الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحديث ابن عباس فوائده قريب من الأول: وهو أن الثيب لابد أن تأذن في النكاح على وجه ينكشف به الحال؛ لأنها أحق بنفسها.
ومن فوائده: أن اليتيمة -وهي التي لم تتزوج بعد- لابد أن تُستأمر، والمراد: تُستأذن، فيكون دالاً على ما دل عليه الحديث الأول.
ويستفاد من هذا الحديث: حكمة الشريعة في أنها تنزل كل حال ما يليق بها.
أما حديث أبي هريرة الثاني فهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن تزوج المرأة نفسها أو غيرها
وعلى هذا لا يكون لها ولاية ولا وكالة في عقود النكاح.
ومن فوائد الأحاديث كلها: حفظ حقوق المرأة في الإسلام خلافا لما كانوا عليه في الجاهلية حيث إنهم يُجبرون بناتهم أن يتزوجن بما يشاءون لا بما يشأن.
ومن فوائد الأحاديث كلها: مراعاة أهلية الولاية، أي: أنه لا يتولى الأمور إلا من كان أهلاً.
ومن فوائدها: الإشارة إلى قُصور المرأة، وأنها إذا كانت لا يصلح أن تكون وليّة على نفسها في التزويج فإنه لا يصح أن تكون وليّة على غيرها في الحكم والإمارة، ولهذا لا يصح أن تكون امرأة أميرة ولا يصح أن تكون قاضية، أما أن يُحكمها نساء في أمر بينهن فلا بأس، أو تكون مديرة لمدرسة نساء فلا بأس، لكن أن تكون لها إمرة على الرجال أو على العموم فإن ذلك لا يصح شرعًا؛ لأنها إذا كانت ليست أهلاً أن تزوج نفسها أو تكون وليّة على نفسها فعلى غيرها من باب أولى.
حكم الشغار:
942 -
وعن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار: والشغار: أ، يزوج ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق» . متفق عليه.
- وَاتَفَقا مِنْ وَجْهِ آخَرَ عَلَى أَنْ تُفسير الشغار من كلام نافع.
هذا الحديث يقول ابن عمر: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الشغار» ، كلمة «نهى» ، مأخوذة من النهي، وتعريف النهي: طلب الكف عن الفعل على وجه الاستعلاء، وليس المراد بالفعل هنا ما يقابل القول، بل المراد بالفعل هنا: الإيجاد ولو كان قولاً، فلو قال الشخص لآخر: لا تقل كذا فهذا طلب الكف عن القول، لكنه نهي، إذن هو طلب الكف على وجه الاستعلاء، يعني: أن يشعر الطالب بأنه أعلى رتبة من المطلوب، حتى لو فرض بأنه أدنى رتبة في الواقع فإنه يُسمى نهيًا، كيف يشعر بأنه أعلى وهو أدنى رتبة؟ لنفرض أن رجلاً وجد أميراً ليس معه جنود
والرجل هذا لص وجده في البر وقال له: لا تركب بعيرك، ماذا نقول؟ هذا نهي، مع أن الناهي أدنى رتبة، لكن هُوَ في نفس الأمر يرى أنه أعلى منه، ولهذا قالوا: على وجه الاستعلاء، ولم يقولوا: طلب العالي من النازل.
قوله: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى رتبة من أمته فيوجه النهي إليها، واختلف العلماء في كلمة «نهى عن كذا» ، أو صيغة النهي المعروفة، يعني: أنهم اختلفوا هل قول الصحابي كقوله: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا؟ » على قولين: القول الأول: أن قول الصحابي «نهى» ، أضعف من قوله:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل؟ قالوا: لأن «لا تفعل» ، صريحة في النهي؛ لأن هذه هي صيغة النهي، وأما «نهى» ، فهنا تعبير الصحابي عما فهمه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد يفهم من شيء ليس بنهي أنه نهي وعلى هذا فتكون أضعف، ولكن مع ذلك لها حكم النهي بالصيغة لا شك، وذلك لسببين:
السبب الأول: أن الصحابة رضي الله عنهم يعرفون النهي ليسوا عجمًا، لا يدرون النهي من الخبر.
والثاني: أن عند الصحابة من الورع ما يمنعهم من أن يقولوا: نهى مع احتمال أنه ليس بنهي، فمن قال لا: يستفاد منه النهي؛ لأنه ليس بصيغته فقوله ضعيف، بل نقول: يُستفاد منه النهي بلا شك لكن الصيغة أصرح، ولماذا قلنا: يُستفاد؟ للسببين المذكورين، وعلى هذا فإذا قال:«نهى» فهو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تنكحوا شغارًا» .
يقول: «نهى عن الشغار» ، و «الشغار» ، مصدر شاغر يُشاغر شغارا، ونظيره في التصريف: قاتل يُقاتل قتالاً، إذن لابد من طرفين وهو مشتق إما من الشغور وهو الخلو، وإما من شغرَ الكلب إذا رفع رجله ليبول، ويمكن أن يُقال: لا مانع من أن يكون مشتقًا من المعنيين جميعًا؛ لأن فيه شغورا وشغراً، فلا مانع من أن يكون مشتقًا منها جميعًا. فما هو الشغار؟ فسره الراوي بقوله:«والشغار أن يُزوّج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته» ، وهذا السياق يحتمل أن يكون من ابن عمر كما جاء ذلك، ويحتمل أنه من نافع، وقد جاء كذلك، ويُحتمل أنه من مالك الراوي عن نافع، وقد جاء كذلك، ولكنه لم يرد مرفوعًا فيما أعلم، يعنى: لم يرد أن الرسول صلى الله عليه وسلم هُوَ الذي فسر الشغار بهذا، هذه الروايات الثلاث من كلام ابن عمر أو نافع أو مالك ليس بينها تعارض في الحقيقة، لماذا؟ لأنه يجوز أن ابن عمر فسره ثم تلقاه نافع عنه، ثم كان إذا حدث بالحديث لا ينسب التفسير إلى ابن عمر يقوله من
نفسه اعتمادًا على ما رَوَاهُ ابن عمر، وكذلك نقول بالنسبة إلى مالك مع نافع كما أنت الآن تقول: يا فلان، لا تقصد السوء فإنما الأعمال بالنيات
…
إلخ، هذا يُحمل على أنه من قولك لكنه من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فابن عمر إذا فسره ثم رواه عنه نافع ثم قاله متحدثا به لا يُقال: إن هذا يعارض أن يكون من قول ابن عمر؛ لأنه من الجائز أن يتحدث به نافع دون أن يسنده إلى ابن عمر فيسمعه سامع فيظنه من قول نافع، وكذلك نقول بالنسبة لمالك مع نافع، على كل حال: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم- أنه فسر الشغار بهذا، ولكن نقول: إذا فسره الصحابي فهو أعلم الناس بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه عاصره وفهمه ولاسيما ابن عمر رضي الله عنهما فإنه كان من أحرص الناس على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا نجد أعلم الناس بكلامه أخصهم بصحبته.
إذن نقول: لو كان هذا من تفسير ابن عمر رضي الله عنهما فإنه هُوَ المتعين لأن ابن عمر صحابي،
والصحابة أعلم الناس بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول: وأن يزوج الرجل
…
» إلخ، «يزوجه علي» ، «علي» تدل على أنه مشترط، يعني: أن النكاح الثاني شرط للنكاح الأول، وقوله في الحديث:«ابنته» ، هذا ليس خاصا بالبنت، بل على سبيل التمثيل، فلو زوجه أخته على أن يزوجه أخته فهو شغار، زوجه أخته على أن يزوجه ابنته شغار هذا على سبيل التمثيل، ولهذا جاءت عبارة الفقهاء رحمهم الله أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته وهي أعم من ابنته، لكن ابنته أوضح، لكن وليته ابحث من وليته، ولهذا غالبًا تجد عبارات السلف وكل من كان من الرسول أقرب تجدها سهلة يسيرة مبسطة تصورها سهل بخلاف عبارات المتأخرين ففيها شيء من التعقيد وإن كان فيها شيء من الشمول، لكن عبارات السلف أصلح وأوضح وأبين.
يقول: «وليس بينهما صداق» ، وهو المهر، وسُمّى صداقًا؛ لأن بذله لطلب المرأة دليل على صدق الطالب المال محبوب إلى النفوس ولا يبذل المحبوب إلا للوصول إلى ما هُوَ أحب؛ لأنه لا يمكن أن يُبذل المحبوب لطلب المكروه، ولا يمكن أن يُبذل المحبوب لطلب محبوب مثله؛ لأنه يكون عبثًا، إنما لا يبذل المحبوب إلا لطلب ما هو أحب إما عينا وإما جنسا وإما وصفا، المهم: لابد أن يكون هناك مُرجحًا، ولهذا سمي الصداق صداقًا، لماذا؟ لأنه دليل على صدق الطالب كما سميت الصدقة صدّقة؛ لأنها دليل على صدق باذلها وأنه يريد ثواب الله، تصورتم الآن الشغار، يقول: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فقال: قبلت، ثم زوّجه! هذا شغار بشرط ألا يكون بينهما صداق، ووجه النهي عنه ظاهر جدا، لأن الله تعالى قال:{وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم} [النساء: 24]. وفرج المرأة ليس مالاً، وهذان الرجلان جعلا بضع كل واحدة من المرأتين مهرا للأخرى وهذا لا يصح، هذا وجه.
?
الوجه الثاني: أنه لو جاز هذا لكان سببًا لإضاعة الأمانة؛ لأن الرجل ربما يزوج ابنته من ليس بكفء؛ لأنه سيزوجه ابنته فيغير الأمانة.
ثالثًا: أنه قد يؤدي إلى إكراه المرأة على الزواج؛ لأن الولي يريد أن يصل إلى غرضه وغايته
فلا يهمه رضيت أم كرهت.
الرابع: أنه يكون في الغالب سببًا للنزاع والخصومات التي لا تنتهي؛ لأن إحدى المرأتين لو فسدت على زوجها حاول زوجها أن يفسد موليته على الزوج، وهذا يقع كثيرا إذا رغبت الزوجة على زوجها مباشرة ذهب إلى ابنته عند زوجها ويفسدها عليه وهذا مُشاهد ومُجرب، فهذه أربع مفاسد كلها تدل على أن نكاح الشغار باطل لا يقره الإسلام، ولكن الحديث يدل على أنه لا يكون شغارا إلا بشرطين:
الأول: أن يكون نكاحًا مشترطًا في نكاح الأولى لقوله: «على أن يزوجه» .
الثاني: ألا يكون بينهما صداق لا قليل ولا كثير، فلننظر إلى مفهوم هذين الشرطين إذا زوجه ابنته ثم زوّجه الأخر بعد ذلك ابنته بدون شرط فهذا ليس بشغار وصحيح ولا فيه إشكال، ولكن هل يجب المهر لكل واحدة أو لا؟ نعم يجب مهر المثل لكل واحدة ما دام لم يسم فإن الواجب مهر المثل.
مسألة أخرى: لو زوجّه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وجعلا صدّاقًا لكل واحدة فليس بشغار، وظاهر الحديث أنه يصح ولو بأدنى صداق، وأدنى الصداق ما يصح عقد البيع عليه (شيء بربع ريال) هل يصح عقد البيع عليه؟ نعم، «التمس ولو خاتماً من حديد» ، ولكن هذا ليس بمراد؛ يعنى: حتّى وإن كان هذا ظاهر الحديث فليس بمراد، وذلك بمقتضى قواعد الشريعة، لأنه إذا أعطاه درهمًا واحد فهل هُوَ جعل للمرأة مهرها الحقيقي أو صار مهرها هذا الدرهم والبضع؟ الثاني، بل البضع أكثر بكثير من الدرهم، ولهذا لابد أن نقيد بأن يكون الصداق صداق المثل، فأما إذا كان دون ذلك فإنه لا يصح؛ لأنه إذا كان دون ذلك صار بضع إحداهما جزءًا من الصداق والبضع ليس بمال، فلابد أن يقيد بأن يكون مهر المثل، وإذا كانت إحدى البنتين بكرا شابة والبنت الأخرى ثيبا عجوزاً يختلف المهر وليكن كذلك لا بأس أن الذي تزوج عجوزا ثيبا يبذل مهرا يكون لمثلها، والثاني يبذل مهرا يكون لمثلها، المهم: أن يكون مهر المثل.
هناك أيضا شرط ثانٍ لابد منه وهو رضا البنتين، وهذا يؤخذ مما سبق من الأدلة أنه لابد من رضا الزوجين في النكاح وإلا لم يصح النكاح.
لابد من شرط ثالث أيضا وهو أن يكون كل منهما كفؤا للمرأة، فإن كان غير كفء فإنه لا
?
يصح، إذا تمت هذه الشروط فإن النكاح يكون صحيحًا، ولكن قد يورد علينا مورد فيقول: إن هذه الشروط إذا اجتمعت لا تمنع من أن يخون الولي في ولايته؛ لأنه سيحصل له زوجة، فما هو الجواب عن هذا؟ الجواب أن نقول: إنه وإن خان فإننا ما دمنا اشترطنا رضا الزوجة فإنها لن ترضي إلا بمن تريده.
فإن قال قائل: وَإِذَا تجاوزنا هذا فإنه يرد علينا المفسدة الثانية، وهو أنه إذا ساءت العشرة
في إحدى الزوجتين فإن زوجها سوف يفسد زوجة الآخر عليه فما هُوَ الجواب عن هذا؟ هذا حقيقة ليس عنه جواب إلا أن يقول قائل: إن الجواب أن الأصل عدم ذلك لكنه لا يمكن أن نقول: إن الأصل عدم ذلك، ونحن قد عللنا به النهي؛ لأننا لو قلنا: إن الأصل عدم ذلك بطل أن يكون علة للنهي وصار هناك تناقض، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن نكاح الشغار لا يصح مطلقًا حَتّى ولو برضا الزوجتين، ولو يكون كل واحد منهما كفؤا لها، ولو سميا صداقا يبلغ صداق المثل، وهذا القول متجه لوجهين:
الوجه الأول: ما ثبت في صحيح مُسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا شغار في الإسلام» وهذا عام.
والثاني: أننا في عصرنا هذا يجب التحرز من فتح الباب؛ لأنك إذا فتحت الباب ربما يسميان مهرا يقول: زوجتك بنتي بعشرة آلاف ريال على أن تزوجني بنتك بعشرة آلاف ريال ثمّ إذا تم العقد قال: أنا أب، لي أن أتملك من مال ابنتي ما شئت وسمحت عن المهر، وذاك يقول أيضا: سمحت عن المهر، وتكون النتيجة أن لا مهر، فلذلك أنا أرى سد الباب في هذا الزمن، وأنه لا يصح الشغار مطلقا وإن كان المذهب يمشون على ما شرحنا أولاً بمقتضى الحديث ولكن نظرا لفساد أهل الزمان أرى أن يُسدّ الباب مطلقًا، ولكن هنا مسائل قد وقعت ولاسيما عند البادية، ولكن حصل برضا الطرفين وبمهر وبالشروط المعروفة فهل نفتي بالمنع الذي اخترناه نظرًا لفساد أهل الزمان، أو نقول: هذا أمر جرى، وما دام يمشي على ما يقتضيه هذا الحديث فإننا نمضيه نرى هذا أيضا أنه ما قد وقع الناس منه وكان فيه مهر فإنه يمضي ولا نفرق بين الزوجين وزوجتيهما، ولا نقول: إن أولادكما ليسوا أولاً شرعيين لا إنما نقول: أنتما الآن على نكاحكم ما دام قد حصل الرضا، وأن كل واحد كفء للثاني وحصل المهر فالنكاح صحيح، لكن نمنع الابتداء ونكون