الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبق للشيء الآخر محل، إذا امتلأ القلب بحب الدنيا اشتغل عن حب الله ورسوله وصار الإنسان ليس له هم إلا الكسب، ولكننا نحمد الله على كل حال، ونحمد الله أنه يوجد كثير من الناس لا يقدمون على مثل هذه المضاربات إلا بعد السؤال، وهذا شيء لا شك أنه من نعمة الله، إن ما فتح هذه الأبواب للناس فتح باب الميسر بالمسابقات المحرمة لا شك أنه ضرر.
هذا الحديث كثير من العلماء ضعفه كما يفيده كلام الشارح رحمه الله ولا شك أن معناه إذا كان الجهاد فرضاً معناه صحيح، فإن الناس إذا تركوا ما أوجب الله عليهم من الجهاد وتشاغلوا بالدنيا عنه فإن هذا من أسباب الذل والهزيمة، وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم في غزوة أحد لما أرادوا الدنيا، ونزلوا من الجبهة التي رتبهم النبي صلى الله عليه وسلم فيها حصل من الهزيمة ما حصل فكيف بغيرهم، فمعنى الحديث صحيح لكن أسانيده ضعيفة.
سبق لنا في الشرح أن قلنا: إن الجهاد يشمل كل ما يدافع به عن دين الله من الجهاد بالسلاح والجهاد بالعلم وأن الناس إذا كانت الأمة الإسلامية تحتاج للعلم الشرعي الصحيح كان التشاغل به كالتشاغل بالجهاد المسلح، بل قد يكون أفضل منه؛ لأن الحاجة إليه عامة للمسلمين وغير المسلمين، حتى المسلمون يحتاجون إلى إقامة دينهم المبينة على الكتاب والسنة، فهم في حاجة بأن يقوموا على شريعة الله التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم في حاجة أيضاً إلى أن يعرفوا حدود الله بالنسبة لمعاملة الكفار في السلم والحرب.
الشفاعة المحرمة:
806 -
وعن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من شفع لأخيه شفاعةً، فأهدى له هديةً فقبلها؛ فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا» . رواه أحمد، وأبو داود، وفي إسناده مقال.
الشفع مأخوذة من لفظها وهي جعل الواحد اثنين، قال الله تعالى:{والشفع والوتر} [الفجر: 3]. فالشفع ضد الوتر، وهي: أن يتوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، مثال الأول: لو شفعت لشخص بأن يوضع في مرتبة عالية فهذا جلب منفعة، ومثال الثاني: أن تشفع لشخص يريد أحد أن يظلمه فتدفع عنه المظلمة، هذه دفع ضرر، إذن فالشفاعة هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة، وهي -أي: الشفاعة- على حسب المشفوع فيه: إن كانت في خير فهي خير، وإن كانت في شر فهي شر، فمن شفع لأخيه ليتوصل إلى باطل فهي شر ولهذا حرمت الرشوة، ومن شفع لأخيه للتوصل إلى حق فهي خير، قال الله تعالى:{من يشفع شفاعة حسنةً يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعةً سيئة يكن له كفل منها} [النساء: 84 - 85]. فالشفاعة قد تكون حسنة.
فقوله صلى الله عليه وسلم: «من شفع لأخيه شفاعة» المراد بها: الشفاعة في الخير، وهي قد تكون واجبة؛ لأن الواجب على المسلم أن يدفع الظلم عن أخيه بقدر ما يستطيع حتى لو لم تطلب منه الشفاعة، إلا إذا علم رضا المظلوم فإنه لا يلزمه أن يشفع، لكن إذا علم أنه لا يرضى كما هو الغالب وهو يستطيع أن يشفع فالواجب عليه أن يشفع، أما إذا كانت الشفاعة في أمر ليس فيه ظلم لكن فيه حصول مطلوب فالشفاعة هنا ليست بواجبة، لكنها خير يؤجر الإنسان عليها، كما لو طلب شخص منك أن تشفع له في حصول أمر يرغب فيه وهو لا يضره شرعاً، فهنا نقول: الشفاعة سنة وفيها خير، لكن ليست بواجبة، بخلاف الشفاعة في دفع الظلم فإنها واجبة ما لم تعلم رضا المظلوم، أما الشفاعة السيئة فهي حرام، وهي من باب التعاون على الإثم والعدوان، ولا يجوز لأحد أن يشفع لأحد فيها؛ لأنه يكون معيناً له على [العدوان]، مثال ذلك: رأيت أن شخصاً قد هيئ لشغل منصب من المناصب فجاءك رجل وقال: يا أخي، أريد أن تشفع لي في حصول هذا المنصب، فهنا لا يجوز لك أن تشفع له؛ لماذا؟ لأنك بهذا تعتدي على حق السابق، والسابق أحق، اللهم إلا إذا علمت أنه ربما يولى هذه المرتبة وهو ليس لها بأهل، فحينئذٍ لا بأس أن تشفع لهذا الرجل إن كان أهلاً؛ لأنك في هذه الحال مصلح تريد أن تحول بين هذا الرجل الذي ليس بأهل وبين المرتبة التي يريد أن يشغلها.
الحاصل: أن الشفاعة في الحقيقة تكون بحسب المشفوع فيه إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
يقول صلى الله عليه وسلم: «من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له هدية» يعني: أعطاه شيئاً في مقابل شفاعته، «فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا» المراد بذلك: الربا اللغوي، وهو الزيادة، دون الربا الشرعي، وهو الزيادة في أشياء مخصوصة؛ لأن الربا الشرعي لا ينطبق على هذا، لكن الربا اللغوي ينطبق عليه، كيف الربا اللغوي؟ لأن هذا حصل الأجر والسمعة الحسنة بالشفاعة لأخيه، فإذا قبل الهدية فذلك زيادة على ما حصله بالشفاعة، ثم إن الهدية في الغالب لا يعلم الناس بها فيظنون أن هذا الشافع محسن إحسانا محضاً فيكسب سمعة حسنة ليس لها بأهل، ويكسب المال الذي أهدى له، وهذا زيادة ورباً، هذا هو ما ينزل عليه الحديث إذا صح، أما إذا لم يصح -كما قال المؤلف- فقد كفينا إياه، ثم يقال: إن كانت الشفاعة واجبة حرم عليه أخذ الهدية؛ لأنه قد قام بواجب، ولا يجوز للإنسان أن يأخذ عوضاً مالياً عن قيامه بواجب؛ لأنه ملزم به من قبل الشرع، فكيف يأخذ شيئاً على أمر هو ملزم به، وهذا وجه آخر، لكون هذه الهدية رباً؛ أي: زيادة على ما كان يستحقه الشافع.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «من شفع لأخيه» هل المراد: أخوة النسب، أو أخوة الدين؟ الثاني، وهو أيضاً