الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففي هذا الحديث فوائدها منها: أن عقد النكاح إذا كان فاسداً وقد تم في عهد الكفر فإنه لا يحكم بفساده، وجه ذلك: أنه لو حكم بفساده لقال النبي صلى الله عليه وسلم: فارق الست الأخيرات، لأن ما زاد على أربع يعتبر فاسداً. ومن فوائده: أنه إذا أسلم وقد زال المانع فإنه يبقي على نكاحه؛ لماذا؟ لأن هؤلاء النساء لا يحرمن بأعيانهن إنما يحرم أن يجمع أكثر من أربع، فإذا فارق ستاً مثلا زال المانع. ومن فوائد الحديث: أنه لا يجوز للإنسان أن يجمع أكثر من أربع نسوة، ويؤيده قوله تعالى:{فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. ولو كانت الزيادة على أربع جائزة لقال: فانكحوا ما شئتم أو ما طاب لكم من النساء ولم يقيد، فكونه سبحانه وتعالى قيد دليل على أنه لا يجوز للرجل أن يجمع أكثر من أربع. فإن قيل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم جمع أكثر من أربع؟ فالجواب: بلى قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع مات عن تسع، ولكن هذا من خصائصه، وقد خصه الله عز وجل في مسائل عديدة في النكاح لا تحل لغيره، والله عز وجل له أن يخص من شاء من عباده، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أبيح له أكثر من أربع نسوة لا من أجل الطرب والشهوة ولكن من أجل المصالح العظيمة التي تترتب على زيادة النساء عنده، ويدل على هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً قط إلا عائشة، كل اللائي تزوجهن ثيبات إلا عائشة، وهذا يدل على أن تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم ليس الغرض منه مجرد قضاء الوطر ولو كان كذلك لكانت البكر أحسن والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم هذا، وقد قال لجابر حين سأله:«هل تزوجت؟ » قال: نعم، قال:«أبكر أم ثيباً» قال: ثيباً، قال:«فهلا تزوجت بكراً تلاعبك وتلاعبها، وتضاحكك وتضاحكها» قال: يا رسول الله، إن لي أخوات يحتجن إلى رعاية فاخترت الثيب، فهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قال:«إن البكر أحسن من الثيب» ، ومع ذلك لم يتزوج من النساء إلا ثيباً ما عدا عائشة، فزواجه صلى الله عليه وسلم من أجل المصالح التي تترتب على تعدد النساء وهذا يظهر لمن تأمله.
رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:
964 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: «رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحاً» . رواه أحمد، والأربعة إلا النسائي، وصححه أحمد والحاكم.
965 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:«أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص بنكاح جديد» . قال الترمذي: حديث ابن عباس أجود إسناداً، والعمل على حديث عمرو بن شعيب. هذا الحديث موضوعه إذا أسلمت المرأة قبل الزوج أو أسلم الزوج قبل المرأة، فإذا أسلمت المرأة قبل الزوج فإنه ينتظر، فإن أسلم الزوج في العدة فهي زوجته، وإن انتهت العدة ولم يسلم تبين انفساخ العقد من حين إسلامها، دليل ذلك قوله تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]. وهي الآن قد أسلمت وزوجها كافر، فإذا انقضت عدتها فقد انقطعت العلاقة بينهما فتنفصل، أما إذا أسلم قبل أن تعتد فإنها زوجته يقر على نكاحها، وبناء على ذلك لو لم يكن هناك دخول ولا خلوة فأسلمت الزوجة فإنه ينفسخ العقد بمجرد إسلامها، لماذا؟ لأنه لا عدة، مثاله رجل عقد على امرأة -وهما كافران- ثم أسلمت قبل أن يدخل بها ويخلو بها، فهنا ينفسخ النكاح بمجرد الإسلام، لأنه ليس هناك عدة حتى ينتظر فيها إسلامه بل ينفسخ النكاح في الحال، إذن إذا أسلمت المرأة فإنها إن كان ذلك قبل الدخول والخلوة ينفسخ النكاح بمجرد الإسلام وإن كان بعد الدخول أو الخلوة فإنه ينتظر، فإن أسلم الزوج قبل انتهاء العدة فهي زوجته وإن لم يسلم حتى انقضت العدة انفسخ النكاح، أسلمت في أول يوم من شهر محرم وقد حصل الدخول أو الخلوة نقول: انتظري حتى تحيضي ثلاث مرات، فإن أسلم الزوج قبل أن تحيضي ثلاث مرات فأنت زوجته، وإن حضتي ثلاث مرات قبل أن يسلم الزوج تبين انفساخه من حين إسلامك، هذا هو رأي جمهور العلماء، لو كان بالعكس أسلم الزوج قبل أن تسلم المرأة قبل الدخول أو الخلوة؟ فيه تفصيل، إن كانت كتابية فإن العقد لا ينفسخ، لماذا؟ لأن الكتابية تحل للمسلم فالنكاح غير باطل، وإن كانت غير كتابية فإنه ينفسخ النكاح، هذا إذا كان قبل الدخول والخلوة، أما إذا كان بعد الدخول أو الخلوة فإننا ننتظر إن أسلمت الزوجة وهي غير كتابية فهي زوجته، وإن لم تسلم تبين انفساخ النكاح من حين أسلم زوجها -هذه القاعدة-، وهذا الحكم هو ما اختاره جمهور العلماء، وذهب بعض العلماء إلى أن المرأة إذا انتهت عدتها قبل إسلام زوجها ملكت نفسها فإن أسلم زوجها بعد العدة فهي بالخيار، والفرق بين القولين: أنه إذا انتهت العدة قبل إسلام الزوج ليس لها خيار يتبين انفساخ النكاح ولا يمكن أن ترد إليه إلا بعقد، وأما على القول الثاني فإنها تخير إذا انتهت العدة إن شاءت ردت إليه بغير عقد وإن شاءت استمرت على الفراق وتزوجت زوجاً آخر وإن
شاءت تزوجته بعقد على هذا القول تخير بين أمور ثلاثة، إما أن ترجع إلى زوجها بدون عقد، أو ترجع إليه بعقد، أو لا ترجع إليه لا بعقد ولا بغيره هذا بعد انتهاء العدة، ولننظر إلى الحديثين اللذين ذكرهما المؤلف لنطبقهما على القولين: قال: «بعد ست سنين» يعني انقضت عدتها، ولم يحدث نكاح، يعني: لم يجدد العقد، وهذا الحديث يشهد للقول الثاني أنها إذا انتهت العدة قبل إسلام الزوج فلها الخيار إن شاءت، فهي قد ملكت وإن شاءت رجعت إلى زوجها بعقد، وإن شاءت رجعت إلى زوجها بغير عقد، ولهذا رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته إلى العاص بغير عقد، وهذا الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم على أن انتهاء العدة فاصل بين كونها لها الخيار أو ليس لها الخيار؛ لأنه لو أسلم قبل انقضاء العدة فليس لها الخيار فهي زوجته، ممكن أن نعرف أن القولين اتفقا فيما إذا أسلم قبل انقضاء العدة كيف اتفقاهما؟ أنها زوجته وليس لها الفسخ، وإن أسلم بعد انتهاء العدة فعلى القول الأول لا تحل له إلا بعقد وعلى القول الثاني تخير هذا حاصل الخلاف في هذه المسألة، أبو العاص بن الربيع أسلم بعد ست سنين ورد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب، وهذه المرأة توفيت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان لها بنت صغيرة تحمل باليد، فجاءت والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فحملها وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها، قال بعض أهل العلم: وإنما كان ذلك الفعل حين موت أمها كان البنت تصيح فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسكتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم أحسن الناس خلقاً حتى إن ابنه الحسن والحسين يأتي إليه وهو ساجد يصلي بالناس فيركب على ظهره فيطيل النبي صلى الله عليه وسلم السجود ويعتذر للجماعة بأن ابنه ارتحله، يعني: جعله راحلة له كما يفعل الصبيان الآن، على كل حال: هذا الرجل أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثناء عظيماً على المنبر لمناسبة وهي أن الرسول حدث أن علي بن أبي طالب يريد أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة فخطب الناس وقال: «إن فاطمة بضعة مني يريبها ما رابني» ولقد حدثت أو كما قال «إن ابن أبي طالب يريد أن يتزوج بنت أبي جهل والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد» ثم عدل رضي الله عنه عن الزواج إن صح أنه هم بذلك، ثم أثنى على أبي العاص بن أبي الربيع، لأنه حدثه فصدقه ووعده فوفى له، وهذا منقبة لأبي العاص، الحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رد إليه ابنته بالعقد الأول ولم يحدث نكاحاً. أما الحديث الثاني حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده اختلف المحدثون فيه هل هو من قبيل المرسل، يعني: المنقطع أو من قبيل المتصل، والصحيح أنه من قبيل المتصل، وأن