الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه. والله أعلم" (1) .
ب-
الأدلة على وجوب العمل بخبر الواحد:
1-
ما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم من إنفاذه أمراءَه ورسله وقضاته وسعاته إلى الأطراف لتبليغ الأحكام وأخذ الصدقات ودعوة الناس (2) .
قال الشافعي: "ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعث إلا واحدًا؛ الحجة قائمة بخبره على من بعثه إن شاء الله"(3) .
2-
إجماع الصحابة رضي الله عنهم على قبول خبر الواحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتهار ذلك عنهم في وقائع كثيرة، إن لم يتواتر آحادها حصل العلم بمجموعها (4) .
ومن ذلك تحول أهل قباء إلى القبلة بخبر واحد (5) .
قال الشافعي: "ولو كان ما قبلوا من خبر الواحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحويل القبلة -وهو فرض- مما يجوز لهم؛ لقال لهم -إن شاء الله- رسول الله: قد كنتم على قبلة، ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم عليكم به حجة، من سماعكم مني، أو خبر عامة، أو أكثر من خبر واحد عني"(6) .
3-
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] .
وذلك من وجهين (7) :
الأول: أن الله أمر الطائفة –وهي تقع على القليل والكثير– إنذار قومهم،
(1)"الكفاية"(48) .
(2)
انظر: "الرسالة"(410 – 419) ، و"روضة الناظر"(1/277، 278) ، و"تحفة الطالب"(197 – 201) ، و"شرح الكوكب المنير"(2/375) .
(3)
"الرسالة"(415) .
(4)
انظر: "الكفاية"(43 – 45) ، و"روضة الناظر"(1/268 – 274) ، و"شرح الكوكب المنير"(2/369 – 375) .
(5)
انظر في ذلك حديث ابن عمر الذي أخرجه مسلم في: صحيحه (5/10) .
(6)
"الرسالة"(408) .
(7)
انظر: "الفقيه والمتفقه"(1/97، 98) .
وهذا دليل على أن على قومهم المنذرين قبوله.
والثاني: أن قوله: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} معناه إيجاب الحذر، ولولا قيام الحجة عليهم ما استوجبوا الحذر.
4-
قوله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها، وحفظها، وبلغها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (1) .
قال الشافعي: "فلما ندب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرءًا يؤديها -والامرؤ واحد- دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلال، وحرام يجتنب، وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطي، ونصيحة في دين ودنيا"(2) .
جـ- أن خبر الواحد حجة في الأحكام والعقائد، دون تفريق بينهما:
وهذا أمر مجمع عليه عند السلف (3) .
قال ابن عبد البر: "ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصًا في كتاب الله، أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة.
وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا
(1) أخرجه بهذا اللفظ الترمذي في سننه وحسنه (5/34) برقم (2658) ، (5/33، 34) برقم (2656، 2657) ، وأخرجه أبو داود في سننه (3/322) برقم (3660) ، وقد روى هذا الحديث عدد من الصحابة، وعده بعض أهل العلم من المتواتر. انظر:"تدريب الراوي"(2/179)، كتاب "الأدلة والشواهد" لسليم الهلالي (35) . وللاستزادة انظر كتاب:"دراسة حديث: نضر الله امرءًا سمع مقالتي، رواية ودراية". للشيخ عبد المحسن العباد.
(2)
"الرسالة"(402، 403) .
(3)
انظر: "مختصر الصواعق"(502، 509) ، و"شرح الكوكب المنير"(2/352) ، و"لوامع الأنوار"(1/19) ، و"مذكرة الشنقيطي"(104) . وللاستزادة في هذا الموضوع انظر كتاب" "وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شبه المخالفين" للألباني، و"أصل الاعتقاد" للأشقر، و"الأدلة والشواهد على وجوب العمل بخبر الواحد في الأحكام والعقائد" لسليم الهلالي: «وحجية أحاديث الآحاد في الأحكام والعقائد» للأمين الحاج محمد أحمد، و"حجية الآحاد في العقدية ورد شبهات المخالفين" للوهيبي.
يناظر فيه" (1) .
والدليل على وجوب قبول خبر الواحد في أبواب الاعتقاد الأدلة الموجبة للعمل بخبر الواحد؛ فإنها عامة مطلقة، لم تفرق بين باب وباب ومسألة وأخرى (2) ، ثم إنه يترتب على القول برد خبر الواحد في العقائد رد كثير من العقائد الإسلامية الصحيحة (3) .
قال ابن القيم: "وأما المقام الثامن وهو انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث وإثبات صفات الرب تعالى بها، فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول.
فإن الصحابة هم الذين رووا هذه الأحاديث وتلقاها بعضهم عن بعض بالقبول ولم ينكرها أحد منهم على من رواها.
ثم تلقاها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم، ومن سمعها منهم تلقاها بالقبول والتصديق لهم، ومن لم يسمعها منهم تلقاها عن التابعين كذلك.
وكذلك تابعوا التابعين مع التابعين.
وهذا أمر يعلمه ضرورة أهل الحديث كما يعلمون عدالة الصحابة وصدقهم وأمانتهم ونقلهم ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، كنقلهم الوضوء، والغسل من الجنابة، وأعداد الصلوات وأوقاتها، ونقل الأذان والتشهد، والجمعة والعيدين.
فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا أحاديث الصفات؛ فإن جاز عليهم الخطأ والكذب في نقلها جاز عليهم ذلك في نقل غيرها مما ذكرناه، وحينئذٍ فلا وثوق لنا بشيء نُقل لنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم ألبتة.
وهذا انسلاخ من الدين والعلم والعقل" (4) .
(1)"جامع بيان العلم وفضله"(2/96) .
(2)
انظر: "مختصر الصواعق"(485، 489، 495) . وانظر مراجع الفقرة (د) التالية المذكورة في أولها.
(3)
انظر: "مختصر الصواعق"(444 – 446) .
(4)
"مختصر الصواعق"(502) .
والتفريق بين أحاديث الأحكام والعقائد أمر حادث فهو بدعة في دين الله؛ لأن هذا الفرق لا يعرف عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من التابعين ولا عن تابعيهم، ولا عن أحد من أئمة الإسلام، وإنما يعرف عن رؤوس أهل البدع ومن تبعهم (1) .
د- خبر الواحد حجة في جميع الأحكام ومختلف الأبواب والمسائل:
لا فرق في ذلك بين ما عمت به البلوى وما لم تعم البلوى به، وبين ما يسقط بالشبهات وما لا يسقط بها، وبين ما زاد على القرآن وما كان مبينًا له أو موافقًا، وبين ما يقال: إنه مخالف للقياس أو موافق له، فالمقصود أن أهل السنة يأخذون بالحديث إذا صح ولم يوجد حديث صحيح ناسخ له.
والدليل على ذلك: عموم الأدلة الدالة على وجوب الأخذ بخبر الواحد؛ فإنها لم تقيد ذلك بمسألة أو بشرط، بل إن الثابت عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة المهتدين العملُ بأحاديث الآحاد الصحيحة وقبولها دون شرط أو تفريق بين مسألة وأخرى (2) .
نعم قد ترك بعض السلف الأخذ ببعض الأحاديث، إلا أن هذا ليس اتفاقًا منهم جميعًا على ذلك، بل الذين قبلوه أضعاف أضعاف الذين ردوه.
والراجح قطعًا قول الأكثرين دون قول الآخرين، فإن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح لا يرد بشيء أبدًا؛ إلا بحديث مثله ناسخ له، ولا يجوز رده بغير ذلك البته (3) .
قال الإمام الشافعي: "إذا وجدتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعوها، ولا تلتفتوا إلى أحد"(4) .
وقال الإمام أحمد: "من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة"(5) .
(1) انظر: "مختصر الصواعق"(503) .
(2)
انظر: "الرسالة"(219) ، و"جامع بيان العلم وفضله"(2/148، 190، 191) ، و"مجموع الفتاوى"(13/28، 29) ، و"مختصر الصواعق"(502 – 509) .
(3)
انظر: "مختصر الصواعق"(506) .
(4)
انظر المصدر السابق (449) .
(5)
انظر المصدر السابق (508) .
وأما الاستشهاد ببعض ما يُنقل عن بعض الأئمة: أنهم تركوا الأخذ بالحديث في بعض المسائل؛ فهذا لا يستقيم؛ لأن ما نُقل عن بعض الأئمة لا يطرد؛ إذ من ترك من الأئمة الأخذ بالحديث في مسألةٍ ما فذلك لسببٍ ما، لذا فقد عمل هؤلاء الأئمة أنفسهم بالحديث وأخذوا به في مسائل أخرى مماثلة.
فالإمام أبو حنيفة مثلاً حُكي عنه رد خبر الواحد فيما عمت به البلوى (1)، والواقع أن أبا حنيفة ربما ترك الأخذ بحديثٍ ما لأسباب: منها عدم وصوله إليه، أو عدم ثبوته لديه، أو لوجود معارض له أقوى منه في نظره، ونجد أن أبا حنيفة يعمل بخبر الواحد في مسائل كثيرة مما عمت به البلوى (2) .
فنسبةُ هذا القول لأبي حنيفة لا تصح بل هو كذب عليه وعلى صاحبيه، إذ لم يقل ذلك أحد منهم ألبتة، وإنما هو قول متأخريهم (3) .
وعلى كل فإن الاحتجاج لرد خبر الواحد بما نُقل عن بعض الأئمة – فيما لو ثبت ذلك عن بعضهم – لا يقاوم الأدلة القاطعة الموجبة للأخذ المطلق والعمل التام بخبر الواحد في جميع المسائل دون تفريق أو تخصيص.
ثم يقال: إن التفريق قول البعض، والأكثرون على خلاف ذلك، إذ عامة أهل العلم لا يفرقون بين مسألة وأخرى (4) .
هـ- تقسيم السنة النبوية إلى قسمين: متواتر وآحاد، له اعتباران:
بالاعتبار الأول يكون هذا التقسيم صحيحًا مقبولاً لا غبار عليه، وبالاعتبار الثاني يكون هذا التقسيم باطلاً مردودًا.
أما الاعتبار الصحيح: فهو بالنظر إلى عدد الرواة، فالحديث الذي رواه عدد كبير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم، فهو متواتر، وما لم يكن بهذه الصفة فهو آحاد.
فهذا التقسيم بهذا الاعتبار يرجع إلى الاصطلاح، فما استوفى شروط التواتر
(1) انظر: "كشف الأسرار" للبخاري (3/16) .
(2)
انظر: "روضة الناظر"(1/327) .
(3)
انظر: "مختصر الصواعق"(504) .
(4)
انظر المصدر السابق (506) ، وانظر المراجع المذكورة في بداية هذه الفقرة.
فهو متواتر وإلا فآحاد (1) .
أما الاعتبار الباطل: فهو بالنظر إلى الاحتجاج والعمل، فيقال: يقبل المتواتر دون الآحاد، في بعض المسائل والأبواب، وذلك كتجويز النسخ بالمتواتر دون الآحاد (2) ، وكرد الآحاد دون المتواتر فيما عمت به البلوى وغير ذلك، فهذا التفريق باطل؛ إذ المتواتر والآحاد من السنة الواجب اتباعها، والأدلة الدالة على حجية السنة لم تفرق بين المتواتر والآحاد.
فقول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] عام في كل ما ثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم وجاء به سواء كان من المتواتر أو الآحاد، وكذا الآيات الآمرة بطاعته صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي» (3) عام في كل ما صح نسبته إليه صلى الله عليه وسلم وصار من سنته، لا فرق في ذلك بين المتواتر والآحاد.
وقد أجمعت الأمة على وجوب العمل بالحديث الصحيح دون تفريق بين المتواتر والآحاد، ثم إن التفريق بين المتواتر والآحاد في العمل والحجية أمر حادث لا أصل له في الكتاب، ولا في السنة، ولم يكن معروفًا لدى سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين.
كما أن هذا التفريق يترتب عليه رد الكم الهائل من الأحاديث النبوية وتعطيلُ العمل بها دون دليل شرعي معتبر (4) .
و حديث الآحاد الذي يجب العمل به إنما هو الذي توفرت فيه الشروط المذكورة في الفقرة الآتية:
أما الأحاديث الضعيفة فإنه لا يجوز الاحتجاج بها ولا إثبات شيء من الأحكام الشرعية بها (5) .
(1) انظر: "الفقيه والمتفقه"(1/95) .
(2)
انظر (ص249) من هذا الكتاب.
(3)
تقدم تخريجه انظر (ص121) من هذا الكتاب.
(4)
انظر (ص143، 144) من هذا الكتاب.
(5)
انظر: "مجموع الفتاوى"(1/250، 18/65 – 68) .