الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابن القيم بعد أن ذكر أقسام السنة مع القرآن.
"فما كان منها زائدًا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته.
وليس هذا تقديمًا لها على كتاب الله؛ بل امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصة به، وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآن لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختص به، وقد قال الله تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء: 80] .
وكيف يمكن أحدًا من أهل العلم ألا يقبل حديثًا زائدًا على كتاب الله (1) فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها (2) ، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب (3) ....." (4) .
ثالثًا: حجية أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم
-:
الأصل في حجية أفعاله صلى الله عليه وسلم ما تقدم من الأدلة العامة الدالة على حجية السنة؛ إذ الأفعال قسم من أقسام السنة، ثم إن هناك أدلة تدل على وجوب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم ومتابعته في أفعاله على وجه الخصوص (5)، فمن ذلك:
أ- قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: 21] .
قال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله"(6) .
ب- وقوله تعالى: {فَآمِنُوا بالله وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بالله وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] .
(1) انظر مسألة الزيادة على النص فيما يأتي (ص264) من هذا الكتاب.
(2)
انظر: "صحيح البخاري"(9/160) برقم (5108) .
(3)
انظر: "صحيح البخاري (6/211) برقم (3105) .
(4)
"إعلام الموقعين"(2/ 307، 308) .
(5)
انظر: "شرح الكوكب المنير"(2/190) .
(6)
"تفسير ابن كثير"(3/483) .
قال ابن تيمية: "وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل؛ فإذا فعل فعلاً على وجه العبادة شُرع لنا أن نفعله على وجه العبادة، وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك"(1) .
وأفعاله صلى الله عليه وسلم أقسام، لكل قسمٍ منها حكم يخصه، وقبل بيان هذه الأقسام لا بد من تقرير أصول أربعة:
الأصل الأول: أن الواجب على هذه الأمة متابعة نبيها صلى الله عليه وسلم والتأسي به في أفعاله وأقواله وأحواله، ولزوم أمره وطاعته (2) ، هذا هو الأصل.
ويدخل تحت هذا الأصل:
1-
أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ونهيه له، فإن الأمة تشاركه ما لم يثبت الاختصاص (3)، قال ابن تيمية:"....ولهذا كان جمهور علماء الأمة على أن الله إذا أمره بأمرٍ أو نهاه عن شيء كانت أمته أسوة له في ذلك، ما لم يقم دليل على اختصاصه بذلك"(4) .
2-
ويدخل تحت هذا الأصل: أفعاله صلى الله عليه وسلم فإن الأمة تتأسى بأفعاله إلا ما خصه الدليل (5) .
3-
ويدخل تحت هذا الأصل أيضًا أمره صلى الله عليه وسلم لأمته ونهيه لها، فإن طاعته صلى الله عليه وسلم واجبة وجوبًا عامًا مطلقًا، بل إن طاعته في أوامره أوكد من الاقتداء به في أفعاله؛ لأن أفعاله قد تكون خاصة به صلى الله عليه وسلم.
قال ابن تيمية: "وطاعة الرسول فيما أمرنا به هو الأصل الذي على كل مسلم أن يعتمده وهو سبب السعادة، كما أن ترك ذلك سبب الشقاوة، وطاعته في أمره أولى بنا من موافقته في فعل لم يأمرنا بموافقته فيه باتفاق المسلمين.
ولم يتنازع العلماء أن أمره أوكد من فعله؛ فإن فعله قد يكون مختصًا به، وقد يكون مستحبًا.
(1)"مجموع الفتاوى"(1/280) .
(2)
انظر: "المسودة"(191) .
(3)
انظر هذه المسألة فيما يأتي (ص418) من هذا الكتاب.
(4)
"مجموع الفتاوى"(22/322) .
(5)
انظر: "زاد المعاد"(3/ 307) .