الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الساعة الواحدة فهذا جائز؛ لأنه سوف يكونون مستعدين له متهيئين له، والمحظور كل المحظور هو أن يأتيهم على حال غير مرغوب فيها.
النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:
975 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر شرها» . أخرجه مسلم. الشر ضد الخير، وشر هنا اسم تفضيل، لكنه حذفت منه الهمزة، وأصله شراً، وكذلك «خير» أصله أخير. فإذا قال قائل: ما الفرق بين قول الإنسان: هذا شر ويريد أنه من الشر، وهذا خير ويريد أنه من الخير وبين قولنا: إن خير وشر اسم تفضيل؟ نقول: الفرق بينهما: أنه إذا كان هناك مفضل ومفضل عليه، فخير وشر اسم تفضيل مثل قوله تعالى:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]. من أصحاب النار، أما قوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]. فهذا ليس اسم تفضيل؛ لماذا؟ لأنه لا يوجد مفضل ومفضل عليه. «شر الناس منزلة عند الله» هذا من باب التفضيل، إذن هناك فاضل ومفضول، «الرجل» خبر إن، «وشر» اسمها. وهنا يقال: أين الهمزة في قوله: «شر» ؟ فيقال: إنها حذفت تخفيفاً كما حذفت الهمزة من لفظ الجلالة «الله» وأصلها: «إله» وكما حذفت من «الناس» وأصلها: «أناس» ، والعرب أحياناً يحذفون للتخفيف من الكلمات، ولاسيما الكلمات التي يكثر استعمالها، وقوله:«شر الناس» ، كلمة «الناس» من ألفاظ العموم ولكنه قد يراد بها الخصوص، أي: أنه لا يراد بها العموم من الأصل، وهنا نفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص، العام المخصوص يكون المتكلم قد أراد العموم أولاً ثم يخرج بعض أفراده من الحكم مثلاً:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]. «أولاد» هذه عام خرج بالسنة من خالف دين أبويه، لأنه لا يرث، نسمى أولادكم هنا عام مخصوص، لأنه أريد عمومه ثم
مخصوص، أما العام الذي أريد به الخصوص فهو من الأصل لم يرد فيه العموم إنما أريد به الخاص، ولهذا لا يستثنى منه بخلاف الأول العام المخصوص يدخله الاستثناء، والعام الذي أريد به الخصوص لا يدخله الاستثناء؛ لأنه لم يرد به العموم من الأصل، ومن ذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173]. «الناس» عام أريد بها خاص؛ لأن ليس كل الناس من مشارق الأرض ومغاربها جاءوا يخبرون النبي صلى الله عليه وسلم بأن الناس قد جمعوا له، والمراد بالناس الثانية: خاص ليس كل الناس قد جمعوا؛ إذن هذا عام أريد به الخاص، والفرق أن العام المخصوص أريد به أولاً العموم ثم أخرج بعض الأفراد، والعام المراد به الخصوص لم يرد به العموم أصلاً وإنما أريد به ذلك المعنى الخاص، فهنا قوله صلى الله عليه وسلم:«إن شر الناس عند الله» لا شك أنه لا يراد به العموم، لأن هذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم يوجد من هو شر منه، فالمشركون والملحدون والجاحدون أشر من هذا، فهو إذن عام أريد به الخصوص. إذن ما المراد به؟ أي: شر الناس في إفشاء السر من يفضي هذا السر المذكور، وليس على سبيل العموم حتى على رواية: إن من شر الناس لا يراد به العموم، وإلا من شر الناس الذين من هذا الجنس الذين يفشون السر. وقوله:«عند الله منزلة يوم القيامة» يعني: إذا كان يوم القيامة فإن الناس درجات عند الله كما قال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آل عمران: 163]. فهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم يكون عند الله من شر الناس منزلة، وقوله:«الرجل» هذه خير «إن» : لأن الراجح من أقوال النحويين أن النواسخ تعمل في المبتدأ أو الخبر، أما النواسخ التي تنصب الجزأين فالأمر ظاهر، «ظن وأخواتها» تنصب جزأين، وأما التي ترفع أحد الجزأين فهذه بعض العلماء يقول: ما بقي على الرفع فليس للأداة فيه عمل كخبر «إن» واسم «كان» ، وما تغير فهو الذي أثر فيه العامل، ولكن الصحيح أنه يؤثر في الجميع؛ إذن «الرجل» خبر «إن» . «الرجل يفضي» ، الإفضاء قال بعض العلماء: هو الجماع، وقال آخرون: بل هو الخلوة ولو بغير جماع، يقال: أفضى إليه بكذا، أي: جعله أمراً خاصاً بينه وبينه، قال الله تعالى:{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]. وهذا المعنى الثاني أعم من الأول. وقوله: «إلى امرأته» المراد بذلك: الزوجة «وتفضي إليه ثم ينشر سرها» يعني: ينشر ما أسرت إليه في هذا الإفضاء ينشره بين الناس سواء بين عامة الناس أو بين خاصتهم حتى ولو كان عند أبيه أو أمه فإن هذا يدخل في الحديث. في هذا الحديث فوائد: أولاً: تحريم هذا العمل أن ينشر الإنسان السر الذي بينه وبين زوجته، مثل أن يقول: جامعتها على صفة كذا، أو لما جامعتها صاحت، أو ما أشبه ذلك من الأشياء
التي يستحيا من ذكرها؛ فإن الحديث هذا يدل على تحريمها، بل يدل على أنها من الكبائر؛ لأن فيه وعيداً ويستثنى من ذلك ما دعت الحاجة إليه لبيان حكم شرعي مثل: لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة عائشة عن رجل يجامع زوجته ثم يكسل، يعني: لا ينزل، فقال:«كنت أفعله أنا وهذه ثم نغتسل» ، هذا فيه شيء من إفشاء السر لكنه لحاجة شرعية، ثم إنه أيضاً عام ليس تفصيلياً، ولا شك أن الشيء التفصيلي أعظم من هذا، وكذلك أيضاً سأله عمر بن أبي سلمة -وهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي تزوج أمه أم سلمة سأله عن الصائم يقبل زوجته فقال:«سل هذه» يقول لعمر: «سل هذه» يعني: أمه، فسألها فقالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقال له: يا رسول الله، إنك قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قال:«إني لأخشاكم لله وأعلمكم به» ، أو قال:«بما أتقي» ، والحديثان في مسلم وعلى هذا فإذا اقتضت المصلحة الشرعية أن يذكر ما لا ينشر فإن ذلك لا بأس به، جائز، أما ما يفعله على سبيل التندر والتفكه فهذا حرام. بقى أن نقول: هل المرأة مثل الرجل؟ نعم، مثل الرجل قياساً، نقول: إن القياس الجلي الذي لاشك فيه أن المرأة كالرجل وأنه لا يحل لها أن تفضي بالسر بينها وبين زوجها إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، نحو: أن تستفتي عند الشيخ افرض أنها تريد أن تستفتي عن حال زوجها عند الجماع بأنه ضعيف أو ما أشبه ذلك من المسائل التي تحتاج إلى السؤال، فهنا نقول: إنه جائز لدعاء الحاجة إلى ذلك، لا يمكن أن تعرف الحق إلا بهذا، أما إذا كانت تقوله على سبيل التندر كبعض النساء يجلسن كل واحدة تصف زوجها، هذه تقول: معه مثل الثوب، والثانية تقول: شيئاً آخر فهذا لا يجوز. ومن فوائد الحديث: إن الناس درجات عند الله لقوله: «إن شر الناس عند الله» ، «شر» دالة على التفضيل، وهل نأخذ من ذلك تفاضل الناس في الإيمان؟ نعم، لماذا؟ لأن منزلة الإنسان عند الله بحسب إيمانه، فيكون هذا الحديث دليل على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من التفاضل في الإيماء، والذي عليه أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص، سبب زيادته: الطاعة، ونقصه: بالمعصية، وله أسباب أخرى ليس هذا موضع ذكرها، ومن أهل السنة من قال: إنه يزيد ولا نقول: ينقص، بل نقول: يزيد؛ لأن الله قال: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]. ولكن في هذا نظر لأنها لا تتصور الزيادة إلا في مقابلة نقص، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما رأيت من ناقصات عقل ودين» . فأثبت نقصان الدين. ومن فوائد الحديث: إثبات يوم القيامة، وما هو يوم القيامة؟ هو اليوم الذي يبعث فيه