الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرينة تدل على أنه للصغرى فإن الصغرى قالت: "هو لها يا نبي الله" فرحمته وأشفقت عليه، أما الكبرى فقد أكل الذئب ابنها فقالت: كما تلف ابني يتلف هذا، وهذا يدل على أنها ليس في قلبها رحمة لهذا الولد؛ إذن هذا عمل بالقرينة.
ومن سنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم في العمل بالقرينة أنه لما فتح خيبر سأل عن مال حيي بن أخطب رئيس بني النضير فسأل عنه فقالوا: يا رسول الله أفنته الحروب، قال: كيف ذلك المال كثير والعهد قريب وإذا كان المال كثيرًا والعهد قريبًا لم تفنه الحروب، ثم قال للزبير:"خذ هذا الرجل فمسه بعذاب" يعني: اضربه، فلما ذاق مس العذاب قال: إنني أرى حييًا يحوم حول خربة هناك في خيبر، فذهبوا إلى الخربة وأخذوا منها ملء جلد ثور ذهبًا مدفونة فهنا عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالقرائن، إذن العمل بالقرائن ثابت شرعًا.
ومن فوائد الحديث: حسن معاشرة زوجات النَّبي صلى الله عليه وسلم له؛ حيث أذن له أن يكون عند عائشة مع العلم بأنهن كل واحدة تحب أن يكون عندها، لكنهن قدمن راحة النبي صلى الله عليه وسلم على راحتهن.
ومن فوائد الحديث: ما حصل من المنقبة العظيمة لعائشة رضي الله عنها؛ حيث اختار النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يكون مرضه في بيتها، وزيادة على ذلك فإنه مات في حجرها بين حاقنتها وذاقنتها، ومات في يومها وفي بيتها، وآخر ما طعم من الدُّنيا ريقها، كل هذا من مناقبها، وهي من أبغض الناس عند الرافضة؛ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم يحبها أكثر من غيرها من نسائه.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للرجل ذي الزوجات المتعددة أن يلمح لزوجاته باختيار إحداهن، وأن ذلك لا يعد إحراجًا، الدليل فعل النَّبي صلى الله عليه وسلم، فإنه جعل يقول:"أين أنا غدًا؟ " حتى أذن له.
القرعة بين الزوجات في السفر:
1020 -
وعنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهنَّ خرج سهمها؛ خرج بها معه". متَّفق عليه.
قولها: "إذا أراد سفرًا"، "السفر" قال العلماء في اللغة: هو مفارقة محل الإقامة، وقال بعض العلماء: السفر ما يرتحل له الإنسان بالزاد والمزاد، ولكن المعنى الأول أصح؛ لأن الإنسان أسفر فيه وتوسع وخرج، ومن ذلك قوله تعالى:{والصبح إذا أسفر} [المدثر: 34].
فالرجل إذا فارق محل إقامته يقال: سافر، وقال بعضهم في تعليل السفر: إنما سمي سفرًا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال؛ أي: يبينها ويوضحها، فإن كثيرًا من الناس لا تتبين أخلاقه إلا
عند السفر، تجد بعض الناس إذا سافر يخدم أصحابه يطبخ لهم، يأتي لهم بالحطب، يصنع كل شيء فيه الراحة، وبعضهم كالزنبيل المتقطعة عراه إذا كان في السفر من حين ما ينزل من السيارة وهو واضع جنبه على الأرض، وأحيانًا يقول: يا فلان، هات كذا، هات كذا، سوي لي شاي، هات تمرًا، هذا ليس ذا أخلاق، يقول بعض العلماء: أظنه نافعًا: "صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني".
فالسفر في الحقيقة يسفر عن أخلاق الرجال؛ ولهذا كان عمر إذا زكَّى أحد أحدًا قال له: تعال هل سافرت معه؟ قال: لا، قال: هل عاملته؟ قال: لا، قال إذن لا تعرفه؛ لأن الإنسان يعرف بالسفر ويعرف بالمعاملة، "إذا أراد سفرًا" ظاهر الحديث أنه لا فرق بين السفر الطويل والقصير وهو كذلك.
وقولها: "أقرع بين نسائه"؛ يعني: ضرب بينهن قرعة أيتهن تخرج، وكأن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يسافر إلا ومعه إحدى زوجاته، وقد يكون معه أكثر من واحدة، لكن لابد أن يصحب واحدة منهن؛ لأن هناك سننًا خفية لا يطلع عليها إلا النساء الزوجات فيحب صلى الله عليه وسلم أن تأخذ زوجاته منه حتَّى السنن في السفر فيخرج بهن أو بواحدة، فكيف يقرع؟ لم يبين، ولكن طرق القرعة كثيرة؛ أي: طريق يتوصل به إلى القرعة فليسلك سواء بكتابة أوراق أو بوضع أحجار أو وضع أعواد أو وضع خرق، المهم أي شيء تحصل به القرعة فليسلك، "فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه"، والباقيات يبقين.
ففي هذا الحديث عدة فوائد أولاً: كمال عدل النَّبي صلى الله عليه وسلم، ووجهه: أنه كان لا يسافر حتَّى يقرع بينهن، وإلا فمن الجائز أن يختار واحدة، ويقول: تخرج معي، ويختار الشابة منهن أو الخفيفة وتخرج معه، لكن لكمال عدله يقرع بينهن.
ومنها: أن القرعة طريق شرعي لإثبات المستحق؛ ودليله استعمال النَّبي صلى الله عليه وسلم لها، وقد ثبتت طريقًا لإثبات المستحق في القرآن في موضعين، وفي السنة في ستة مواضع.
ففي القرآن في قصة مريم: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} [آل عمران: 44]. وفي قصة يونس: {إذ أبق إلى الفلك المشحون (140) فساهم فكان من المدحضين} [الصافات: 140 - 141]. الفلك المشحون؛ أي: المملوء، وكانوا قد خافوا على أنفسهم، قالوا: إن بقينا
كلنا في الفلك غرقنا جميعًا، وإن نزل بعضنا سلم الباقي، ولا شك أن استباق البعض خير من هلاك الجميع، إذن من ننزله؟
قد يقول قائل: ننزل الثقيل الكبير البدن؛ لأن الثقيل البدن واحد عن عشرة من الصغار، وقال الثاني: بل ننزل كبير السن؛ لأنه أقرب إلى الموت من الشاب، أيامه مدبرة، والشاب في مستقبل العمر، وقال الآخر: ننزل الأحمق حتى نستريح منه ونريح، وكل واحد أتى بعلة، نقول: كل هذا لا يكون؛ لأن قتل النفس يستوي فيه الجاهل والعالم والسفيه والرشيد والمجنون والعاقل، دية المجنون كدية العاقل، إذن لا طريق لنا إلا القرعة؛ ولهذا ضربوا القرعة {فساهم فكان من المدحضين} يعني: ليس وحده؛ {فكان من المدحضين} معه أناس، والقصة مشهورة.
وفي السنة في ستة مواضع هذا أحدها: "كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه" إذن القرعة، طريق شرعي لإثبات المستحق، ولكن يشترط التساوي، فإن كان هناك مرجح فلا قرعة بل نأخذ بالراجح؛ لأنه إذا كان مرجحًا صارت المسألة قمارًا، مثال ذلك بيننا طعام مقداره مائة صاع فقسمناه ستين صاعًا وأربعين صاعًا ثم أردنا أن نضرب قرعة فالقرعة هنا حرام؛ لأن أحدنا إما غانم وإما غارم، وهذا لا يجوز؛ لأنه قمار إذا خرجت القرعة لي على ستين صاعًا صرت غانمًا، كم أغنم؟ عشرة، وإن صارت القرعة على الأربعين غرمت عشرة، إذن هذا لا يجوز لكن نقسمه نصفين ثم نضرب القرعة، وهل يقاس على هذه المسألة ما أشبهها من الحقوق؟ الجواب: نعم.
وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في آخر القواعد الفقهية متى تكون القرعة، وذكر جميع مسائل القرعة التي ذكرها الفقهاء من أول الطهارة إلى آخر الإقرار، فإذا أردتم الاطلاع عليه فهو مفيد.
ومن فوائد الحديث: أنه إذا خرج بالقارعة فإنه لا يقضي للمقروعة، هذا هو الصحيح، وهذه هي فائدة القرعة، وليست فائدة القرعة هو أنه يختص بهذه القارعة هذه المدة، ثم يقضي للباقيات؛ لأن هذا قد يكون فيه ضرر على القارعة، فهو إذا خرج بها لا يقضي.
وهل تعاد القرعة مرة ثانية لو أراد سفرًا آخر، ونقول: من قرعت في السفر فلا حظ لها في القرعة في السفر الثاني؟ ظاهر الحديث: "إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه" أنه يعيد القرعة بين الجميع وهو مشكل؛ لأنها قد تخرج القرعة في السفر الثاني للقارعة، وبما في الثالثة وفي الرَّابعة، وحينئذ يتكرر السفر بواحدة مع حرمان الباقيات، وهذه مسألة تحتاج إلى نظر وتأمل.