الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعاء لمن يتزوج:
928 -
وعنه رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ إنسانًا إذا تزوج قال:«بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير» . رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان.
«كانَ إذَا رَفَأ» ، أي: دعا له عند زواجه قال كذا وكذا، وأصله من رفأ الثوب: إنا وصل بعضه بعض، يعني: إذا خاطه ووصل بعضه بعض، وكانوا في الجاهلية إذا رَفأ بعضهم بعضا قالت بالرفاء والبنين، بالرفاع يعني: بالصلة، والبنين يعني: الذكور، أي: أدعوا لك بالرفاء، وأدعو لك بالبنين، وذلك لأنهم كانوا يكرهون البنات:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58 - 59]. وكانوا في الجاهلية إذا ولدَ له أنثى وأدوها، والعجب أنهم يكرهون البنات ويجعلونها لله ويقولون: إن الملائكة بنات الله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62].
«إذا تزوج» يعني: إذا عقد له على امرأة سواء حصل الدخول أم لم يحصل، يعني: لو عقد له على امرأة ولم يكن دخول شرع هذا الدعاء وإن خطب امرأة وأجيب فإنه لا يُشرع هذا الدعاء، لأنه لم يكن تزوج من بعد، والحديث يقول:«إذا تزوج» . وقوله: «إذا رَفَأ إنسانا» المراد به: الذكر، وربما يقال للأنثى من صاحباتها وزميلاتها يقول:«بارك الله لك» أي: في أهلك، أي: وضع البركة فيك، والبركة تشمل البركة في العلم والبركة في الأخلاق، كما تشمل البركة في الرعاية، والبركة في الأولاد، أي: أن كل ما يمكن أن يكون فيه بركة فهو داخلي في هذا، إذن معنى هذا: يبارك الله لك في أهلك بكثرة الأولاد يبارك في أهلك بالخلق والرعاية الحسنة، يبارك في أهلك بالاستمتاع المهم بارك لك في كل ما تأتى في البركة، والبركة قال العلماء: هي الخير الكثير الثابت، لأنه مأخوذ من البركة أي: بركة الماء، وبركة الماء كما نعلم كثيرة وثابتة، كثيرة الماء ليس كالماء الذي في الإناء، وثابتة أيضا لأنها لا تجري.
وقوله: «وبارك عليك» أي: أنزل عليك البركة لأهلك، فإذن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم دعا للرجل فى أهله ولأهله فيه، «بارك عليك» ، وهل يمكن أن يُقال: إن البركة هنا عامة بالنسبة لأهله وله، يعني: بارك الله لك في كل شيء وبارك عليك في كل شيء؟ قد يقال: إنها عامة، وقد قال: إنها خاصة، والذي يخصصها هي قرينة الحال، لأن الدعاء له مناسبة فينزل على هذه المناسبة،
ولهذا نجد أن اللين يباركون للمتزوج لا يخطر في بالهم أن يُبارك له في ماله، وإنما يقصدون أن يبارك له في أهله، فإذن يمكن أن نقول: إن العموم هنا لا يُراد وإن كان اللفظ صالحا له؛ لأن قرينة الحال تقتضي تخصيصه.
«وجمع بينكما في خير» أي: بينك وبين أهلك في خير ديني ودنيوي، فيشمل كل ما يمكن من الخير، فهذه ثلاث جمل:«بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير» .
ترفئة الجاهلية كم؟ اثنتان قاصرتان لفظا ومعنى، ومن العجب أن بعض السفهاء منا إذا رفا أحدا قال: بالرفاء والبنين عودًا على الجاهلية، ومثل هذا لا يجوز، لأن استبدال اللفظ الإسلامي الذي وضعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى لفظ جاهلي منسوخ يدل على رغبة الإنسان عن السنة لكن الغالب على هؤلاء أنهم جهال لا يعرفون ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يدركون خطورة إرجاع الناس إلى الجاهلية فهذا خطر عظيم، ولهذا يجب أن تمُحي كل ما يتعلق بأمور الجاهلية مما لا يقره الإسلام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» .
إذن في هذا الحديث بحث:
أولاً: «بارك الله لك» ، هل هو خبر أو إنشاء؟ خبر بمعنى الإنشاء؛ لأن «بارك» فعل ماض، لكن لا يراد الخبر، يُراد الطلب، أي: أنك تسأل الله أن يبارك له وعليه.
ثانيا: هل يشرع هذا القول للرجل وللمرأة؟ قلنا: بالنسبة للرجل لا شك فيه، وأما بالنسبة للمرأة فقد يُقال: إنه مشروع من النساء.
ومن فوائد الحديث: أنه يُشرع قوله لمن تزوج، أما من خطب فلا يُشرع له.
ومن فوائده أيضًا: أنهُ يُقال لمن تزوج وإن لم يحصل الدخول؛ لأن الإنسان بمجرد العقد يصبح زوجا للمرأة، والمرأة زوجة له، لو مات ورثته ولو ماتت ورثها فيُدعى له بالبركة.
ومن فوائد الحديث: أنه لا تشرع المصافحة عند الترفئة، الدليل عدم الدليل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعله ولو كان يفعله لنقل مع القول؛ لأنه يبعد أن الصحابة يعقلون سنة جُمعت إلى سنة أخرى، يعني: يبعد أن الرسول كان يُصافح ويقول هذا الذكر ثم يُنقل هذا الذكر، ولا تُنقل المصافحة؛ ولأن المصافحة لا وجه لها في هذه الحال، إنما المصافحة تكون عند الملاقاة والسلام، يتفرع على هذه الفائدة: أن التقبيل أيضًا أبعد وأبعد خلافا لعُرف الناس اليوم، حيث إنه يُصافح ويقبل، وربما ضم ضمة يتنفس متها الصعداء، على كل حال: هذا ليس بمشروع لا المصافحة ولا التقبيل.