المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أول خلع في الإسلام - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: ‌ أول خلع في الإسلام

1024 -

وفي رواية عمرو بن شعيٍب، عن أبيه، عن جدِّه عند ابن ماجه:"أنَّ ثابت بن قيس كان دميمًا وأنَّ امرأته قالت: لولا مخافة الله إذا دخل عليَّ لبصقت في وجهه".

- ولأحمد: من حديث سهل بن أبي حثمة: "وكان ذلك‌

‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

".

دميمًا في الخلقة لكنه جميل حسن في الخلق رضي الله عنه، وكان فصيحًا خطيبًا مصقعًا وشاعرًا أيضًا، وقوله: "لولا مخافة الله

الخ" يعني: لشدة كراهتها له، وهي في الحقيقة عاشقة صور حسية وإلا لو كانت عاشقة أخلاق ما يهمها أن يكون دميمًا أو غير دميم، فهي امرأة رأته مع جماعة قد أقبل وإذا هو قصير وأسود ودميم فتعبت نفسها من هذا، كيف زوجها يكون هكذا وقد ذكروا أنها كانت عندها شيء من الجمال فكأنها تقول كيف أكون بهذه المثابة من الجمال عند هذا الرجل الَّذي بهذه المثابة من الدمامة على رأيها، لكن المقصود من هذا الحديث بيان أنها لم تكرهه لخلقه ولا لدينه ولكن لخلقته.

أول خلع في الإسلام:

- ولأحمد من حديث سهل بن أبي حثمة: "وكان ذلك أول خلع في الإسلام".

والخلع كان معروفًا في الجاهلية لكن أول خلع في الإسلام هو هذا.

هذا الحديث فيه فوائد: أولاً: أنه أصل في الخلع من السنة، أما من القرآن فالأصل فيه قوله تعالى:{ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229].

ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إذا كانت لا تطيق البقاء مع الزوج، ودليله: أن المرة بيَّنت أنها لا تطيق البقاء معه وإلا فإنها لا تعيبه في خلق ولا دين، وعلى هذا فيكون الحديث:"من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة". غير معارض لحديث امرأة ثابت؛ لأن امرأة ثابت سألت الطلاق لبأس.

ومن فوائد الحديث: جواز طلب المرأة الطلاق أو الخلع لسوء خلق الزوج لقولها: "ما أعيب عليه من خلق ولا دين"، دل هذا على أنه من المعتاد إذا عيب على الرجل خلقه جاز طلب الطلاق.

ص: 654

ومن الفوائد: جواز طلب المرأة الطلاق إذا لم ترض دين زوجها، مثل: أن تتزوج به على أنه رجل مستقيم ثمَّ يتبين أنه رجل غير مستقيم إما لعدم اهتمامه بالصلاة أو لشربه الخمر أو لغير ذلك، فلها في هذه الحال طلب الطلاق لسوء دينه، ولكن يجب أن نعلم أن في هذا تفصيلاًَ فإنها إذا كرهت دينه إما أن يكون مرتدًا فحينئذ ينفسخ النكاح شاءت أم أبت لحق الله، مثل: أن يترك الصلاة! ! فإذا ترك الصلاة نهائيًا فهنا تحتاج إلى أن تطالب، لماذا؟ لأن النكاح ينفسخ بمجرد ردَّته حَّتى يعود إلى الإسلام قبل انقضاء العدة، فإن عاد إلى الإسلام بعد انقضاء العدة فقد اختلف العلماء في هذا: هل يعاد العقد من جديد أو هي بالخيار إن شاءت رجعت إليه بلا عقد وهذا هو الصحيح، الصحيح إذا ارتد الزوج فإن النكاح ينفسخ بدون فاسخ، ثم إن رجع إلى الإسلام قبل انقضاء العدة فهي زوجته ولا خيار لها وإن انقضت العدة قبل أن يعود إلى الإسلام فهي بالخيار على القول الصحيح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب إلى أبي العاص بن الربيع بعد ست سنوات، أما المشهور من المذهب فإنه إذا انقضت العدة فلا رجوع إلا بعقد جديد.

ومن فوائد الحديث: أن من الحزم أن يحتاط الإنسان لما يتوقعه من مكروه لقولها: "ولكني أكره الكفر في الإسلام"، فخافت من هذا فاحتاطت واستعدت للوقاية من هذا الشر.

ومن فوائد الحديث: صراحة الصحابة رجالاً ونساء؛ لأن امرأة ثابت بن قيس أقدمت على هذا الفعل الذي قد يستحيي منه كثير من النساء.

ومن فوائده: أنه لا يلام الإنسان إذا فعل مثل هذا الفعل، وإن كان قد ينتقد، ولكن ما دام الشارع قد جعل له هذا الفعل فإنه لا يلام عليه، إلا أنه ما يخالف المروءة من الأفعال والحركات لا ينبغي للإنسان اللبيب أن يتجرأ عليها.

ومن فوائد الحديث: أن المرأة إذا طلبت الفسخ من زوجها لسبب فللزوج أن يطالب بالمهر الذي أعطاها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أتردين عليه حديقته؟ "، ولو كانت تملك الفسخ لمجرد كراهتها لزوجها لم يعرض النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فدعا بزوجها وفسخ النكاح، لكن لابد أن يعوَّض الزوج عمَّا أخذ منه، أما إذا لم يعوَّض فهذا فيه شيء من الجور.

وقوله: "أتردين عليه حديقته؟ " ما ترون لو طلب الزوج زيادة على المهر الَّذي أعطاها؟ هل يملك ذلك أو لا يملك؟ في هذا قولان لأهل العلم القول الأول: أنه يملك ذلك لأن الحق له ولأن زوجته سوف تأخذ من يديه فله أن يمتنع إلا بعوض أكثر مما أعطاها؛ ولأنه ربما يكون قد تزوجها في وقت كانت المهور فيه قليلة، والآن المهور كثيرة، فإذا لم يزد على المهر الذي أعطاها لم يجد زوجة واستدل هؤلاء الجماعة بقوله تعالى:{فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229].

ص: 655

و"ما" هذه اسم موصول، واسم الموصول عام فيشمل القليل والكثير، وذهب بعض العلماء إلا أنه لا يزيد على ما أعطاها؛ لأن المهر الَّذي أعطاها أخذ عوضه في الحقيقة وهو استحلال الفرج واستمتاعه ولهذا قال النَّبي صلى الله عليه وسلم:"فلها المهر بما استحل من فرجها". ولأن في حديث امرأة ثابت أن الرسول قال: "خذ الحديقة ولا تزدد"، قلنا: هذا فيه خلاف بين العلماء؛ منهم من قال: إنه يجوز أن يطلب زيادة على ما أعطاها، واستدل بقوله تعالى:{فلا جناح عليهما فيما افتدت به} .

و"ما" اسم موصول من صيغ العموم، فيشمل كل ما تفتدي به من قليل وكثير، ومنهم من قال إنه لا يزيد على ما أعطاها، ويقول: إن الآية لا دلالة فيما على ما ذكر، أي: على جواز طلب الزيادة، ووجه ذلك: أن الله قال: {ولا تحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت} أي: مما أتيتموهن، فالآية آخرها معطوف على أولها، فيكون المعنى: فلا جناح عليهما فيما افتدت به مما آتاها، وعلى هذا فيكون أعلى شيء أن يأخذ ما أعطاها فقط، ولا شك أن المروءة تقتضي ألا يطلب الزيادة، ولهذا توسط الإمام أحمد في هذه المسألة فقال: إنه يكره أن يأخذ زيادة على ما أعطاها ولا يحرم، وهذا هو أعدل الأقوال أن نقول: إنه يحرم عليه أن يأخذ أكثر مما أعطى، ولكن يكره له ذلك؛ لأن فيه شيئًا من الظلم والجور، وأما كونه لا يأثم لو أخذ أكثر فلأن الإنسان ربما يتعلق بالمرأة ويحبها ويخشى إن فاتته أن يتأثر بنفسه وبأن المهور قد تكون زادت وقد يكون بلغ السن قدرًا لا يقبله أكثر النساء؛ فلهذا نقول: إن طلب الزيادة لا يصل إلى درجة التحريم، ولكن القول بأنه مكروه لا بأس به، وقد علمتم من القواعد التي قرأتموها أن المكروه تبيحه الحاجة والحاجة دون الضرورة.

ومن الفوائد: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم لأنه هو الَّذي عرض على المرأة أن ترد الحديقة، وعرضه عليها أن ترد الحديقة يقتضي أنها إذا ردت حصل لها مطلوبها.

ومن فوائد الحديث: وجوب الخلع على الزوج إذا طلبت المرأة ذلك وردت عليها المهر، استدل هؤلاء لهذا بقوله صلى الله عليه وسلم:"اقبل الحديقة وطلِّقها تطليقه"، قالوا: والأصل في الأمر الوجوب؛ ولأن هذا- أعني: عدم قبوله- يستلزم ضرراً على المرأة، ودفع الضرر عن المسلم أو رفعه واجب، وقد فعل ذلك بعض فقهاء الحنابلة كما نقله عنهم صاحب الفروع قال بعض قضاتنا ألزموا الزوج بالطلاق في هذه الحال، ولاشك أن القول بإلزامه بالطلاق في هذه الحال قول قوي، لا يقال: إن الطلاق لمن أخذ بالساق، فلا يمكن أن نلزمه إذا كانت الأمور جارية على

ص: 656

مجراها الطبيعي، أما إذا خيف أن المرأة تقتل نفسها أو تحرق نفسها أو تجني على أحد أو تكفر بعد الإسلام فلا شك أن هذه الحالات توجب أن يلزم الزوج بأن يطلق ولا خسارة عليه إذا ردّ عليه مهره؛ لأن بعض النساء تقول لأهلها:"أنا إذا أجبرتموني على هذا الرجل سوف أقتل نفسي" وفعلاً وقع، فمثل هذه الحال لا يمكن أن تستقيم حَّتى لو أنها بقيت مع الزوج فهل تعيش معه عيشة سعيدة؟ أبدًا لا هو ولا هي؛ لأنه سيبقى معها في شقاق ومعارضات لا نهاية لها، أما المشهور من المذهب فإنه لا يلزم ويشار عليه ويبين له الأمر فإن أجاز وإلا ترك.

ومن فوائد الحديث: أن حرف الجواب يغني عن الجملة لقوله: "أتردين عليه حديقته؟ "، قالت:"نعم"، ولهذا إذا قيل للرجل: أطلَّقت امرأتك؟ قال: "نعم" طلقت، أعتقت عبدك؟ قال:"نعم" عتق، أوقفت بيتك؟ قال:"نعم صار وقفًا، أقبلت البيع؟ قال: "نعم" فقد قبل البيع.

ومن فوائد الحديث: مشورة ولي الأمر على أحد الخصمين أو على أحد المتداعيين بما يراه أنه أفضل وأصلح، ولقوله:"اقبل الحديقة وطلِّقها تطليقه"؛ لأن بقاءه معها وهي على هذه الحال لاشك أنه ضرر عليه وعليها، هذا إذا قلنا: إن الأمر هنا للإرشاد، أما إذا قلنا: إنه للإلزام فيستفاد منه إلزام الزوج بالخلع؛ يعني: بالمخالعة إذا كرهت المرأة البقاء معه وأعطته ما دفع إليها، وإلي هذا ذهب بعض أهل العلم وقالوا للقاضي أن يلزم الزوج بالخلع إذا لم تستقم الحال.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا كان الشقاق من طرف واحد فلا حاجة إلى إقامة الحكمين، والحكمان إنما يكونون فيما إذا كان الشقاق من الطرفين لقوله تعالى:{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدًا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا} [النساء: 35]. وهنا الشقاق من طرف واحد وهو الزوجة، أما الزوج فهو يريدها.

ومن فوائد الحديث: أن الخلع يصح أن يقع بلفظ الطلاق لقوله: "طلِّقها تطليقه"، وإذا وقع بلفظ الطلاق فهل يكون خلعًا؛ يعني: حكمه حكم الخلع فلا يحسب من الطلاق ولا رجعة فيه، أو هو إذا وقع بلفظ الطلاق كان طلاقًا؟ في هذا للعلماء قولان:

الأول: أن الخلع فسخ مطلقًا سواء وقع بلفظ الطلاق أو بلفظ الخلع أو بلفظ الافتداء فإنه يكون فسخًا وإذا كان فسخًا؛ فإنه لا ينقص به عدد الطلاق ولا يكمل به عدد الثلاث، فإذا كان طلَّقها مرتين من قبل ثمَّ خالعها فإنها لا تبين منه بينونة كبرى؛ لأن الخلع فسخ وليس بطلاق وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال: إن الخلع فسخ سواء وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو الافتداء أو الطلاق أو غير ذلك، وأيد كلامه بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل عدَّة امرأة ثابت بن قيس حيضه، ولو كان طلاقًا لكانت عدتها ثلاث حيض، وأيد قوله أيضًا بأن العبرة في الألفاظ بمقاصدها، فهو وإن قال: طلَّقها فالمراد المخالعة، والعبرة في الألفاظ بالمقاصد دون الألفاظ وعلل ذلك أيضًا بأن

ص: 657

هذا ما روي عن عبد الله بن عباس الَّذي قال فيه النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهمَّ فقِّهه في الدين وعلِّمه التأويل"، فإن ابن عباس قال:"كل ما أجازه المال فهو خلع وليس بطلاق".

وذهب بعض العلماء إلى العكس من ذلك، وقالوا: إن الخلع طلاق بأي لفظ كان، حتى لو وقع بلفظ الخلع فإنه طلاق، ولكن هذا القول ضعيف للغاية؛ لأنه لو كان الخلع طلاقًا بكل لفظ لكان الطلاق أربعًا لا ثلاثًا، كيف ذلك؟ لأن الله تعالى قال:{الطلاق مرتان فإمساك بمعروٍف أو تسريح بإحسانٍ ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229].

فهذا ثالث ثمَّ قال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حَّتى تنكح زوجًا غيره} [البقرة: 230]. فهذا رابع، فالقول بأن الخلع طلاق بأي لفظ كان قول ضعيف جدًا؛ والقول بأن الخلع فسخ بأي لفظ كان وهو مقابل للقول الَّذي ذكرت أقوى منه.

بقي قول ثالث: أنه إن وقع بلفظ الطلاق وإن وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو الافتداء فهو فسخ، وهذا هو المشهور من المذهب، ويؤيد هذا قوله:"طلِّقها تطليقه"، وهذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل هذا الفراق طلاقًا ولكنه أمره أن يطلقها:"طلقها تطليقه"، هذا القول قول وسط بين القولين، لكنه يعكر على هذا القول أن النَّبي صلى الله عليه وسلم جعل عدتها حيضه، والطلاق عدته ثلاث حيض لقوله تعالى:{والمطلَّقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228]. ولكن ربما يقول قائل: الطلاق الذي تتربص فيه المرأة ثلاثة قروء هو الطلاق الذي فيه رجعة لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} [البقرة: 228]. أي: في ذلك الزمن الَّذي هو ثلاثة قروء ولا يكونوا البعول أحق بردهن إلا في الطلاق الرجعي والخلع طلاق بائن ويمكن أن نقول إنما جعل النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عدة المختلعة حيضه واحدة؛ لأنه لا رجعة للزوج عليها فلا فائدة من تطويل العدة عليها فلتكن العدة حيضه واحدة، وهذا القول وجيه جدًا أيضًا، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المطلقة ثلاثًا قال: إن المطلقة ثلاثًا عدتها حيضه؛ لأنه لا رجوع لزوجها عليها إلا أنه علق القول بذلك على أن لا يكون خلاف الإجماع، وقد ثبت أنه لا إجماع في المسألة أي لم يجمع العلماء على أن المطلقة طلاقًا بائنًا تعتد بثلاث حيض، وعلى هذا

ص: 658

فيكون قوله: "أن من لا رجعة لزوجها عليها فعدتها حيضه"؛ لأنه يحصل بها المقصود من العلم ببراءة الرحم وينتفي بها المشقة على الزوجة من تطويل العدة.

الخلاصة: الخلع إما أن يقع بلفظ الخلع أو الفداء أو الافتداء أو الفسخ فيكون فسخًا، وما معنى قولنا: يكون فسخًا؟ أنه لا يعطى حكم الطلاق فلا يحسب من الطلاق ولا تبين به المرأة بينونة كبرى إذا كان قد طلق قبله مرتين، وإذا وقع بلفظ الطلاق فهل يكون فسخًا؟ في ذلك ثلاثة أقوال: فمن العلماء من يقول: يكون فسخًا؛ لأن العبرة في الألفاظ بمقاصدها، ويؤيده أيضًا أن الرسول جعل عدَّة المختلعة حيضه واحدة، ويؤيده ما روي عن ابن عباس من أن كل ما كان بعوض فهو فسخ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.

والقول الثاني: أنه إذا كان بلفظ الطلاق فهو طلاق؛ لأن لفظ الطلاق صريح فيه؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "طلِّقها تطليقه"، وإن وقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو الفداء أو الافتداء فهو فسخ، وهذا هو المشهور من المذهب.

القول الثالث: أن الخلع طلاق بكل حال وإن وقع بلفظ الخلع وهذا القول أضعف الأقوال.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي لأهل العلم أن يرشدوا العامة إلى الطلاق المشروع؛ حيث قال: "طلِّقها تطليقه"؛ لأن الطلاق السُّني الموافق للسنة ما كان واحدة، فإن طلَّق ثنتين فهو مكروه، وإن طلَّق ثلاثًا فهو حرام؛ يعني: إذا قال لزوجته: أنت طالق هذا طلاق سنة، إذا قال: أنت طالق أنت طالق فهذا مكروه، إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهذا حرام، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية على أن ما زاد على الواحدة فهو حرام، فالثنتان عنده حرام، وقوله: أصح؛ لأنه ليس بعد السُّنة إلا البدعة، وكل بدعة ضلالة، والفقهاء يرون قوله:"أنت طالق أنت طالق" أنه طلاق بدعة، فالاقتصار على الكراهة فيه نظر، والصواب أن الطلاق الزائد على الواحدة حرام، لكن إن كان ثلاثًا فإنه تبين به المرأة على المشهور عند العلماء، وإن كان اثنتين فإنها لا تبين به، والصحيح أنها لا تبين بالثلاث، وأنه إذا طلَّق ثلاثًا بدون أن يتخلل الطلقات رجعة فإنه واحدة؛ يعني: لو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق فهي واحدة، وإذا قال: أنت طالق أنت طالق فهي واحدة؛ إلا إذا تخللهما رجعة بأن قال: أنت طالق ثم راجعها، وبعد يومين قال: أنت طالق ثم راجعها، وقال بعد يومين أو ثلاثة: أنت طالق فهنا تحسب كل واحدة طلقة منفردة.

ص: 659

ومن فوائد الحديث: أن المختلعة عدَّتها حيضه؛ لقوله: "فجعل النَّبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضه"، ووجه ذلك: أنه لا رجعة للزوج عليها فلا فائدة من تطويل العدَّة، بل تطويل العدة فيه مضرة على الزوجة، فإنه ربما يؤدي إلى أن تبقى في ثلاث حيض سنة كاملة إذا كانت ممن لا يحيض إلا بعد أربعة أشهر فمعنى ذلك أنها تبقى اثني عشر شهرًا.

ومن فوائد الحديث: بيان سبب طلب امرأة ثابت بن قيس للخلع؛ لقوله: "كان دميمًا".

ومن فوائد: شدة بغض امرأة ثابت له؛ لقولها: "ولبصقت في وجهه".

ومن فوائد الحديث: أن الخوف من الله يحمل على محاسن الأخلاق؛ لأن مخافة الله منعتها من البصاق في وجهه.

ومن فوائد الحديث: أن البصاق مكروه وعدوان، وهو عند بعض الناس أشد من الضرب، يعني: لو ضربت الرجل كان أهون عليه من البصاق في وجهه، ولهذا نهي النَّبي صلى الله عليه وسلم عن بصاق المصلَّي قبل وجهه؛ لأن هذا ينافي الأدب مع الله الَّذي أنت بين يديه، بل رأى نخامة في جدار المسجد من الإمام فعزل الإمام عن إمامته لقبح فعله.

ومن فوائد الحديث: أن هذا الخلع أول خلع وقع في الإسلام، كما أن الظهار الَّذي وقع في صدر سورة "قد سمع" أول ظهار في الإسلام، ولا تنسوا ما قسمناه في أول الباب من أن الخلع من الأجنبي له أقسام أربعة: أن يكون لمصلحة الزوج، أو مصلحة الزوجة، أو مصلحتهما، أو الإضرار بالزوج أو بالزوجة أو بهما أو لمصلحة الباذل للعوض.

ص: 660