الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن فوائد الحديث: إشارة أنس بن مالك إلى أنه لا ينبغي الإسراف في الولائم لقوله: «فما كان فيها من خبز ولا لحم» .
1004 -
وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اجتمع داعيان، فأجب أقربهما باباً، فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق» . رواه أبو داود، وسنده ضعيف.
"إذا اجتمع داعيان
…
إلخ"، يعني: إذا دعاك رجلان دعوة واحد فأجب أقربهما باباً؛ لأن أقربهما باباً أقربهما جواراً، فإن سبق أحدهما فأجب الذي سبق؛ لأنه أحق، ولكن كيف يتصور أن يجتمع داعيان بلا سبق؟ داعيان وكلا رجلاً واحداً فقالا ادع لنا فلاناً، فذهب الرجل الوكيل للرجلين وقال للمدعو إن فلاناً وفلاناً يدعوانك، على كل حال: قد يبدو للإنسان أن تصويرها صعب ولكن ليست بتلك الصعوبة، على كل حال: إذا سبق أحدهما يجاب أقربهما باباً، وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:«فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً» . وحينئذ يشكل علينا إذا اجتمع الداعيان أقربهما باباً قد يكون أبعدهما جواراً، مثاله: جاري الذي ليس بيني وبينه إلا الجدار بابه بعيد بجانب البيت الطريق الذي يبعد عني، ورجل آخر بيني وبينه بيت لكن بابه أقرب، من نجيب؟ إن نظرنا إلى قوله:«أقربهما باباً» قلنا: هذا أقرب باباً؛ وإن نظرنا إلى قوله: «فإن أقربهما باباً أقربهما جواراً» قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لاحظ قرب الجوار، والغالب أن الباب يكون في البيت، فإذا كان البيت أقرب صار الباب أقرب.
هذه المسألة تحتاج إلى تحرير إذا كان أحدهما أقرب جواراً وأبعد باباً فهل نعتبر قرب الجوار ولو بعد بابه أو نعتبر قرب الباب؟
حكم الأكل في حالة الاتكاء:
1005 -
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا آكل متكئاً» . رواه البخاري.
قال: «لا آكل متكئاً» الاتكاء هو الاعتماد، وهو على نوعين: اعتماد على اليد، واعتماد على الظهر، واعتماد على اليد إما اليمنى أو اليسرى يستلزم أن يكون البدن مائلاً إلى أحد الشقين، والاعتماد على الظهر لا يستلزم ذلك، لكنه يدل على أن الإنسان سوف يستريح استراحة
كاملة على الأكل وحينئذٍ يملأ بطنه، وملء البطن من الطعام خلاف ما ينبغي، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«وحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه» . هناك صفة ثالثة عند ابن القيم في "زاد المعاد" وهي التربع يقول: إن هذا من الاتكاء لأن فيه شيئاً من الراحة التي توجب أن يأكل كثيراً وهو خلاف السنة إلا في بعض الأحيان لا بأس أن يأكل الإنسان كثيراً.
يستفاد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يكره الأكل متكئاً، ولكن هل هذا بمعنى النهي بحيث نقول: أن الاتكاء عند الطعام منهي عنه إما نهي كراهة وإما نهي تحريم؟ الذي يظهر لي أنه لا يقتضي النهي وإنما يقتضي أن يكون ذلك من الآداب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحاشاها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لو أراد النهي لصرح به، لقوله تعالى:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} [المائدة: 67]. فإذا لم يصرح به، لم يقل: لا تأكلوا متكئين، علم أن ذلك من باب الآداب المستحبة ولا يستلزم الكراهة.
أما الحكمة من ذلك، فقال العلماء: إن المتكئ على أحدى اليدين لا يسهل نزول الطعام في هذه الحال مع المريء الذي هو مجرى الطعام، لأنه يكون الجسد مائلاً إلى أحد الجانبين، وهل يدخل في ذلك الشرب؟ نقول: إما على قواعد أهل الظاهرية فإنه لا يدخل فيه الشرب، لماذا؟ لأن الحديث خصه بالأكل، والأكل غير الشرب، فيقتضي أن يكون الشرب حال الاتكاء ليس مما يكرهه النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يقال: إن الشرب كالأكل، لأن العلة واحدة خصوصاً إذا عللنا الاتكاء على إحدى اليدين، فإن الشارب إذا كان متكئاً على إحدى اليدين اتكاء كبيراً ربما يشرق فيتضرر بذلك، لكن الاحتياط أن نأخذ بالظاهر، ونقول: الأكل متكئاً يكرهه النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الشرب.
وقد يقال: إن الفرق من وجهين: الوجه الأول: أن الأكل متكئاً سوف يكثر من الأكل، ثانياً: أن نزول الطعام مع المريء أشق من نزول الماء؛ لأن الماء أسهل وهذا معنى يقتضي ألا يصح القياس، بقى لنا الصورة الثالثة للاتكاء وهي: التربع، يرى ابن القيم أنها اتكاء، والفقهاء لا يرونها من الاتكاء ويقولون: إن المتربع لم يتكئ بل هو قائم الجسد فهو لم يتكئ فلا يدخل في الحديث، وإذا كان هذا عن التربع لا يقتضيه اللفظ من حيث اللغة ولا من حيث اللفظ فالاحتياط عدم إدخاله، لماذا؟ لأن الأصل في غير العبادات الحل والإباحة حتى يقوم الدليل على خلاف ذلك.