحه النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة، وطلب منه اليهود أن يبقيهم فيه على أن يكون لهم نصف الثمرة وله نصف الثمرة، فأقرهم على ذلك، لكنه أقرهم على ذلك ما شاء الله أو ما شاء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، وفي خلافة عمر أجلاهم من خيبر؛ لأنهم اعتدوا على عبد الله بن عمر وأساءوا إلى الصحابة فطردهم عمر.
وقوله: «يُبنى عليه بصفية» ، صفية بنت حيي بن أخطب وهي من ذرية هارون بن عمران فعمها موسى عليه الصلاة والسلام، وحيي بن أخطب أبوها من زعماء اليهود، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه جبراً لقلبها؛ لأن كون أبيها رئيساً لو أنها صارت إلى أحد من الصحابة لكان في هذا كسر لخاطرها، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجبر قلبها فاصطفاها لنفسه.
وقيل: «يبنى عليه بصفية» كيف سُمي هذا بناء وهي مملوكة؟
نقول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم عتقها صداقها، إذن فهي زوجة من أمهات المؤمنين، وقوله:«يبنى عليه بها» ، البناء: نصب الخيمة ونحوها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم قد بُني عليه خيمة يدخلها هو وأهله.
وقوله: «ثلاث ليالٍ» يراد بها: الليالي والأيام، والعرب تطلق الأيام وتريد بها الأيام والليالي، وتطلق الليالي ويراد بها الليالي والأيام، إلا إذا وجد قرينة، مثل:«صم ثلاثة أيام» ، فهنا الليل لا يدخل قطعاً، لكن {واذكروا الله في أيامٍ معدودات} [البقرة: 203]. يدخل فيها الليالي.
وقوله: «فدعوت المسلمين إلى وليمته» يعني: أنه طلبهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، فكان أنس يدعو من لقيه هلم إلى وليمة النبي صلى الله عليه وسلم «فما كان فيها من خبز ولا حلم» ، يعني أنها وليمة بسيطة، يعني: خفيفة يسيرة ليس فيها خبز ولا لحم، «ومن خبز ولا لحم» أظننا أننا لا نشط في إعرابها أن "مِن" زائدة، وأن «خبز» اسم كان، والأصل: فما كان فيها خبز ولا لحم، «وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع» جمع نطع وهي الجلود، "فبسطت": يوضع عليها الطعام.
وقوله: «فألقى عليها التمر والأقطِ والسمن» ، ظاهر الحديث: أن كل واحد على حدة، والأقط هو اللبن المجفف، السمن معروف، التمر معروف، هل المعنى: أن الأقط موضوع في إناء، والسمن في إناء، والتمر في إناء أو أنها مخلوطة؟ يُحتمل، لكن الظاهر المعروف عند العرب أنها مخلوطة يُخلط السمن والأقط والتمر ويُوضع على النار حتى يسخن ثو يؤكل، وهو من ألذ الأكلات التمرية، وربما يجعل بدل الأقط الدقيق، وهذا هو المعروف عند الحضر فهم لا يعرفون الأقط، لأنه قليل عندهم، فيجعلون بدل الأقط دقيقاً، ويسمى حَيساً، لأنه يحاسي بعضه مع بعض.
على كل حال: هذه وليمة الرسول صلى الله عليه وسلم على زوجته صفية، وفي الأول:«مُدَّين من شعير» ، إذن الوليمة تختلف بحسب الحال.
يستفاد من هذا الحديث: جواز الدخول على المرأة في السفر لدخول الرسول صلى الله عليه وسلم على صفية بين المدينة وخيبر.
ومن فوائده: أنه ينبغي أن يُبنى خيمة خاصة للزوج وأهله، لفعل الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي الحياء أن يبنى للإنسان خيمة خاصة من بين القوم إذا كان ذلك من أجل الزواج، قد يستحيي بعض الناس ويقول كيف أختص وحدة بخيمة؟
فنقول: لست أشد حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك بُني له خيمة أمام الناس ولا حرج أن يخبر الإنسان الناس: بأنه قد تزوج، كما لا بأس أن يبنى له خيمة يبني بها بأهله.
ومن فوائد الحديث: جواز التوكيل في الدعوة للوليمة لقول أنس: «فدعوت المسلمين إلى وليمته» .
ومن فوائد الحديث: أن ولائم الرسول صلى الله عليه وسلم ليست ولائم صعبة، بل بحسب الحال، فمرة أولم بمدين من شعير.