الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[يوسف: 82] ، إذ لا يلزم من إثبات المجاز في أحد القسمين إثباته في القسم الآخر؛ لأن إثبات المجاز يحتاج إلى قرينة، وهذه القرينة عند أهل السنة منتفية عن آيات الصفات (1) ، أما من عدا أهل السنة فإنهم يثبتون المجاز في آيات الصفات لوجود القرينة المانعة من حمل اللفظ على حقيقته (2) .
وبذلك يعلم أن المثبتين للمجاز في القرآن فريقان:
فريق لم يحمله إثباته للمجاز في القرآن على نفي الصفات أو تأويلها، بل أثبت صفات الله الواردة في القرآن الكريم على حقيقتها اللائقة به سبحانه ومنع من دخول المجاز فيها. وهذا مذهب المثبتين للمجاز من أهل السنة.
والفريق الآخر حمله ما تقرر لديه من شبهات عقلية وغيرها على تأويل صفات الله سبحانه الواردة في القرآن الكريم، أو نفي حقيقتها فأثبت المجاز فيها. وهذا مذهب المثبتين للمجاز من المتكلمين ومن وافقهم، ومن هنا كان القول بالمجاز – عند هؤلاء فقط – ذريعة إلى تأويل الصفات أو نفيها.
وبذلك تتبين خطورة إثبات المجاز في القرآن الكريم مطلقًا دون تفصيل (3) .
ويعلم أيضًا أن الخلاف لفظي بين أهل السنة في إثبات المجاز في القرآن الكريم ونفيه.
وهذا ما سيأتي توضيحه في الفقرة اللاحقة.
6-
الخلاف بين أهل السنة في إثبات المجاز ونفيه خلاف لفظي:
وبيان ذلك:
(1) إذ يمكن في قوله تعالى: {وجاء ربك} [الفجر: 22] ، إضافة صفة المجيء إلى الرب تعالى وذلك على الوجه اللائق به سبحانه، فهذا هو الواجب؛ لأنه قد دل عليه النص القرآني ثم هو ممكن عقلاً لأنه لا يلزم من اتفاق الصفات التماثل في الكيفية. انظر:"مجموع الفتاوى"(3/25، 133) ، و"مختصر الصواعق"(18 – 21) .
(2)
وهذه القرينة عندهم هي أن العقل يحيل إضافة صفة المجيء إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن ذلك يستلزم تشبيه الله بمخلوقاته التي تتصف بالمجيء أيضًا، هذه هي شبهة المعطلين لصفات الله، ولا شك أن ذلك غير لازم عقلاً كما تقدم في التعليق السابق. انظر:"غاية المرام" للآمدي (138) .
(3)
انظر: "تأويل مشكل القرآن"(103) .
أن تأويل صفات الله تعالى ونفيها باب واسع، يمكن الدخول إليه عن طريق المجاز – كما فعل ذلك أهل التعطيل والتأويل – ويمكن ذلك عن طريق التأويل، وعن طريق القول بأن نصوص الكتاب والسنة أدلة لفظية، لا تفيد اليقين فلا تثبت بها العقائد، وغير ذلك (1) .
ولما كان المجاز من أعظم الطرق وأكثرها استعمالاً، ومن أوسع الأبواب التي ولج منها المؤولون للصفات والنافون لها، قام بسد هذا الباب، وقطع هذا الطريق، وقال بمنع وقوع المجاز مطلقًا في القرآن الكريم وفي اللغة بعض علماء أهل السنة، لذلك عد ابن القيم المجاز طاغوتًا، فقال:"فصل في كسر الطاغوت الثالث الذي وضعته الجهمية لتعطيل حقائق الأسماء والصفات وهو طاغوت المجاز"(2) .
قال ابن رجب: "ومن أنكر المجاز من العلماء فقد ينكر إطلاق اسم المجاز لئلا يوهم هذا المعنى الفاسد، ويصير ذريعة لمن يريد جحد حقائق الكتاب والسنة ومدلولاتهما.
ويقول: غالب من تكلم بالحقيقة والمجاز هم المعتزلة، ونحوهم من أهل البدع، وتطرفوا بذلك إلى تحريف الكلم من مواضعه، فيمتنع من التسمية بالمجاز، ويجعل جميع الألفاظ حقائق (3) .
ويقول: اللفظ إن دل بنفسه فهو حقيقة لذلك المعنى، وإن دل بقرينة فدلالته بالقرينة حقيقة للمعنى الآخر، فهو حقيقة في الحالين" (4) .
وقد صرح ابن قدامة بكون هذا الخلاف لفظيًا، فقال بعد أن ذكر أمثلة على وقوع المجاز واستعماله في القرآن الكريم:
(1) انظر: "الصواعق المرسلة"(2/632) .
(2)
"مختصر الصواعق"(231) .
(3)
انظر مثالاً على ذلك: "مجموع الفتاوى"(7/88، 108)، وبعضهم يسميه أسلوبًا عربيًا. انظر:"مذكرة الشنقيطي"(60) .
(4)
"ذيل طبقات الحنابلة"(1/174، 175) .
"....وذلك كله مجاز؛ لأنه استعمال للفظ في غير موضوعه، ومن منع فقد كابر، ومن سلم وقال: لا أسميه مجازًا (1) ؛ فهو نزاع في عبارة لا فائدة في المشاحة فيه. والله أعلم"(2) .
(1) قال ابن تيمية اعتراضًا على تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز ما ملخصه: "إن هذا التقسيم يستلزم أن يكون اللفظ قد وضع أولاً لمعنى ثم بعد ذلك قد يستعمل في موضوعه وقد يستعمل في غير موضوعه، وهذا كله إنما يصح لو ثبت أن الألفاظ العربية وضعت أولاً لمعانٍ ثم بعد ذلك استعملت فيها فيكون لها وضع متقدم على الاستعمال، وهذا إنما يصح على القول بأن اللغات اصطلاحية.
وهذا القول لا نعرف أحدًا من المسلمين قاله قبل أبي هاشم الجبائي فإنه لا يمكن أحدًا النقلُ عن العرب أو أمة غيرهم أنه اجتمع جماعة منهم فوضعوا جميع الأسماء الموجودة في اللغة ثم استعملوها بعد هذا الوضع، إلا أنه قد يقال: إن الله يلهم الحيوانات من الأصوات ما يعرف به بعضها مراد بعض، وكذلك الآدميون فالمولود يسمع من يربيه ينطق باللفظ ويشير إلى المعنى فصار يعلم أن هذا اللفظ يستعمل في ذلك المعنى، وهكذا حتى يعرف لغة القوم الذين نشأ بينهم دون أن يصطلحوا على وضع متقدم، فعلم أن الله ألهم النوع الإنساني التعبير عما يريده ويتصوره بلفظه، وأن أول من علم ذلك آدم، وأبناءه علموا كما علم، وإن اختلفت اللغات فهذا الإلهام كافٍ في النطق باللغات من غير مواضعة متقدمة وهذا قد يسمى توقيفًا، فمن ادعى وضعًا متقدمًا فقد قال ما لا علم له به، وإنما المعلوم هو الاستعمال" اهـ. انظر"مجموع الفتاوى" (7/90 – 96) .
(2)
"روضة الناظر"(1/182، 183)، وانظر:"نزهة الخاطر العاطر"(1/182 – 184) .