الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب الوليمة
"الوليمة" على وزن فَعيلة، بمعنى: مَفعُولة، من أولم إذا جمع، وأصلها الاجتماع على الشيء، لكنها نُقلت من هذا المعنى العام إلى الاجتماع على الطعام للعُرس وهي ما يُصنع من الطعام أياماً من العرس، وتكون من الزوج وقد تكون من أولياء المرأة وقد تكون منهم جميعاً.
حكم الوليمة ووقتها:
996 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صُفرةٍ فقال: ما هذا؟ قال: يا رسول الله، إني تزوجت امرأة على وزن نواةٍ من ذهب. قال: بارك الله لك، أولم ولو بشاةٍ» . متفق عليه، واللفظ لمسلم.
عبد الرحمن بن عوف من المهاجرين، ولما قدم المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين رجل من الأنصار، وكان الأنصار رضي الله عنهم من شدة إيوائهم للمهاجرين يعرض الرجل منهم إحدى زوجتيه على المهاجر الذي جعل أخاً له فعرض عليه الأنصاري إحدى زوجاته فأبى رضي الله عنه، وقال: دُلني على السوق فدله عليه، فباع واشترى وأغناه الله عز وجل، ولهذا كان عبد الرحمن بن عوف من أغنى الصحابة، تزوج فرأى عليه النبي صلى الله عليه وسلم أثر صُفرة، يعني: أثر طيب، والطيب -كما نعلم- يكون أصفر كالزعفران وكدهن العُود وغيره من بعض الأطياب، فقال:«ما هذا؟ » ، فقال: كذا وكذا، سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لا يقال: إنه سؤال عما لا يعنيه؛ لأن النبي يعنيه حال أصحابه كلهم، وأيضًا فلعله وقع في قلب النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل تزوج فأراد أن يتأكد، وإلا فمن المعلوم أنك إذا رأيت على الإنسان أثر طيب فإنه ليس من الحسن أن تسأله ما هذا؟ أو لم؟ أو ما أشبه ذلك لأن هذا تدخل فيما لا يعنيك لكن تجيب على هذا بأمرين الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم يعنيه حال أصحابه كلهم، والثاني لعله وقع في قلب النبي صلى الله عليه وسلم أنه تزوج فأراد أن يتأكد أما على الأول فلا يشارك النبي صلى الله عليه وسلم أحد، وأما على الثاني فلا بأس إذا وقع في قلبك شيء من أخيك وأردت أن تتأكد فلا حرج أن تسأل لأن هذا مما يعنيك.
فقال: «إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب» ولم يعين المرأة؛ لأنه لا حاجة لذلك، وقوله:«على وزن نواة» النواة هي ما يكون في جوف التمر، ويسمى في لغة أهل القصيم العبس، هذه النواة، وهذا هو ظاهر الحديث، وقال بعض العلماء: إن النواة معيار للذهب كالمثقال وشبهه، ولكن الأول هو الظاهر قال:«فبارك الله لك» دعَا له بأن يبارك له في أهله الذين تزوجهم، «أو لم
ولو بشاة» ، «أولم» يعني: وليمة طعاماً تدعو إليه الناس ولو بشاة، يعني: ولو كان بشيء قليل كالشاة، والشاة قليلة بالنسبة للغني، أما بالنسبة للفقير فإنها كثيرة.
ففي هذا الحديث: دليل على اعتناء النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وسؤاله عن أحوالهم، ويؤخذ هذا من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف.
ومن فوائد الحديث: جواز ذكر الشيء وإن لم يسأل عنه من أجل إطلاع صاحبك على ما عندك لقوله: «على وزن نواة من ذهب» لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن المهر وإنما سأل عن سبب الصُفرة التي عليه.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز للرجل أن يتطيب بالطيب الذي يظهر لونه وأنه لا حرج في ذلك، وقد ذكر أهل العلم أنه ينبغي للرجل من الطيب ما ظهر ريحه لا ما ظهر لونه، وأن المرأة بالعكس تتطيب بما ظهر لونه لا ما ظهر ريحه، لأن المرأة يحصل منها الفتنة إذا ظهر منها رائحة الطيب ولكن اللون يعطيها نوعاً من الجمال، ومعلوم أنها لن تكشف هذا الجمال إلا لزوجها ونسائها ومحارمها.
ومن فوائد الحديث: أنه قد جرت العادة بأن المتزوج يتطيب، وذلك لأن الطيب من الأعمال الطيبة ومن الأعمال التي ترغب الرجل في أهله والمرأة في زوجها.
ومن فوائد الحديث: جواز تقدير الذهب بما يختلف إذا كان الأمر مقارباً لقوله: «على وزن نواة من ذهب» ، ومعلوم أن النواة يختلف لكنه يختلف اختلافاً متقارباً.
ومن فوائد الحديث مشروعية الدعاء للمتزوج بالبركة؛ لقوله «بارك الله لك» ، والبركة هي الخير الكثير الواسع، مأخوذة من البركة وهي مقر الماء الكثير الكبير.
ومن فوائد الحديث: جواز الاقتصار على بعض الدعاء المشروع وهو «بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير» فهنا اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على بعض الدعاء ولا بأس بذلك.
ومن فوائد الحديث: أن الأمر في هذه الأمور واسع، فلو قال:«بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير» فحسن، ولو قال:«بارك الله لك» فحسن، ولو قال:«الله يبارك لك» فحسن، ولو قال:«مبروك الزواج» فحسن، وإن كان بعض الناس يقول: إن "مبروك" من بركة الناقة، يعني: بُروك البعير لأن بركة الناقة فعل متعد، والفعل المتعدي لا يصاغ منه اسم المفعول إلا بواسطة، ولهذا كان من علامة الفعل المتعدي: صحة صوغ اسم المفعول منه، فـ"جاء" مثلاً لا يمكن أن تصوغ منه اسم المفعول إلا متعديًا بحرف الجر، مثل:"جيء إليه" المهم أن كلمة "مبروك" عند العامة سواء صحت لغة أو لم تصح فإن معناها: الدعاء بحلول البركة فيما حصل له، ولكن الصحيح أن هذه الكلمة "مبروك" لا تصح لغة، وإن كان قد جرى استعمالها على ألسنة العامة،
والخلاصة أن نقول: إن "مبروك" دعاء حسن من حيث أنه دعاء بالبركة عند العامة، ولكنها كلمة لا تصح بالنظر إلى قواعد العربية.
ومن فوائد الحديث: مشروعية الوليمة لقوله: "أولم ولو بشاة"، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الوليمة واجبة، واستدل لذلك بأن الأصل في الأمر الوجوب ولكنها واجبة بقدر يسر المرء وعسره.
ومن فوائده: حرص الشرع على إظهار النكاح، لأن الوليمة لاشك أنها سبب لظهور النكاح ومعرفة الناس به ولهذا أمر بها.
ومن فوائده: أن أقل الوليمة للغني شاة، ولاسيما إذا كان وسط مجتمع فقير لقوله:"ولو بشاة"، وذهب بعض العلماء إلى أن "لو" هنا للتكثير، وأن أكثر ما يكون من الوليمة الشاة، ولكن هذا نظراً لأن هذا خروج بها عن معناها اللغوي ولكن نقول: كل امرئ بحسبه، الغني له حكم، والفقير له حكم، ذكر بعض إخواننا نكتة على هذا وقال: إن الناس أزالوا النقط في قوله: "ولو بشاة" فصارت ولو بشاةٍ، يعني: الشاهي، وكان هذا زمن الناس في فقراء لا يولمون، لا يدرى عن تزوج الرجل إلا إذا تحدث الناس به فيما بعد، فكان بعض الإخوان من طلبة العلم يقول: إن الناس قد حكموا نقط "الشاة" ولو بشاه، لكن انعكست الحال الآن صارت الولائم يسرف فيها إسرافاً كبيراً بالغاً، حتى إن الإنسان ليولم بما يكفي لمائتي نفر ولا يحضر إلا خمسون نفراً فيحصل بهذا فساد للمال وإضاعة له، والناس الآن غالبهم ولله الحمد في غنى عن الطعام، ولهذا ينبغي لنا نحن معشر طلبة العلم أن نبين للناس أن الإسراف في هذا الأمر لا ينبغي وأنه ربما يكون فيه مضرة، أما المضرة المالية فظاهر، وأما المضرة الاجتماعية ربما يكون في هذا إحراج لبعض الناس، فإن بعض الناس -إن لم أقل أكثر الناس- لا يأتون إلى هذه الولائم إلا مجاملة فلو أن الناس اقتصروا على وليمة سهلة يسيرة بقدر أقاربهم القريبين وأصحابهم الخواص لكان أحسن، لكن المشكلة أن الناس إذا جروا على شيء اتهمه ما ينقص عنه بأنه بخيل ثم تصيح المرأة، تصيح أمها، يصيح أقاربها، لماذا؟ بنت فلان لها كذا ونحن ليس لنا شيء لابد أن يكون الذبائح وغيره، ولكن الذي ينبغي أن الناس ينظرون في هذه المسألة نظرة حد ويقللون منها بقدر ما تقتضيه الحال أو ما تقتضيه الحاجة.