الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصدقة، وكما ثبت أنه كان يسم إبل الصدقة، وكذلك الطعام عند أبي هريرة في زكاة الفطر يكون كثيراً، فهذا الاحتمال يضعفه من الحال الواقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز قضاء دين الميت من الزكاة، وممن ذهب إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وحكاه وجها في مذهب أحمد، والوجه ليس عن الإمام أحمد إذا قيل في المذهب فهو عن أكابر أصحاب الإمام، أما الرواية فهي عن الإمام والقول يحتمل الوجه والرواية، ولكن ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة ضعيف، وهذا إحدى المسائل التي لا أختار فيها ما اختاره شيخ الإسلام، ومر علينا قبل يومين مسألة ثانية وهي الجمع بين الأختين من الرضاعة فإن الشيخ يرى جوازه والصحيح خلافه، على كل حال: هذا الحديث يدل على أنه لا يقضي دين الميت من الزكاة، اللهم إلا لو لم نجد من أهل الزكاة الأحياء فحينئذ قد نقول بجواز قضاء الدين عن الميت من الزكاة.
ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم: وإذا كان أولى بنا من أنفسنا وجب علينا أن نحبه أكثر من أنفسنا؛ لأنه إذا جعل ولايته لنا أشد وأقوى من ولاية أنفسنا لأنفسنا، فإن الواجب أن نكافئه ببعض حقه، وأن نجعل محبته صلى الله عليه وسلم أشد من محبتنا لأنفسنا، وهذا هو الواجب، ولا يتم الإيمان إلا به:«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين» حتى من نفس الإنسان.
ومن فوائد الحديث- وهو الذي ساقه المؤلف من أجله-: جواز ضمان الدين عن الميت لقوله: «فمن توفي وعليه دين فعلي قضاؤه» وكلمة «علي» هل التزام أو تشريع؟ سبقت الإشارة إلى ذلك، إن قلنا: إنه قالها لمقتضي الكرم فهي التزام، يعني: أنه تكرم وضمن، وإن قلنا: إنها تشريع فإنها تشريع يعني: يخبر خبرا بأن على الإمام الذي يتولى أمور المسلمين أن يقضي ديون أمواتهم وهذا هو الصحيح.
الكفالة:
841 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا كفالة في حد» رواه البيهقي بإسناد ضعيف.
هذا كفالة، والأول ضمان، والفرق بين الكفالة والضمان أن الضمان ضمان الحق، والكفالة
ضمان إحضار صاحب الحق، فالكفالة للبدن والضمان للحق، ويظهر الفرق بينهما في مثالين المثال الأول: رجل ضمن فلاناً بألف درهم مؤجلة إلى سنة فلما حل الأجل جاء الغريم للضامن يطلب حقه، فقال الضامن: دونك المضمون خذ حقك منه، يقول: لا، ما أريد المضمون أنا أريدك أنت، يلزمه بهذا؟
نعم، الغريم يلزمه؛ لأن الضمان وارد عن الحق الذي عليه، هذا مثال. مثال آخر: رجل أقرض شخصا مائة ردهم فجاء إنسان آخر فكفله كفل الرجل، وهذا الدين لنفرض أنه مؤجل إلى سنة لما حل الأجل أتى الغريم إلى الكفيل، وقال: أعطني الدراهم التي كفلت صاحبها فقال دونك المكفول هل يبرأ الكفيل؟ نعم يبرأ، لأن الكفيل إنما التزم إحضار بدون المكفول ولم يتحمل الدين الذي عليه، فإذا أحضره برئ منه، سواء أوفى أو لم يوف، فهذا هو الفرق بين الضمان والكفالة، والكفالة كفالة من يمكن استيفاء حقه من الكفيل جائزة، كل حق يمكن استيفاؤه من الكفيل فالكفالة فيه جائزة، وكل حق لا يمكن استيفاؤه من الكفيل فإن الكفالة فيه ليست جائزة فإذا كفل شخصاً بدين يجوز أم لا؟ يجوز، لأنه لو تعذر استيفاؤه من المكفول أخذ من الكفيل، مثلا لو فرضنا أن المكفول ما حضر عند حضور الأجل فيؤخذ من الكفيل، لو كفل شخصا بحد رجل سارق أمسكناه وثبت عليه القطع، ولكن قال: أمهلوني حتى أذهب أزور أهلي وأرجع، فقلنا: ما نأمن أن تهرب، فقال رجل فقال: أنا كفيله، هل تصح هذه الكفالة؟ نقول: لا تصح، لأنه لا يمكن استيفاء الحق من الكفيل، يعني: لو تغيب المكفول الآن ما يمكن أن نقطع يد الكفيل، لأنه حد، ولو قلنا: إنها تقطع يده لزم أن تقيم الحد على من لم يجرم، وقد قال الله تعالى:{ولا تزر وازرة وز أخرى} [الأنعام: 164] وهذا هو ما دل عليه هذا الحديث مع ضعفه بناء على القاعدة التي ذكرنا وهي أن من كفل شخصا بحق يمكن استيفاؤه من الكفيل لو تعذر إحضار المكفول فالكفالة جائزة، وإن لم يمكن فالكفالة غير جائزة، لو كفل شخصا بقصاص، يعني: شخص وجب عليه القصاص فقال: زروني أذهب إلى أهلي وأوصي وأسلم عليهم وأرجع إليكم واصنعوا ما شئتم، فقلنا: لا نأمن أن تهرب، فقام رجل فقال: أنا كفيله يصح أو لا يصح؟ لا يصح، لأنه لو تعذر إحضاره لم يقتص من هذا.
فإن قال قائل: إذا تعذر القصاص فالدية، الحد معروف أنه ليس فيه بدل لكن القصاص فيه بدل.
فالجواب عن هذا أن يقال: إذا كانت الكفالة في القصاص فقط دون البدل فإنها لا تصح، وإن كانت في القصاص أو بدله؛ أي: أنه كفل موجب هذه الجناية فالكفالة صحيحة، لأنه إذا تعذر القصاص وجبت الدية.