الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بإسلامه، لكنها تزوجت رجلاً آخر، فردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى زوجها الأول، لماذا؟ لأنها باقية على نكاحها الأول وقد علمت بإسلامه فأقدمت على أن تتزوج شخصاً وهي في حبال شخص آخر، ولهذا انتزعها النبي صلى الله عليه وسلم من زوجها الثاني وردها إلى الزوج الأول. يستفاد من هذا الحديث: أن المرأة إذا تزوجت شخصاً وهي في حبال زوج آخر فإن النكاح لا يصح، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم انتزعها من الثاني وردها إلى الأول. ومن فوائد الحديث: إنه إذا تزوج رجل امرأة بشبهة، أي: شبهة عقد يظنه صحيحاً وهو فاسد فإنه ليس عليه حد ولا عقوبة، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد الزوج الثاني ولم يحد الزوجة أيضا، فكل عقد حصل فيه شبهة فإنه كالعقد الصحيح، ولو فرضنا أنها حلمت من الزوج الثاني فهل يكون أولادها أولا ذا للأول أو الثاني؟ يكونوا للثاني؛ لأن الوطء هذا حصل بشبهة. وفي هذا الحديث إشكال من بعض الوجوه وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الزوج الأول إنه أسلم وعلمت بإسلامه فكيف حكم النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد قوله؟ والجواب عن هذا أن نقول: إنها لم تنكر لما ادعى زوجها ذلك فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضي دعوى زوجها الأول؛ لأنها لم تنكره.
فسخ النكاح بالعيب:
مر علينا أنواع الخيار إلا خيار العيب وهو ما سيأتي في هذا الحديث:
967 -
وعن زيد بن كعب بن عجرة، عن أبيه قال:«تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية من بني غفار، فلما دخلت عليه ووضعت ثيابها، رأى بكشحها بياضاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألبسي ثيابك والحقي بأهلك، وأمر لها بالصداق» . رواه الحاكم، وفي إسناده جميل بن زيد وهو مجهول، واختلف عليه في شيخه اختلافا كثيراً. «العالية» علم على امرأة اسمها العالية، وبنو غفار قبيلة عربية معروفة، وضعت ثيابها، لأنها ليس عندها إلا زوجها، و «الكشح» ما بين الخاصرة والضلع. وقوله:«بياضاً» يعني: بهقاً أو برصاً، البهق والبرص كلاهما داءان جلديان، لكن البرص أشد بياضاً من البهق، وكلاهما مما تنفر الطباع منه، وإذا طبقنا هذا الحديث على ما عرفناه من مصطلح الحديث تبين أنه ضعيف، ما سببه؟ جهالة الراوي، ثانياً: الاضطراب، الاختلاف الكبير في شيخه، لكن لننظر هل هذا الحديث لما ضعف سنداً هل هو ضعيف متناً أو تشهد الأدلة لصحته؟ يقول:«تزوج العالية فلما دخلت عليه وضعت ثيابها» ، وضع الثياب أمام الزوج ليس به بأس، وذلك لأن الزوج والزوجة يجوز لكل واحد منهما أن ينظر إلى الآخر في جميع بدنه، إذن هذا
لا يخالف الأصول، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم يغتسل هو وعائشة من إناء واحد تختلف فيه أيديهما، وهذا يدل على جواز تعري المرأة والرجل أمام الآخر. وقوله: «رأى بكشحها بياضاً
…
» إلخ. هذا أيضا لا ينافي الأصول، لأن أمره بلباس ثيابها يدل على لازم ذلك وهو أنه لا يريدها، وقوله:«الحقي بأهلك» هذا كناية عن الطلاق كما مر علينا أن الرجل إذا قال لزوجته: الحقي بأهلك ونوى به الطلاق صار طلاقاً، إذن هذا لا يخالف الأصول، «وأمر لها بالصداق» أيضا لا يخالف الأصول؛ لأن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد وجب لها الصداق كاملا. من فوائد الحديث: أن المرأة هي التي تدخل على الزوج، ولهذا يقال: تزف إليه امرأته، وعادة الناس اليوم أن الزوج هو الذي يدخل على امرأته، ولكن هذا لا يخالف السنة؛ لأن الظاهر أن هذه من أمور العادات وليست من أمور التعبد، فإذا كانت من الأمور العادية رجع فيها إلى العرف ما لم يخالف الشرع. ومن فوائده: جواز تعري الزوجة أما زوجها وكذلك الزوج أما زوجته وهذا جائز بنص القرآن، قال الله تعالى:{وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجهمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانهمْ فَإِنَّهُمْ غَيْر مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6، 5]. فإن هذا يشمل حفظ الفرج من الفاحشة ومن النظر أيضاً. ومن فوائد الحديث: أنه لا حرج على الإنسان إذا رأى بامرأته عيباً خلقيا أن يفارقها لا يقال: إن هذا العيب الخلقي من الله ولا يمكنها أن تتخلى عنه؛ لأننا نقول الإنسان إذا لم يشته الطعام فإنه لا يجبر على أكله، كذلك إذا كان لا ترتاح نفسه إلى هذه الزوجة فلا حرج عليه. فإن قال قائل: في هذا كسر لقلبها؛ لأنها تكون حينئذ مصابة من وجهين: الوجه الأول: ما فيها من العيب، والوجه الثاني: فراق الزوج. قلنا: هذا من المصائب، والمصائب التي تصيب الإنسان هي بنفسها مكفرات للذنوب، ثم إن صبر الإنسان واحتسب الأجر على الله صار فيها ثواب الصبر، فهي على كل حال المصائب إذا صبر الإنسان عليها فإنها تكفر الذنوب ثم إن احتسب الأجر على الله صارت ثواباً، فنقول لهذه المرأة التي أصيبت بما أوجب أن يفارقها الزوج: أنت أصبت بأمر الله وقدره، فلك الأجر اصبري واحتسبي. ومن فوائد الحديث: الاستدلال باللازم على الملزوم لقوله: «ألبسي ثيابك» فهذا من ملزوم كونه مفارقاً لها. ومن فوائد الحديث: أن قوله: «ألحقي بأهلك» من ألفاظ الفراق، ولكن هل نقول: إن هذا طلاق أو كناية عن ألفاظ الطلاق؟ يحتمل إن نظرنا إلى السبب وهو العيب قلنا: إنه كناية عن
الفسخ، وإن نظرنا إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم لها بالصداق قلنا: إن هذا من الطلاق، لأن اختياره الطلاق يدل على أنه أرادها ولكنه لا يطيق العيش معها فطلقها، ولكن ربما يقول قائل: إننا نحملها على أنها للفسخ ويكون أمر النبي صلى الله عليه وسلم لها بالصداق من باب الكرم وإن كان لا يجب عليه؛ لأنها ضرته ولكن هذا من باب الكرم وما أكثر كرم النبي صلى الله عليه وسلم فهاهو مع جابر بن عبد الله اشترى منه الجمل وأعطاه الجمل والدراهم، إذن الأمر بالصداق إن كان بناء على أن قوله:«ألحقي بأهلك» طلاق فالأمر فيه ظاهر؛ لأنه طلاق بعد الخلوة، والطلاق بعد الخلوة موجب للصداق كاملاً، وإن كان المراد بقوله:«ألحقي بأهلك» الفسخ ففيه إشكال؛ لأن الزوج إذا فسخ عقد نكاح المرأة من أجل العيب رجع في الصداق، يعني: أخذ الصداق الذي هو بدل، فنقول في الجواب على الإشكال: إن هذا من باب كرم النبي صلى الله عليه وسلم. على تقدير صحة الحديث يؤخذ منه: أن البرص أو البهق ينفسخ به النكاح وهو كذلك، فإذا وجد الزوج بامرأته برصاً فله الفسخ، وإن وجدت فيه هي برصاً فلها الفسخ، ولا فرق بين أن يكون هذا البرص في داخل الثياب أو في خارج الثياب بدليل أن الرسول رأى هذا البياض في كشحها في داخل الثياب، لا يقول قائل: إن الذي داخل الثياب مستور وإنه لا يظهر، نقول: لكن شعور الزوج أو الزوجة بهذا العيب يوجب تقزز النفس وكراهيتها، والحديث أصل في ثبوت الخيار في العيب، وإذا ثبت الخيار بالعيب فإن الزوج قد بذل مهراً، فإذا فسخ من أجل العيب هل يضيع مهره؟ لا، نقول: المهر إن كان بعد الدخول أعطى المهر ثم رجع به الزوج على من غره، من الذي غره؟ الولي المباشر إلا إذا كان الولي غير عالم بالعيب فيرجع به على المرأة هذا إذا كان الصداق قد تقرر بالدخول، أما إذا علم بالعيب قبل أن يدخل بها يفسخ وليس لها شيء؛ لأنها غرته وخدعته. الخلاصة: إن كان الفسخ للعيب قبل الخلوة والدخول فلا مهر، وإن كان بعد الدخول أو الخلوة فلها المهر، ويرجع به الزوج على من غره وهو الولي، لأنه المباشر، فإن لم يعلم الولي رجع به على المرأة فإن لم تعلم المرأة مثل إن كان برص في ظهرها ولم يخبرها أحد به فلا شيء له؛ لأنه لم يخدع ولم يعز. هذه القاعدة في مسألة الفسخ بالعيب.
*ولكن ما هو العيب الذي يفسخ به هل هو محدود أو معدود؟ أولا: اختلف العلماء في الفسخ بالعيب؛ فمن العلماء من قال: لا فسخ، ويقال للزوج: إن رضيت بها معيبة وإلا طلقتها، المشكل إذا كان العيب في الزوج، فقالت المرأة: أنا لا أريده، يقولون: تصبر وتحتسب هذا من البلوى، وهذا مذهب الظاهرية أنه لا فسخ بعيب؛ لماذا؟ قالوا: لأن الآثار الواردة في الفسخ بالعيب ضعيفة لا ينبني عليها الحكم الشرعي، وقياس النكاح على
البيع غير صحيح، لماذا؟ لأن الظاهرية لا يرون القياس فهو عندهم باطل، وبتاء على هاتين المقدمتين ينتفي الفسخ بالعيب؛ لأن الآثار إذا كانت ضعيفة والقياس باطل ما عندنا دليل، لكن جمهور العلماء خالفوهم في هذا وقالوا: بل العيب مسوغ للفسخ سواء كان في الزوج أو في الزوجة، وقالوا: إن هذه الآثار إذا لم يصح كل واحد منها على انفراد فإنها بالمجموع تصح، ثانيا: القياس على العيب إذا كان الإنسان لو اشترى حماراً فوجد فيه عيباً فله رده والحمار يركب فكيف بالمرأة تبقى معه يجد فيها عيباً تزوج امرأة فإذا أذناها مقطعة وأصابعها مقطعة وصماء وعمياء بكماء كيف هذا؟ نقول: هذا ليس له خيار، ولو وجد الإنسان عيب في حماره قلنا: لك الخيار! ! ثم نقول: العيب منافٍ لمقتضى الزوجية؛ لأن الله قال: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الزومر: 21]. وكيف تكون المودة مع عيب ينفر منه الإنسان ويود ألا يراه في حياته، أين المودة وأين السكن؟ فلهذا كان إيماء النص والآثار والقياس الصحيح كلها تدل على ثبوت فسخ النكاح بالعيب، يبقى النظر هل العيوب معدودة أو محدودة؟ قال بعض العلماء: إنها معدودة أربعة خمسة عشرة، وقال آخرون: بل هي محدودة، وهذا القول هو الصحيح، فلنتتبع الآثار التي ذكرها المؤلف.
968 -
وعن سعيد بن المسيب، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«أيما رجلٍ تزوج امرأة فدخل بها، فوجدها برصاء، أو مجنونة، أو مجذومة، فلها الصداق بمسيسه إياها، وهو له على من غره منها» . أخرجه سعيد بن منصور، ومالك، وابن أبي شيبة، ورجاله ثقات. «البرص» معروف، و «المجنونة» فاقدة العقل، و «المجذومة» أي: المصابة بالجذام، وقيل: هو الطاعون أو غيره، لكنه مرض معدٍ وقاتل، ولهذا قال العلماء: يلزم الإمام أن يعزل الجدماء في مكان خاص لئلا يعدو وأظن أنه يوجد الآن نوع من المستشفيات تسمى بالعزل -الحجر الصحي-؛ إذن نقول: كم عيباً؟ ثلاث. «فلها الصداق بمسيسه» أي: بجماعة إياها، لأن الدخول بالمرأة، يعني: الجماع، والخلوة غير الدخول، «وهو» الضمير يعود على المهر، «له»: أي: للزوج «على من غره منها» ، إذن نقول للزوج الذي تزوج امرأة ودخل بها ووجد بها أحد هذه العيوب الثلاثة: أعطها الصداق وارجع به على من غرك وهو الولي لأنه المباشر، فإن كان الولي فقيراً فلا رجوع له على المرأة، بل