الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذا الحديث فوائد: أولاً: إثبات النظر لله؛ أي: منه لقوله: «لا ينظر» ، ونفي النظر عن هؤلاء يدل على ثبوت النظر لغيرهم؛ لأنه لو انتفى النظر عن الجميع لم يكن لتخصيص هؤلاء فائدة، وقد استدل الأئمة بمثل هذا ففي قوله تعالى:{كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]. استدل الأئمة على أن الأبرار يرون الله، قالوا: فإنه لما حجب هؤلاء الفجار في حال الغضب دل على أن الأبرار في حال الرضا ينظر إليهم؛ لأنه لو كان الحجب من هؤلاء ومن هؤلاء لم يكن لتخصيص هؤلاء فائدة. ومن فوائد الحديث: أن إتيان الرجل الرجل من كبائر الذنوب، وجهه: أنه أثبت عليه الوعيد، وكل ذنب رتب عليه الوعيد فإنه من كبائر الذنوب، كل ذنب رتب عليه حد في الدنيا فهو من كبائر الذنوب، كل ذنب تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله فهو من كبائر الذنوب، وأحسن ما حدث به الكبيرة ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: من أن ما رتب عليه عقوبة خاصة فهو من الكبائر، وذلك أن المنهيات تارة ينهى عنها ويقال إنها حرام فقط، وتارة تقرن بعقوبة خاصة إما في الدنيا وإما في الآخرة.
مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:
ولم يذكر في هذا الحديث حد إتيان الرجل الرجل، لكن قال قوم من أهل العلم: فيه التعزيز دون الحد، وقال آخرون: فيه حد الزنا، فالمحصن يرجم وغير يجلد، وقال آخرون: بل يقتل الفاعل والمفعول به بكل حال، سواء كان محصنا أم غير محصن. وقال آخرون: ليس فيه حد ولا تعزيز! وهذا من غرائب الأقوال، يقولون: اكتفاء بالرادع الطبيعي وقاسوا ذلك على من شرب البول وشرب الخمر، فمن شرب الخمر يجلد، ومن شرب البول لا يجلد، قالوا: اكتفاء بالرادع الطبيعي ليس أحد من الناس يشرب البول لكن كثيرا من الناس يشرب الخمر، فجعل فيه عقوبة من أجل أن تردع الناس عن شرب الخمر، ولكن هذا القول لا يصح، بل هو من أبطل الأقوال، فنحن لا نسلم أن من شرب البول لا يعزر، بل نرى أنه يجب أن يعزر؛ لأن شرب البول حرام وإذا كان الإنسان لا تردعه طبيعته وفطرته فتردعه العصا والسوط، وكل معصية ليس فيها حد ففيها التعزير؛ إذن إذا بطل الأصل بطل الفرع، ثم على تقدير التسليم أن شرب البول ليس فيه شيء فإنه لا يصح القياس؛ لأن شرب البول لا يمكن لأي إنسان أن يميل إليه، وأما إتيان الذكر الذكر فهذا يمكن أن يميل إليه الإنسان، وهاهم قوم لوط أمة كلهم ابتلوا بهذا الشيء فصاروا يأتون الذكران من العالمين، ويذرون ما خلق لهم ربهم من أزواجهم، لما
انتهكوا الحرام جعل الله في قلوبهم كراهة النساء فصاروا يتركون الأزواج ولو كن من أحسن النساء ويأتون الفاحشة؟ ! إذن ما هو القول الراجح؟ أنه يقتل الفاعل والمفعول، أولاً: لأن ذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» وهذا حديث صححه كثير من الأئمة. ثانياً: أنه نقل إجماع الصحابة على قتل الفاعل والمفعول به، وقد حكي إجماعهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، إلا أن الصحابة اختلفوا كيف يقتل، فقال بعضهم: بالسيف، وقال بعضهم: بالرجم، وقال بعضهم: يلقى من أعلى شاهق في البلد ثم يتبع بالحجارة، وقال بعضهم: بل يحرق كما جاء ذلك عن أبي بكر وغيره من الخلفاء، والأصح أنه يقتل بما يرى الإمام أنه أنكى وأعظم، إما بالإحراق، وإما بالإلقاء من أعلى شاهق، وإما بالرجم، المهم الذي يرى أنه أنكى وأعظم ردعاً للناس يفعله؛ لأن هذه الفاحشة خبيثة توجب أن تجعل ذكور البشر بمنزلة الإناث فينقلب الذكور إناثاً ولا يمكن التحرز منها، كيف إذا رأيت ذكراً مع ذكر أن تقول: من هذا الذي معك؟ لكن ذكر مع أنثى ممكن أن يحترز الناس منه، فالمهم: أن القول الراجح أنه يجب على ولي الأمر أن يقتل الفاعل والمفعول به لكن يشترط البلوغ والعقل والاختيار، فإن كان دون البلوغ فإنه لا يقتل ولكن يعزر، كما يعزر ابن عشر في ترك الصلاة، ومن كان مجنوناً فلا يقتل، ومن أكره على ذلك فإنه لا يقتل إذا كان مفعولاً به وإذا كان فاعلاً مثل أن يأتيه رجل يكون مثل المرأة ويطلب منه أن يفعل به ويقول إما أن تنفذ ما قلت وإما أن أقتلك ومعه سلاح، لكن الفقهاء رحمهم الله يقولون: لا يمكن الإكراه على الوطء؛ لأنه لا وطء إلا بانتشار، ولا انتشار مع الإكراه، لأن المكره لا ينتشر ذكره، لأنه خائف، ولكن هذا أيضاً ليس بصحيح؛ لأنه إذا ابتلي فربما يحصل ذلك منه؛ لأن النفس أمارة بالسوء، ربما إذا أكره حتى صار لا يبقى إلا الفعل ينسى الإكراه ويحصل منه هذا الشيء، على كل حال: المكره على الفعل سواء كان فاعلاً أم مفعولاً به ليس عليه حد، لكن لابد من ثبوت الإكراه، قال:«أو امرأة في دبرها» هذا الشاهد. يستفاد من هذا الحديث: أن من أتى امرأة في دبرها فإن الله لا ينظر إليه، وعلى هذا فيكون إتيان المرأة في دبرها من كبائر الذنوب، ولكن إذا أتى امرأة في دبرها فهل ينفسخ النكاح؟ قلنا: لا ولكن للزوجة أن تطالب بالفسخ، لأن هذا من سوء العشرة، أما من عرف به، يعني: يفعله باستمرار فقد قال شيخ الإسلام يجب أن يفرق بينه وبين امرأته؛ لأن هذه معصية، ولا تجوز المعاشرة منهما على هذا الوجه.