الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التسمية عند الطعام:
1006 -
وعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا غلام، سمَّ الله، وكل بيمينك وكل مما يليك» . متفق عليه.
عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وسلم: لأنه ابن أم سلمة؛ وقصتها معروفة حين تُوفي أبو سلمة وهو ابن عمها ومن أحب الناس إليها وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «ومن أصيب بمصيبة فقال: اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، آجره الله واخلف عليه خيراً منها» .
فلما مات أبو سلمة قالت هذا، وكانت تقول في نفسها: من خير من أبي سلمة؟ لا تقول هذا شكاً، ولكن تتأمل من خير من أبي سلمة أبو بكر، وعمر، عثمان، علي، العباس، ابن مسعود، فلان فلان من؟ ولم يكن يخطر ببالها في ذلك الوقت أن الذي يخلف أبا سلمة عليها هو النبي صلى الله عليه وسلم فلما انتهت العدة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكان خيراً لها من أبي سلمة، وربي الله سبحانه وتعالى أولاد أبي سلمة في حجر النبي صلى الله عليه وسلم كان عمر صغيراً فجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم على الطعام فجعلت يده تخبط في الصحفة يميناً وشمالاً؛ لأنه صغير لم يتربَّ فقال له:«ياغلام» ، والغلام اسم للذكر الصغير، والأنثى الصغيرة يقال لها: جارية، «يا غلام سمَّ الله» ، أي: قل: "باسم الله" وهذا أمر، والأمر يقتضي الوجوب في الأصل عند أكثر الأصوليين، لقول الله تعالى:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63].
فتوعد الذين يخالفون عن أمره ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» . فقوله: "لأمرتهم" يدل على أن الأصل في الأمر الوجوب، لأن الوجوب هو الذي يكون فيه المشقة؛ إذ إن المستحب لا مشقة فيه لجواز تركه، المهم أن قوله:"سمَّ الله" أمر، والأصل في الأمر في الوجوب، فهل هذا الأمر للوجوب؟ قولان لأهل العلم، منهم من قال: إنه للوجوب ومنهم من قال: إنه للاستحباب.
فالذين قالوا: إنه للاستحباب نظروا إلى أنه من آداب الأكل، والأصل في الآداب أنها للتهذيب والتربية لا للوجوب والإلزام، ومن قال: إنه للوجوب قال: هذا هو الأصل في الأمر، والقول الثاني أي: أنه للوجوب هو الأصح، أولاً: لأن الأصل في الأمر الوجوب، وثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من لم يسم فإن الشيطان يشاركه في طعامه، ومعلوم أن تمكين الشيطان من
المشاركة في الطعام لا تجوز، وأيضًا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان ذات يوم على طعام هو وأصحابه فجاءت جارية بنت صغيرة كأنما تدفع دفعاً فألقت بيدها إلى الطعام فامسك بها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرها أن تسمى وقال إن الشيطان قد دفعها دفعاً لتأكل بدون تسمية حتى تشاركهم في الطعام، وأخبر أن يدها ويد الشيطان بيد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يدل على أن الأمر للوجوب، وهو كذلك.
فيجب على الإنسان أن يسمي على الأكل وجوباً، فإن لم يفعل فهو آثم وراضٍ بمشاركة الشيطان له في طعامه، فإن نسي سمى حين يذكر يقول: باسم الله أوله وآخره أو "بسم الله" فقط.
وقوله: «يا غلام سم الله» يقتضي أنه لا تكفي التسمية من واحد عن الجميع، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سيكون قد سمى على الطعام ومع ذلك أمر هذا الغلام أن يسمي، وهذا فيما إذا كان الثاني لم يسمع تسمية الأول ظاهرة؛ يعني: بأن جاءوا متتابعين لم يجلسوا على الطعام مرة واحدة، فالثاني: الذي جاء لابد أن يسمي، لكن إذا كان جلوسهم على الطعام واحداً وسمى أحدهم تسمية أسمعها الآخرين فهل يجزي؟ يرى بعض العلماء أن بجزيء؛ لأن هذه التسمية تمنع مشاركة الشيطان فهي عندهم سنة كفاية، والذي يظهر من النصوص: أن لكل إنسان تسمية، ووجهه: هذا الحديث الذي معنا فإن الظاهر أن الغلام كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا قدم الطعام فإنه سيشارك فوراً.
وقوله: "سم الله" هل هذا يدل على أنك لا تزيد على قول "باسم الله"؟ يحتمل أن تكتفي بقول: "باسم الله" ولا شك أن هذا كافٍ، لكن هل ننكر على من قال:«بسم الله الرحمن الرحيم؟ » لا، لا ننكر، لأن بسم الله الرحمن الرحيم تسمى تسمية فلا ننكر، لكن بعض أهل العلم قال: إنك لا تقول أو لا تزيد «الرحمن الرحيم» على الذبيحة، لأن الرحمة تقتضي العطف والحنان وأنت الآن تريد أن تذبح فلا مناسبة بين هذا وهذا، وعندي أن في هذا التعليل نظراً، ووجهه: أن من رحمة الله بنا نحن -ونحن أشرف من الحيوان- أن أحل لنا أن نذبح هذه البهيمة لمصالحنا فهو في الحقيقة رحمة وكأنك تشير بقولك: الرحمن الرحيم إلى رحمة الله بنا فإنه لرحمته بنا أحل لنا هذه الذبيحة.
وقوله: «كل بيمينك» هذا أمر، والمراد باليمين: اليد اليمنى، فأمره أن يأكل باليمين والأمر هنا هل للوجوب أو للاستحباب؟ فيه الخلاف السابق في قوله:«باسم الله» فمن العلماء
من قال: أن الأكل باليمين سنة وليس بواجب، وأن الإنسان لو أكل بشماله لم يأثم، لأن الأمر ليس للوجوب، ومن العلماء من قال: إن الأمر للوجوب «كل بيمينك» وعلل هذا بأن الأصل في الأمر الوجوب، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل بالشمال فقال:«لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله» ، وبأن هذا من إتباع خطوات الشيطان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله» ، وهذا القول أصح من القول بأن الأمر بالأكل باليمين على سبيل الاستحباب، فالصواب وجوب الأكل باليمين، وأنه لا يجوز الأكل باليسار إلا لضرورة، وأقبح من ذلك أن يمنعه الأكل باليمين الكبرياء، فإنه إن فعل ذلك استحق أن يدعى عليه، لأن رجلاً أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال له:«كل بيمينك» ، قال: لا استطيع ما منعه إلا الكبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا استطعت» فما رفع يده اليمنى إلى فيه بعد ذلك شُلت، ولا يدعو النبي على شخص إلا لأنه فعل إثماً ومعصية، وأقبح من ذلك أيضًا أن يأكل باليسار تشبهاً بالكفار واعتقاداً أن هذا هو المدينة منا يفعله بعض الناس الذين غرتهم أحوال الكفار وظنوا أنهم لم يستطيعوا أن يصنعوا الطائرات والقنابل إلا من أجل أنهم يأكلون بالشمال! ! فظن أن هذا هو التقدم فصار يأكل بشماله تقليداً لهم، وهذا يزيده قبحاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ومن تشبه بقوم فهو منهم» .
وقوله: «وكل مما يليك» هو أيضًا أمر، يعني: كل مما يليك إلا الذي يلي صاحبك، هذا الأمر الظاهر أنه للاستحباب كما عليه جمهور العلماء إلا أن يحصل من ذلك أذية ومضايقة على شريكك في الأكل فهنا يتوجه وجوب الأكل مما يليك لأنه من المعلوم أن لو تخطت يده إلى جهة شريكه وأكلت مما يلي الشريك ربما يتقزز من هذا أو يتأذى، فالأصل أن الأمر للاستحباب ما لم يكن بذلك أذى لشريكك فيجب أن تأكل مما يليك.
ويستثنى من ذلك إذا كان الطعام أنواعاً مثل أن يكون على الصحفة لحم ولوبيا وبامية فتجاوزت مما يليك إلى هذه الأشياء لتأكل منها ذلك لا بأس به لقول أنس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدبُاء» ، وهو القرع فيأخذها، وهذا لا شك أنه مما لا يمكن الوصول إلى ما تريد إلا بهذا، فإذا كانت اللحم من الجانب الذي يلي صاحبك وقلنا: كل مما يليك ماذا يقول؟ يقول: ما عندي شيء الذي أريده مما يلي صاحبي، فهو في هذه الحال يكون معذوراً ولا حرج عليه، فإن كان صاحبك لا يهتم بأنك تأكل مما يليه بل يرغب في ذلك ليأكل مما يليك فما الحكم؟