الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
حجيته
1-
مفهوم المخالفة حجة عند جماهير العلماء بجميع أقسامه (1) ، ويستثنى من ذلك مفهوم اللقب؛ إذ التحقيق عدم الاحتجاج به (2) .
يقول ابن قدامة في مفهوم اللقب: «وأنكره الأكثرون وهو الصحيح؛ لأنه يفضي إلى سد باب القياس، وأن تنصيصه على الأعيان الستة في الربا تمنع جريانه في غيرها» (3) .
ويقول الشنقيطي: «وقد علمتَ أن الحق عدمُ اعتبار مفهوم اللقب، وأن فائدة ذكره إمكان الإسناد إليه» (4) .
2-
من
الأدلة على حجية مفهوم المخالفة:
أولاً: أن فصحاء أهل اللغة يفهمون من تعليق الحكم على شرطٍ أو وصفٍ انتفاء الحكم بدون الشرط أو الوصف (5) .
ومن الأمثلة على ذلك أن عمر رضي الله عنه (6) قد فهم من تعليق إباحة قصر الصلاة على حال الخوف وجوب الإتمام حال الأمن وعجب من ذلك.
وهذا في قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] ، لذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية، فقال صلى الله عليه وسلم:«صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» (7) .
(1) انظر: "روضة الناظر"(2/203) ، و"مجموع الفتاوى"(31/136) ، و"قواعد الأصول"(68) .
(2)
انظر: "أضواء البيان"(6/228) ، و"مذكرة الشنقيطي"(239) .
(3)
"روضة الناظر"(2/224، 225) .
(4)
"مذكرة الشنقيطي"(240) .
(5)
انظر: "روضة الناظر"(2/208، 209) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/503، 504) .
(6)
هو: عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي، أبو حفص أمير المؤمنين، كان إسلامه فتحًا على المسلمين وفرجًا لهم عن الضيق، وكان من المهاجرين الأولين، وشهد جميع المشاهد، وقد ولي الخلافة بعد أبي بكر رضي الله عنه، وتوفي سنة (23هـ) . انظر: الاستيعاب" (2/450) ، و"الإصابة" (2/511) .
(7)
رواه مسلم (5/195) وللحديث قصة وهي: أن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال.....الحديث. المصدر السابق.
ثانيًا: أن التخصيص بالذكر لا بد له من فائدة، فإن استوت السائمة والمعلوفة في وجوب الزكاة فيهما فلم خص الشارع السائمة بالذكر فقال:«في سائمة الغنم الزكاة» ، مع عموم الحكم والحاجة إلى البيان؟ بل لو قال:«في الغنم الزكاة» لكان أقصر في اللفظ وأعم في بيان الحكم.
والتطويل لغير فائدة لكنه في الكلام وعي، وهذا مما ينزه عنه كلام العقلاء، فمن باب أولى كلام الشارع (1) .
3-
أقسام مفهوم المخالفة –عند القائلين بحجيته– ليست على مرتبة واحدة، بل إنها متفاوتة قوة وضعفًا، فترتيبها حسب القوة كالآتي (2) :
1-
مفهوم الغاية.
2-
مفهوم الشرط.
3-
مفهوم الصفة، ومثله في القوة:
4-
التقسيم.
5-
مفهوم العدد.
6-
مفهوم اللقب.
قال ابن بدران: «والضابط في باب المفهوم: أنه متى أفاد ظنًا عرف من تصرف الشارع الالتفات إلى مثله –خاليًا عن معارض– كان حجة يجب العمل به.
والظنون المستفادة من دليل الخطاب متفاوتة بتفاوت مراتبه، ومن تدرب بالنظر في اللغة وعرف مواقع الألفاظ ومقاصد المتكلمين سهل عنده إدراك ذلك التفاوت والفرق بين تلك المراتب. والله الموفق» (3) .
(1) انظر: "روضة الناظر"(2/208، 209) .
(2)
انظر: "مختصر ابن اللحام"(133، 134) ، و"القواعد والفوائد الأصولية"(228، 289) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/505) وما بعدها، و"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد"(128) .
(3)
"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد"(128) . وانظر فيما يتعلق بتفاوت الناس في فهم الخطاب والقدرة على الاستنباط حسب تفاوتهم في الفهم ومعرفة اللغة والألفاظ: "إعلام الموقعين"(1/350 – 355) وانظر (ص378) من هذا الكتاب.
4-
لا فرق بين دلالة المفهوم في كلام الشارع وكلام الناس؛ إذ هو من دلالات الألفاظ.
قال ابن تيمية: «ومما يقضي العجب ظن بعض الناس أن دلالة المفهوم حجة في كلام الشارع دون كلام الناس -بمنزلة القياس- وهذا خلاف إجماع الناس، فإن الناس إما قائل بأن المفهوم من جملة دلالات الألفاظ، أو قائل إنه ليس من جملتها، أما هذا التفصيل فمحدث.
ثم القائلون بأنه حجة إنما قالوا: هو حجة في الكلام مطلقًا، واستدلوا على كونه حجة بكلام الناس، وبما ذكره أهل اللغة، وبأدلة عقلية تبين لكل ذي نظر أن دلالة المفهوم من جنس دلالة العموم والإطلاق والتقييد، وهو دلالة من دلالات اللفظ، وهذا ظاهر في كلام العلماء» (1) .
المسألة الرابعة
شرط العمل به
للعمل بمفهوم المخالفة عند القائلين به شروط (2) .
والجامع لهذه الشروط: أن يكون تخصيص المنطوق بالذكر لكونه مختصًا بالحكم دون سواه.
قال ابن تيمية: «فإذا عُلم أو غَلَبَ على الظن ألا موجب للتخصيص بالذكر من هذه الأسباب ونحوها، عُلم أنه إنما خصه بالذكر لأنه مخصوص بالحكم» (3) .
أما إن ظهر أن تخصيص المنطوق بالذكر كان لسببٍ من الأسباب -غير
(1)"مجموع الفتاوى"(31/136، 137) .
(2)
انظر: "مختصر ابن اللحام"(133) ، و"القواعد والفوائد الأصولية"(290 - 292) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/489) وما بعدها، و"مذكرة الشنقيطي"(241) .
(3)
"مجموع الفتاوى"(31/138) .
تخصيص الحكم به ونفيه عن سواه– فالتخصيص بالذكر في هذه الحالة لا يدل على اختصاصه بالحكم دون المسكوت عنه.
قال ابن النجار: «ثم الضابط لهذه الشروط وما في معناها: ألا يظهر لتخصيص المنطوق بالذكر فائدةٌ غير نفي الحكم عن المسكوت عنه» (1) .
والأٍسباب والفوائد والنكت التي لأجلها يخص المنطوق بالذكر غير تخصيص الحكم به ونفيه عن المسكوت عنه كثيرة، وهي تعرف بموانع اعتبار المفهوم (2) .
فمن ذلك:
أ- أن يخرج ذكره مخرج الغالب:
كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23] ، فتقييد تحريم الربيبة بكونها في حجر الزوج لا يدل على أنها تكون حلالاً ولا تحرم إذا لم تكن في حجره؛ لأن الغالب كون الربيبة في حجر زوج أمها.
ب- أن يقع ذكره جوابًا لسؤال:
كأن يُسأل النبي صلى الله عليه وسلم مثلا: هل في الغنم السائمة زكاة؟
فيقول: «في الغنم السائمة زكاة» فإن ذكر إحدى الصفتين المذكورتين في السؤال – وهي السوم في هذا المثال – لا يلزم منه تخصيصها الحكم ونفيه عن الأخرى.
جـ- أن يكون ذكرُه وقع على سبيل الامتنان:
كقوله تعالى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] ، فلا يدل وصف اللحم بكونه طريًا على تحريم اللحم غير الطري.
(1)"شرح الكوكب المنير"(3/496) .
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(31/138) ، و"مختصر ابن اللحام"(133) ، و"القواعد والفوائد الأصولية"(290 – 292) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/489) وما بعدها، و"مذكرة الشنقيطي"(241) .