الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
(1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
فإن الله سبحانه أرسل رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.
فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، وامتلأ به الكون نورًا وابتهاجًا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
فلما أكمل الله تعالى به الدين، وأتم به النعمة على عباده المؤمنين، استأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء، والطريق الواضحة الغراء.
ثم قام بالدين بعده عصابة الإيمان وعسكر القرآن، أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم ألين الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأحسنها بيانًا، وأصدقها إيمانًا، فتحوا القلوب بعدلهم بالقرآن والإيمان، والقرى بالجهاد بالسيف والسنان.
وألقوا إلى التابعين ما تلقوه من مشكاة النبوة خالصًا صافيًا.
وكان سندهم فيه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن رب العالمين سندًا صحيحًا عاليًا وقالوا: هذا عهد نبينا إلينا وقد عهدنا إليكم.
فجرى التابعون لهم بإحسان على منهاجهم القويم، واقتفوا على آثارهم صراطهم المستقيم.
ثم سلك تابعوا التابعين هذا المسلك الرشيد، وهدوا إلى الطيب من القول، وهدوا إلى صراط الحميد.
(1) في هذه المقدمة اقتباس من كلام ابن القيم رحمه الله. انظر: "إعلام الموقعين"(1/4 - 7، 11، 68) .
ثم سار على آثارهم الرعيل الأول من أتباعهم، ودرج على منهاجهم الموفقون من أشياعهم، زاهدين في التعصب للرجال، واقفين مع الحجة والاستدلال، يسيرون مع الحق أين سارت ركائبه، ويستقلون مع الصواب حيث استقلت مضاربه، فدين الله في نفوسهم أعظم وأجل من أن يقدموا عليه قول أحد من الناس، أو يعارضوه برأي أو قياس.
ثم خلف من بعدهم خلوف فرقوا دينهم وكانوا شيعًا، كل حزب بما لديهم فرحون؛ حيث استعملوا قياساتهم الفاسدة، وآراءهم الباطلة، وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة.
فردوا لأجلها ألفاظ النصوص التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رواتها وتخطئتهم، وردوا معاني النصوص التي لم يجدوا إلى ألفاظها سبيلاً.
فقابلوا الألفاظ بالتكذيب، والمعاني بالتحريف والتأويل.
وملئوا بذلك الأوراق سوادًا، والقلوب شكوكًا، والعالم فسادًا.
وكل من له مسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه، إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل.
وما استحكم هذان الأصلان الفاسدان في قلبٍ إلا استحكم هلاكه، وفي أمة إلا فسد أمرها أتم فساد.
فلا إله إلا الله، كم نُفي بهذه الآراء من حق وأثبت من باطل، وأميت بها من هدى، وأحيي بها من ضلالة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لأجل ذلك فإن تجلية منهج السلف وبيان طريقتهم سبيل النجاة والخلاص، فهم الفرقة الناجية المذكورة، والطائفة الظاهرة المنصورة.
وقد أحببت أن أسهم -ولو بجهد المقل- في إيضاح منهج سلفنا الصالح في علم أصول الفقه على وجه الخصوص.
وبعد أن استخرت الله ربي، واستشرت بعض أساتذتي اخترت أن يكون موضوع رسالتي في مرحلة الدكتوراه:"منهج أهل السنة والجماعة في تحرير أصول الفقه"(1) .
(1) مما تنبغي الإشارة إليه في هذا المقام أنني قد أدخلت على الرسالة بعض التعديلات من إضافة وتنقيح وإعادة ترتيب، كما غيرت عنوان الرسالة إلى:"معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة".
والمؤمل -بعونه تعالى- أن يحقق هذا الكتاب المقاصد التالية:
الأول: التعريف بجهود أهل السنة والجماعة في علم أصول الفقه، وجمع أبحاثهم الأصولية وترتيبها ليسهل الوصول إليها.
الثاني: تحرير القواعد الأصولية المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة، وبيان القواعد الأصولية المختلف فيها.
الثالث: حماية ركن العقيدة، وذلك بالتنبيه على القواعد الأصولية التي بُنيت على أصول عقدية باطلة.
أما الخطة التي سرت عليها: فقد تضمنت -بعد المقدمة- تمهيدًا، وبابين، وخاتمة، رسمها كالآتي:
التمهيد: وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة.
المبحث الثاني: تعريف أصول الفقه، وموضوعه، ومصادره، وفائدته.
المبحث الثالث: تاريخ علم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة.
* الباب الأول: الأدلة الشرعية عند أهل السنة والجماعة.
وفيه أربعة فصول:
- الفصل الأول: الكلام على الأدلة الشرعية إجمالاً.
وفيه ثلاث مباحث:
المبحث الأول: الأدلة الشرعية من حيث أصلها ومصدرها.
المبحث الثاني: الأدلة الشرعية من حيث القطع والظن.
المبحث الثالث: الأدلة الشرعية من حيث النقل والعقل.
- الفصل الثاني: الأدلة المتفق عليها.
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: الكتاب.
المبحث الثاني: السنة.
المبحث الثالث: الإجماع.
المبحث الرابع: القياس.
- الفصل الثالث: الأدلة المختلف فيها.
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأول: الاستصحاب.
المبحث الثاني: قول الصحابي.
المبحث الثالث: شرع من قبلنا.
المبحث الرابع: الاستحسان.
المبحث الخامس: المصالح المرسلة.
- الفصل الرابع: النسخ، والتعارض، والترجيح، وترتيب الأدلة.
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: النسخ.
المبحث الثاني: التعارض.
المبحث الثالث: الترجيح.
المبحث الرابع: ترتيب الأدلة.
* الباب الثاني: القواعد الأصولية عند أهل السنة والجماعة.
وفيه ثلاثة فصول:
- الفصل الأول: الحكم الشرعي.
- وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الحكم الشرعي وأقسامه.
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: تعريف الحكم الشرعي.
المطلب الثاني: الحكم التكليفي.
المطلب الثالث: الحكم الوضعي.
المبحث الثاني: لوازم الحكم الشرعي.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: الحاكم.
وفيه مسألة واحدة وهي: التحسين والتقبيح العقليان.
المطلب الثاني: التكليف.
المبحث الثالث: قواعد في الحكم الشرعي.
- الفصل الثاني: دلالات الألفاظ وطرق الاستنباط.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: المبادئ اللغوية.
المبحث الثاني: النص، والظاهر، والمؤول، والمجمل، والبيان.
المبحث الثالث: الأمر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم.
- الفصل الثالث: الاجتهاد، والتقليد، والفتوى.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الاجتهاد.
المبحث الثاني: التقليد.
المبحث الثالث: الفتوى.
الخاتمة: وقد ذكرت فيها أهم النتائج والتوصيات.
وتتميمًا للفائدة ذيلت الكتاب بملحق تضمن ثلاث قوائم:
1-
قائمة بجهود ابن تيمية في أصول الفقه.
2-
قائمة بجهود ابن القيم في أصول الفقه.
3-
قائمة بالأبحاث الأصولية عند أهل السنة والجماعة.
أما المنهج الذي سلكته في هذا الكتاب فهو الآتي:
أولاً: الاختصار وعدم التطويل.
وذلك لسعة موضوع الكتاب وتشعب أبحاثه وكثرة مسائله، فما لا يدرك كله لا يترك جله، وقد علمت - يقينًا - أن الإتيان على موضوعات هذا الكتاب
يحتاج إلى فريق من الباحثين، وعددٍ -لا أملكه- من السنين.
فاكتفيتُ لذلك برسم خطوطٍ عريضة تعينُ الباحثين، ووضع معالم تضيء الطريق للسالكين.
ثانيًا: التأصيل مع الدليل.
فقد اقتصرت في هذا الكتاب على بيان مذهب أهل السنة والجماعة، مع ذكر أدلتهم، ولم أتعرض لمذاهب المخالفين لهم؛ إذ الغاية المنشودة من هذا الكتاب الإبانة عن الأدلة الشرعية ومنهج الاستدلال بها لدى أهل السنة والجماعة، والإفصاح عن مسلكهم في القواعد الأصولية.
ثالثًا: الاقتصار على كتب أهل السنة والجماعة.
فجميع ما تم تقريره وتحريره في هذا الكتاب منقول نقلاً مباشرًا من كلام أهل السنة والجماعة فيما كتبوه في أصول الفقه وفي غيره.
إن منهج أهل السنة والجماعة لا يؤصل ولا يحصل من كتب مخالفيهم.
نعم هناك مسائل كثيرة وافقهم عليها مخالفوهم، إلا أن المقصود بيانه والمطلوب تبيانه - في هذا الكتاب - لا يتأتى إلا بالنهل من معين أهل السنة الصافي والارتواء من موردهم العذب.
ويستثنى من ذلك القضايا اللغوية، ونسبة مذاهب المخالفين لأصحابها ونحو ذلك.
رابعًا: إيراد كلام أهل العلم بنصه ما أمكن؛ ففي نقله كذلك توثيق للمادة العلمية، وتوضيح للفكرة. وفيه أيضًا دلالة على المصادر، كما أن في ذلك تعرضًا لبيان الدليل وذكرًا للتعليل.
وفي الختام أحمد الله عز وجل على نعمه المتوالية العظيمة وآلائه المتتابعة الجسيمة، وأشكره سبحانه على تيسيره وتوفيقه، فله الحمد في الآخرة والأولى.
اللهم لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
ثم أقدم شكري وتقديري إلى فضيلة الأستاذ الدكتور عمر بن عبد العزيز - وفقه الله لما يحب ويرضى - الذي أكرمني بإشرافه وتوجيهه لهذا البحث.
اللهم بارك له في عمره وماله وولده، وعلمه وعمله، واكتب له التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة.
كما أقدم شكري وتقديري للمناقشين الكريمين: فضيلة الدكتور علي بن عباس الحكمي، وفضيلة الدكتور أحمد محمود عبد الوهاب الشنقيطي وفقهما الله، وذلك لما بذلاه من وقت وجهد في تقويم هذا البحث وتوجيهه.
ثم أشكر كل من أسدى إلي عونًا، أو صنع إلي معروفًا، فجزى الله الجميع خير الجزاء.
ولا يفوتني أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى ذلك الصرح العلمي الشامخ (الجامعة الإسلامية) ، على جهودها العظيمة في مجال توجيه أبناء المسلمين، وبث العقيدة الصحيحة في نفوسهم، وعلى جهودها في مجال البحث العلمي، ونشر منهج السلف الصالح.
هذا جهد فما كان فيه من حق وصواب فهو من الله وحده، وما كان فيه من خطأ وضلالة فمني ومن الشيطان، وأستغفر الله الكريم وأتوب إليه.
اللهم اجعل هذا العمل خالصًا لك وحدك، لا حظ فيه لسواك.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
****