الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما أشبه ذلك وبناء عليه فإذا وجد ما يسقط به المهر أو ما يتنصف فإن الزوج لا يرجع به على من أخذه مثال ذلك رجل تزوج امرأة بمهر قدره عشرة آلاف ريال وعقد له العشرة للزوجة لكن بعد العقد أكرم أباها بخمسة آلاف وأمها بألفين وأخاها بألف ثم قدر أن طلقها قبل الدخول لها فلها نصف المهر ويرجع عليه نصف المهر لكن هل يرجع بما أعطى أباها وأمها وأخاها؟ لا لأن هذا ليس من المهر.
ومن فوائد الحديث: أن الرجل قد يكرم من أجل ابنته أو من أجل أخته وأنه إذا أكرم لهذا فليس ذلك من باب الرشوة ولا من باب أكل المال بالباطل لقوله «أحق ما أكرم الرجل عليه ابنته أو أخته» .
ومن فوائد الحديث: أن الصداق يصح بالقليل والكثير لأن «على صداق» نكرة في سياق الشرط فتكون للعموم أي صداق كان قليلًا كان أو كثيرًا فهو جائز.
مهر من لم يفرض لها صداق:
989 -
وعن علقمة، عن ابن مسعودٍ رضي الله عنهما:«أنه سُئل عن رجلٍ تزوج امرأة، ولم يفرض لها صداقًا، ولم يدخل بها حتى مات، فقال ابن مسعود رضي الله عنه: لها مثل صداق نسائها، لا وكس، ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشقٍ امرأة منا مثل ما قضيت، ففرح بها ابن مسعودٍ» . رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي، وحسنه جماعة.
«سُئل عن رجل» والسائل كما قلنا مرارًا لا يهمنا تعيينه لأن المقصود معرفة المسألة وحكمها وقوله: «تزوج امرأة ولو يفرض لها صداقًا» أي لم يقدر لها صداقًا لأن الفرض بمعنى التقدير كما قال الله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] يعني: من المهر أي ما قدرتم، ولم يدخل بها حتى مات ولكن النكاح صحيح فقال ابن مسعود:«لها مثل صداق نسائها» بدلًا من عدم تسمية المهر لأنه لو سمي الصداق وفرض لم يكن لها أكثر مما فرض لها لكنه لم يفرض لها مهر نسائها وقوله: «مثل صداق نسائها» ما المراد بالنساء؟ المراد المماثلات لها سنًّا وجمالًا ودينًا وخلقًا وحسبًا ومالًا - ستة أشياء - لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين» ، فنحن نقول هذه مهر نسائها يعني النساء اللاتي يماثلنها في هذه الأمور الستة.
«لا وكس» وهو النقص و «الشطط» الزيادة، المعنى لا ينقص منه ولا يزاد عليه «وعليها العدة» «ال» للعهد الذهني فيكون المراد بها عدة الوفاة لأن المفارقة هنا بالوفاة أي عليها عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرة في هذه المسألة؛ لأن المرأة لم يدخل بها وليست ذات حمل أما لو كانت ذات حمل فعدتها وضع الحمل حتى لو وضعت قبل أن يتم تغسيل زوجها انتهت عدتها لكن هذه المسألة التي معنا ليست حاملًا.
«ولها الميراث» بم أخذ ابن مسعود هذا الفقه من الكتاب والسنة؟ نقول أما بالنسبة لقوله: «لها مثل صداق نسائها» فأخذه من قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النساء: 24] وهنا لابد من الابتغاء بالمال والمال لم يعين فيرجع إلى قيمة المثل وقيمة المثل بالنسبة للمرأة هو مهر مثلها وأما قوله عليها العدة فلعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. وأما قوله: «ولها الميراث» فلعموم قوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12]. وهي زوجة فتكون داخلة في هذا العموم فقام معقل بن سنان فقال
…
الخ يعني لما سمع هذا الكلام قام يؤيد هذا القول بسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله في بروع بنت واثق؛ «بروع» اسم امرأة ولهذا لم ينصرف والمانع له من الصرف العلمية والتأنيث المعنوي، «امرأة منا» هذه عطف بيان وليست نعتًا لأن «امرأة» نكرة ولا تكون النكرة صفة لمعرفة، «امرأة منا» وإنما قال امرأة هنا ليبين أنه على توكيد من هذه المسألة لأن المرأة إذا كانت منهم فسوف يكون أعلم الناس بها، «بمثل ما قضيت» أي بمثل ما حكمت به فالقضاء هنا بمعنى الحكم ونظيره قوله تعالى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23]. أي حكم حكمًا شرعيًا ألا تعبدوا إلا إياه «ففرح بها ابن مسعود» لأنها شهدت لكلامه بالحق وأنه موافق للصواب والحديث صححه غير الترمذي وذلك لأن نصوص الشرع تشهد له.
فيستفاد من هذا الحديث: أولًا: فضيلة عبد الله بن مسعود حيث وُفِّق للصواب والإنسان إذا اجتهد ووفقه الله للصواب فإن هذا من نعمة الله عليه ولهذا يعد من مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان موفقًا للصواب يقول الشيء ثم ينزل القرآن بتصديقه وهذه من نعمة الله على العبد أن يوفقه للصواب أحيانًا يقول الإنسان الشيء باجتهاده فإذا به يوافق النص.
ومن فوائد الحديث: جواز الفرح بإصابة الصواب لأن ابن مسعود رضي الله عنه فرح بها، وقد قالت عائشة رضي الله عنها حين تحدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لسوده ليلة عيد الأضحى أن تدفع من مزدلفة بليل ولو استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سوده كان أحب إلي من مفروح به فإن قال قائل كيف نجمع بين هذا وبين قوله تعالى عن قارون:{إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76].
فالجواب عن هذا يسير جدًا: الفرح المذموم هو فرح البطر والأشر أما الفرح المحمود فهو
الفرح بنعمة الله وقد أمرنا الله أن نفرح بفضله ورحمته فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58]. فإذا كان الفرح بمعنى البطر والأشر والاستعلاء على الخلق فهذا مذموم وإذا كان الإنسان يفرح بما أنعم الله عليه فهذا محمود ولا يضر.
ومن فوائد الحديث: جواز الزواج بدون تسمية مهر لأن ابن مسعود لم ينكر ذلك بل إن القرآن دل على جوازه في قوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236].
ومن فوائد الحديث: أنه إذا لم يفرض لها مهرًا فلها مهر المثل لقوله هنا «لها مثل صداق نسائها» ولكن متى يكون لها مهر المثل؟ يكون لها مهر المثل إذا وجد ما يتقرر به الصداق، أما إذا طلقها قبل أن يتقرر الصداق فلها المتعة إذا فورقت امرأة لم يسم صداقها فإن كانت المفارقة في حال يتقرر بها المهر فلها مهر نسائها وإن كانت في حال لا يتقرر به المهر كاملًا فلها المتعة ولنضرب لذلك مثلًا رجل تزوج امرأة ولم يسم لها صداقها ثم طلقها قبل الدخول فماذا يكون؟ لها المتعة لا نقول لها نصف صداق المثل لقوله تعالى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ
…
} [البقرة: 236].
المثال الثاني: رجل تزوج امرأة ولم يسم لها صداقًا ودخل بها ثم طلقها ما الواجب؟ الواجب مهر المثل لا المتعة فيقال ما مهر مثل هذه المرأة في الأوصاف الستة التي ذكرناها فإذا سماه عشرة آلاف قلنا لها عشرة آلاف فتبين بهذا أن النكاح بدون تسمية الصداق جائز وأن لها مهر المثل إن وجد ما يقرر المهر وإن فارقها قبل وجود ما يقرر المهر فلها المتعة هذا ما لم يكن الفسخ منها فإن كان الفسخ منها قبل الدخول فليس لها شيء لأنها هي التي اختارت الفسخ.
ومن فوائد الحديث: أن الموت مقرر للمهر ما معنى مقرر؟ يعني أنه إذا مات الزوج أو الزوجة ولو قبل الدخول ثبت المهر كاملًا للزوجة هذا إذا مات الزوج وإذا ماتت هي يكون المهر لورثتها المهم إذا مات الزوج أو الزوجة ثبت المهر إن كان مسمى فالمسمى وإن لم يكن مسمى فمهر المثل وهذا بلا خلاف بين العلماء أنه إذا مات أحد الزوجين تقرر المهر وهنا يحسن أن نذكر ما يتقرر به المهر سوى الموت يتقرر المهر بالجماع إذا جامعها ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فلها المهر بما استحل من فرجها» فإذا جامع الرجل زوجته ثم طلقها ثبت لها كاملًا بالنص، يتقرر المهر بالخلوة إذا خلا الزوج بامرأته وهي ممن يمكن جماعها فإنه يتقرر المهر إذا فارقها بعد هذه الخلوة وإن لم يحصل جماع - هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ودليل هذا أن الخلوة مظنة الجماع لاسيما إذا كانا الزوجان شابين فإنه يندر أن