المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الظاهر رفع الحرج ما دمت تعلم أن الرجل لا يهتم - فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌2 - باب الخيار

- ‌ خيار المجلس

- ‌خيار العين:

- ‌3 - باب الربا

- ‌تحريم الربا:

- ‌أنواع الربا:

- ‌مسألة: هل يلحق بالأصناف التي فيها الربا غيرها؟ خصص فيه الرسول ستة أشياء فهل يلحق بها غيرها

- ‌بيع التمر بالتمر وشروطه:

- ‌بيع الذهب بالذهب:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان:

- ‌بيع العينة:

- ‌الشفاعة المحرمة:

- ‌الرشوة:

- ‌بيع الحيوان بالحيوان نسيئة:

- ‌المزابنة:

- ‌مسألة في بيع العرايا وشروطه:

- ‌بيع الدين بالدين:

- ‌4 - باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار

- ‌بيع العرايا:

- ‌بيع الثمار:

- ‌5 - أبواب السلم، والقرض، والرهن

- ‌الرهن:

- ‌غلق الرهن:

- ‌الترغيب في حسن القضاء:

- ‌حكم الجمعية وهل هي ربا أو لا

- ‌6 - باب التفليس والحجر

- ‌التحذير من مماطلة الغني:

- ‌ الحجر

- ‌تصرف المرأة المالي:

- ‌7 - باب الصلح

- ‌8 - باب الحوالة والضمان

- ‌حكم الحوالة وشروطها:

- ‌ضمان دين الميت:

- ‌الكفالة:

- ‌9 - باب الشركة والوكالة

- ‌الوكالة:

- ‌حكم الوكالة وشروطها:

- ‌جواز التوكيل في قبض الزكاة:

- ‌جواز التوكيل في ذبح الهدي والأضحية وتفريقهما:

- ‌جواز الوكالة في إثبات الحدود وتنفيذها:

- ‌10 - باب الإقرار

- ‌11 - باب العارية

- ‌حكم العارية:

- ‌وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:

- ‌أنواع العارية:

- ‌12 - باب الغصب

- ‌حكم الغصب:

- ‌حكم الزرع في الأرض المغصوبة:

- ‌13 - باب الشفعة

- ‌شفعة الجار وشروطها:

- ‌14 - باب القراض

- ‌15 - باب المساقاة والإجارة

- ‌حكم المساقاة:

- ‌إجارة الأرض:

- ‌ المزارعة

- ‌حكم أخذ الأجرة عن الحجامة:

- ‌التحريز من منع الأجير حقه:

- ‌جواز أخذ الأجرة على القرآن:

- ‌الأخذ على كتاب الله له ثلاث صور:

- ‌16 - باب إحياء الموات

- ‌17 - باب الوقف

- ‌18 - باب الهبة والعمرى والرقبى

- ‌الهبة وضوابطها:

- ‌حكم الرجوع في الهبة:

- ‌حكم رجوع الوالد في هبته لولده:

- ‌شروط قبول الهدية:

- ‌فائدة في الإثابة على الهدية وحكمها:

- ‌صور العمرى والرقبى:

- ‌حكم شراء الهبة:

- ‌الحث على الهدية:

- ‌19 - باب اللقطة

- ‌حكم إيواء الضالة دون تعريفها:

- ‌الإشهاد على اللقطة وحكمه:

- ‌حكم اللقطة في مكة:

- ‌حكم لقطة المعاهد:

- ‌20 - باب الفرائض

- ‌أصحاب الفروض

- ‌مراتب العصوبة:

- ‌ميراث الزوجين:

- ‌ميراث الأم:

- ‌ذكر المسألتين العمريتين:

- ‌ميراث الأب:

- ‌ميراث الجد والجدة:

- ‌ميراث البنات والأخوات والإخوة:

- ‌حكم ميراث المسلم للكافر والكافر للمسلم:

- ‌ميراث الجد:

- ‌ميراث الجدة:

- ‌ميراث الخال وذوي الأرحام:

- ‌حكم ميراث الحمل:

- ‌21 - باب الوصايا

- ‌حكم كتابة الوصية:

- ‌ضوابط الوصية:

- ‌حكم الصدقة عمن لم يوص:

- ‌حكم الوصية للوارث:

- ‌الوصية بثلث المال:

- ‌22 - باب الوديعة

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌ حكم النكاح

- ‌النهي عن التبتل:

- ‌الحث على تزوج الولود الودود:

- ‌تنكح المرأة لأربع:

- ‌الدعاء لمن يتزوج:

- ‌خطبة الحاجة:

- ‌آداب الخطبة: حكم النظر إلى المخطوبة وضوابطه:

- ‌نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه:

- ‌حديث الواهبة:

- ‌إعلان النكاح:

- ‌اشتراط الولي:

- ‌نكاح المرأة بغير إذن وليها:

- ‌اشتراط رضا الزوجة:

- ‌حكم الشغار:

- ‌تخيير من زوجت وهي كارهة:

- ‌حكم من عقد لها وليان على رجلين:

- ‌حكم زواج العبد بدون إذن سيده:

- ‌حكم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها أو أختها:

- ‌حكم خطبة المحرم ونكاحه:

- ‌شروط النكاح:

- ‌حكم زواج المتعة:

- ‌مسألة: هل نية المتعة كشرطها

- ‌حكم زواج المحلل:

- ‌مسائل مهمة:

- ‌نكاح الزاني والزانية:

- ‌مسألة شهر العسل:

- ‌1 - باب الكفاءة والخيار

- ‌حكم زواج العرب الأحرار بالموالي:

- ‌أنواع الخيار:

- ‌حكم من أسلم وتحته أختان:

- ‌حكم من أسلم وتحته أكثر من أربعة:

- ‌رد من أسلمت إلى زوجها إذا أسلم:

- ‌من أسلم وهو أحق بزوجته:

- ‌فسخ النكاح بالعيب:

- ‌حكم العنين:

- ‌2 - باب عشرة النساء

- ‌حكم إتيان المرأة في دبرها:

- ‌مسألة في حد إتيان الرجل الرجل:

- ‌الوصية بالنساء:

- ‌نهي المسافر عن طروق أهله ليلاً:

- ‌النهي عن إفشاء الرحل سر زوجته:

- ‌حقوق الزوجة على زوجها:

- ‌جواز إتيان المرأة من دبرها في قبلها:

- ‌ما يقال عند إتيان النساء:

- ‌لعن المرأة إذا عصت زوجها:

- ‌الملائكة حقيقتهم ووظائفهم:

- ‌حكم الوصل والوشم:

- ‌حكم الغيلة والعزل ووسائل منع الحمل:

- ‌3 - باب الصداق

- ‌تعريف الصداق لغة وشرعًا:

- ‌جعل العتق صداقا:

- ‌صَدَاق زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌صداق فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌الصداق والحباء والعدة:

- ‌مهر من لم يفرض لها صداق:

- ‌مقدار الصداق:

- ‌تقليل الصداق:

- ‌4 - باب الوليمة

- ‌حكم الوليمة ووقتها:

- ‌شروط إجابة الدعوة إلى الوليمة:

- ‌حكم عدم إجابة الصائم لدعوة الوليمة:

- ‌أيام الوليمة:

- ‌التحذير من مشاركة الرياء للعبادة:

- ‌صفة ولائم النبي صلى الله عليه وسلم لبعض زوجاته:

- ‌حكم الأكل في حالة الاتكاء:

- ‌التسمية عند الطعام:

- ‌آداب الطعام:

- ‌آداب الشراب:

- ‌5 - باب القسم بين الزوجات

- ‌تحريم الميل إلي إحدى الزوجتين:

- ‌مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات

- ‌القسم للبكر والفرق بينهما وبين الثَّيب عند الزواج:

- ‌جواز تنازل المرأة عن حقها في القسم لأخرى:

- ‌حسن معاشرة الأزواج:

- ‌القرعة بين الزوجات في السفر:

- ‌النهي عن الشدة في معاملة الزوجة:

- ‌6 - باب الخلع

- ‌الخلع ورد ما أخذت الزوجة:

- ‌عدة المختلعة:

- ‌ أوَّل خلعٍ في الإسلام

الفصل: الظاهر رفع الحرج ما دمت تعلم أن الرجل لا يهتم

الظاهر رفع الحرج ما دمت تعلم أن الرجل لا يهتم بهذا الأمر، بل هو يفرح من أجل أن يأكل مما يليك فإن هذا لا بأس به.

وقوله: «كل مما يليك» هل يشمل ما إذا كان لك شريك أو لا؟ بمعنى إذا كنت تأكل وحدك فهل تقول: إن الأفضل أن تأكل مما يليك أو لك أن تأكل من الجانب الآخر إذا كنت وحدك؟ أما ظاهر الحديث فالعموم، وأما قرينة الحال فهي لمن له شريك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب هذا الغلام وهو يأكل معه، فيكون هذا النوع من الأدب إنما هو لمن له شريك، أما من ليس له شريك فليأكل مما شاء إلا ما استثنى مما سيذكره في الحديث الآتي.

‌آداب الطعام:

1007 -

وعن ابن عباس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقصعةٍ من ثريدٍ، فقال: كلوا من جوانبها، ولا تأكلوا من وسطها، فإن البركة تنزل في وسطها» . رواه الأربعة، وهذا لفظ النسائي، وسندهُ صحيحٌ.

"أتى بقصعةٍ" القصعة هي الصحفة، والثريد هو ما ذكره الناظم في قوله:[الوافر]

(إذا ما الخبز تؤدمه بلحم

فذاك أمانة الله الثََّريد)

إذن الثريد هو الخبز المؤدم باللحم، ثم قد يكون مرفقاً، وقد يكون مجففاً، فإذا كان خبزاً يغمس في الإدام، ويؤكل فهو ثريد مجفف، وإذا كان مرقوقاً يعني: طبخ من اللحم وهذا ثريد مرقق، يقول أحد الشعراء:[الرجز].

(جارية لم تأكل المرفقا

ولم تدق من البقول الفستقا)

يعني: أن حالتها رديئة ليس عندها غنى، وقوله:«فقال: كلوا من جوانبه» هذا يتضمن أمرين: الأول: الإباحة الأكل منها، والثاني: أن يكون الأكل من الجوانب، وكل إنسان يأكل من الجانب الذي يليه، «ولا تأكلوا من وسطها» يعني: أعلاها، «فإن البركة ننزل في وسطها» .

قد يقول قائل: هذا التعليل يناقض الحكم لأنه قال: «لا تأكلوا من وسطها» ثم قال: «فإن البركة تنزل في وسطها» ، إذا كانت تنزل في الوسط لماذا لا آكل من الوسط من أجل الحصول على البركة؟

ص: 619

نقول: إذا كانت البركة تنزل في الوسط فأنت إذا أكلت الوسط من أول ما تأكل نزعت البركة راحت، فلهذا يبقى الوصف قائماً ويؤكل من الجوانب، فإن كانوا شرهين واسعي البطون وقضوا على الوسط والجوانب يأكلوا ويجعلوا الوسط في الآخر.

في هذا الحديث فوائد عديدة: منها: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم في أكل الصبيان معه.

ومنها: أنه ينبغي في الخطاب أن ينادي المخاطب وإن كان قريباً للتنبيه لقوله: «يا غلام» ، إذ من الممكن أن النبي صلى الله عليه وسلم ينبه بدون أن يناديه، لكن النداء يوجب تنبه المخاطب ولهذا جاءت بصيغة "يا" التي ينادى بها البعيد، بخلاف "أي" التي ينادى بها القريب، فالقريب نقول:"أي زيد" والبعيد نقول: "يا زيد".

ومن فوائد الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث وجد الخطاب إلى هذا الغلام الصغير بياء النداء الدالة على البعد والتفخيم: «يا غلام» .

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي بالصبيان في التربية على أخلاق الإسلام وآدابه، بل قد نقول: إنه يجب يربوا على أخلاق الإسلام وآدابه؛ لأن الصغير إذا تربى على الشيء استمر عليه ويصعب إذا كبر أن يربي على شي لم يكن يعرفه من قبل، وجه الدلالة من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا الغلام بما أمره.

ومن فوائد الحديث: وجوب التسمية على الأكل لقوله: "سم الله".

فإن قال القائل: في الاستنباط نظر؛ لأن الصغير غير ملزم، والواجبات في حق الكبير سنن في حق الصغير؟

فالجواب عن ذلك أن نقول: إنه إذا أمر الصغير بالتسمية وهو غير مكلف فالمكلف من باب أولى، ويؤيد وجوب التسمية على الأكل أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من لم يسم شاركه الشيطان في أكله وشربه وهذا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم من ترك التسمية؛ إذ لا أحد يرضى أن يشاركه الشيطان في غذائه من طعام أو شراب أعدى عدو له.

ومن فوائد الحديث: أنه يقتصر على «باسم الله» لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ما زاد عليها ولكن مع ذلك لو قال: «الرحمن الرحيم» فلا حرج ما لم يقتصد في قصور السنة وأنه يريد أن يكملها بزيادة الرحمن الرحيم، فإن اعتقد ذلك كان خاطئاً ومنع من ذلك، لكن لو قالها على سبيل التعبد لله بها لا على أن السنة قاصرة فلا حرج، لأن مثل هذه الأمور مما جرت المسامحة فيه.

ومن فوائد الحديث: وجوب الأكل باليمين، لقوله:«كل بيمينك» والأمر للوجوب، ويرد على هذا الأمر ما ورد على الأمر بالتسمية، ويجاب عنه بما أجيب به عن الأمر بالتسمية بأنه إذا كان غير المكلف مأموراً فالمكلف من باب أولى، ويؤيد وجوب الأكل باليمين نهي النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 620

عن الأكل بالشمال والشرب بالشمال وإخباره بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، وقد ذكرنا في أثناء الشرح أن ذلك ينقسم إلى أقسام:

أولاً: أن يخالف هذا الأمر لعذر؛ أي: أن يأكل بشماله لعذر؛ فهذا لا حرج عليه لعموم قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن: 16].

وقوله: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286]. وقول النبي: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .

ثانياً: أن يتركها تهاوناً فهذا محرم.

ثالثاً: أن يتركها كبراً فهذا من كبائر الذنوب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على الذي قال: لا استطيع أن آكل باليمين ما منعه إلا الكبر فقال له: «لا استطعت» ، فلم يرفعها إلى فيه بعد ذلك.

ومن فوائد الحديث: فضيلة اليمين، حيث خصت بالأكل وكذلك بالشرب، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله قاعدة فقالوا: الأشياء ثلاثة أقسام: أذى، وخير، وما لا أذى فيه ولا خير، فالأذى تقدم له اليسرى ولذلك يستنثر الإنسان باليسار، ويستنجى باليسار، ويمسك ذكره ليلصقه بالأرض أو يقربه منها إذا كانت صلدة باليسار، ويقدم رجله اليسرى عند الدخول للخلاء، ويقدم اليسرى عند خلع الثياب، وتقدم اليمنى للخير ولما ليس فيه أذى ولا خير، أما تقديمها للخير فهو لمنقيتها لما لا خير فيه ولا أذى فهو لشرفها وفضلها على اليسار.

ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي الأكل بكلتا اليدين، لقوله:«كل بيمينك» ، فلو قال واحد: أنا آكل باليمين لقمة وباليسار لقمة أقل أحواله أنه خلاف السنة، ولكن إذا شرب بكلتا اليدين فهذا إذا كان لحاجة فلا شك في جوازه كما لو كان الإناء ثقيلاً لا يستطيع حمله باليد اليمنى، أما إذا لم يكن هناك حاجة فالأصل أن يشرب باليمين فقط.

ومن فوائد الحديث: وجوب الأمل مما يليك، لقوله:«وكل مما يليك» ، والأصل في الأمر الوجوب، وقد ذكرنا في الشرح علة في ذلك وهو أنه إذا أكل من غير ما يليه حصل بذلك مضايقة وأذى لشريكه وهذا لا يجوز، ثم إن فيه أيضاً سوء أدب ودلالة على الشره.

يستثنى من ذلك إذا كان الطعام أنواعاً فإنه لا بأس أن يأكل من النوع الذي يختاره ولو كان مما يلي صاحبه لدعاء الحاجة لذلك، ولأن النفوس لا تأنف منه ولا يتأذى منه شيء، وقد ذكرنا في هذا دليلاً وهو حديث أنس في تتبع النبي صلى الله عليه وسلم للدباء، لكن من ذكاء أنس رضي الله عنه أنه

ص: 621

لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء بدأ يأخذ الدباء ويضعها أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من كمال أدبه لأجل أن يكفي النبي صلى الله عليه وسلم المؤنه والتعب.

ما قلنا من وجوب التسمية ووجوب الأكل باليمين ووجوب الأكل مما يليه فيه نزاع بين العلماء؛ لأن من العلماء من يرى أن هذه الأمور مستحبة وليست بواجبة بناءً على القاعدة التي ذكرناها سابقاً، وهي أن الأوامر في الأخلاق والآداب للاستحباب بخلاف الأوامر في العبادات الأصل فيها الوجوب، وقلنا: إن هذا الأصل جيد جداً، وإن الإنسان يتخلص به من أمور حرجة يحرج بها، لو قيل: الأمر للوجوب حتى في الأخلاق والآداب، ولكن نحن لم نعتمد على مجرد الأمر في هذا، ولكن اعتمدنا على قرائن تفيد أن الأمر للوجوب: القرينة الأولى في عدم التسمية مشاركة الشيطان، والثانية: الأكل باليمين له قرينة تدل على وجوبه ذلك لأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله، والثالثة: له قرينة تدل على الوجوب وهي تأذي الغير وإحراجه ومضايقته.

ومن فوائد حديث ابن عباس: أن الصحابة رضي الله عنهم كان من عاداتهم إكرام النبي صلى الله عليه وسلم بإهداء الطعام إليه لقوله: أتي بقصعة، لأن الظاهر أن هذه القصعة أتت من غير أهله، لأن ذلك كان من عادة الصحابة أنهم يهدون إلى النبي صلى الله عليه وسلم الطعام واللبن.

ومن فوائد الحديث: الإشارة بل مشروعية الأكل من جوانب القصعة لقوله: «كلوا من جوانبها» ، وهل الأمر للوجوب؟ نقول: ظاهر التعليل أن الأمر للوجوب، لأنه قال «فإن البركة تنزل في وسطها» ، فإذا أكلت من الوسط نزعت البركة، ومعلوم أن نزع البركة نوع من العقوبة، فإن كان الإجماع على عدم الوجوب فلا عدول لنا عنه، لأنه لا يمكن أن نخالف الإجماع، وإن كان في المسألة قول: أن الأكل من الجوانب للوجوب، وأن الأكل من وسط الصحفة محرم، فهذا القول هو الذي يقتضيه الحديث.

ويستثنى من ذلك ما لو دعت الحاجة إلى الأكل من الأعلى، مثل: أن يكون الجوانب حارة والأعلى بارد، ولا يتمكن الإنسان من أكل الحار، وهذا يكون كثيراً فيما يعرف عندنا بالأكلة المفضلة نحن -أهل القصيم- وهي "الحنينة" وهي عبارة عن تمر مخلوط بالخبز يحمى على النار ثم يوضع فيه دهن.

على كل حال: إذا دعت الحاجة إلى الأكل من الأعلى فلا بأس.

ومن فوائد الحديث: أن من الأمور التي جاء بها الوحي ما لا تدركه العقول وهو أن البركة تكون في وسط الصحفة، لأن هذا لا ندري عنه لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك لكنا لا نعلم عن هذا شيئاً.

ص: 622

ومن فوائد الحديث: أن للأكل والشرب وإن كانا من مقتضى الطبيعة والجبلة أن لهما آداباً، وهذا قد ذكرناه في أصول الفقه، وأن من الأشياء الطبيعية الجبلية ما يكون له آداب هو بذاته ليس مشروعاً، ولكن له آداب مثل الأكل والنوم، لأن النوم والأكل تقتضيهما الطبيعة ولكن من صفات النوم أن يكون مستحباً النوم على اليمين.

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي استجلاب البركة واستبقاؤها؛ وأنه لا ينبغي فعل ما يزيلها، ومن ذلك كيل الطعام عند استنفاقه فإنه مما يزيل البركة، فمثلاً: إذا كان عند الإنسان طعام من تمر أو حب أو غير ذلك، فالأفضل أن يأخذ منه نفقته كل يوم بدون كيل، لأنه إذا كيل نزعت البركة منه كما جاء ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها، أنه كان لها طعام وكانت تأكل منه وتنفق منه قالت: فكلته ذات يوم، يعني: تريد أن تنظر ماذا بقي منه، فقني بسرعة نزعت البركة منه، وجه ذلك ظاهر، لأنك إذا كلته صار نوع اعتماد عليه بأن تقول مثلاً باقي عشرة أصواع فتعتمد عليها بعض الشيء وإذا لم تكله وتنفق فقط صار اعتمادك على الله أكثر فلهذا تنزع البركة منه إذا كيل، لأنه يعتمد عليه الإنسان، وإذا كان يأخذ وينفق يقول: قال الله عز وجل: «يا ابن آدم، أنفق يُنفق عليك» . صار ذلك أقوى في الاعتماد والتوكل على الله.

1008 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، طعاماً قط، وكان إذا اشتهى شيئاً أكله، وإن كرهه تركه» . متفق عليه.

"ما عاب" أي: ما ذكره بعيب مثل أن يقول: هذا مالح، هذا حامض، هذا خانس، أي: قليل الملح، يعني دالع، يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم لا يذكر طعاماً بعيب إطلاقاً سواء كان العيب يعود إلى الصنعة أو يعود إلى نفس الطعام، أحياناً يقدم الإنسان فاكهة منظرها حسن وجميل ومطعمها رديء فتجده يعيبها، هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: "ما عاب طعاماً" هل يشمل هذا صنعة الطعام أو يختص بالطعام نفسه؟ الظاهر: الثاني؛ وأن الإنسان إذا عاب صنعة الطعام من أجل تقويم أهله في الصنعة مثل أن يقول لأهله اليوم الأشياء المالحة، العشاء حار، تأخرتم في طبخه، الشاي مر وما أشبه ذلك هذا لا بأس به، لأن العيب هنا للصنعة أو للصانع وليس للطعام، ثم بين هذي النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«كان إذا اشتهى شيئاً أكله» على ما هو عليه، وإن لم يشتهه تركه، ولم يقل شيئاً، وبهذا يستريح الإنسان من الهم والحزن، إذا قدم الطعام إن اشتهيته فكل وإن كرهته فلا تأكل.

ص: 623

يستفاد من الحديث أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ترك عيب الطعام لقوله: «ما عاب طعاماً قط» .

ثانياً: أنه ينبغي للإنسان أن يأكل ما يشتهي، وألا يكره نفسه على أكل ما لا يريد لقوله:«إذا اشتهى شيئاً .... إلخ» فأنت عود نفسك ألا تأكل إلا ما تشتهي وما لا تشتهيه اتركه سواء كنت لا تشتهيه لذاته، أو كنت لا تشتهيه لأن بطنك ملئت فالأول مثل ترك النبي صلى الله عليه وسلم لأكل الضب مع أنه حلال، لأنه ليس بأرضه فلم يعتد أكله فيكرهه، فلا تكره نفسك على أكل ما لا تريد، لأن هذا ضرر، إذا اشتهيت شيئاً فكله، ولا تقل: لم يأت وقت الغداء، لأن طلب النفس للشيء يستلزم هضم الشيء وسهولته على المعدة، وذكر صاحب الزاد ابن القيم في كتابه حين تكلم على الرمد -وجع في العيون- وأن الأرمد لا ينبغي أن يأكل التمر؛ لأن التمر يزيد في الرمد قال: إنه إذا قوي طلب النفس له فلا حرج أن يأكل لأن النفس تهضمه ولا يلحقه ضرر، واستدل بما ذكر أن صهيباً رضي الله عنه كان أرمد، فقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تمراً، فلما أراد أن يأكل صهيباً قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: كلاماً معناه: أتأكل وأنت أرمد؟ قال: يا رسول الله، أمضغه مع الجانب الآخر، يعني: الرمد في اليمنى فيمضغه باليسرى، فأقره النبي وتركه يأكل، لأن النفس الآن في شدة الشوق إليه تطلبه، ولهذا الميتة خبيثة نجسة يتقزز الإنسان من رؤيتها فضلاً عن أكلها، ولكن إذا اضطر حتى خاف الموت صارت طيبة حلالاً تشتهيها النفس ولا تضر الإنسان.

فالحاصل: أن الإنسان ينبغي له إلا يكره نفسه على الشيء إن اشتهاه فليأكله وإن كرهه فليتركه.

ومن فوائد الحديث: أنه لا حرج أن تضاف الكراهة إلى الطعام، فتقول أنا أكره هذا النوع من الطعام، ولا يعد هذا امتهاناً للنعمة أو استكباراً عنها لهذا الحديث:«إن كرهه» ، فإن الراوي فهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كره، ولحديث الضٌب:«فأجدني أعافه» .

1009 -

وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تأكلوا بالشمال: فإن الشيطان يأكل بالشمال» رواه مسلم.

وقد مر علينا هذا الحديث، فلا داعي لإعادته هنا.

وفيه فوائد منها: أن الشيطان يأكل وأنه جسم يحتاج إلى الغذاء لقوله: «فإن الشيطان يأكل» وفيه دليل على أن خبث الذات يسري إلى خبث العمل كيف ذلك؟ لأنه يأكل بشماله وهذا لاشك أنه بالنسبة للأكل باليمين رديء وخبيث لكنه لما كانت طبيعة الشيطان الخبث صار لا يأكل إلا بالشمال.

ص: 624

فإن قال قائل: وماذا يأكل الشيطان؟ نقول: الشيطان يأكل ما لم يسم فيه، إذا أكلت ولم تسم أكل معك كذلك الجن إذا قلنا إن الشيطان يعم حتى الجن، فالجن يأكلون فضلات بني آدم، يعني: ما يفضل من طعامهم، لأنهم يجدون العظام التي طرحها البشر يجدونها لحماً قد كساها الله لحماً لهم يأكلونه والعذرة تكون علفاً لبهائمهم وهذا الأمر القدري دليل واضح على فضيلة البشر على الجن والأدلة في هذا كثيرة لكن هذا منها.

ومن فوائد الحديث: النهي عن مشابهة الشيطان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وعلل، وإذا كنا منهيين عن مشابهة الشياطين في الأفعال، ففي الإضلال من باب أولى فالحريص على إضلال الناس مشابه للشياطين والذي يضل الناس عن الذكر ذكر الله عز وجل مشابه للشياطين فتجد بعض الناس يهم بأمر ولنقل يهم أن يصلي لولا هذا الذي أضله فكل إنسان يحول بين الشخص وبين طاعة الله عز وجل فإن فيه تشبهاً بالشيطان الذي يضل.

ومن فوائد الحديث: حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم، لأنه لما ذكر الحكم ذكر علته وقرن الحكم بالتعليل ولاشك أنه من حسن التعليم، لأننا نحن إذا سمعنا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول أو قرأنا في كتاب الله ما يقول سنقتنع بالحكم سواء علمنا العلة أو لم نعلم إن شاء الله تعالى، ولكن إذا جاءت العلة ازداد الإنسان إيماناً وقبولاً، والإنسان بشر فهاهو إبراهيم قال:{رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: 260]. وقد ذكرنا فوائد قرن الحكم بالتعليل، ومنها زيادة الطمأنينة وهذه من أهم ما يكون، ولاسيما في وقتنا الحاضر، الناس الآن مع الأسف أوتوا جدلاً، وأعني بالناس: كثيراً منهم لا كل الناس، ولو ذكرت لهم الحكم الشرعي يحتاج إلى إمداده بالتعليل الذي هو الدليل العقلي، لهذا أنا أحث الطلبة على أن يكون لديهم علم بالتعليل الذي هو الدليل العقلي من أجل إقناع المجادلين وأنتم لا تظنوا أن كل الناس مسلمون لقضاء الله الشرعي، لماذا؟ لأن قضا الله الكوني كل مستسلم له:{ولله يسجد من في السموات والأرض طوعاً وكرها} [الرعد: 15]. هذا السجود الكوني، فأقول كثير من الناس لا يُسلم لقضاء الله الشرعي أو لا يطمئن على الأقل إلا بما يسنده من الدليل العقلي فأنا أحث طلبة العلم على معرفة أسرار الشريعة وحكمها ليزدادوا إيماناً بها وليقنعوا غيرهم بما تقتضيه أدلتها من الأحكام الشرعية.

ومن فوائد الحديث: إثبات أن للشيطان شمالاً وله يميناً، لأن الشمال يقابلها اليمين فله يمين وشمال لكنه يختار الشمال لأنه خبيث.

ومن فوائد الحديث: أن الشياطين أجرام، خلافاً لمن قال: إن الشياطين هي قوى الشر

ص: 625