الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن اعتبار هذا الخلاف لفظيًا بالنظر إلى ما يأتي:
أ- المعنى اللغوي: فقد يختلف المعنى اللغوي للفظين؛ إذ الفرض يأتي بمعنى القطع، ويأتي الوجوب بمعنى السقوط (1) .
وقد يتفق اللفظان في المعنى اللغوي؛ إذ كلاهما يأتي بمعنى الحتم والإلزام (2) .
ب- أن المأمور به ليس على درجة واحدة، إذ هو متفاضل متفاوت (3) ، فتسمية الآكد منه فرضًا وما عداه واجبًا أمر يعود إلى اللفظ.
جـ- أن الأحكام إنما تتعلق بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والأسامي (4) ، فسواءٌ سُمي المأمور به فرضًا أو سُمي واجبًا، وسواءٌ قيل بالتفريق بين الفرض والواجب، أو قيل: إنهما مترادفان فلا بد من النظر على جميع الأحوال في الحقيقة والمعنى، وهل يصح بناء تلك الأحكام عليهما أوْ لا؟
المسألة الثانية
ألفاظ الوجوب
قال ابن القيم: "ويستفاد الوجوب بالأمر تارة، وبالتصريح بالإيجاب والفرض والكتب، ولفظة "على"، ولفظة "حق" على العباد، وعلى المؤمنين،
(1) انظر: "المصباح المنير"(469، 648) .
(2)
انظر: "القاموس المحيط"(2/352) ، و"المصباح المنير"(469) .
(3)
انظر: "شرح الكوكب المنير"(1/353) ، وانظر المسألة الخامسة من هذا القسم (ص295) .
(4)
انظر (ص364) من هذا الكتاب.
وترتيب الذم والعقاب على الترك، وإحباط العمل بالترك، وغير ذلك" (1) .
المسألة الثالثة
تقسيمات الواجب
ينقسم الواجب ثلاثة تقسيمات (2) :
أ- باعتبار ذاته إلى واجب معين لا يقوم غيره مقامه كالصلاة والصوم، وإلى مبهم في أقسام محصورة فهو واجب لا بعينه، كواحدة من خصال الكفارة في قوله تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] ، فالواجب منها واحد لا بعينه، وهذا هو الواجب المخير.
ب- باعتبار وقته إلى مضيق وموسع. فالواجب المضيق: هو ما لا يسع وقته أكثر من فعل مثله، كصوم رمضان.
والواجب الموسع: هو ما كان الوقت فيه متسعًا لأكثر من فعله، كالصلوات الخمس، فجميع أجزاء الوقت صالح لإيقاع الواجب فيه.
قال ابن تيمية: "الوقت يعم أول الوقت وآخره، والله يقبلها [أي الصلاة] في جميع الوقت لكن أوله أفضل من آخره، إلا حيث استثناه الشارع كالظهر في شدة الحر، وكالعشاء إذا لم يشق على المأمومين. والله أعلم"(3) .
ولا يجوز تأخير الواجب إلى آخر وقته إلا بشرط العزم على فعله فيه (4) .
جـ- باعتبار فاعله إلى واجب عيني وواجب على الكفاية.
أما الواجب العيني: فهو ما وجب على كل شخص بعينه، كالصلاة والصوم. فمقصود الشارع فيه: النظر إلى فاعله وصدق امتثاله (5) .
وأما الواجب الكفائي: فقد وضحه الإمام الشافعي، فقال: "
…
وهكذا كل ما كان الفرض فيه مقصودًا به قصد الكفاية فيما ينوب، فإذا قام به من
(1)"بدائع الفوائد"(4/3) .
(2)
انظر: "مذكرة الشنقيطي"(11) .
(3)
"مجموع الفتاوى"(22/93) .
(4)
انظر: "نزهة الخاطر العاطر"(1/99) .
(5)
انظر: "مذكرة الشنقيطي"(12) .
المسلمين من فيه الكفاية خرج من تخلف عنه من المأثم، ولو ضيعوه معًا خفتُ ألا يخرج واحد منهم مطيق فيه من المأثم، بل لا شك إن شاء الله لقوله:{إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة: 39] .
قال: فما معناها؟
قلت: الدلالة عليها: أن تخلفهم عن النفير كافة لا يسعهم، ونفير بعضهم إذا كانت في نفيره كفاية يخرج من تخلف من المأثم إن شاء الله؛ لأنه إذا نفر بعضهم وقع عليهم اسم النفير.
قال: ومثل ماذا سوى الجهاد؟
قلت: الصلاة على الجنازة ودفنها؛ لا يحل تركها ولا يجب على كل من بحضرتها كلهم حضورها ويخرج من تخلف من المأثم من قام بكفايتها....
ولم يزل المسلمون على ما وصفت منذ بعث الله نبيه – فيما بلغنا – إلى اليوم:
يتفقه أقلهم ويشهد الجنائز بعضُهم، ويجاهد ويرد السلام بعضُهم، ويتخلف عن ذلك غيرهم، فيعرفون الفضل لمن قام بالفقه والجهاد وحضور الجنائز ورد السلام ولا يؤثمون من قصر عن ذلك، إذا كان بهذا قائمون بكفايته" (1) .
ومن خلال هذا النقل عن الإمام الشافعي يتبين لنا أن فرض الكفاية يمتاز بما يأتي (2) :
أولاً: أن مقصود الشارع فيه نفس الفعل بقطع النظر عن فاعله.
ثانيًا: أن الإثم يعم كل مطيق إذا لم يقم به أحد.
ثالثًا: أن الإثم يسقط عن المتخلفين إذا قام البعض بالفعل على الوجه المطلوب.
رابعًا: أن الفضل والأجر لمن قام بالفعل على وجهه المطلوب.
(1)"الرسالة"(366 – 369) .
(2)
للاستزادة انظر: "مجموع الفتاوى"(19/118، 119، 15/166) ، و"مفتاح دار السعادة"(1/157) .