الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشقيق؛ لأنه أقوى، ولو هلك عن أخ لأب وابن أخ شقيق فللأخ لأب لأنه أقرب منزلة، ابن أخ لأب وابن أخ شقيق فلابن الأخ الشقيق؛ لأنه أقوى، ابن شقيق وابن لأب هذا لا يمكن، إذن القوة لا تكون إلا في الأخوة والعمومة فقط، ابن ابن ابن عم شقيق نازل، وعم أب شقيق التعصيب للأول؛ لأن أبن ابن العم النازل تجتمع معه بالجد، وعم الأب تجتمع معه بأب الجد، إذن الأول أقرب، ولهذا قال بعض الفقهاء رحمهم الله قاعدة مفيدة، وهى: أنه لا يرث بنو أب أعلى مع بني أب أقرب وإن نزلوا، من الذين نزلوا؟ بنو الأب الأقرب يعنى: لو جاء ابن ابن ابن عم إلى العاشر وعم أب فالمال للأول؛ لأنه يجتمع معك فى أب أقرب، فصار العصبة خمس جهات: بنوة ثم أبوة ثم أخوة ثم عمومة ثم ولاء، فتقدم في التعصيب الأسبق جهة، فإن كانوا في جهة واحدة فالأقرب منزلة أحق فإن كانوا بمنزلة واحدة فالأقوى ووصف القوة لا يكون إلا في الأخوة والعمومة، ويكون أيضا في النسب لكونه أخا للمعتق أو عمّا أو ابن أخ وابن عم.
حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:
906 -
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم» . متفق عليه.
«لا يرث» النفي هنا بمعنى: النهي بمعنى أنه لا يجوز أن يرث المسلم الكافر، ولو كان قريبه، ولا يرث الكافر المسلم، ولو كان قريبه.
مثال ذلك: رجل مسلم أبوه نصراني مات الرجل المسلم فإن أباه لا يرثه لأن الكافر لا يرث المسلم، مات الأب النصراني وله ولدان: أحدهما مسلم، والثاني نصراني، فميراثه لولده النصراني، لا لولده المسلم، لأن المسلم لا يرث الكافر، فإذا قال قائل: لماذا ما الحكمة؟ الحكمة أن الأصل في الميراث أنه مبني على الموالاة والنصرة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول:«فلأولى رجل» فهو مبني على الموالاة والنصرة، ولا موالاة ولا نصرة بين المسلم والكافر، بل كل منهما يجب أن يكون عدوا للآخر، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1]. وقد أشار الله إلى هذا في القرآن في قوله وهو يخاطب نوحا عليه السلام لما قال: {نَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46]. فنفى أن يكون من أهله مع أنه ابنه، لأنه كافر، ونوح نبي من الأنبياء - أحد أولي العزم-، فدل هذا على أنه لا صلة بين المسلم والكافر، وظاهر الحديث أنه لا فرق
بين أن يكون الكافر يقرَّ على دينه أو لا يقر، فالذي يقر على دينه مثل اليهودي والنصراني والمشرك الأصلي، وأما الذي لا يقر فهو المرتل، فلو كان أحد القريبين مرتداً فإنه لا يرث من قريبه ولا قريبه منه، ومثاله -وهو كثير في وقتنا الحاضر- رجل لا يصلي فمات له ابن مسلم خلف ملايين وله عم لهذا الولد المسلم فمن الذي يرثه؟ عمه أما أبوه فلا يرث، لماذا؟ نقول: لأنه غير مسلم هو كافر، والابن مسلم، وقد قال النبي يَغ: ولا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافره، فظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن يكون الكافر أصليًا يقرّ على دينه أو مرتلا لا يقرّ على دينه، لأن الحديث عام استثنى -.بعض العلماء ما إذا أسلم قبل قسمة التركة، فإنه يرث ترغيبا له في الإسلام مثال هذا: رجل هلك عن أبناء وزوجة وأحد أبنائه لا يصلي، فهذا الذي لا يصلي ليس له ميراث لكنه قبل أن تقسم التركة هداه الله وصلى فاستثنى بعض العلماء" هذه المسألة وقالوا: إذا أسلم قبل أن تقسم التركة، فإنه يُعطى ميراثه لماذا؟ قالوا: ترغيبا له في الإسلام، ولكن الصحيح أنه لا يُعطى شيئا لأن الحديث عام والترغيب في الإسلام ينبغي أن نقول للورثة: أعطوا هذا الذي أسلم نصيبه من الميراث لتنالوا الأجر فإن ذلك لا شك يرغبه في الإسلام، فالصواب أن هذا ليس له ميراث العموم الحديث، ولأننا يمكن أن نناقض هذا التعليل، فنقول: قد يُسلم ظاهرا ليحوز الإرث ثم إذا حازه كفر، فهذه المصلحة تقابل بمفسدة ولكنه لا شك أنه إذا أسلم فإنه ينبغي لنا أن نحث الورثة على أن يعطوه نصيبه لما في ذلك من التأليف على الإسلام، والتآلف بين الأنام.
واستثنى بعض العلماء أيضا الولاء، فقالوا: إن الولاء يورث به حتى مع الكفر، فلو كان السيد كافرا ومات عتيقه وليس له وارث سواه، فإن السيد يُعطى من الميراث، ولكن هذا القول ضعيف، لأنه يستدل بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الولاء لمن أعتق» ، وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأن هذا الحديث فيه بيان أن الولاء سبب من أسباب الإرث، فإذا أردنا أن نحتج بهذا العموم قلنا أيضا إن الله قال:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11].
فاستدلوا بهذه الآية على أنه لا مانع من الإرث على خلاف الدين، فالاستدلال بهذا الحديث ضعيف، والصحيح أنه لا ميراث مع اختلاف الدين ولو بالولاء، والدليل على ذلك عموم الحديث: ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، واستثنى بعض العلماء المرتد
فقال: إنه يورث ولا يرث. واستدل من قال بذلك بأن الصحابة (رضى الله عنهم) ورثوا ورثة المرتدين الذين ارتدو بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الاستثناء ضعيف، لأن عموم الحديث لا يخصصه إلا بنص أو بإجماع، ولا إجماع في المسألة ولا نص.
فالجواب: إبقاء الحديث على عمومه، وأن المرتد لا يرثه أحد من أقاربه، ويذهب ماله إلى بيت المال، واستثنى بعض العلماء المنافقين فقال: إنه يجري التوارث بينهم وبين المؤمنين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاملهم معاملة المسلمين ظاهرا، وهذا الاستثناء صحيح إذا لم يُعلم نفاقه، أما إذا عُلم نفاقه واشتهر وأعلنه فإنه كافر، ولا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، لكن إذا كان لا يُعلن نفاقه، فإنه يجرى التوارث بينه وبين أقاربه المسلمين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل المنافقين معاملة المسلمين، إذن فلا يستثنى من هذا الحديث إلا المنافق الذي لم يظهر نفاقه.
هذا الحديث يسميه العلماء: «موانع الإرث» ، يعني: إذا وجدت أسباب الإرث، لكنه وجد مانع فإنه لا توارث، وذلك لأن الأحكام لا تثبت إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها، ولهذا لو توضأ الإنسان وضوءا كاملاً وتطهر طهارة كاملة في ثوبه وبقعته ثم صلى في وقت النهي فصلاته باطلة لوجود المانع، وحينئذ يجدر بنا أن نتكلم عن الموانع، فنقول: الموانع ثلاثة: اختلاف الدين، والقتل، والرق.
أما اختلاف الدين فقد سمعتم دليله: «لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم» ، وهل يرث الكافر الكافر؟ إن كان دينهما واحدا توارثا، وإن كان دينهما مختلفا فلا إرث، فاليهودي لا يرث من النصراني، والنصراني لا يرث من اليهودي؛ لأن الكفر مِلل.
الثاني: القتل يعني: لو أنه قتل الوارث مورثه، فإنه لا يرثه، ولو كان أباه لماذا مع وجود الأبوة؟ استدلوا بأثر ونظر، أما الأثر فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن القاتل لا يرث شيئا من المقتول» .
وأما النظر فقالوا: إننا لو ورثنا القاتل أدى ذلك إلى أن يُقتل الرجل من أجل ماله، وهذا يفتح باب شر على الناس، فإذا حرمناه سددنا الباب، وعلى هذا فلا يرث القاتل سواء كان قتله عمداً أم خطأ، حتى لو انقلبت امرأة على طفلها في النوم ومات، فإنها لا ترث منه، هل هذه تعمدت؟ لا، أم تقتل ولدها وهي نائمة مستحيل، لكن نقول سدا للباب، لئلا يدعي مدع قاتل عملا أنه كان قتل خطأ، ولكننا نقول في هذه المسألة: أما الحديث فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن القاتل لا يرث، وأما التعليل فينبغى أن يُقال بمقتضاه بشرط أن نعلم أن يغلب على الظن أن هذا الوارث إنما قتل مورثه من أجل ان يرثه، فإن نفى هذا فإنه لا وجه لحرمانه من الميراث.
ونضرب لهذا مثلاً يوضح المسألة: لو أن شخصا يقود سيارة بأبيه وحصل منه خطأ فانقلبت السيارة ومات الأب فهل يرث؟ نقول: أما على القول بأن القتل مانع من موانع الإرث ولو كان خطأ فإنه لا يرث على كل حال، وأما على القول الثاني الذي يقول إذا انتفت التهمة فالأصل أن يعلم السبب عمله وأن يرث، على هذا القول الثاني نقول: إن الابن هنا يرث من أبيه، ولكن لا يرث من الدية، يرث من ماله الأول، لأن هذا الولد يجب على عاقلته دية أبيه والدية تضم إلى مال المورث، لكن في هذه الحال نقول للولد: ليس لك من الدية شيء لك من مال أبيك الأول، فإذا كان عند أبيه مائتا ألف والدية التي حصلها مائة ألف يرث الابن من مائتي الألف دون مائة الألف التي هي الدية، وقد جاء فى هذا حديث أخرجه ابن ماجه، وقال أبن القيم في إعلام الموقعين: به نأخذ، يعني: أن القتل إذا كان خطأ فإنه لا يمنع من الميراث لانتفاء العلة التي بها منع القاتل من الميراث، وهذا القول هو الصحيح أن القاتل خطأ يرث من المقتول، أما إذا تعمد مثل أن يكون ابن عم وعند ابن عمه مال كثير وهو فقير ويأتي لابن عمه يقول: أعطني درهما أشتري به خبزا للفطور والغداء، فيقول: لا، فقال له يتهدده، ثم قتله ففي هذه الحال لا يرثه قطعًا لأن الرجل عُلم أنه يريد المال، ومن القواعد المقررة عند الفقهاء: من تعجل شيئًا قبل أوانه عُوقب بحرمانه.
الثالث من الموانع: الرق، يعني: إذا كان الوارث لولا الرق لورث فهذا مانع من موانع الإرث، يعني: إذا وجد سبب الإرث في شخص وكان رقيقا فإنه لا يرث مثاله رجل له أخ رقيق. وله عم حر فمن الذي يرث؟ العم الحر لكن لولا الرق لورث الأخ الشقيق، الرق مانع من موانع الإرث، والدليل أن الله سبحانه وتعالى ذكر الميراث باللام الدالة على الملك فقال: : {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11].
وقال: {ولكم نصف ما ترك أزواجكم} ، {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} ، {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ} وإذا كان استحقاق الوارث للإرث بالملك؛ فإن الرقيق لا يملك لأنه مُلك لسيده، والدليل على أن الرقيق لا يملك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من باع عبدًا وله مال فماله للذي
باعه إلا أن يشترطه المبتاع» يعني: المشتري، فقوله:«ماله للذي باعه» ، يدل على أن العبد لا يملك، وبناء عليه لو ورّثنا العبد المملوك من قريبه لكان ثمرة الميراث لسيده وهو أجنبى من الميت، ولهذا نقول: الثالث من موانع الإرث الرق، يعني: أن الرقيق لا يرث وهل يورث؟ لا لأنه ليس له مال حتى يورث ماله لسيده، نرجع مرة ثانية نقول: هذه الموانع تنقسم إلى قسمين مانع من جانب واحد ومانع من الجانبين فاختلاف الدين مانع من الجانبين، يعني: أن من خالفك في الدين لا يرث منك، ولا ترث منه، القتل من جانب واحد، يعني: أنه لا يرث القاتل ولكن المقتول يرث من القاتل، هل هذا يتصور؟ نعم يتصور بأن يجرحه القاتل جرحا مميتًا ثم يموت القاتل بسكتة أو حادث قبل أن يموت المجروح حينئذ يكون المقتول وارثا للقاتل إذن القتل مانع من جانب واحد وهو جانب القتل، الرق مانع من الجانبين فالرقيق لا يرث ولا يورث.
من فوائد الحديث:
أولاً: منع ميراث المسلم من الكافر، والكافر من المسلم.
ثانيًا: المباينة التامة بين المسلم والكافر حتى الميراث الذي يكون ملكا قهريا لا يجري بين مختلفين في الدين.
ثالثاً: أن العمدة في الموالاة والمناصر اتفاق الدين، ومع الاختلاف لا تجوز الموالاة والمناصرة.
رابعًا: أن المسلم يرث من المسلم وأن الكافر يرث من الكافر، ولكن العلماء اختلفوا: هل الكفر ملة واحدة فيرث اليهودي من النصراني والمجوسي والشيوعي والمرتد أو أن الكفر ملل مختلفة فلا يرث اليهودي من النصراني ولا النصراني من اليهودي؟ في هذا قولان لأهل العلم، فمنهم من قال: إن الكفر ملة واحدة وإن الكفار يتوارثون وإن اختلفت مللهم، ومن العلماء من يقول: بل لا يرثون مع اختلاف الملل، أما الأولون فقالوا: إن الكفر ملة واحدة لقول الله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض} [الأنفال: 73]. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ} [المائدة: 51]. وأما الذين قالوا لهم ملل مختلفة ولا يتوارثون فقالوا إن الله قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [المائدة: 112]. فيتبرأ كل منهم من الآخر من حيث الدين، أما قوله «بعضهم أولياء بعض» فهذا بالنسبة
للمسلمين فهم أولياء بعضهم لبعض على المسلمين أما فيما بينهم فلا وهذا هو الصحيح: أن الكفر ملل مختلفة، والدليل على ذلك انظر اختلافهم في المسيح ابن مريم، اليهود يقولون: إن المسيح ابن زانية وأمه زانية قاتلهم الله، والنصارى يقولون: إنه إله وأمه إله، فرق عظيم كيف تقول: إن هؤلاء بعضهم أولياء بعض لكن هم أولياء على المسلمين أما فيما بينهم فلا، إذن
اليهودي يرث من اليهودي والنصراني من النصراني، والمجوسي من المجوسي.
المرتد يقولون: إنه لا يرث ولا يورث ويذهب ماله إلى بيت المال؛ لأنه لا يُقر على دينه المرتد يجب أن يقال له: إما أن ترجع للإسلام الذي خرجت منه وإلا فالسيف.
907 -
وعن ابن مسعود رضي الله عنه في بنتٍ، وبنت ابن، وأخت «قضى النبي صلى الله عليه وسلم للابنة النصف، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت» . رواه البخاري
هذه المسألة أفتى بها أبو موسى الأشعري قبل ابن مسعود سئل أبو موسى الأشعري وهو بالكوفة عن بنت وبنت ابن وأخت فقال للبنت النصف وللأخت النصف لأنه رأى أنهما أنثيان ليس معهما عاصب وقد قال الله تعالى: {وَلَهُ أختُ فَلَهَا نصف ما ترك} [النساء: 176]، وقال في البنت:{وإن كانت وواحدة فلها النصف} [النساء: 11]. فقال للبنت النصف وللأخت النصف وقال للسائل ائت ابن مسعود فسيوافقني على ذلك، فأتى ابن مسعود فأخبره بما قال أبو موسى فقال: لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين، يعني: إن تابعت أبا موسى على قسمه لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: للبنت النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت، فانظر أدبهم أي الصحابة مع من هو أعلم منهم أبو موسين لا شك أنه مجتهد في فتواه مستند إلى النص لكنه أخطأ في الفتوى ومع ذلك أحال المسألة على ابن مسعود لأنه أعلم منه وكلاهما صحابي، عكس ما عليه بعض الناس اليوم نجد الشخص يحفظ مسألة واحدة من مسائل العلم وهي: أن الماء قسمان وهي أن الماء طهور ونجس ثم يقول أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ثم يقول: من يبارزني في العلم؟ ثم يضلل أئمة الإسلام ويقول: هم رجال ونحن رجال، ليست المسألة رجل ورجل، وبين الرجال فروق عظيمة في العلم والإيمان والدين، فالواجب أن يعرف الإنسان قدر نفسه. ولا يستهين بغيره؛ لأنه إذا استهان بغيره عوقب بأن يستهين الناس به، لا يظن أنه الآن إذا قطف ثمرة الاستعلاء أنها ستبقى له أبدا، لأن من استهان بغيره بغير حق فإن الله تعالى يسلط عليه من يهينه ويذله.
المهم: أن قول ابن مسعود «لقد ضللت إذن وما أنا من المهتدين» ، فيه وصف المخطئ - ولو كان مجتهدا- بالضلال، إلا إن يقال: أن ابن مسعود أضاف الضلال إلى نفسه إن تابعه؛ لأنه عالم بالحكم، ولكن الاحتمال الأول أصح، أي: أن المخطئ يصح أن نقول إنه ضال وإن كان مخطأ، لكن لا يسوغ أن نقابله بذلك ونقول: إنك ضال، بل نقول بحسب ما تقتضيه الحال مثل أن نقول: تبين الأمر انظر في المسألة مرة أخرى، لأنك ربما إذا جابهته وقلت له: أنت ضال يحصل في هذا مفسدة كبيرة، لكن الإنسان العاقل يستطيع أن يبين الضلال للشخص بأسلوب مقنع مُرض.
قال: «لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقسم رضي الله عنه بأن يقضي فيها بقضاء رسول الله فأقسم ولكننا ما نرى «والله» في كلامه؟ نقول: إنه مقدر، لأن اللام في «لأقضين» ، واقعة في جواب القسم، والتقدير: والله لأقضين، ثم قال: وللابنة التصفية لتمام الشروط؛ لأن شرط إرث البنت النصف ألا يوجد معها معصب ولا مشارك، لا توجد بنت أخرى ولا يوجد ابن معصب، فيكون لها النصف، ودليل ذلك قوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11]. هذه واحدة لها النصف، بنت الابن كيف يكون لها السدس؟ نقول لأن بنت الابن من البنات تنسب إلى جدها فيقال فاطمة بنت علي بن عبد الله إذن تنسب إلى جدها، فهي من البنات لكن لنزول درجتها عن البنت كان من الحكمة ألا تساويها في الميراث، بل تعطى السدس لأن البنت ميراثها النصف تام الشروط لم يبق من الثلثين إلا السدس فتعطاه بنت الابن.
فإن قال قائل: لماذا لم تفرضوا لها الثلث قلنا: لو فرضنا لها الثلث لزاد نصيب البنتين عن الثلثين والبنتان ليس لهما إلا الثلثان؛ ولهذا نقول في قسمة الميراث لبنت الابن السدس ولا نقف، بل نقول: تكملة الثلثين يجب أن نقول: تكملة الثلثين، يعني: لو قلت للبنت النصف ولبنت الابن السدس قلنا: هذا خطأ لابد أن تقول: تكملة الثلثين من أجل أن تشير إلى الحكمة في أنك لم تعطها إلا السدس، والحكمة أنك لو أعطيتها أكثر من السدس لزاد نصيب البنتين على الثلثين وهذا ممتنع، ولهذا تقول: لها السدس تكملة الثلثين، بقي أن يقال: الأخت لماذا لم ترث النصف؟ نقول: لا يمكن لوجود الفرع الوارث، وإذا وجد الفرع الوارث فإن الإخوة لا يرث الإناث منهم بالفرض؛ لأنهم كلالة لا يرثون إلا في الكلالة كما قال تعالى:{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176]. وفي مسألتنا له ولد وهي البنت وبنت الابن «وله أخت فلها نصف ما ترك» ففي هذا المثال ليس لها فرض بل لها تعصيب، فإن قال قائل: كيف تجعلون لها تعصيبا وهي أنثى وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: والحقوا الفرائض بأهلها
…
الحديث» وهنا أعطيتموه الأخت وحرمتم الأعمام والأعمام ذكور فكيف تعطون الأخت؟ نقول: لأن هذا الحديث مخصص لعموم قوله «فلأولى رجل ذكر» يعني: أن الأخوات مع إناث الفروع الوارثات بالفرض يكن عصبات بمنزلة الإخوة فتكون هذه القسمة التي قسمها النبي صلى الله عليه وسلم مخصصة لعموم «فلأولى رجل ذكر» .
ونقول: هذه الأخت: الآن بمنزلة الأخ بمقتضى قسمة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا مخصصا لقوله:«فلأولى رجل ذكر» وحينئذ نأخذ من هذا قاعدة: أنه إذا اجتمع مع البنات أو بنات الابن أخوات فإنهن يرثن بالتعصيب، لو كان في هذا المثال مع الأخت الشقيقة ابن أخ شقيق من يرث؟ الأخ الشقيقة، لأنها أقرب منزلة ما دام يثبت أنها عاصبة فهي بمنزلة الأخ، ومعلوم أن الأخ لا يرث معه ابن الأخ، فتكون الأخت الشقيقة هنا أقرب منزلة ولو كان معها أخ لأب، يعني: هلك هالك عن بنت وبنت ابن وأخت شقيقة وأخ لأب فيكون للشقيقة؛ لماذا؟ لأنها أقوى لو كان بدل الأخت الشقيقة ابن أخت شقيقة وابن أخ شقيق، نقول لا يصح لأن ابن الأخت الشقيقة لا يرث أصلا، لماذا؟ لأن الحواشي لا يرث منهم من أدلى بأنثى إلا الإخوة من الأم لأنهم يدلون بالأم إذن ابن الأخت الشقيقة لا يرث؛ لأنه مدل بأنثى لو كان مع بنت الابن بنت ثانية مثل: أن يهلك هالك عن بنت وبنت ابن وبنت ابن ثانية وبنت ابن ثالثة وأخت شقيقة؟ السدس بين الثلاث لا يزيد بزيادتهن؛ لأننا لو زدنا بزيادتهن لزدنا عن فرض الأنثيين من الفروع وفرض الأنثيين من الفروع لا يزيد على الثلثين، إذن لو كانت بنات الابن مع البنت لو كن عشرة أو مائة فليس لهن إلا السدس تكملة الثلثين، لو كان مع البنت بنت أخرى، يعني: هلك هالك عن بنتين وبنت ابن وأخت شقيقة لكان للبنتين الثلثان وبنت الابن تسقط والباقي للخت الشقيقة فهذا الرجل مات عن بنت ابنه وأخت شقيقة وبنتين.
قلنا: إن بنت الابن تسقط والباقي للخت الشقيقة، لماذا؟ لأن بنت الابن في هذه الحال ليست صاحبة فرض؛ لأن الفرض انتهى بالثلثين وليست عاصبة إذن ليس لها ميراث، لو كان معها أخ ابن ابن لكان الباقي مع أخيها تعصيبا وتسقط الأخت الشقيقة، وهذا ما يسميه الفرضيون بالأخ المبارك الذي لولاه لم ترث أخته.
908 -
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يتوارث أهل ملتين» . رواه أحمد، والأربعة إلا الترمذي.
وأخرجه الحاكم بلفظ أسامة.
- وروى النسائي حديث أسامة بهذا اللفظ.
هذا الحديث يدل على أن الكفر ملل؛ وأنه لا يتوارث أهل ملتين، وقد سبق لنا آنفا بأن هذا القول هو القول الراجح.
يستفاد من حديث ابن مسعود: أنه إذا وجدت مسألة على وفق ما جرى فإنها تقسم على ما قاله ابن مسعود رضي الله عنه.
ويستفاد منه: حسن أدب الصحابة بعضهم مع بعض حيث ذكرنا لكم القصة.
ويستفاد منه أيضا: أنه لا يمكن أن يزيد الإناث من الفروع عن فرض الثلثين لا يمكن أبدًا مهما بلغن.
فائدة: في الفروض التي لا تزيد بزيادة عدد من له الفرض.
ويستفاد منه: أن بنات الابن مع البنت الواحدة إذا ورثت النصف ميراثهن واحد لا يزيد بزيادتهن، أي: أن لهن السدس تكملة الثلثين، وهذا هو أحد الفروض التى لا تزيد بزيادة مستحقها، والثاني ميراث الزوجات لا يزيد بزيادتهن، فمن كان عنده واحدة وله أبناء ففرضها الثمن وإن كان عده اثنتان فالثمن أو ثلاث أو أربع أو خمس فالثمن، إذا كان عنده أربع نساء وطلقهن في مرض موته المخوف طلاقا بائنا ثم تزوج أربع نساء وهو في مرض موته المخوف ومات كم يرثه؟ ثماني نساء.
عن كل حال: لا يزيد الفرض بزيادتهن، الثالث: الجدات لا يزيد الفرض بزيادتهن فالجدة الواحدة لها السدس والثنتان لهما السدس والثلاث أيضا السدس لا يزيد، والرابعة الأخوات لأب مع الأخت الشقيقة الواحدة إذا ورث النصف يرثن السدس تكملة الثلثين ولا يزيد بزيادتهن هذه أربع فروض لا تزيد بزيادة من له الفرض.
ومن فوائد حديث ابن مسعود: أنه ينبغي تأكيد الحكم، خصوصا إذا ظهر مخالف لقوله:«لأقضين» فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا ينبغي للإنسان عندما يفتي بحكم من الأحكام ويخشى أن يكون عند المستفتي شيء من الشك أو القلق ينبغي له أن يؤكد هذا بأي مؤكد سواء مؤكدا لفظيا كالقسم أو مؤكدا معنويا كذكر الأدلة.
ومن فوائد الحديث: أن هذه القسمة تخصص عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر» .