المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌19 - باب اللقطة - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: ‌19 - باب اللقطة

فإذا قال قائل: ما الذي يدرينا أنه أراد الثواب، أو التبرع المطلق؟ نقول: القرينة، فإذا جاءنا رجل فقير أهدى لشخص غني، فهنا القرينة تدل على أنه أراد الثواب، فإذا لم يثبه فهو أحق بهبته يرجع بها، لكن إذا كانت الهبة بين شخصين متساويين فإن الظاهر أنها ليست للثواب، وأنها تبرع محض، لكن إذا قامت قرينة تدل على أنها ثواب، فإنه يردها إذا لم يثب عليها.

يُستفاد من الحديث: أن هبة الثواب إذا لم يثب عليها الواهب فإنه يرجع فيها.

ومن فوائده: العمل بالقرائن، لأننا لا نعلم أنها هبة ثواب إلا بقرينة، أما لو صرح وقال: سأهدي عليك هذا الكتاب لتهدي علي كتابك فهذا بيع محض، لكن إذا لم يصرح ودلت القرينة على أنه للثواب عمل بها.

‌19 - باب اللقطة

اللقطة: على وزن فعلة، وهي بمعنى الشيء الملقوط، وفسرها أو عرفها الفقهاء بأنها:«مال أو مختص ضل عن ربه أو أضاعه ربه» ، المال: ما يصح عقد البيع عليه، والمختص: ما لا يصح عقد البيع عليه، فالكلب المعلم مختص، فإذا وجد الإنسان كلبًا معلمًا فهو لقطة، وهو مختص يعني: لقطة بالمعنى العام، وإن كان يُسمّى ضالة وإذا وجد كتابًا فهو مال، إذن ما أضاعه ربه من ماله المختص فإنه لقطة، فإذا كان حيوانا فله اسم خاص وهو الضال.

واللقطة تنقسم إلى ثلاث أقسام:

قسم يملكه الإنسان بمجرد ما يجده: وهو الشيء اليسير الزهيد الذي لا تتبعه همة الناس مثل الريال والريالين، هذه متى وجدها الإنسان فهي له ما لم يعلم صاحبها، فإن علم صاحبها فهي لصاحبها، لكن إذا لم يعلم فهو لمن وجده، ومثل القلم الذي قيمته ثلاثة ريالات وريالين هو لمن وجده ما لم يعلم صاحبه.

القسم الثاني: الحيوان.

والقسم الثالث: ما عدا ذلك، وإن شئتم جعلنا الحيوان قسماً مستقلاً، وقسمنا غيره القسم الثاني ما تتبعه همة أوساط الناس فهذا نقول: يُعرفه الإنسان الواجد له مدة سنة فإذا جاء صاحبه، وإلا هو للواجد كالدراهم الكثيرة، والكتب الثمينة، والآلات الثمينة، والحلى وما أشبه ذلك، ولكن أحيانا يكون الشيء مما يسرع إلي الفساد بمعنى: أن لو بقي إلى سنة لفسد فحكمه أنه يبيعه الواجد ويحفظ ثمنه ويُعرفه سنة، فإن جاء صاحبه وإلا فهو له، مثل أن يجد كيسا من

ص: 323

الخضروات يساوي خمسة ريال، فهذا لو أبقاه لمدة سنة لفسد فنقول: عرفه تمامًا ثم بعه واحتفظ بقيمته، ثم ابحث عن صاحبه لمدة سنة، فإن جاء صاحبه وإلا فهو لك، القسم الثالث: الحيوان، وهو ينقسم إلى قسمين: بل إن شئت فقل إلى ثلاثة.

القسم الأول: حيوان أعلم أنه مُسيب متروك فهذا لمن وجده كشاة هزيلة لا تستطيع المشى أعرف أن صاحبها بمقتضى العادة قد تركها زهدا عنها، فهذه تكون لمن وجدها لأن صاحبها لا يريدها، كما في حديث جابر قال: أردت أن أسيبه.

القسم الثاني: ما لا يعلم أنه مُسيّب ولكنه يمتنع من صغار السباع مثل الإبل، فهذا لا يجوز التعرض له يُترك كما سيأتي.

القسم الثالث: ما لا يعلم أنه تركه رغبة عنه، ولكنه لا يمتنع من صغار السباع، مثل الغنم، فهذا أيضا سيأتي حكمه وبيانه إن شاء الله.

899 -

عن أنس رضي الله عنه قال: «مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق، فقال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها» . متفق عليه.

أي طريق هذا؟ طريق من طرق المدينة، والمدينة تجبى إليها زكاة التمور، فمر النبى صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق فأراد أن يأخذها ليأكلها، فقال

إلخ، الصدقة يعني: الصدقة الواجبة؛ لأن هذا هو المعروف فيما يُجبى من التمر أنه يُجبى الشيء الواجب، وقوله:«لأكلتها» ، لأنها مباحة لا تتبعها همة أوساط الناس ولا يهتمون فيأكلها، لأنها لمن وجدها، وإنما قال: لولا أن أخاف أن تكون من الصدقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحرم عليه أكل الصدقة الواجبة والمستحبة أيضا، وأما آل النبي صلى الله عليه وسلم فإنها لا تحرم عليهم صدقة التطوع على القول الراجح، وإنما يحرم عليهم الصدقة الواجبة.

في هذا الحديث: دليل على أن من وجد شيئا ليس له أهمية عند الناس فهو له، وجه الدلالة أنه قال:«لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها» ، والمانع هذا لا يتأتى في كل أحد، فدل ذلك على أن وجودها سبب لتملكها إلا أن يوجد مانع. ومن فوائد الحديث: شدة ورع النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه خاف أن تكون من الصدقة فلم يأكلها.

ص: 324

ولكن قد يقول قائل: هل لنا في هذا أسوة؟ بمعنى أننا إذا وجدنا شيئا نشك في تحريمه، والأصل عدم التحريم أي: أن ندعه خوفا من أن يكون محرمًا؟ يُقال: إن كان هناك قرينة تقتضي أن يكون من الشيء المحرم فالورع تركه، وإلا فإنه لا وجه لتركه، ويدل لذلك ما ثبت في البخاري عن عائشة أن قومًا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: «سموا أنتم وكلوا» . قالت: وكانوا حديث عهد بكفر فلم يأذن لهم في التورع منه؛ لأن الأصل الحل فالجمع بين هذا وهذا بأحد وجهين، إما أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم له مقام لا يساويه أحد في تورعه صلى الله عليه وسلم، وإما أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد قرائن تدل على أنها من الصدقة، وأنه إذا وجدت قرائن في الحرام فالورع تركه، أما على الوجه الأول وهو أنه يفرق بين قوي الورع وبين عامة الناس فإن في النفس منه شيئا، وإن كان الإمام أحمد في ظاهر فتواه يدل على ذلك على أن الناس يختلفون في تجنب الشيء ورعا منه، فإنه يذكر عنه أنه سألته -أظن- رابعة العدوية قالت: إن السلطان يمر بنا ونحن نغزل في الليل وأنه إذا مر ازداد الغزل من أضواء سرج السلطان فهل تُجوز لنا هذه الزيادة؟ فتعجب الإمام أحمد من هذا السؤال فقال: نعم، لأن السلطان مار بالسوق، على كل حال وأنتم ما ذهبتم تقصدون الاستضاءة بنور سرجه، ثم أدبرت فدعاها؛ لأنه سأل صاحبه قال: من هذه؟ فقال: هذه فلانة فدعا بها وقال: لا تزيدي غزلكم فإن بيتكم خرج الورع فهذا يدل على أن الفتوى في هذا الأمر تختلف، أما إذا قلنا بالثاني وهو أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم قرينة تدل على أنه من الصدقة فالأمر ظاهر، وهو أنه كلما قويت القرائن كان الورع تركه.

ومن فوائد الحديث: أن التمر والطعام إذا وقع في الطريق بدون قصد فإنه لا يأثم صاحبه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك، واستشكل بعض العلماء هذا الحديث من وجه وقال: كيف لم يرفعها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحتفظ بها؛ لأنها إن كانت من الصدقة فهي من مال بيت المسلمين، وإن كانت من غير الصدقة فإنه ينتفع بها يتصدق بها على فقير، المهم ينتفع بها، فلما لم يرفعها النبي صلى الله عليه وسلم والجواب على هذا الاستشكال أنه في غير محله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل:«لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة» لرفعتها بل قال: «لأكلتها» ، وفرق بين الرفع والأكل، فالحديث ليس فيه دليل على أنه لم يرفعها، بل لو قال قائل: إن فيه دليلاً على أنه رفعها لكان له وجه، على هذا يكون هذا الاستشكال غير وارد.

أتى المؤلف بهذا الحديث في هذا الباب ليستدل به على ما ذكرنا آنفا من أن الشيء القليل

ص: 325

الذي لا يهتم به الناس فإنه يملكه من وجده، ولكنا اشترطنا ألا يعلم صاحبه فإن علم صاحبه وجب عليه أن يسلمه له، أو على الأقل يعلمه به، فيقول: وجدت لك كذا وكذا، وهذا يقع كثيرا، مثل: سقط من بيت جارك طاقية فأطارتها الريح إلى بيتك، طاقية تساوي ريالين لكنك تعلم صاحبها فيجب عليك أن توصلها إياه، أو أن تعلمه بها تقول: سقطت علينا طاقية من البيت.

900 -

وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة؟ فقال: اعرف عفاصها ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها. قال: فضالة الغنم؟ قال: هي لك، أو لأخيك، أو للذئب. قال: فضالة الإبل؟ قال: ما لك ولها؟ معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء، وتأكل الشجر، حتى يلقاها ربها» . متفق عليه.

قوله: «جاء رجل» يرد في الحديث كثيرا إبهام الرجل أو إبهام المرأة، وذلك أن تعيينها لا يتعلق به حكم، فإذا تعلق به حكم فإنه لابد من ذكره، لكن اذا لم يتعلق به حكم وكان المقصود بيان حكم هذه القضية فإن الصحابة رضي الله عنهم وكذلك من بعدهم من الرواة لا يهتمون بتعيين المبهم، فقوله:«جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لو قال لنا قائل: عينوا هذا الرجل نقول: إنه ليس بنا حاجة إلى تعيين أو عدم تعيينه لا يختلف به الحكم فسأله عن اللقطة يعني: ماذا يصنع بها؟ واللقطة سبق لنا تعريفها وهي: مال أو مختص ضل عن ربه يعني: ضاع عن صاحبه سأله عنها فقال: «اعرف» وإذا فسرناها بالتفسير الذي سمعتم صارت بمعنى اسم المفعول أي: لقطة بمعنى ملقوطة فقال: «اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة» ، الوعاء: الوعاء التي فيه هذه اللقطة الكيس مثلاً، وكاءها: ما تربط به من حبل أو غيره قد تكون مربوطة بحبل أو بإزرار، المهم أن المراد بالوكاء: ما تربط به، وقوله صلى الله عليه وسلم:«اعرف عفاصها» يتناول معرفة العفاص من أي مادة هل هو من جلد أو خرق أو بلاستيك أو ما أشبه ذلك، وهل هو ثخين أو رفيع وهل هو أحمر أو أسود، المهم اعرف نوعه وصفاته، ويمكن أن نقول هل هو كبير زائد على ما فيه، أو صغير ضيق بما فيه كل هلا لابد من معرفته، الوكاء يعرف هذا، الوكاء من أي نوع وكم شداً شُد؟ يعني: هل شُد مرتين أو ثلاثا، وهل هو ربط شديد، أو ما أشبه ذلك؟ والحكمة من ذلك من معرفة العفاص والوكاء من أجل أن يضبط صفاتها، حتى إذا جاء من يصفها بعده سلمها له. فإن قال قائل: ألا يكفي أن يحفظها عن معرفة العفاص والوكاء؟ قلنا: نعم، ربما يكفي لكن قد تتغير الأمور وينسى عينها، يعني: عنده أشياء لها عفاص ووكاء تخلط به فينساها أو ربما تحترق العفاص ويتلف الوكاء، المهم أن معرفة ذلك أمر مهم.

ص: 326

فإن قال قائل: هل يلزمه أن يكتب هذا؟ قلنا: إن توقفت معرفة ذلك على كتابته وجب عليه؛ لأن ما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، قال:«ثم عرفها سنة» ، يعني: اطلب من يعرفها، هذا معنى التعريف، بأن يقول: من ضاعت له اللقطة، من ضاعت له الدراهم، من ضاعت له الأقلام، من ضاعت له الساعات؟ وما أشبه ذلك، ولكن هل يصفها عند التعريف؟ لا، لئلا يدعيها من ليست له لكنه يجملها، في هذا الحديث لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: اعرف عددها أو نوع ما فيها من النقود قد يكون فيها دولارات وقد يكون فيها ريالات تالفة فيقال: المفروض أن الواجد لا يفتحها لأنها أمانة وليس له الحق أن يفتحها، لكن إن قدر أنها تخرقت الخرقة أو تمزقت فحينئذٍ يعدها ويعرف عددها، وقوله:«عرفها سنة» ، أي سنة هي؟ السنة العربية الإسلامية اثنا عشر شهراً وهذه السنة هي السنة التي وضعها الله لعباده {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [التوبة: 36]. إلى يوم القيامة {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36]. وهذه الأشهر هي الأشهر التي تتقيد بالأهلة لقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]. إذن السنة اثنا عشر شهرا في كتاب الله والمراد بالشهر للشهر ما بين مطلع الهلالين بدليل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]. وبذلك نعرف سفه قوم من العرب المتأخرين حيث عدلوا عن التوقيت العربي الإسلامي إلى توقيت جاهلي نصراني؛ لأن التوقيت الذي يسمّى الميلادي مبني على ميلاد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام فالذين وضعوه النصارى، ويا عجبا لقوم يقولون: إنهم عرب ثم ينتسبون أيضا إلى الإسلام ثم يعدلون عن التوقيت العربي الإسلامي إلى هذا التوقيت! وهذا -أيها الإخوة- يعطي الكفرة - من النصارى وغيرهم- زهوا وعلوا واستكباراً علينا، حيث عدلنا عن تاريخنا العربي الإسلامي إلى تاريخهم! والتاريخ ليس بالأمر الهين، بل إنه يعتبر عزا للأمة وفخر، فإذا انضم الناس إليه فإنهم بذلك يكسبونهم ويقولون: آل بهم الأمر إلينا، ولما كانت هذه الأمم العربية التي تُنسب للإسلام وتنطوي تحت لوائه، لما كانت مقهورة مستعمرة من الكفار فإنها قد تكون معذورة؛ لأن المغلوب المقهور لا يستطيع أن يتصرف، ولكن مع الأسف أنها حين تحررت من الاستعمار لم تُعد إلى أصلها وشرفها بالدين الإسلامي وبالتوقيت الإسلامي وبقيت على ما كانت عليه وهذا والله يندي له الجبين أن نكون أمة ذيلاً لغيرنا حتى في التاريخ الإسلامي نعدل عنه لنؤرخ بتاريخ نصراني، ولقد حدثني بعض الناس الذين قدموا للتدريس هنا وهم من غير السعوديين قال: والله ما عرفت الأشهر العربية إلا حين جئت لهذا البلد وهو يدرس، يعني: عمره ذهب منه جزء كبير، وهو لا يعرف الأشهر العربية الإسلامية،

ص: 327

فلهذا ينبغي لنا أن نكون أمة لنا شخصيتنا ولنا مقوماتنا ولنا تاريخنا، وألا نكون أذيالاً لغيرنا وإذا اضطررنا إلى أن نؤرخ بتاريخهم نظرا لانفتاح الناس بعضهم على بعض، فمن الممكن أن نجعل الأصل التاريخ الإسلامي العربي ونقول: الموافق لكذا، ليس فيه مانع أما أن نمحو التاريخ الإسلامي ولا يعرف ثم نجعل بديلاً عنه هذا التاريخ النصراني، فلاشك أن هذا خطأ عظيم، ولقد نص الإمام أحمد أنه كره هو نفسه أن يؤرخ بأشهر الفرس، وهو إذا قال: أكره فهو عند أصحابه للتحريم، فالحاصل أن السُنة إذا أطلقت فالمراد بها: السنة الإسلامية العربية، وهي السنة الهلالية التي مدتها اثنا عشر شهرا، والشهر مربوط بالأهلة، وهو ما بين الهلالين {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189]. والعجيب أن هذه الأشهر النصرانية مبنية على أوهام ليست حقائق؛ لأن بعضها ثمان وعشرون، وبعضها واحد وثلاثون، فعلى أي أساس، والعجيب أني رأيت في كتاب، ما أنهم هموا بأن يجعلوا السنة اثنا عشر شهرا حسب سير الشمس، لكن يجعلون الأيام متساوية قالوا: لأنه أضبط فقامت الكنيسة عليهم باسم الدين قالوا: لا يمكن أن تغيروا دعوها على ما هي عليه من عوج ولا تغيروها، لأن تغيير التاريخ ليس هينا لاسيما ونحن الآن إذا غيرنا التاريخ سنغيره من أشرف مناسبة وهي الهجرة إلى مناسبة يتخذها النصارى عيدا لهم، وهي ميلاد عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وحينئذ ربما يأتي اليوم الذي نجعل هذا عيدا لنا نصنع ما يختص بالعيد، وقد قال ابن القيم رحمه الله: من هنأهم بأعيادهم فإنه إن لم يكفر فقد أتى أمرا عظيما، قال: لأن التهنئة بأعيادهم -والأعياد مواسم دينية- رضا بالكفر، قال: وهو أعظم من أن يهنئهم بالسجود للصنم، لو واحد يسجد للصنم، وقلت له: تقبل الله وهنأته، يقول: هذا أشد من التهنئة بالأعياد، وأشد من تهنئته بشرب الخمر، لو وجدت واحد يشرب الخمر من النصارى وقلت له: هنيئا مريئا تهنيه بهذا يقول: تهنئتهم بعيدهم أشد؛ لأنه إشعار بالرضا بالكفر، وهذا أمر عظيم، وقد بلغني أن من المسلمين -مع الأسف - من يهنئهم بأعيادهم بل من يسافر إلى بلادهم يشاركهم الأفراح بهم، نعوذ بالله- تستعينون بنعم الله المال الذي أعطاه الله على معصية الله، نسأل الله لنا ولكم الهداية.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن جاء صاحبها» يعني: في هذه المدة مدة السنة، وإلا، يعني: وإلا يأتي فشأنك بها نقرأ شأنك بالفتح وبالضم، فإن كانت بالضم فهي مبتدأ والجار والمجرور بعدها خبر، وإن قرأت بالفتح فهي مفعول لفعل محذوف تقديره: الزم شأنك بها أو اتبع شأنك بها، وفي هذه الجملة حذف فعل الشرط وبقاء أداة الشرط، لأن قوله:«وإلا» ، يعني: وإلا يجيء صاحبها، وإنما جاز حذف فعل الشرط مع بقاء أداة الشرط، لأنه معلوم، وقد ذكر ابن مالك رحمه الله قاعدة في المحذوفات في باب المبتدأ والخبر فقال:

ص: 328

(وحذفُ مَا يُعلم جائز كما

تقول زيد بعد من عندكما)

كل ما يُعلم فحذفه جائز، قوله:«فإن جاء صاحبها» من صاحبها؟ الذي يعرفها ويقول: ضاع لي كذا وكذا، ويصف العفاص والوكاء، ويصف نوع ما فيها، وجنسه وقدره إن كان معدودًا، المهم أنه لابد أن يضبطها بصفات لا تتجاوزها، وهل يلزم أن يذكر صاحبها الزمن أو لا يلزم؟ لا يلزم ذكر الزمن ولا ذكر المكان، وذلك لأنها قد تسقط منه في أول يوم من الشهر مثلاً، ولا توجد إلا في اليوم العاشر من الشهر، كذلك أيضا ربما لا يدري في أي مكان تسقط يكون قد مشى من طرف البلاد إلى طرفها وسقطت منه في وسط البلد، أو في طرف البلد الشرقي أو في طرفها الغربي، فالمكان والزمان ليس ذكرهما شرطا، المهم العفاص والوكاء إذا احتيج إلى ذلك.

وقوله: «وإلا فشأنك بها» ، يعني: أن الأمر إليك فتدخل في ملكك ويكون التصرف فيها كما يتصرف في ملكه، وذلك بعد السنة، وقد أطلق النبي صلى الله عليه وسلم التعريف، لم يقل: عرفها سنة كل يوم، ولا كل أسبوع، ولا كل شهر، فيرجع في ذلك إلى العُزف بناء على القاعدة المعروفة: أن ما لا يُحدّ شرعا فمرجعه إلى العرف، وعلى هذا قول الناظم:

(وكل مَا أتى وَلَم يُحَدد

بالشرع كالحرز فبالعرفِ احدُدِ)

يقول: «قال: فضالة الغنم؟ » من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، أي: فالغنم الضالة يعني: ماذا أفعل بها فهي مبتدأ والخبر محذوف، فضالة الغنم يعني: ماذا أصنع فيها، والضالة من الغنم هي: الضائعة التي لا تعلم أين تتجه، أما إذا كانت الغنمة ماشية في طريقها إلى أهلها، فإنه لا يقال إنها ضالة، فلو وجدت شاة في زقاق في البلد تمشي ليست واقفة ولا تتردد يمينا ويسارا، فلا يُقال عنها إنها ضالة، لماذا؟ لأن القرينة تمنع أن تكون ضالة، حيث إنها سائرة في طريقها، وكثير من الغنم تخرج تأكل من الأسواق ثم ترجع إلى أهلها إنما الكلام على الضائعة. قال:«هي لك أو لأخيك أو للذئب» ، «هي لك» الخطاب لمن وجدها، يعني: لك أيها الواجد، أو لأخيك يعني: صاحبها أو غيرك ممن يجدها بعدك، فالمراد بأخيك: من هو أعمُ من صاحبها، «أو للذئب» ، الذئب المعروف الذي يأكل الغنم، وهذا ليس خاصا بالذئب، المراد بذلك: ما يأكل الغنم سواء كان ذئبا أو سبعًا آخر كالنمر والأسد، المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الذئب، لأنه الغالب في الجزيرة العربية، وإلا فغير الذئب مثل الذئب، هي لك إن أخذتها أو

ص: 329

لأخيك إن تركتها وسلمت من الذئب إن تركتها وأكلها الذئب، إذا أكلها الذئب فعلى من يكون الضمان؟ ليس على الذئب ضمان، وإن أكلتها أنت فليس عليك ضمان، أو لأخيك كذلك إن أكلها أخوك فلا ضمان عليه، لأنه لا يضمنها الذئب، فكذلك ابن آدم لا يضمنها، هذا هو ظاهر الحديث، وهو ما ذهب إليه أهل الظاهر، وهم دائما يذهبون إلى الظاهر، فيقولون: هي لك ملكك، لأخيك ملكه، للذئب ملكه، وإن كان لا يملك، فهو لا يضمن وأنت كذلك إذا أكلتها لا تضمن، لأن إتلافك أنت خير من إتلاف الذئب، فإن إتلاف الذئب لا ينتفع به الآدمي، وإتلافك أنت ينتفع به الآدمي، ولا شك أن هذا ظاهر الحديث، هذا ما ذهب إليه أهل الظاهر استنادا إلى ظاهر الحديث، ولكن المشهور عند الفقهاء أن الحديث ليس على ظاهره، قالوا: هي لك إن لم يأت صاحبها بعد تعريفها سنة؛ لأنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن اللقطة تُعرف سنة، فلا فرق بينها وبين الضالة، لأن كلاً منهما مال محترم قد ضاع عن صاحبه، فإذا كان كذلك فإن الحكم فيهما سواء فتُعرف ضالة الغنم، تُعرفها سنة، فإن جاء صاحبها فهى له، وإن لم يأت فهي لك.

إذا قال قائل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم فرق بينهما في سياق واحد، فكيف يصح القياس مع تفريق الشرع بينهما في سياق واحد؟

فالجواب: -والعلم عند الله-: أن البهيمة - أي: الضالة من الغنم - لا تبقى كما يبقى المال، لأنها تحتاج إلى إنفاق وربما يكون الإنفاق عليها أضعاف أضعاف قيمتها، فالإنسان الواجد محتاج إلى أن يبادر بذبحها فمن ثم قال:«هي لك أو لأخيك أو للذئب» ؛ لأن صاحبها الذي وجدها لن يبقيها لمدة سنة فإنها قد ترهقه بالنفقات، فإذا رجع على صاحبها ربما يكون قد أنفق عليها أكثر من قيمتها، ولهذا نقول: إن واجدها لا يجوز أن يبقيها ويُنفق عليها ما لم يعلم أن الإنفاق عليها خير من بيعها أو ذبحها، وإلا فلا يجوز له لأنه مؤتمن، والمؤتمن يجب عليه أن يفعل ما هو أصلح وأنفع.

قوله: «لك أو لأخيك» الكلام هنا في الضالة أما المعلوم صاحبها فإنها للأخ قطعا الذي هو صاحبها، فإذا كنت تعلم أن هذه شاة فلان، فإنها ليست بضالة يجب عليك أن تبين له أنها عندك حتى يأتي إلى أخذها.

قال: «فضالة الإيل؟ » قال: «ما لك ولها» فضالة الإبل يعني: الضائعة من الإبل، والإبل معروفة وهي من أكبر الحيوانات الأليفة جسمًا، ومن أكثرها نفعًا، فيها منافع ومشارب ومآكل

ص: 330

وتجارة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: وما لك ولها، يعني: أي شيء لك ولها يجمع بينكما حتى تأخذها وهذا يُراد بمثله أي: بمثل هذا التركيب البراءة منها وألا تأخذها وألا تقربها، ولهذا جاء الحديث بلفظ آخر:«دعها» ، وفي بعض الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب عليه الصلاة والسلام قال:«ما لك ولها؟ » ، و «ما» هنا استفهامية مبتدأ، والجار والمجرور خبر المبتدأ، أو المراد بالاستفهام هنا: الإنكار، يعني: اتركها دعها ما لك ولها. «معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر» صحيح البعير معها السقاء والحذاء، السقاء هو: البطن لأنها إذا ملأت بطنها من الماء بقيت مدة طويلة ما تشرب حتى في أيام الصيف، وحذاؤها أي: خفها خف رجليها تتوقى به الشمس والحصى، فهي قوية صبور ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها، ترد الماء فتشرب، ولذلك الإبل إذا شربت تشرب حتى تروي ثم تتقدم عن مكان الماء، ثم تقف تتبول مدة من الزمن، ثم ترجع تشرب حتى تظن أنها ملأت البطن وأنه يكفيها لمدة أيام وتأكل الشجر؟ نعم، والحشيش أيضا تأكله، لكنه قال: تأكل الشجر لأن الغالب أن الشجرة تبقى خضراء، لكن الحشيش من حين أن يأتى الصيف ييبس، إنما الشجر يبقى أخضر غالبًا، فلهذا قال: تأكل الشجر، الشاة لا تأكل إلا الشجرة القصيرة إلا غنم الحجاز فغنم الحجاز، تأكل الشجر لأنها تصعد للشجرة، لكن الغالب أن الغنم لا تأكل الشجر إلا الشجر القصير.

قال: و «حتى يلقاها ربها» ، أو هي تصل إلى ربها، يعني: يلقاها إما هو الذي يطلبها حتى

يجدها، أو هي تصل إليه.

هذا الحديث فيه فوائد عديدة: أولا: حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال لأنهم يريدون أن يعبدوا الله على بصيرة، والإنسان الذي يريد ذلك لابد أن يسأل، فمن حرصهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء.

ومن فوائده: أن الدين الإسلامي كما نظم العبادة وهي معاملة الإنسان بينه وبين ربه، فقد نظم المعاملة بينه وبين العباد، وذلك في المعاملات، فالدين الإسلامي ليس مقتصرا على العبادة التي بينه وبين ربه، ولكنه شامل منظم للحياة كلها، الحياة التي يتعامل الإنسان فيها مع ربه، والتي يتعامل فيها مع عباد الله، ومن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض فهو كافر به، كل من قال: أنا أعترف بالدين الإسلامي بما يتعلق بالعبادات فقط، وأما المعاملات فإنها من شئون البشر ينظمونها، وليس للدين فيها مدخل، من أعتقد هذا الاعتقاد فهو كافر حتى بدين العبادات، لأن الله تعالى يقول:{إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً} [النساء: 150].

ص: 331

وقال لبني إسرائيل: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَاب} [البقرة: 85]. وهذا العقاب لا يصلح إلا للكافر، ويقال لهذا الإنسان من الناحية العقلية: إذا كنت تؤمن بالله ربًا في تنظيمه للعبادة، لزمك أن تؤمن به ربًا في تنظيمه للمعاملة بين الخلق، إذا قال لك: الله حرم الربا، تقول: لا أقبل الربا ثروة اقتصادية يُنمي الاقتصاد وينعش الحياة، ما نقبل هذا التحريم! هل هذا إيمان بالله ربًا؟ أبدا، إذا قال: حرم الله الزنا، قال: لا، الزنا إذا كان واحد فقير وشاب وعنده شهوة قوية دعوه يتمتع ويتلذذ، وبعد ذلك إذا أغناه الله يتزوج، نقول:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا} [النور: 32]. كيف تؤمن بالله وأنت تقول هذا الكلام، إذا حرم الله الميسر قال: لا، الإنسان ممكن أن يصبح غنيّا في لحظة، فتقول: أيضا ممكن يُمسي غنيًا ويصبح أفقر عباد الله، حرم الله الميسر كما حرم الخمر أنت تقبل أو لا تقبل؟ إذا قال: لا، هذا فيه تنمية اقتصادية، انظر للدول الغربية كيف اغتنت؟ ! نقول: هذا كفر ما رضيت بالله ربًا، ونقول لك: إن الدول الغربية تعاني من الطبقية طبقة غنية، وطبقة فقيرة، لا يوجد تكافل اجتماعي، لا يعرفون زكاة ولا صدقة، ولكنهم وحوش ترعى وتشبع، ولو مات غيرها جوعاً.

على كل حال أقول: إن فى هذا الحديث دليلاً على أن الشريعة نظمت المعاملة بين الخلق كما نظمت المعاملة بين الخالق، وأن العبد الحقيقي لله هو الذي يأخذ بتنظيم الله في كل شيء، ومن أخذ بتنظيم الله في العبادة دون المعاملة فإنه متبع لهواء لا لشرع الله.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان إذا وجد لقطة وجب عليه أن يعرف الأمور التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم: العفاص والوكاء، لكن لم يقيد الرسول صلى الله عليه وسلم المعرفة، والمراد المعرفة: التي يتميز بها المعرف يعني: معرفة تامة باللون والشكل والنوع وكل شيء، كل ما فيه معرفة للعفاص والوكاء ولم يفصح السائل ولا النبي صلى الله عليه وسلم.

مسألة: فى حكم التقاط اللقطة هل يلتقطها أو لا؟ هذه المسألة حسب النصوص الشرعية فى الأصل مباحة، يعنى: لا نقول لك: متى وجدت لقطة فخذها ولا نقول لك: متى وجدت لقطة فلا تأخذها، الأمر راجع إليك، مباح إلا أن العلماء يقولون: قد يجب الالتقاط، وقد يُستحب، وقد يحرم فقالوا: هو في الأصل مباح، لكن قد يجب، وقد يُستحب، وقد يحرم. يجب إذا كانت اللقطة في مكان لا تأمن أن يجدها شخص فيكتمها، لأن اللصوص أو أهل الطمع والشح كثيرون، فتخشى إن تركتها أن يعقبك عليها رجل يأكلها، فهنا يجب عليك أن تأخذها؛ لأن هذا فيه حفظ لمال أخيك، لا سيما إذا كنت تعلم صاحبها.

ص: 332

متى يحرم؟ يحرم إذا كان لا يأمن نفسه عليها، كيف ذلك؟ نعم الإنسان يعرف أنه ذو طمع شديد، وأنه لو أخذها أكلها، لا يأمن نفسه هنا نقول: يحرم عليك أخذها، كذلك يحرم أن تأخذها إذا كانت في مكة إلا إن كنت تريد أن تنشدها دائمًا، يعني: اللقطة في مكة لا تؤخذ محترمة إلا الإنسان يريد أن ينشدها دائمًا، دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تحل ساقطتها إلا لمنشدٍ» ، يعني: إذا كنت تنشدها مدى الدهر، وهذا أمر لا يستطيعه الإنسان، ولهذا يتأكد على المسئولين في مكة أن يجعلوا طائفة من الأمناء تتلقى ما يُلقط في مكة من أجل أن تريح الناس، ويكون ذلك أقرب لحفظ الملتقطات، وفي الحرم المكي طائفة تتلقى هذا، فإذا وجدت شيئا في المسجد الحرام فاذهب به إلى هذه الطائفة، وتبرأ ذمتك، لأنه أحيانا يجد الإنسان في المسجد الحرام دراهم كثيرة، وأشياء ثمينة ومهمة، يجد حُلي، المهم أنه من فضل الله أنه يوجد في المسجد الحرام طائفة نصبتهم الدولة من أجل تلقي هذه الملتقطات، وهذا فيه راحة.

بقي علينا المستحب، يُستحب التقاط اللقطة إذا غلب على ظنه أنه يؤدي الواجب من التعريف وأن ذلك أحفظ من تركها، فهنا يُستحب أن يأخذها، لكن إذا كان يخشى أن تشق عليه وأن تصده عما هو أنفع وأهم فلا يأخذها.

ومن فوائد الحديث: وجوب تعريفها سنة لقوله: «ثم عرفها سنة» ، وكيفية التعريف أن يطلب من يعرفها، فيقول: من ضاعت له الضائعة في المكان الفلاني، لكن لا يذكر جنسها ونوعها، وعددها وعفاصها ووكاءها، لأنه لو ذكرها كانت عُرضة لأن يأخذها كل واحد لكن يجعلها مبهمة ويُعين المكان والزمان.

الحديث لم يبين الرسول صلى الله عليه وسلم فيه كيف التعريف، هل هو كل يوم أو كل أسبوع أو كل شهر؟ وإذا كان لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم رجع في ذلك إلى العُرف، والعرف يقتضي أن تتابع التعريف أول ما تجدها، لأن صاحبها حينئذٍ يكون كثير الطلب لها، فتكثر التعريف. قال بعض العلماء: يكون التعريف في الأسبوع الأول كل يوم، ثم كل أسبوع مرة، إلى شهر، ثم كل شهر مرة، وعلى كل حال هذا اجتهاد ممن قدّره، والأعراف قد تختلف قد يكون هذا الإنسان وجدها في موسم يكثر الناس فيه، ولكنهم لا يأتون إلى هذا المكان إلا بعد أسبوع كما يوجد في بعض البلاد يجعلون التجارة موزعة يقول مثلا يوم السبت يجتمعون في البلد الفلاني، ويوم الاثنين في البلد الثاني، وهكذا، فهنا نقول: إذا كنت وجدتها في مكان الموسم فلا حاجة أن تعرفها كل يوم، تعرفها في مكان الموسم، وإذا جاء الأسبوع الثاني تعرفها، فمادام الأمر راجعا إلى العُرف فإننا لا نحدده، لكن التحديد الذي ذكره بعض العلماء، والذي ذكرته لكم هذا مقارب.

ص: 333

مسألة مهمة: كيف تكون وسائل التعريف؟ قال العلماء: يُعرف عند أبواب المساجدوليس في المسجد، يقول: من ضاع له الشيء الفلاني، لكن لو عرفها في نفس المسجد فإنه لا يجوز، قال بعض أهل العلم: يكره. أما من أنشد في المسجد، وقال: من عيّن لي اللقطة أو الضالة، فهنا نقول: لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تُبن لهذا، لكن لو أنه وجد مفاتيح وعلقها في قبلة المسجد هل يكون هذا تعريفا؟ نقول: إذا جرت العادة به فهو تعريف.

لكن إذا قال قائل: إذا علقناها في المسجد كل واحد يقول إنها لي؟ نقول: لا هذا غير صحيح الذي ليست له لا يستفيد منها شيئا، لكن لو وجد صرة دراهم وعلقها في قبلة المسجد لا يجوز؛ لأن كل واحد يقول لي، أما الشيء الذي تعلم أنه لن يدعيه إلا صاحبه، فهذا لا بأس أن يُعلق فى المسجد فيما يظهر، لا يُقال: إن المسجد لم يبن لهذا، لأننا نجيب عن

ذلك بأن هذه وجدت في المسجد وأقرب من يعرفها من يرتاد المسجد.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا جاء صاحب اللقطة في زمن التعريف وجب ردها إليه؛ لقوله: «فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها» لأن تقدير الكلام فإن جاء صاحبها فادفعها إليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«فإن جاء صاحبها» فمتى يثبت أنه صاحبها؟ قال بعض العلماء: لابد أن يأتي ببيتة، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: والبينة على المدعي، وهذا المال مجهول صاحبه، فلابد أن يأتي المدعي بالبينة، فإن لم يأت ببينة فليس له فيها حق، هذا قول، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين من صاحبها، فهو مطلق، والنصوص الأخرى تبين من صاحب المال، وهو المدعي إذا كان له بينة، وقال بعض أهل العلم: مَن وصفها وصفا يُطابق وصفها حين وجودها فهو صاحبها، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أطلق، وإذا جاءنا رجل يصفها وصفا مطابقا لوصفها حين وجودها فإن القرينة تدل على أنه صاحبها>

وأما الحديث: «البينة على المدعي» فهذا الحديث إنما يكون على من ادعى أن ما في يده له فيأتي إنسان ويدعيه، والدليل سياق الحديث:«لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن البينة على المدعى واليمين على من أنكر» ، وواجد اللقطة هل يدعي أنها له؟ أبدا، لا يدعيها يقول: أسأل الله أن يأتي بصاحبها، فإذا جاء صاحبها ووصفها الوصف المطابق لوصفها حين وجودها فتعطى إياه، إذن القول الراجح في هذه المسألة أن صاحبها من وصفها وصفا لما هي عليه حين وجدانها.

ص: 334

من فوائد الحديث: أنه بعد تمام الحول إذا لم يأت صاحبها تكون لواجدها؛ لقوله: «فشأنك بها» ، فهذا يدل على ملكه إياها، إذ لا يملك الشأن المطلق بها إلا مَن كان مالكا، والشيء يعرف بالنص عليه أو لوجود لازمه، فهنا من لازم الملك أن يكون شأنه بها، وهل هذا الدخول دخول اختياري أو دخول قهري؟ يعني: هل لو شاء لم يتملكها لو قال: أنا لا أريد أن أتملكها؟ في هذا خلاف بين أهل العلم: المشهور من مذهبنا أنه ملك قهري بمعنى: أنه إذا تم الحول ولم يأت صاحبها، دخلت في ملكك قهرا شئت أم أبيت، كما أن الميت إذا مات وخلف ورثة، فإن المال مال الميت يدخل فى أملاكهم قهرا عليهم حتى لو قالوا: ما نريده، مثال ذلك: واحد مات له أب، الأب خلف عشرة ملايين، قيل للابن: بارك الله لك فيها، قال: لا أريدها! ماذا نقول له؟ نقول: دخلت في ملكك قهرا غصبًا عليك؛ لأن الله ملكك إياه في قوله: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11]. لم يملكك المخلوق حتى نقول باختيار لك، الذي ملكك الله، فكذلك اللقطة ملكك إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذن فهي دخلت في ملكك قهرا ليس لك خيار، ويكون ضمانها عليك عينا ومنفعة.

إذن نقول من الفوائد: أنه إذا تم الحول دخلت اللقطة في ملك الواجد قهرا عليه، يترتب على هذا لو كان الإنسان الذي وجدها مدينا وله غرماء يطالبونه ووجد عشرة آلاف ريال وعرفها إلى تمام السنة، فلم تُعرف، تمت السنة، أين مصير العشرة؟ تدخل في ملكه قهرا، فإذا جاء الغرماء يطلبونه قال: يا أيها الناس! ما عندي شيء قالوا: عندك عشرة آلاف ريال، قال: أنا لا أريدها ماذا يقولون؟ نحن نريدها هي دخلت في ملكك قهرا، وعلى هذا فيلزم أن يسدد الدين من هذه الدراهم التى وجدها.

ومن فوائد الحديث أنه لا يجب الإشهاد على اللقطة إذا وجدها لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك في هذا الحديث، وإنما أمر بتعريف عفاصها

إلخ.

ومن فوائد الحديث: أن التعريف لا يتقيد بيوم معين أو أسبوع معين بل يرجع في ذلك إلى العرف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقيدها، لكن بعض العلماء يقول: في الأسبوع الأول كل يوم، ثم كل أسبوع، ثم كل شهر، لكن المرجع في هذا إلى العرف كما مر.

ومن فوائد الحديث: أنه إذا كان يعرف صاحبها فإنه لا يحتاج إلى تعريف بل يسلمها إليه إما بحملها إليه أو بإخباره بها. يُؤخذ من قوله: «فإن جاء صاحبها» ، لأن المعنى أن صاحبها عرفها فجاء فأدها إليه، فإذا كنت تعلم صاحبها من أول فلا حاجة إلى التعريف.

ومن فوائد الحديث: أن ظاهره أنه يعرف اللقطة مطلقًا قلت أم كثرت.

وقد يقول القائل: إن هذا ليس ظاهر الحديث، لأن قوله:«أعرف عفاصها ووكاءها» يدل

ص: 335

على أنها ذات أهمية قد جُعلت في وعاء وقد أوكي عليها الوكاء، وهذا يدل على أنها ذات أهمية، فإن كان الأمر كذلك فهو واضح، وإن لم يكن كذلك وجب أن يقيد إطلاق هذا بالحديث الذي قبله، وهو أنه إذا كانت اللقطة يسيرة لا يهتم بها عادة فهي لواجدها، ولا تحتاج إلى تعريف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في التمرة:«لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها» .

إذن لنا في هذا تخريجان: أحدهما: أن نقول إن هذا الحديث يدل على أن اللقطة ذات أهمية؛ لأنها ذات عفاص ووكاء، أو يُقال: إن كان مطلقا فيقيد بالحديث السابق.

ومن فوائد الحديث: أن أجرة التعريف على الملتقط لقوله: «عرفها» فالأمر موجه إلى الملتقط، وعلى هذا فإذا كان التعريف يحتاج إلى أجرة فالأجرة على الواجد؛ لأنه هو المطالب بالتعريف، فمثلاً: إذا وجد صرة فيها ألف درهم واستأجر مُعرفا بمائة درهم، فالمائة درهم على الواجد، وإذا وجد صاحب اللقطة أعطي الألف كاملة، وهذا ما ذهب إليه الفقهاء المتأخرون من أصحاب الإمام أحمد، وقالوا: إن الأجرة على الواجد، وقيل: بل الأجرة على صاحب اللقطة على رب اللقطة، وقالوا: لأن هذا التعريف من مصلحته، فهو الغانم، والغرم للغنم، فإذا كان هو الغانم، وجب أن يكون هو الغارم، وعلى هذا فتكون أجرة التعريف على رب اللقطة، وهذا القول هو الصحيح، لأن التعليل قوي، وإيجاب الشارع التعريف إنما هو من أجل حفظها على صاحبها، لأنه لو لم يُعرفها لم يتمكن صاحبها من الوصول إليها، فإذا كان التعريف لمصلحة صاحبها، فكيف يلزمني أن أقوم بما يعود إلى مصلحته؟ ! ، وهذا القول هو الصحيح: أن التعريف أجرته على صاحب اللقطة.

من فوائد الحديث: أن الواجد إذا تمت السنة فإنه يملكها ملكا تامًا لقوله: «وإلا فشأنك بهاه، ولكن إذا جاء ربها بعد السنة ووجدها قد تلفت فهل يضمنها الواجد؟ إذا قلنا: إن الواجد يملكها صار له سلطة عليها تامة بمعنى أنه إن شاء أكلها إن كانت تؤكل، وإن شاء استعملها بلباس أو غيره إن كانت تُلبس، وإذا كان له سلطة عليها تامة فكيف يُضمّن؟ ولهذا قال بعض العلماء: إنه إذا تمت السنة ولم يأت صاحبها فإنه لا يضمنها لصاحبها إلا أن تكون موجودة بعينها فيردها، أما إذا كان قد تصرف فيها فإنه لا يضمن، يعنى: مثل أن تكون ثيابًا لبسها وتمزقت، فإنه لا يضمن، لماذا؟ لأن الشارع ملكه إياها وأذن له أن يفعل فيها ما يشاء، فهي إذا تلفت تحت يده فقد تلفت بإذن من الشارع، «وما ترتب على المأذون فليس بمضمون» ، أما

ص: 336

إذا كانت موجودة فليردها على صاحبها، لأنها عين وُجد مالكها فلا عذر لأحد في عدم الدفع له، وقال بعض العلماء: بل إذا تلفت بعد تمام الحول فعليه ضمانها مطلقا سواء تعدى أو فرط أو لم يتعد أو لم يفرط، وسواء بقيت العين أم لم تبق، لأنه لما ملكها دخلت في ضمانه عينا ومنفعة، وإذا دخلت في ضمانه وجب ضمانها لصاحبها بكل حال، وهذا الأخير هو المشهور من المذهب، على أنه يضمنها بكل حال، وعليه فهي من غرائب العلم تكون هذه اللقطة بالأمس غير مضمونة على الواجد، وفي اليوم مضمونة عليه يعني: بالأمس قبل أن يتم السنة هي غير مضمونة فهو أمين إن تعدى أو فرط ضمن، وإلا فلا، في اليوم بعد تمام السنة تكون مضمونة، وأنا أضرب لكم مثلاً يتبين فيه الأمر: هذا رجل وجد مائة ألف ريال لقطة وصار يُعرفها، فلما بقي على تمام السنة يوم واحد أتاها حريق بغير اختياره فاحترقت فهل عليه ضمان؟ لا ضمان عليه، لماذا؟ لأنه أمين لم يتعد ولم يفرط، بعد أن تمت السنة أتاها حريق فاحترقت فعليه الضمان، بالأمس المال لغيره وهو أمين عليه فلا يضمن إلا إذا تعدى أو فرط، اليوم المال له داخل في ضمانه عينا ومنفعة فيكون عليه الضمان، هذا هو المشهور من المذهب، وهو من غرائب العلم يُقال لما كانت في ملكه يضمن مطلقا، ولما كانت في ملك غيره لا يضمن إلا بالتعدي والتفريط، أما القول الثاني: فقالوا في هذه الصورة: لا ضمان عليه، لأنه لما تم الحول دخلت في ملكه وتلفت، فسواء بفعله أو بفعل له فلا ضمان عليه، لأنه صاحب ملكه، وهذا القول أصح، الصحيح أنها بعد تمام الستة ملك للواجد يتصرف فيها كما شاء، فإن جاء ربها وهي باقية دفعها إليه، وإن جاء ربها وهي تالفة فلا شيء عليه.

ومن فوائد الحديث: أن الإنسان مخير في أخذ ضالة الغنم، لقوله:«هي لك أو لأخيك أو للذئب» لكن هذا التخيير هو تخيير إرادة أو تخيير مصلحة؟ ، ربما نقول: إن التخيير تخيير مصلحة يعني: إن رأى المصلحة أخذها وإلا تركها.

ومن فوائد الحديث: أن الغنم غير الضالة لا يجوز التعرض لها، بل تترك وتذهب هي بنفسها إلى صاحبها لقوله:«فضالة الغنم» يعني: الضائعة أما التي عرف بأنها غير ضائعة مثل ما يوجد الآن الغنم تترك ترعى سواء في المدن أو في البر، تُترك ترعى ثم تأوي إلى أهلها فهذه لا يجوز التعرض لها، لأنها ليست بضالة بل هي مهتدية تعرف بيتها.

ومن فوائد الحديث: أن من وجد ضالة الغنم ملكها بدون تعريف لقوله: «هي لك» ولم يأمره بالتعريف، في اللقطة أمره بالتعريف، وهنا لم يأمره بالتعريف، وهذا ما ذهب إليه كثير من

ص: 337

العلماء، قالوا: إنها للإنسان بمجرد ما يجدها ما لم يعلم ربها، لكن جمهور العلماء على وجوب التعريف، قالوا: لأنها من حيث التمول كاللقطة تمامًا، فإذا كانت اللقطة تعرف فكذلك ضالة الغنم، وعلى هذا فيكون قوله:«هي لك» أي: بعد التعريف، وهذا الذي عليه الجمهور.

وهل من فوائد الحديث: أن الذئب يملك لقوله: «أو للذئب؟ » لا؛ لأن اللام هنا للاختصاص كما تقول السرج للدابة، بل تقول: الحوش للغنم، الجراج للسيارات وهي لا تملك لكن هذا من باب الاختصاص.

ومن فوائد الحديث: أنه يُسن قتل الذئب؛ لأن إتلافه للمال فسوق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: وكلهن فاسق، لأنها تؤذي، وهذا أيضا يؤذي بأكل الأموال، وهو كذلك، أي: أنه يُسنّ قتل الذئب، وكل مؤذ فإنه يُسن قتله، لكن ما آذى بطبعه من قتله، وإن لم يؤذ، وما آذى عرضا أذية طارئة فإنه لا يُقتل إلا حين يكون مؤذيا، فمثلاً: الإبل الأصل فيها أنها لا تؤذي، فلو فرض أن بعيراً منها صار يأكل الناس، فإنه يُقتل، فصار ما طبعه الأذى يُقتل بكل حال، وما تجدد له الأذى أو طرأ عليه الأذى فإنه لا يُقتل إلا حين يطرأ عليه الأذى.

ومن فوائد الحديث: تحريم التقاط ضالة الإبل لقوله: «مالك ولها؟ » ، وفي رواية:«دعها» والأصل فى الأمر الوجوب أو وجوب الترك.

ومن فوائده: أن العلة في وجوب ترك الإبل أنها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها، فيؤخذ من هذه العلة أنه لو كانت الإبل صغيرة لا تملك هذا الذي علل به النبى صلى الله عليه وسلم فإنها يجوز التقاطها.

ويؤخذ من ذلك أيضا: أنه لو كانت الإبل في مسبعة كثيرة السباع بحيث لا يستطيع البعير الواحد مقابلة عشرة ذئاب، فإنه يجوز أخذها، ويؤخذ منه أيضا أنه لو كانت في أرض مملوءة بقطاع الطريق الذي يأخذون هذه البعير فيحولون بينها وبين صاحبها، فإنه يجوز التقاطها.

ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز التقاط الظباء؛ لأنها تسلم من الذئب بسرعة عدوها.

ومن فوائد الحديث: تحريم التقاط ضالة الطير كالحمام وشبهها قياسا على الإبل، لأنها تطير حتى تصل إلى ربها أو يجدها ربها.

ومن فوائد الحديثه: جواز إطلاق الرب على غير الله سبحانه وتعالى لقوله: «حتى يلقاها ربها» ، وهذا كثير في السُنة، ولكنه كما تشاهدون رب مقيد - ربها، والرب المطلق لا يكون إلا لله. أما المقيد مثل رب الدار، رب البعير، رب السيارة، فهذا لا بأس به.

ومن فوائد الحديث: تحريم التقاط البقر بالقياس لأنه يمتنع من الذئاب.

ومن فوائد الحديث تحريم التقاط الحمير الوحشية؛ لأنها تسلم، أما الأهلية فقال بعض

ص: 338

العلماء: إنها كالإبل تسلم، وقال آخرون: بل هي كالغنم لا تسلم، وهو الصحيح أنها لا تسلم، الواقع أن الحمير لا تمتنع من صغار السباع تأكلها الذئاب، بل هي من أكثر الحيوانات جبنا، يقولون: إن الشاة ربما إذا شمّت رائحة الذئب تهرب، لكن الحمار إذا شم رائحة الذئب فرّق بين رجليه وجعل يبول ولا يتحرك، هذا هو المشاهد، فإذن نقول: إنها لا يمكن أن تُقاس على الإبل، لأنها لا تتحمل أن تأكل الشجر وترد الماء حتى يجدها ربها، بل هي من أجبن الحيوان، كما أنها أيضا من أبلد الحيوان، ولهذا قال لى بعض مشائخنا: الحمار أدل ما يكون لمكانه الذي يستوطنه؛ لأنه ليس عنده تفكير مركب على الأمور الحسية، ويقول: ولذلك مَن ليس عندهم تفكير من بني آدم تجدهم أدل ما يكون للبيوت، لكن هذا الظاهر أنه غير مُسَلم، إنما بالنسبة لدلالة الحمار إلى بيته ومأواه هذا شيء مشهور وهو يعلله - شيخنا هذا- بأنه بليد لا يفكرلذلك كان فكره سطحياً.

بقي علينا مسائل تتعلق بالحديث إذا وجد شاة فمن المعلوم أن الشاة تحتاج إلى نفقة من أكل، وشرب، وتدفئة، فهذه النفقات على من؟ هذه النفقات على صاحبها حتى تتم سنة، فإذا تمت سنة فهي على الواجد.

ثانيًا: إذا كانت فيها نماء ونتاج كما لو كانت شاة فيها لبن فيها ولد فلمن يكون النماء؟ النماء قبل تمام السنة لصاحبها، وبعد تمام السنة لواجدها، لماذا؟ لأنها قبل تمام السنة ملك لصاحبها، وبعد تمام السنة ملك لواجدها، النماء المتصل كالسمن؛ لأن اللبن والولد نماء منفصل، النماء المتصل كالسمن يعني: هذه سمنت فهل هو لصاحبها أو لواجدها؟ ما كان قبل الحول فلا شك أنه لصاحبها، لأن عليه النفقة وله الغنم، وما كان بعد الحول فهو لواجدها، وقال بعض العلماء: بل النماء المتصل تابع لها مطلقا، وعلى هذا فيكون لصاحبها إذا وجد، وعلل ذلك فقال: إن النماء المتصل لا يمكن تمييزه بخلاف النماء المنفصل، فالدماء المنفصل قبل الحول لصاحبها وبعده لواجدها، والنماء المتصل كله لصاحبها، لكن الصحيح أنه ما كان قبل الحول فهو لصاحبها وما بعده لواجدها، فإذا قال قائل: كيف نميزه؟ نقول: تُقوم هذه الشاة عند تمام الحول تساوي مائتين وبعد أن وجدنا صاحبها لمدة شهرين أو ثلاثة صارت تساوي بسبب السمن مائتين وخمسين فالفرق إذن خمسون ريالاً فتكون للواجد؛ لأنها نمت بما يقابل الخمسين، وهي على ملك الواجد، وهذا القول هو الصحيح، لأن النفقة بعد تمام الحول على الواجد، فإذا كان له الغرم فيجب أن يكون له الغنم في مقابل غرمه.

ص: 339