الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هكذا مثل الذي ترتعش يده بلا إرادة، يقولون: لا فرق بينهما، ويقولون: إن حركات الإنسان كحركات الريش في الهواء بدون إرادة، وهذا في الحقيقة قول مجرد تصوره كافٍ في إبطاله ورده ولهذا لو أنك أمسكت واحدا من هؤلاء وضربته على أم رأسه، وقلت له: هذا قضاء الله وقدره، ما بيدي حيلة، شيء بغير إرادة، هل يقبل؟ ربما يقول: نعم أقبل منك ولكن سأضربك بخشبة وأقول: هذا ليس بيدي، ولهذا يُذكر أن أمير المؤمنين عمر جيء إليه بسارق فأمر بقطع يده، فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين والله ما سرقت المال إلا بقدر الله، فقال: ونحن لا نقطعك إلا بقدر الله فاحتج عليه بحجته مع أن أمير المؤمنين رضي الله عنه يقطع يد السارق بقدر الله وشرع الله، وأما السارق فيسرق بقدر الله لا بشرع الله؛ لأن الله لم يأذن له بالسرقة، ولكن عمر رضي الله عنه ما حاول أن يقول: نقطعك بالقدر والشرع، احتج عليه بحجته؛ لأنها تُلقمه حجرا.
ومن فوائد الحديث: أن المسلم هو الذي يكون حازمًا دائمًا لقوله: «ما حق امرئ مسلم» ، فالمؤمن كيس فطن عاقل يحتاط للأمور ويرتبها، ليس المسلم الذي يهمل نفسه، ومن ثمّ ولاسيما في وقتنا الحاضر - ينبغي للإنسان أن يرتب وقته، يعني: الصباح لكذا، والمساء لكذا، يوم السبت لكذا، ويوم الأحد لكذا، حسب ما تقضية الحاجة حتى لا يضيع عليه الوقت؛ لأنه قال:«ما حق امرئ مسلم» ، فوصفه بالإسلام وإن كان عامًا فإنه يدل على أن هذا شأن المسلم أي: أنه لا يضيع الفرصة أبدا.
ضوابط الوصية:
919 -
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: «يا رسول الله، أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: لا. قلت: أفاتصدق بثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» . متفق عليه.
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وله مقامات عظيمة في الجهاد وتاريخه مشهور، مرض في حجة الوداع فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده كعادته صلى الله عليه وسلم في كونه يتفقد أصحابه ويعود من يحتاج إلى العيادة، فجاءه فوجده يبكي، قال:«ما يبكيك؟ » قال: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي، وكانوا يكرهون أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها، وسعد من المهاجرين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«إنك لن تُخلف» ، وهذه بشرى له، يعني: لن تموت في مكة، «ولعلك أن تُخلف حتى ينتفع بك أقوام ويُضر بك آخرون» ، وأن تخلفه الثانية غير
الأولى، تُخلف الأولى، يعني: لن تُخلف عن أصحابك فتموت في مكة، ولعلك أن تُخلف أي: تُعمّر وتبقى عمرا طويلاً حتى ينتفع بك أقوام، ويُضر بك آخرون، وهذا الذي توقعه النبي صلى الله عليه وسلم وقع، فإن سعدا خلف وانتفع به أقوام وهم المسلمون في الفتوحات العظيمة وضر به آخرون وهم الكفار بما حصل فيهم من قتل وأسر وغنيمة لأموالهم، فوقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
«لكن البائس سعد بن خولة» يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة، وهو من المهاجرين، يعني: يتوجع له الرسول صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة، وإن كان الأمر بيد الله هو الذي يُميت من شاء في أي مكان وفي أي زمان.
ثم قال: يا رسول الله: «أنا ذو مال» ، مال هنا نكرة، والمراد بها التكثير أي: ذو مال كثير، «ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة» ، أي: لا يرثني من أولادي وذريتي إلا ابنة لي واحدة، وليس المراد لا يرثني بالتعصيب؛ لأن سعد بن أبي وقاص له عصبة كثيرون بني عم، لكن لا يرثني من أولادي إلا ابنة لي واحدة، هكذا قال في ذلك الوقت، ولكنه «رضي الله عنه» مات عن سبعة عشر ابنا واثنتي عشرة بنتا، وكان يتوقع أنه لا يرثه إلا واحدة، حتى خلف ومات عن هؤلاء التسعة والعشرين ولذا.
يقول: «أفأتصدق بثلثي مالي؟ » هذا مبني على قوله: «لا يرثني إلا ابنة لي» يعني: وفي هذه الحال «أفأتصدق بثلثي مالي؟ » أي: باثنتين من ثلاثة، والهمزة في قوله:«أفأتصدق» للاستفهام، والمراد بالاستفهام هنا الاستعلام والاستفتاء، والفاء عاطفة، ولكن هل هذا مكانها أو أن مكانها قبل الهمزة، لكن قُدمت الهمزة عليها؛ لأن لها الصدارة؟ في هذا قولان لعلماء النحو:
الأول: أن الفاء في محلها وأن همزة الاستفهام دخلت على شيء مُقدّر، والفاء حرف عطف على ذلك المقدر، وهذا المحذوف يقدر بحسب ما يقتضيه السياق.
والقول الثاني: أن الفاء ليست في محلها، وأنها سابقة على الهمزة، لكن قدمت الهمزة عليها؛ لأن لها الصدارة فعلى الأول يكون التقدير جملة مناسبة للسياق.
«ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة» ، أأتبرع بشيء من مالي فأتصدق بثلثي مالي، يكون المحذوف تقديره هكذا، وعلي الثاني يكون التقدير فأتصدق بثلثي مالي، ذكرنا في قراءة التفسير أن الثاني أقل تكلفا؛ لأن الأول قد يصعب تعيين المحذوف المقدر؛ لأنه يتصيد من السياق، وقد يصعب على الإنسان أن يقدر الشيء المناسب، أما الثاني فهو أسهل، لأنك تقول: حرف العطف الواقع بعد الهمزة حرف عاطف على الجملة السابقة، ولا تحتاج إلى تقدير.
قوله: «أتصدق بثلثي مالي» ، يعني: أتبرع به صدقة، والصدقة ما يُراد بها وجه الله، وظاهر هذا اللفظ أنه رضي الله عنه أراد أن يتصدق به حالاً في حال حياته؛ لأن هذا مقتضى الصدقة، وفي بعض ألفاظ الحديث:«أوصي بثلثي مالي» ، وعلى هذا فيكون سعد سأل عن الوصية لا عن الصدقة.
فإذا قال قائل: هل هناك فرق بين الصدقة وبين الوصية؟ قلنا: نعم الصدقة تكون عطاء منجزا قبل الموت، والوصية تكون عطاء مؤخرا بعد الموت، وقد ذكر الفقهاء بين العطية والوصية فروقا تبلغ إلى عشرة فروق، ولكن حديث سعد لما كان بعض ألفاظه قد صرح فيه بأنه وصية وحينئذ لا يكون هناك احتمال لكونها عطية، يقول:«أفأتصدق بثلثه مالي؟ قال: لا. قلت: أفأتصدق بشطره أي: بنصفه. قال: لا. قلت: أفأتصدق بثلثه؟ أي: بواحد من ثلاثة. قال: الثلث والثلث كثير» ، يعني: الثلث جائز، «والثلث كثير» ، فالثلث الأول مبتدأ، وخبره محذوف، والتقدير: جائز، وأما الثلث الثاني فهو أيضاً مبتدأ وكثير خبره، وفي بعض الروايات - وهي مرجوحة- والثلث كبيرة يعني: جزء كبير النسبة بالنسبة للمال، ثم علل النبي صلى الله عليه وسلم منعه من الوصية بما زاد على الثلث، فقال:«إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة» في «أن» روايتان إحداهما: «أن تذر» ، والثانية:«إن تذر» والفرق بينهما أن «أن تذر» مصدرية تنصب الفعل فيجب أن يكون الفعل بعدها منصوبا، أما «إن» فهي شرطية ويكون الفعل بعدها مجزوما فنقرؤها هكذا:«إنك إن تذر ورثتك» .
على رواية «أن» كيف يكون إعرابها نقول: «أن تذر» مصدرية وهي في محل المبتدأ يعني: يقدر ما بعدها مصدرا في محل نصب على أنه بدل اشتمال من الكاف في قوله: إنك ويكون التقدير: إن وذرك ورثتك أغنياء خير، ويكون «خير» خبر إن، أما على رواية الكسر «إن تذر» ف «إن» شرطية وتذر فعل الشرط، وجواب الشرط جملة خير من أن تذرهم، ولكن لابد فيها حينئذ من تقدير، والتقدير: إنك إن تذر ورثتك أغنياء فهو خير، وعلى هذا فيكون قد حذف صدر الجملة الواقعة جوابًا، وما هو؟ «هو» وحذفت الفاء أيضا من الجواب، مع أن الجواب هنا جملة أسمية، والجملة الاسمية إذا وقعت جوابًا للشرط وجب اقترانها بالفاء، لكن قد تُحذف أحيانا - أي: القاع- ومنه قول الشاعر:
* منْ يفعل الحسنات الله يشكرها *
والتقدير: فالله يشكرها، لكن حذفت، هذا إعراب هذه الجملة، أما المعنى فيقول النبي صلى الله عليه وسلم معللاً منعه الصدقة بما زاد على الثلث، يقولون إن ذلك من أجل الورثة، وأنك إذا تركت ورثتك أغنياء فهو خير من أن تذرهم عالة، «أغنياء» ، مفعول ثان لتذر؛ لأن تذر تنصب مفعولين، ولكن ما معنى أغنياء؟ أي: غير محتاجين للناس بما تتركه لهم من الميراث، خير من أن تذرهم عالة أي فقراء، لأن عالة جمع عائل.
وقوله: «يتكففون الناس» ، أي: يمدون أكفهم إلى الناس ليسألونهم: يا عم أعطني، يا عم أعطني.
ففي هذا الحديث عدة فوائد منها أولاً: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ورعايته، لكونه كان يعود أصحابه ويرعى أحوالهم.
ومنها: حرص الصحابة رضي الله عنهم على الفقه في الدين، ولهذا لم يقدم سعد ابن أبي وقاص على الصدقة بشيء من ماله في هذه الحال حتى سأل النبي صلى الله عليه وسلم، ويتفرع على هذه القاعدة أنه ينبغي لنا أن نقتدي بالصحابة في هذه الأمور، فلا نقدم على شيء من العقود أو المعاملات حتى تعلم حكمه في شريعة الله، لتكون المعاملات على بصيرة، أما عمل الناس اليوم فيتبعون كل ما جد من العقود والشركات بدون أن يسألوا أهل العلم، فهذا خلاف ما كان عليه الصحابة (رضى الله عنهم).
ومنها: جواز البناء على الظاهر، وأن الخبر لا يعد كليا لقوله:«ولا يرثني إلا ابنة لي» ، فإن هذا بناء على الظاهر الواقع، وقد تختلف الأحوال.
ومنها: أن السائل ينبغي له أن يذكر الحالة على حقيقتها؛ لأن سعداً رضي الله عنه ذكر أنه ذو مال، وأنه لا يرثه إلا ابنة له، ولم يعم الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يسأله إلا حيث بين له الحال تمامًا، وهلا أمر واجب على المستفتي إذا استفتى الإنسان أن يشرح له الحال على الوجه الذي يسأل عنه خلافا لبعض المستفتين الآن، تجده يستفتي في شيء فيذكر كلامًا مجملاً ثم مع النقاش يتبين أن الأمر على خلاف ما صوره لك أولا.
ومن فوائد الحديث: أن من كان عنده مال كثير فإنه لا حرج عليه أن يوصي به أو يتصدق به في مرضه، لقوله:«وأنا ذو مال» ، لأنه سبق لنا في الشرح أن المراد بقوله:«ذو مال» ، أي: مال كثير.
ومن فوائد الحديث: جواز تصرف المريض ولو كان مرضه مخوفا؛ لأن الظاهر من حال سعد رضي الله عنه أنه كان متصورا أن هذا المرض مخوف، ومع ذلك أجاز له النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصرف على الوجه الذي لا ينافي الشريعة، فهل نقول: يجوز للمريض أن يبيع ماله في مرضه المخوف؟ نعم يجوز؛ لأنه إذا باعه سوف يأخذ ثمنه وليس هذا تبرعا، لكن لا يجوز أن يحابي
به فيبيعه برخص إلا بمقدار الثلث، فلو كان عنده عقار يساوي ثلاثمائة ألف فباعه على شخص بمائة وخمسين ألفا، فإن هذا البيع لا يجوز، باعه بمائتي ألف يجوز، باعه بمائتين وخمسين يجوز من باب أولى.
ومن فوائد الحديث: تحريم الصدقة للمريض مرضا مخوفا بما زاد على الثلث، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم منعه من التصدق بثلثي ماله، أو بالشطر، فإن كان صحيحا فهل يجوز أن يتصدق بما زاد على الثلث؟ نعم، ويجوز بالنصف وبالثلثين، بل بماله كله، لكن بشرط أن يكون عنده قدرة على التكسب لعائلته، فإن لم يكن له قدرة على التكسب لعائلته، فإنه لا يجوز أن يتصدق بما ينقص كفايتهم.
ومن فوائد الحديث: جواز استعمال «لا» في الجواب، وأنه لا يُعد جفاءً، وجهه أن أكمل الناس خلقا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في جوابه:«لا» ، لكن للأسف بعض الناس الآن يرى من الجفاء أن تقول للشخص:«لا» ، وما دام النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا، وهو أكمل الناس خلقا صلى الله عليه وسلم، فإننا نعلم علم اليقين أن استعمالها لا يُعد جفاءً، ولا يخالف حسن الخلق.
ومن فوائد الحديث: جواز التنازل في المطلوب، وأن الإنسان لا ينبغي له أن ييأس، يعني: إذا مُنع من شيء أن يُعرض، بل ينزل إلى ما دونه، لأنه إذا لم يُحقق رغبته فيما زاد يمكن أن تتحقق له الرغبة فيما دون ذلك، ولهذا لم ييأس سعد رضي الله عنه لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا» لم ييأس نزل قال: الشطر، فقال:«لا» ، ولم ييأس. قال: الثلث.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي أن يقصر الموصي أو المتصدق في مرض موته عن الثلث، لقوله صلى الله عليه وسلم:«الثلث والثلث كثير» ، ولهذا صح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الريع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الثلث، والثلث كثيرة» وأبو بكر رضي الله عنه اختار الوصية بالخمس، وقال: أختار ما اختاره الله لنفسه؛ لأن الله قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41]. ولا شك أن ما اختاره أبو بكر رضي الله عنه مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الثلث، والثلث كثير» يكون هو الأفضل، ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله: يُسن أن يوصي بالخمس.
ومن فوائد الحديث: حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه قال: والثلث كثيره ثم علله، وهذا من حسن التعليم؛ لأن الحكم إذا قرن بعلته استفدنا من ذلك ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى: بيان سمو هذه الشريعة وأن أحكامها معلقة بالمصالح ومعللة بها.
والثانية: زيادة الطمأنينة بالحكم، لأن الإنسان إذا علم بحكمة الحكم ازداد طمأنينة.
?
والثالثة: القياس إذا كان الشيء مما يقاس عليه.
والرابعة: انتفاء الحكم بانتفاء علته؛ لأن العلة المنصوصة يتبعها الحكم بخلاف العلة المستنبطة، وفي حديثنا هذا نقول: لو لم يكن للإنسان وارث وأوصى بما زاد على الثلث فوصيته جائزة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان إذا خلف مالاً للورثة فهو مأجور عليه، وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير
…
إلخ»، فجعل بقاء المال للورثة خيرا من الصدقة به لكنه أباح الثلث توسعة للإنسان، لئلا يُحرم الإنسان من ماله عند انتقاله من الدنيا.
ومن فوائد هذا الحديث: البناء على الظاهر؛ لأن الرسول قال: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء» ، مع احتمال أن يموت ورثة سعد ويبقى سعد، لكن الأمور تُبنى على الظاهر، وقد مر علينا كثيراً أن الاحتمالات العقلية لا تُعارض الأحكام الشرعية، يعني: أن حكم الشرع مبني على الظاهر، ولو جعلنا للاحتمالات العقلية مدخلاً في نصوص الكتاب والسُنة ما بقي دليل واحد إلا ويحتمل عدة معان إلا أن يشاء الله.
هل يصح إقرار المريض بمال لشخص أو لا يصح؟ يعني: هل نقول: إن إقراره كالصدقة إن أقر بها دون الثلث قبلناه وإلا فلا، أم ماذا؟ في هذا خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إذا أقر بما زاد على الثلث لم يقبل إلا بإجازة الورثة، ومنهم من قال: بل يُقبل مطلقا؛ لأن الإقرار إضافة استحقاق سابق بخلاف العطية المبتدأة فإنها كما عرفتم لا تصح إلا من الثلث فأقل لكن الإقرار ليس عطية، بل هو نسبة حق إلى أمر سابق، لاسيما إذا قال: إنه باقي ثمن البيت أو باقي ثمن السيارة أو قيمة كتب شرعية يعني: نسبه إلى سبب، فهذا لا شك أنه يقبل حتى لو استوعب جميع المال.
إذا أقر لوارث في مرض موته فهل يقبل أو نقول إن إقراره للوارث كالوصية للوارث؟ لا تقبل أو تفصل؟
فهاهنا ثلاثة احتمالات: هل يقبل أو لا يقبل أو يفصل؟ المشهور من المذهب أنه لا يقبل إقراره بالمال للوارث؛ لأنه متهم إلا إذا عزاه إلى سبب، فإن هناك قولاً آخر بالتفصيل وهو الصحيح أنه إذا عزاه إلى سبب فإنه يقبل بأن قال: لأخي عندي عشرة آلاف ريال باقي قيمة البيت، وقد علم أن أخاه قد باع عليه البيت، فهنا يقبل لماذا؟ لأنه عزاه إلى سبب، ومن ذلك إذا قال: إن في ذمته مهر امرأته وقدره عشرة آلاف، فإن الصحيح أنه يُقبل، المذهب: لا يُقبل حتى وإن عزاه إلى سبب، ولكنه إذا أقر بمهر لامرأته فإن لها مهر المثل لا ما أقر به، وليس لها مهر
المثل أيضا بإقراره ولكن بالزوجية؛ لأن الأصل عدم تسليم المهر، يعني: رجل مريض قال في ذمتي لامرأتي عشرة آلاف مهرا مات الرجل هل تأخذ عشرة آلاف من التركة بناء على إقراره؟ نقول: على حسب ما اخترناه نعم تأخذ إلا إذا قيل إن هذا زائد زيادة فاحشة على مهر المثل؛ فإننا لا نقبل ما زاد على مهر المثل، أما إذا كان عادة فلها ذلك، لكن المذهب يقول: لها مهر المثل بكل حال بالزوجية لا بإقراره، وذلك لأن الأصل عدم قبضها المهر فيكون باقيا في ذمته.
ومن فوائد الحديث: تفاضل الأعمال لقوله: «أغنياء خير من أن .... إلخ» .
مسألة: لو أن الورثة أجازوا ما زاد على الثلث، يعنى: أوصى الرجل بأكثر من الثلث فأجازوه فهل تنفذ الوصية أو لا؟ إذا أجازوها بعد الموت، فإنها تنفذ؛ لأن الحق لهم، وقد ثبت أن المال لهم بعد موت المورث، فإذا أجازوه فلا إشكال في الجواز، وأنه يثبت للموصي، وقالت الظاهرية: إنه لا يثبت ولو أجازه الورثة واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الوصية فيما زاد على الثلث، أما إذا أجازوها قبل الموت بأن أوصى رجل بأكثر من الثلث فقال: إني أوصيت بنصف مالي بعد موتي فهذا إما أن يكون مريضا مرض الموت أو صحيحًا، إن كان صحيحا فإن إجازتهم لا تؤثر ولا تنفع، ولهم أن يردوا الإجازة بعد الموت إذا كان صحيحًا لماذا؟ لأنه لم يوجد سبب الموت وهو المرض، فليس لهم في ماله أي تعلق، ولا يدري فلعلهم يموتون قبل، أما إذا كان في مرض الموت ففيه خلاف قوي، فمن العلماء من قال: إنه لا تنفع إجازتهم، ومنهم من قال: إنها تنفع، وهذا هو الصحيح إلا إذا علمتا أنهم إنما أجازوها حياء وخجلاً، فإنها لا تنفذ، ولا يجوز للمريض أصلاً أن يستأذنهم في ذلك.
مثاله: رجل مريض مرض الموت، وعنده عقار بيت هو كل ماله فجمع ورثته وقال لهم: أنا مريض وأريد أن أوصي بجميع بيتي، فهنا ربما يقولون: نعم حياء وخجلاً، فهنا نقول: لا يجوز له أن يفعل؛ لماذا؟ لأنه بالضرورة رجل مريض يدعو ورثته، ويقول: أسمحوا لي أن أجعل بيتي وقفا لي، فالعادة أنهم يخجلون ويوافقون لاسيما إذا كانوا أبناءه، فالصحيح في هذه المسألة الإجازة بعد الموت صحيحة ونافذة، الإجازة في حال الصحة غير مفيدة ووجودها كالعدم، ولهم أن يرجعوا بعد الموت، الإجازة في مرض الموت على القول الراجح صحيحة ونافذة إلا إذا علمنا أنهم أجازوا خجلاً فإنها لا تنفذ.