الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذا المقام يمكن الإشارة إلى كتابين مستقلين في أصول الفقه لهذين الإمامين، الأول
كتاب "المسودة" لآل تيمية
، والثاني كتاب "إعلام الموقعين" لابن القيم، على أن الأخير من هذين الكتابين ليس خاصًا في أصول الفقه إلا أن معظم مباحثه تتعلق بالأصول.
أما كتاب "المسودة" فإنه في الأصل نقول (1) جمعها مجد الدين عبد السلام (2) بن تيمية الحراني، جد شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، وتركها دون أن يبيضها، فعلق على بعضها ابنه شهاب الدين عبد الحليم (3) ، والد شيخ الإسلام، وتركها أيضًا مسودة دون أن يبيضها، ثم جاء شيخ الإسلام أحمد بن تيمية فعلق على بعضها وتركها أيضًا مسودة دون أن يبيضها، ثم قيض الله لهذه المسودات أحد تلاميذ (4) شيخ الإسلام فجمعها ورتبها وبيضها وميز بعضها عن بعض، فما كان لشيخه قال فيه:"قال شيخنا"، وما كان لوالد شيخه قال فيه:"قال والد شيخنا"، وما كان لصاحب الأصل مجد الدين تركه مهملاً (5) .
والكتاب ضم جملة من النقول عن أئمة الحنابلة الأصوليين، وهذا هو الغالب فيه، لذا فهو مجمع لكثير من أقوال الحنابلة، ومرجع لتحرير مذهب الإمام
(1) هذه النقول عن القاضي أبي يعلى، وأبي الخطاب، وابن عقيل وغيرهم من الحنابلة المتقدمين.
(2)
هو: عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية، أبو البركات الحراني، مجد الدين، الفقيه الحنبلي، والمحدث والمفسر والأصولي، له كتاب "منتقى الأخبار" في أحاديث الأحكام، وكتاب "الأحكام الكبرى"، و"المسودة"، توفي سنة (652هـ) . انظر:"البداية والنهاية"(13/198) ، "ذيل طبقات الحنابلة"(2/249) .
(3)
هو: عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله، ابن تيمية الحراني، شهاب الدين أبو المحاسن، ابن المجد، أتقن المذهب الحنبلي ودرس وأفتى، وكان إمامًا محققًا، وله يد طولى في الفرائض والحساب، قيل عنه: كان من أنجم الهدى، وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس، إشارة إلى أبيه وابنه، توفي سنة (682هـ) . انظر:"شذرات الذهب"(5/376) .
(4)
هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي، شهاب الدين، أبو العباس، توفي سنة (745هـ) . انظر:"شذرات الذهب"(6/142) .
(5)
انظر: مقدمة كتاب "المسودة"(6، 7) .
أحمد في عدد من المسائل الأصولية. والكتاب بحاجة إلى تنقيح وتهذيب لوجود تكرار في بعض مباحثه، وإلى ترتيب، إذ هو عبارة عن مسائل وفصول لا يجمعها باب ولا يضمها عنوان، فالكتاب إذن يحتاج إلى فهرسة دقيقة، إضافة إلى أن الكتاب لا يطمأن إليه في نسبة ما فيه إلى مؤلفيه؛ إذ تركوه دون تحرير ولا تحقيق فهو مسودة (1) .
أما كتاب "إعلام الموقعين" فقد ذكر فيه ابن القيم مباحث أصولية مهمة أفاض الكلام عليها، فمن هذه المباحث (2) :
* القياس.
* الاستصحاب.
* التقليد.
* الزيادة على النص.
* قول الصحابي.
* الفتوى.
* دلالة الألفاظ على الظاهر.
* سد الذرائع وتحريم الحيل.
* ليس في الشريعة ما يخالف القياس.
وهناك مباحث أخرى نفيسة ازدان بها هذا الكتاب، فمن ذلك:
* ذكر أئمة الفتيا من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
* شرح خطاب عمر رضي الله عنه في القضاء.
* أنواع الرأي المحمود والمذموم.
(1) كتاب "المسودة" في أصول الفقه طبع في مجلد واحد بتحقيق وتعليق الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد، وذكر في مقدمته لهذا الكتاب أنه يمتاز بالعناية بتحرير محل النزاع، وببيان أصحاب الأقوال في المسائل المختلف فيها بيانًا مستقصيًا، وقد حقق الكتاب الدكتور أحمد الذروي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في مرحلة الدكتوراه سنة (1405هـ) ، ثم نشر بتحقيقه سنة (1422هـ) .
(2)
انظر فيما يتعلق بهذه المباحث وغيرها ما سيأتي (ص 529- 547) من هذا الكتاب.
* مسائل في الطلاق والإيمان.
* فتاوى النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة وفي الأبواب الفقهية.
* أمثلة على الحيل المباحة والباطلة.
* أمثلة على رد المحكم بالمتشابه.
* أمثلة على رد السنن بظاهر القرآن.
وقد امتاز هذا الكتاب بكثرة الأمثلة الفقهية على عدد من المسائل الأصولية (1) ، وامتاز أيضًا ببيان حكمة التشريع ومقاصد الشريعة (2) ، إضافة إلى حسن البيان وجمال الأسلوب، كما أن الكتاب جامع لكثير من الأحاديث النبوية والآثار المروية عن الصحابة والتابعين (3) ، وفيه نقول مطولة مهمة عن بعض الأئمة (4) .
فهو بذلك غاية في منهج أهل السنة والجماعة وعمدة في بيان طريقة السلف، والكتاب يحتاج إلى تخريج آثاره وفهرسة مباحثه ومطالبه، وحقيق بدراسة تبرز محاسنه وتفصح عن منهج مؤلفه ومصادره فيه ومقاصده منه (5) .
وفي هذه المرحلة أيضًا ظهرت لبعض علماء أهل السنة مؤلفات أصولية إلا أنها على وجه العموم تأثرت بمنهج المتكلمين جملة.
وهذا التأثر يختلف من كتاب إلى آخر.
وفي المقابل فقد حافظت هذه المؤلفات في الجملة على منهج السلف، وهذه المحافظة أيضًا تختلف من كتاب إلى آخر.
(1) انظر على سبيل المثال: "الأمثلة على رد السنن بظاهر القرآن"(2/321 - 329) ، و"الأمثلة على رد المحكم بالمتشابه"(2/330، 425) .
(2)
مثال ذلك ما ذكره فيما يتعلق بما قيل فيه: إن الشارع جمع بين المختلفين أو فرق بين المتماثلين في الحكم، وفيما يتعلق بما قيل فيه من الأحكام: إنه يجري على خلاف القياس. انظر (2/71، 175، 2/3، 70)
(3)
انظر مثلاً الأدلة التي أوردها من فعل الصحابة وغيرهم على حجية القياس (1/202- 217) .
(4)
وذلك كرسالة الإمام الليث إلى الإمام مالك (3/83 - 88) ، ورسالة الإمام أحمد في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم (2/290 - 293) .
(5)
صدرت مؤخرًا طبعة بتحقيق الشيخ مشهور آل سلمان في سبعة مجلدات.
ولعل مدى التأثر بمنهج المتكلمين ومقدار المحافظة على منهج السلف في هذه المؤلفات، يظهر بما سيأتي بيانه فيما يتعلق بالكلام على كتاب "الروضة" لابن قدامة (1) ، وكتاب "شرح الكوكب المنير" للفتوحي (2) .
فمن هذه المؤلفات (3) :
1-
"قواعد الأصول ومعاقد الفصول" للإمام صفي الدين عبد المؤمن الحنبلي، المتوفي سنة (739هـ) ، وهو مطبوع.
2-
"أصول الفقه" للإمام شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي، المتوفي سنة (763هـ) ، وهو مطبوع.
3-
"المختصر في أصول الفقه" للإمام علاء الدين ابن اللحام البعلي الحنبلي (4) ، المتوفي سنة (803هـ) ، وهو مطبوع.
4-
"شرح مختصر ابن اللحام في أصول الفقه" للإمام تقي الدين أبي بكر بن زيد الجراعي الحنبلي، المتوفي سنة (883هـ) ، وهو غير مطبوع.
5-
"تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للإمام علاء الدين علي بن سليمان المرداوي الحنبلي، المتوفي سنة (885هـ) ، وهو غير مطبوع.
6-
"التحبير شرح التحرير" له أيضًا، وهو مطبوع.
7-
"مختصر التحرير" للإمام تقي الدين محمد بن أحمد، ابن النجار الفتوحي الحنبلي، المتوفي سنة (972هـ) ، وهو مطبوع.
8-
"شرح مختصر التحرير" المشتهر بـ"شرح الكوكب المنير" له أيضًا، وهو مطبوع.
(1) انظر (ص54) من هذا الكتاب.
(2)
انظر (ص59) من هذا الكتاب.
(3)
سيأتي الكلام باختصار على هذه المؤلفات عند الكلام على كتاب "الروضة" لابن قدامة (ص54) ، وكتاب "شرح الكوكب المنير" للفتوحي (ص59) .
(4)
ولابن اللحام أيضًا كتاب "القواعد والفوائد الأصولية وما يتعلق بها من الأحكام الفرعية"، ذكر فيه ستا وستين (66) قاعدة، أردف كل قاعدة بمسائل تتعلق بها من الأحكام الفرعية، وتخلل ذلك بعض التنبيهات والفوائد، طبع الكتاب بتحقيق وتصحيح الشيخ محمد حامد الفقي في مجلد واحد، ثم طبع محققًا من رسالتين علميتين.
والملاحظ على هذه الكتب:
أن جميعها لعلماء حنبليين وأن بعضها شرح لبعض:
فـ"مختصر ابن اللحام" شرحه الجراعي، و"التحرير" للمرداوي اختصره الفتوحي، ثم شرح المختصر.
وأن آخرها وقتًا وأوسطها حجمًا كتاب "شرح الكوكب المنير" لذا فقد اجتمعت هذه الكتب في هذا الكتاب وعادت إليه، فأمكن بهذا الاعتبار أن يجعل ختامًا لهذه المرحلة، ولذلك حسن إفراد هذا الكتاب بالدراسة كما سيأتي لاحقًا إن شاء الله (1) .
وبذلك يُسدل الستار على هذه المرحلة الزمنية، والتي قصر الكلام فيها على الإمامين الجليلين ابن تيمية وابن القيم وعلى بعض علماء الحنابلة.
- وخلاصة القول:
أن هذه المرحلة تميزت بجهد علمي جليل قام على ركيزتين:
الأولى: إيضاح وإبراز القواعد الأصولية على منهج السلف الصالح.
والثانية: توجيه النقد وتصحيح الخلل لدي المتكلمين في قواعدهم الأصولية، وقد تم هذا الجهد المشكور على يد الإمام ابن تيمية، ومن بعده ابن القيم، وقد بني هذان الإمامان ذلكم الجهد على تلكم الثروة العلمية التي تركها للأمة الإمام الشافعي ومن سار على نهجه من بعده.
ويضاف إلى ذلك ظهور مؤلفات لبعض علماء الحنابلة كابن اللحام، والمرداوي، والفتوحي، وكأن هذه المؤلفات امتداد لكتاب الروضة لابن قدامة الذي كان نقلة جديدة ظهر فيها بوضوح التأثر بمنهج المتكلمين، إلا أن المؤلفات في هذه المرحلة استجابت ولا شك، واستفادت ولا ريب من جهود ابن تيمية وابن القيم فظهر تأثر هذه المؤلفات -مع التفاوت في ذلك- بما قرره هذان الإمامان وبيناه جليًا واضحًا.
(1) انظر (ص59) من هذا الكتاب.
هذه هي المراحل التي مرت بها المسيرة المباركة لأهل السنة والجماعة في أصول الفقه، وقد ظهرت بعد ذلك مؤلفات أخرى لبعض أئمة أهل السنة، إلا أن هذه المؤلفات ترجع في الجملة إلى المراحل التي سبقتها.
فمن هذه المؤلفات:
1-
"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل"(1) ، للشيخ عبد القادر بن بدران الدومي الدمشقي، المتوفي سنة (1346هـ) .
2-
"نزهة الخاطر العاطر"(2) شرح كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر"، له أيضًا.
3-
"رسالة لطيفة في أصول الفقه"(3) للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (4) ، المتوفي سنة (1376هـ) .
(1) هذا الكتاب ضمنه مؤلفه جل ما يحتاج إلى معرفته المشتغل بمذهب الإمام أحمد، وذكر فيه العقائد المنقولة عن الإمام أحمد، والسبب الذي لأجله اختار كثير من كبار العلماء مذهب الإمام أحمد على مذهب غيره، وذكر فيه أيضًا أصول مذهب الإمام أحمد، ومسلك كبار أصحابه في ترتيب مذهبه واستنباطه من فتياه، وذكر أصول الفقه عند الحنابلة واستمده من "الروضة" لابن قدامة، ومن "مختصر الطوفي وشرحه"، ومن "التحرير" للمرداوي، ومن مختصره وشرحه للفتوحي، ومن "مختصر ابن الحاجب وشرحه" للإيجي، ورجع إلى كتب أصولية أخرى، وذكر أيضًا في هذا الكتاب مصطلحات الفقه الحنبلي والكتب المشهورة فيه، وقد طبع الكتاب في مجلد واحد، ثم قام بتحقيقه الدكتور عبد الله التركي، وذلك في مجلد واحد أيضًا.
(2)
سيأتي الكلام عليه تعليقًا في (ص58) من هذا الكتاب.
(3)
تقع هذه الرسالة في اثنتي عشرة صفحة، تكلم فيها المؤلف على رءوس المسائل الأصولية بألفاظ سهلة وأسلوب ميسر، وزاد على ذلك الإشارة إلى بعض القواعد الفقهية، وقد طبعت هذه الرسالة مرارًا ضمن مجموعة كتب للشيخ.
(4)
هو: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر آل سعدي، من قبيلة تميم، نشأ في بلاد القصيم، ودرس على علماء الحنابلة هناك، وكان ذا معرفة تامة في الفقه، وكان مشتغلاً بكتب ابن تيمية وابن القيم واستفاد من ذلك خيرًا كثيرًا، له كتاب "تيسير الرحمن في تفسير كلام المنان"، و"القول السديد في مقاصد التوحيد"، توفي سنة (1376هـ) . انظر: مقدمة كتاب "تيسير الكريم الرحمن".
4-
"وسيلة الحصول إلى مهمات الأصول"، للشيخ حافظ بن أحمد الحكمي (1) ، المتوفي سنة (1377هـ) .
5-
"مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر"(2) ، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، المتوفي سنة (1393هـ) .
****
(1) هو: حافظ بن أحمد بن علي الحكمي، من أعلام منطقة الجنوب بالمملكة العربية السعودية، كان آية في الذكاء وسرعة الحفظ والفهم، اشتغل ببعض كتب الفقه والحديث والتفسير والتوحيد مطالعة وحفظًا، له منظومة في التوحيد وهي "سلم الوصول إلى علم الأصول" ثم شرحها في كتابه "معارج القبول"، توفي سنة (1377هـ) . انظر: مقدمة كتابه "معارج القبول".
(2)
سيأتي الكلام عليه تعليقًلا في (ص59) من هذا الكتاب.