الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما إذا كان صاحب الفرض زوجا أو زوجة فإنه لا يرد عليهم، فإذا هلك ميت عن زوجة فقط ليس له وارث سواها، فللزوجة الربع، والباقي لبيت المال. فإن قال قائل: لماذا لا تردون على الزوجة؟ قلنا: لأن دليل الرد لا يشملها إذ إن دليل الرد هو قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْض} [الأنفال: 75]، والزوجة ليست من ذوي الأرحام، نعم لو كانت بنت عم لورثناها بالرحم، لقلنا لها الربع فرضا والباقي ترثه على أنها ذات رحم تعصيبًا، لكن إذا لم يكن بينه وبينها قرابة، فإنها ليست من ذوي الأرحام للآية. فإن قال قائل: ألم يُرو عن عثمان بن عفان وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين لهم سنة مُتبعة أنه رد على امرأة هلكت عن زوجها فأعطاه عثمان جميع مالها، فما هو الجواب؟ الجواب أن نقول: هذه قضية عين ليست كلامًا تُفرع عليه الأحكام، قضى بهذا فيحتمل أن الزوج كان ذا رحم، يعني: ابن عم، هذه واحدة، ويحتمل أنه - أي: عثمان - رأى أن الزوج له حق في بيت المال فأعطاه ما زاد على فرضه بناء على أنه من المستحقين لكونه رآه فقيرا فأعطاه فما دامت القضية فيها احتمال فإننا لا نجعل هذا دليلاً على أن الزوج يرد عليه، وقد حكى بعض الفرضيين وبعض الفقهاء إجماع أهل العلم على أن الزوجين لا يرد عليهما.
حكم ميراث الحمل:
913 -
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استهل المولود وُرِث» . رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
«استهل» مأخوذ من الإهلال، وهو رفع الصوت وسمي رفع الصوت إهلالأ لظهوره وفي الحديث أن جبريل عليه الصلاة والسلام أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال، يعني: بالتلبية، وفي حديث جابر فأهل النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد لبيك اللهم لبيك، أهل يعني: رفع صوته فإذا استهل المولود، يعني: وضعته أمه صرخ فإنه يرث، وهذا الاستهلال يكون بسبب طعن الشيطان في خاصرته، لأن كل مولود يطعن الشيطان في خاصرته ولعله
يريد أن يهلكه؛ لأن الشيطان عدو لبني آدم إلا عيسى بن مريم فإن الشيطان لم يفعل به هذا، حتى إن بعض القوابل اللاتي يولدن النساء يرين أثر الضرب في خاصرته، لأنه يريد أن يقتل بني آدم لأنهم أعداء له، فإذا استهل ورث.
ففي هذا الحديث: دليل على أن الحمل يرث، يعني: لو مات ميت عن حمل فإنه يرثه، لكن يُشترط لذلك شرطان الأول: أن يُعلم وجوده حين موت مورثه، والثاني: أن يستهل صارخا، وهذا، يعني: أن تُعلم حياته بعد خروجه، فإن علم أنه كان ناشئا بعد موت مورثه فإنه لا يرث.
ولكن إذا قال قائل: كيف نتيقن أنه موجود حين موت مورثه؟ نقول: نتيقن أنها تلده لأقل من ستة أشهر من موت المورث ويعيش، فبذلك علمنا أنه كان موجودًا حين موت مورثه، لماذا؟ لأن أقل مدة يعيش فيها الحمل ستة أشهر لا يمكن أن يعيش الحمل إذا خرج قبل ستة أشهر، فإذا خرج لأقل من ستة أشهر من موت المورث وعاش علمنا أنه كان موجودًا حين موت مورثه.
لكن إذا قال قائل: ربما كان نشأ بعد ذلك جامعها زوجها بعد موت المورث وحملت، نقول: هذا لا يمكن أبدا، فإذا مات المورث عن الحمل فماذا نصنع بالنسبة للتركة إذا طلب الورثة أن تُقسم؟ هل نقسم التركة باعتبار الأضر في حق الجنين أو باعتبار الأضر في حق الأحياء، نقول: يجب الاحتياط وأن نعامل الورثة بالأحوط.
إذا قال لنا قائل: ما هو الدليل على أن أقل مدة يمكن أن يعيش فيها الحمل ستة أشهر؟ قلنا: الدليل قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15]. وقوله في الآية الثانية: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن} [لقمان: 14]. فإذا أسقطنا زمن الفصال وهو عامان ومدتها أربع وعشرون شهرا يبقى مدة الحمل ستة أشهر، وقد ذكر أبن قتيبة - في المعارف - أن عبد الملك بن مروان أحد الخلفاء ولد لستة أشهر، إذن إذا ولد لأقل من ستة أشهر فهو موجود حين موت المورث سواء كانت أمه توطأ أم لم توطأ، أما إذا وُلد لأكثر من ستة أشهر ولأقل من أربع سنين، فإننا ننظر إن كانت لا توطأ فإنه موجود حين موت المورث، وإن كانت توطأ فإننا في شك، هل وجد أو لا، وحينئذ لا يرث، ولهذا يجب على الإنسان إذا كان له زوجة يرث حملها من الميت أن يتجنبها إذا مات الميت حتى يتبين أنها حامل أو غير حامل، وذلك بأن تحيض إن حاضت فليس بحامل، وإن لم تحض وتبين حملها فهي حامل، وإن ولدته لأكثر من أربع سنين منذ مات مُورثه فإنه لا يرث على كل حال، لماذا؟ بناء على أن أكثر مدة الحمل أربع سنين.
وحينئذ نقول: المسألة لا تخلو من ثلاث حالات: إما أن يولد لأقل من ستة أشهر، ويعيش فهذا يرث بغير تفصيل بكل حال، وإما ألا يولد إلا بعد أربع سنين منذ مات الميت فهذا لا يرث بكل حال، بناء على أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات، وإما أن يولد بين ذلك فهذا فيه تفصيل: إن كانت توطأ فإنه لا يرث لاحتمال أن يكون نشأ من الجماع الذي بعد المورث، وإن كانت لا تُوطأ كامرأة غاب عنها زوجها مثلاً، فإنه يرث؛ لأنه لم يتجاوز أكثر مدة الحمل.
الشرط الثاني: أن يستهل صارخا، يعني: أن يوضع حيًا حياة مستقرة، فإن وضع ميتا فإنه لا يرث ولو بعد أن نُفخت فيه الروح، فلو وضعت جنينًا له تسعة أشهر ميتًا فإنه لا يرث؛ لأن من شرط إرثه أن يستهل صارخا، وهذا كناية عن وجود الحياة فيه، يعني: أن يُولد حياً.
فإذا قال إنسان: إذا مات ميت عن ورثة فيهم حمل يرثه فكيف نصنع؟ الجواب: أن تقول: إن اتفقوا على أن ينتظروا هذا الحمل فلا إشكال، وإن قالوا: لا نحن نريد القسمة، قلنا: نورثكم اليقين ونوقف للحمل الأحوط، يعني: نعامل كلاً من الحمل ومن يرث معه بالأحوط، كما قال البرهاني:
(وكل مفقود وخُنتى أشكالا
…
وحمل اليقين فيه عُملا)
يُعمل باليقين، وهو ما يرثه كل واحد على كل تقدير، فمثلاً: إذا هلك عن زوجة حامل وابن، نعطي الزوجة الثمن؛ لأن فيه فرعا وارثا، والابن يقولون: إنه يوقف للحمل الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين، هنا لو جعلنا الحمل أنثيين أعطينا الابن الموجود نصف الباقي، وإن قدرنا أن الحمل ابنان فإننا نعطي الابن الموجود ثلث الباقي لاحتمال أن يكون الحمل ذكرين، ولو هلك عن زوجة حامل وجدة وأخ شقيق نعطي الزوجة الثمن؛ لأنها ترث بكل حال، ونعطي الجدة السدس، والأخ الشقيق لا يُعطى شيئا؛ لأنه لو ولد الجنين حجبه إذا كان ذكرا، إن لم يولد المولود، يعني: خرج ميتا ماذا نعمل؟ نرجع ونعطي الزوجة تتمة الربع وهو الثمن، ونعطي الباقي للأخ الشقيق والجدة لا تُعطى شيئا؛ لأنها أخذت نصيبها كاملاً. | إذن ما لم ينقصه الحمل نعطيه نصيبه كاملاً.
إذن ما لم ينقصه الحمل نعطيه نصيبه كاملاً، ومن يحجبه الحمل لا نعطيه شيئًا، ومن ينقصه الحمل نعطيه الناقص، المثال الذي معنا اجتمعت فيه الأمور الثلاثة: الزوجة ينقصها الحمل فأعطيناها الأنقص، الجدة لا ينقصها الحمل فأعطيناها حقها كاملاً الأخ الشقيق يحجبه فلم نعطه شيئا، فإن قام علينا الأخ الشقيق وقال: الحمل يُحتمل أن يكون أنثى فلها النصف، وللزوجة الثمن، وللجدة السدس، والباقي لي، المسألة من ((24)) للزوجة الثمن (3)، وللجدة السدس (4) هذه (7) وللبنت النصف (12)، والباقي (5) يقول: لي، نقول: لا، ويمكن أن يكون الحمل أنثيين، فلها (? 6) وللزوجة (? ) فيکون (? ? )، وللجدة (4) فيكون (? ? ) والباقي
يقول: لي، نقول: لا، فيه احتمال أن يكون الحمل ابناً، وليس لك شيءً، وما دام يوجد احتمال، فإننا نعامل الورثة بالأحوط. إذا قال قائل: لماذا لا نوقف أكثر من إرث ذكرين؟
نقول: لأن الغالب أن المرأة لا يزيد حملها عن اثنين، ولهذا إذا ولدت امرأة ثلاثة فأكثر صارت شهرة، ويُذكر لي ولا أدري هل هو صحيح أم لا أنه في شرق آسيا لا يُستغرب أن تلد المرأة ثلاثة أو أربعة، فماذا نعمل مع هذا الواقع وكلام الفقهاء؟ هل نأخذ بكلام الفقهاء ونقول: الحمل حظ ونصيب أو نعتبر الواقع؟ نعتبر الواقع، فإذا قدرنا أن الغالب الثلاثة، وقفنا ثلاثة، وإذا قالوا الأربعة كثير، وقفنا الأربعة، وإذا قالوا الخمسة نادر، فلا نوقفه.
من فوائد الحديث الأول: إذا استهل المولود ورث، أي: أن الحمل يرث.
ومن فوائده: أنه يرث ولو كان حين موت المورث لم يبلغ أربعة أشهر؛ لأنه إذا لم يبلغ أربعة أشهر يدخل في كونه حملاً، فلو فرض أنه أعني مورثه مات قبل أن يكون بشرا، فإنه يرث إذا استهل لعموم الحديث.
ومن فوائده: شمول الشريعة الإسلامية حتى فيما يُقدّر من الأمور؛ لأن حياة الجنين ليست مضمونة، وإنما هي مقدرة باعتبار ابتدائه ونفخ الروح فيه، وباعتبار خروجه قد يخرج ميتا كما هو كثير.
914 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس للقاتل من الميراث شيء» . رواه النسائي/ والدارقطني، وقواه ابن عبد البر، وأعله النسائي، والصواب: وقفه على عمرو.
المؤلف يقول: الصواب وقفه، يعني أنه من قول عمرو بن العاص وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يعتبر حجة؛ لأن الحجة فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم ولنتكلم على مسألة القاتل:
هذا الحديث لو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان يقتضي أن القاتل ليس له من الميراث شيء، ولو كان أقرب الناس إلى الميت، فإذا هلك شخص عن ابن قتله فإن الابن لا يرث؛ لأن القاتل ليس له شيء، وهذا واضح فيما إذا كان القتل عمدا، وظاهر العموم أنه ليس للقاتل من الميراث
شيء، ولو كان قاتلاً بحق كمن قتل قصاصا، ولكن هذا الظاهر ليس بمراد، فإن القاتل بحق ليس جانيا، وظاهر الحديث أنه ليس للقاتل من الميراث شيء ولو كان قتله خطأ يقينا فإنه ليس له شيء، كامرأة تنام على ابنها في الليل فيموت، فهنا نجزم بأن المرأة لم تتعمد قتل ابنها، ومع ذلك لا ترث على ظاهر هذا الحديث. ولكن نقول: إنه ما دام الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نقسم القتل بحسب القواعد الشرعية العامة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما كان بحق كالقصاص ورجم الزاني، فإنه لا يمنع الميراث قطعا.
مثال ذلك: ثلاثة إخوة قتل الأكبر منهم الأوسط فهنا من يرث الأوسط؟ الأصغر، والأكبر لا يرث؛ لأنه تعمد القتل، ولكن الأصغر اقتص من أخيه الأكبر، فيرث، وهذا المثال اجتمع فيه من يرث، ومن لا يرث، فالأخ الأكبر الذي قتل الأوسط لا يرث لأنه متعمد للقتل، والأخ الأصغر الذي قتل الأكبر قصاصا يرث؛ لأنه قتله بحق.
بقي القسم الثالث: إذا كان قتله خطاأ وليس له حق في قتله، فهل يرث أو لا يرث؟ المشهور من مذهب الحنابلة أنه لا يرث خوفا من أن يقوم قائم فيقتل مورثه عمداً ويقول: إنه خطأ، فمن أجل سد الذريعة نقول: لا يرث القاتل خطأ، ولكن القول الصحيح خلاف ذلك، وهو أن القاتل خطأ إذا كان خطؤه لا شك فيه فإنه يرثه ودليل ذلك عموم الأدلة المثبتة للميراث، فقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن} [النساء: 11]. هذا عام لا يمكن أن نخرج من عمومه إلا ما قام الدليل على إخراجه، {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]. هذا عام يشمل حتى الزوج الذي قتل امرأته خطأ كما لو كان مسافرا بزوجته وحصل عليه حادث بدون قصد، وماتت الزوجة، فإن الآية تدل على أنه يرث، وهذا الزوج يرى أنه من أكبر المصائب عليه أن زوجته ماتت، ويقول: لو خيرت أن أعطيها أكثر من مالها عشر مرات ولا تموت لفعلت، فكيف نقول: إن هذا الزوج يُحرم من الميراث؟ ! والله يقول: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12].، فإذن عندنا عموم، هذا العموم لا يمكن أن يُخصص إلا بدليل من الشرع، ولا دليل على سقوط الإرث في مثل هذه الحال التي نعلم أنه لا يتطرق إليها احتمال العمد، فحينئذ يرث، ولكن يرث من تلاد مالها لا من الدية؛ لأن القاتل خطأ يجب عليه أن يسلم دية إلى أهل المقتول، والدية هذه تورث كما يورث ماله القديم، وحينئذ نقول: إنه يرث - أي: القاتل خطأ- من مال المورث الأول دون الدية؛ لأن الدية واجبة
?
عليه، وقد روى ابن ماجه حديثًا في ذلك ذكره ابن القيم في آخر كتاب (إعلام الموقعين)، في فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم ذكره، وقال به نأخذ، وهذا القول هو القول الراجح.
من فوائد الحديث: أن القاتل لا يرث شيئا لا قليلاً ولا كثيرا وعموم الحديث يدل على أنه لا يرث سواء ورث بالسبب أو بالنسب الذي يرث بالنسب هم القرابة، والذي يرث بالسبب الزوجية والولاء، فالحديث ظاهره العموم.
ومن فوائده: أن الشريعة اعتبرت سد الذرائع، يعني: أن ما كان ذريعة للشيء فإنه يُمنع إن كان ذريعة إلى محرم، وجهه أن منع القاتل من الميراث سد لذريعة القتل من أجل الميراث.
ظاهر الحديث أن القاتل لا يرث مطلقًا ولو قتل بحق، لكن هذا غير مراد؛ لأن التهمة في حق القاتل بحق غير واردة؛ لأن سبب الحق قائم، وهو استحقاق القصاص مثلاً، فلا يمكن أن تُرد الشبهة في حقه، لو أنه قتله تطببا أي: عالجه وهو إنسان حاذق فهلك المريض بسبب علاج هذا الشخص، فظاهر الحديث أنه لا يرث، ولكنه غير مراد فإنه في هذه الحال يرثه؛ لأنه مُحسن، وقد قال الله تعالى:{مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل} [التوبة: 91]. فيكون وارثا، والضابط الذي لا ينخرم أنه إن قتل بحق فإنه يرث، وإن قتل بغير حق فإنه لا يرث إلا إذا تيقنا أنه خطأ من غير احتمال العمدية فإن الصحيح أنه يرث.
915 -
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أحرز الوالد أو الود فهو لعصبته من كان» . رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وصححه ابن المديني، وابن عبد البر.
«أحرز» بمعنى كسب وأخذ الوالد فهو لعصبته وما أحرز الولد فهو أيضا لعصبته ولكن سبق لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» فذاك الحديث يخصص هذا الحديث فهو لعصبته أي: إذا لم يكن له ذوو فرض فإن كان له ذوو فرض فإنهم -.مقدمون على العصبة.
في هذا الحديث: دليل على أن التوارث بين الوالد والولد ثابت فإن وجد مانع من موانع الورث فإنه للعصبة الذين من وراء الولد والذين من وراء الوالد فلو فرض أن شخصا توفي عن
?
أب رقيق وعن عم حر فالميراث للعم الحر ولا يرث الأب الرقيق، وذلك لأنه لو ورث لصار المال لسيده وسيده أجنبي فلا يرث وفي قوله فهو لعصبته من كان، يعني: أيا كان العصبة سواء كان قريبا أم بعيدا، فإن المال يكون له لكنه كما ذكرت لكم مقيد بما إذا لم يكن صاحب فرض.
(91)
6 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع، ولا يوهب» . رواه الحاكم من طريق الشافعي، عن محمد بن الحسن، عن أبي يوسف، وصححه ابن حبان، وأعله البيهقي.
«الولاء» مبتدأ، و «لحمة» خبر، والولاء: هو ما يثبت للمعتق على عتقه من الولاية وهو أخص من الولاية المطلقة فإذا أعتق الإنسان عبدا ثبت له عليه الولاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الولاء لمن أعتق» ، والولاء ثابت للمعتق أيًا كان العتق، والعتق أنواع تارة تعتقه تقربًا إلى الله، وتارة تعتقه في كفارة، وتارة تعتقه في زكاة؛ لأن الزكاة ذكر الله للرقاب نصيبًا منها، إذا أعتقه تقربا إلى الله فلا شك أن الولاء له، لقوله:«إنما الولاء لمن أعتق» ، وإذا أعتقه فى كفارة فهل يكون الولاء له أو يكون الولاء لأهل الكفارة وهم الفقراء، وإن كان للفقراء فهو في بيت المال، وإذا أعتقه في زكاة فهل يكون الولاء للمعتق أو يكون الولاء لأهل الزكاة؟ لأن هذا أعتق في زكاة، فمن العلماء من قال: إن المعتق في كفارة أو زكاة كالمعتق تقربًا فيكون ولاؤه للمعتق، واستدلوا بعموم الحديث:«إنما الولاء لمن أعتق» .
ومنهم من قال: بل إن الولاء فيما إذا أعتقه في كفارة يكون للفقراء وفيما إذا أعتق زكاة يكون لأهل الزكاة، لأننا لو رددنا الولاء للمعتق تعاد إليه شيء من كفارته أو من زكاته ولتسارع الناس إلى مثل هذه الحال من أجل أن يعود النفع إليهم في المستقبل، وهذا القول أقرب من الأخذ بالعموم.
وعلى كل حال: فمتى ثبت الولاء فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه لحمة» بمعنى: التحام كلحمة النسب، أي: كالتحام النسب، والنسب حق شرعي لا يورث ولا يباع ولا يوهب، ولهذا لو جاءنا رجل، وقال: أنا وهبت نفسي لكم لأكون منكم، يقوله لشخص معروف من قبيلة معروفة قال
?
له هذا الكلام، فهل يثبت النسب للموهوب له؟ لا ولو أن رجلا باع نسب ابنه على شخص فإن هذا لا يصح لأن النسب ثابت حق شرعي لا يمكن إزالته.
الولاء كذلك ثابت حق شرعي لا يمكن إزالته حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغته عائشة رضي الله عنها فى الأنصار الذين باعوا عليها بريرة واشترطوا أن يكون ولاؤها لهم قال النبى صلى الله عليه وسلم: «خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق وأبطل الشرط» ، مع أنه قد شرط والتزمت به عائشة بأمر النبى صلى الله عليه وسلم فدل هذا على أن الولاء لا يمكن إسقاطه عن المعتق لا بشراء ولا بهبة ولا بغيرها كما أن النسب لا يمكن إسقاطه لا يمكن أحد أن يبيع نسبه أو نسب ابنه أو نسب ابنته لا يباع ولا يوهب، يعني: لو أن شخصا أعتق عبدا ثبت له الولاء فلو جاءه شخص وقال بع علي ولاء عبدك الذي أعتقته فإن البيع لا يصح كما لو جاء شخص لآخر، وقال: بع علي نسبك، فإنه لا يصح كذلك الولاء ولو أن المعتق وهب الولاء لشخص آخر، فكذلك لا يصح كما لو وهب الإنسان نسب ابنه إلى شخص آخر فإنه لا يصح، وهل يورث؟ لا يورث لأنه لو صح نقل الملك فيه بهبة أو بيع لصبح نقل الملك فيه بالإرث إذن فلا يورث فلو أن شخصنا أعتق عبدا وخلف عقارا وكان له ابنان فكيف يكون الإرث بالنسبة للاثنين؟ العقار بينهما نصفان والولاء لا يورث لكن لو مات العتيق كيف يرثانه؟ إذا لم يوجد عصبة نسب يرثانه بالسوية، لكنهما يرثانه إرث استحقاق لا انتقال، مات أحد الابنين عن أبن والعقار موجود والعتيق موجود كيف يكون العقار ينتقل إلى من؟ إلى ابن الابن يرث نصف العقار من أبيه، لكن هل يرث من أبيه ولاء العبد؟ لا، لا يرث ولهذا لو مات العبد عن ابن سيده الذي أعتقه وابن ابنه من الذي يرث العبد؟ ابن السيد الذي أعتقه دون ابن ابنه، ولو كان الولاء يورث لورثه ابن الابن والابن نصفين لكن الولاء لا يورث.
الولاء يثبت للمعتق وعصبته المتعصبين بأنفسهم، فإذا هلك هالك عن ابن وبنت وله عبد عتيق موجود كيف يرث الابن والبنت أباهما؟ يرثانه بالتعصيب للذكر مثل حظ الانثيين، لكن مات العتيق عن ابن معتقه وبنت معتقه من يرثه؟ الابن فقط، ابن العتيق هو الذي يرثه ولو كان يورث لورثت البنت كما ورثت من أبيها إذن الولاء لا يورث؟ هذه نتمم التمثيل فيها لنبين لكم أنها تسمى مسألة القضاة يقولون: إن ملكا سأل عنها سبعين قاضيًا من قضاة المدينة كلهم أخطأوا فيها.
على كل حال نقول: ابن وبنت اشتريا أباهما من شخص مالك له، يعني: الأب رقيق وهما
?
أحرار ثم إن الأب عتق؛ لأن الإنسان إذا اشترى أباه عتق الأب واشترى عبدا فأعتقه ثم مات الأب وهما قد اشترياه نصفين، يعني: هي سلمت عشرة والابن سلم عشرة كيف يرثانه؟ يرثانه أثلاثا للذكر مثل حظ الأنثيين، وذلك لأنهما يرثانه بجهتى تعصيب، تعصيب نسب وتعصيب ولاء سبب أيهما أقوى؟ تعصيب النسب إذن يرثانه بتعصب النسب فيكون أثلاثا، مات العتيق عتيق الابن كيف يرثانه؟ البنت لا ترث؛ لأن ابن المعتق يعصب بالنسب فهو أقوى من تعصيبه لأبيه بالولاء، فيكون ميراث المعتق لابن المعتق لا لبنته وكذلك الآن أنه لا غرابة أن يغلط فيها إن صحت الرواية سبعون قاضيا من قضاة المدينة.
النهاية أن الولاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لحمة كلحمة النسب» لا يمكن استبداله لا بيع ولا هبة ولا بإرث ينتقل على أنه لحمة كلحمة النسب، ثم إن كان هذا السند معلولا لكن يشهد له حديث عائشة الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنما الولاء لمن أعتق» .
917 -
وعن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفرضكم زيد بن ثابت» . أخرجه أحمد، والأربعة سوى أبي داود وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، وأعل بالإرسال.
هذا الحديث -كما قال المؤلف - أعل بالإرسال والعلة أحد أسباب القدح في الحديث؛ لأن من شروط الصحة أن يكون غير معلل ولا شاذ، فالحديث إذن ضعيف وعلى تقدير صحته فإنه خطاب لقوم معينين وليس خطابا للأمة جميعها لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم أمتي بالفرائض زيد بن ثابت ولا أفرض أمتي زيد بن ثابت وإنما قال:«أفرضكم» والخطاب لقوم معينين وهذا على تقدير صحته مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتضي أن يكون زيد أفرض هذه الأمة ثم على فرض أنه موجه للأمة لا يقتضي أن يكون زيد معصوما من الخطأ؛ لأني إذا قلت: فلان أعلم من فلان لا يعني أن الأعلم معصوم، فإن الأعلم قد يخطئ لأنه ليس أحد من الناس حاويا لجميع العلوم، ما من عالم إلا وفوقه أعلم منه كما قال تعالى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم} [يوسف: 76]. حتى تنتهي إلى علام الغيوب عز وجل.
فالحاصل: أن الحديث أولاً ضعيف، ثانيا لو صح فهو مخاطب به جماعة معينة، ثالثًا لو فرض عمومه للأمة فلا يستلزم عصمة زيد من الخطأ، ولهذا لا يمكن لأي إنسان أن يحتج علينا في مسألة فرضية بأن هذا قول زيد بن ثابت، لأننا نقول في جوابه زيد بن ثابت غير معصوم حتى لو