الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول، فلا يتهيأ له من الصواب ما يتهيأ لمن أطال النظر وتثبت كالقاضي (1) .
3-
أن فتوى المفتي - وإن لم تكن ملزمة - حكم عام يتعلق بالمستفتي وبغيره، فالمفتي يحكم حكمًا عامًا كليًا أن من فعل كذا ترتب عليه كذا، ومن قال كذا لزمه كذا، بخلاف القاضي فإن حكمه جزئي خاص على شخصٍ معينٍ لا يتعداه إلى غيره (2) .
المسألة الثالثة: حكم الفتوى
(3)
لما كان حكم الفتوى مما تتطرق إليه الأحكام التكليفية الخمسة حسن توضيح ذلك فيما يأتي:
أ- حكم الإفتاء في الأصل جائز فقد ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يفتون الناس، فمنهم المكثر في ذلك والمقل، وكذلك كان في التابعين وتابعيهم ومن بعدهم (4) .
فلا بد للناس من علماء يسألونهم، ومفتين يستفتونهم.
قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، الأنبياء: 7] .
وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال» (5) .
(1) انظر: "إعلام الموقعين"(1/36) .
(2)
انظر المصدر السابق (1/38) .
(3)
ينظر في حكم الفتوى ما سبق بيانه في حكم الاجتهاد، إذ الفتوى والاجتهاد باب واحد. وذلك في (ص478- 480) من هذا الكتاب، وينظر كذلك ما مضى تقريره في مسألة تأخير البيان عن وقت الحاجة متى يجوز ومتى يجب ومتى يحرم؟ إذ الفتوى بيان الحكم الشرعي. وذلك (ص391، 392) من هذا الكتاب.
(4)
انظر: "إعلام الموقعين"(1/11 - 28) .
(5)
قال ذلك للصحابة الذين أفتوا بالاغتسال للرجل الذي أصابه احتلام فاغتسل فمات، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «قتلوه قتلهم الله.....» إلخ. والحديث رواه أبو داود في "سننه"(1/93) برقم (336) ، وابن ماجه في "سننه"(1/189) برقم (572)، وصححه الألباني. انظر:"صحيح الجامع"(2/804) برقم (4362، 4363) .
ب- وقد يكون الإفتاء واجبًا. وذلك إذا كان المفتي أهلاً للإفتاء، وكانت الحاجة قائمة، ولم يوجد مفتٍ سواه، فيلزمه والحالة كذلك فتوى من استفتاه، لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: 159]، وقوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187] .
وقال صلى الله عليه وسلم: «من سئل من علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» (1) .
جـ- وقد يكون الإفتاء مستحبًا إذا كان المفتي أهلاً، وكان في البلد غيره، ولم تكن هنالك حاجة قائمة (2) .
د- وقد يحرم على المفتي الإفتاء. وذلك إذا لم يكن عالمًا بالحكم، لئلا يدخل تحت قوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] .
فجعل الله القول عليه بلا علم من المحرمات التي لا تباح بحال، ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر (3) .
وكذلك يحرم الإفتاء فيما إذا عرف المفتي الحق؛ فلا يجوز له أن يفتي بغيره، فإن من أخبر عما يعلم خلافه فهو كاذب على الله عمدًا، وقد قال تعالى:{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60] . والكاذب على الله أعظم جرمًا ممن أفتى بغير علم (4) .
هـ- ويكره للمفتي أن يفتي في حال غضب شديد، أو جوعٍ مفرطٍ، أو
(1) انظر: "الفقيه والمتفقه"(2/182) ، و"إعلام الموقعين"(4/157، 222) والحديث رواه أبو داود في "سننه" واللفظ له (3/321) برقم (3658) ، وابن ماجه (1/96) وما بعدها برقم (261، 264 – 266) ، والترمذي (5/29) برقم (2649) وحسنه، وصححه الألباني. انظر:"صحيح الجامع"(2/1077) برقم (6284) .
(2)
انظر: "شرح الكوكب المنير"(4/583) .
(3)
انظر: "إعلام الموقعين"(4/173، 157) .
(4)
انظر: "إعلام الموقعين"(4/173) .