الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قولاً فيمسك صلى الله عليه وسلم عن الإنكار ويسكت (1) ، كإقراره صلى الله عليه وسلم إنشاد الشعر المباح (2) .
والأصل في حجية إقراره صلى الله عليه وسلم (3) هو أنه لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة (4) ، إذ سكوته يدل على جواز ذلك الفعل أو القول، بخلاف سكوت غيره، لذلك بوب الإمام البخاري في صحيحه بقوله:"باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجة لا من غير الرسول"(5) .
وكذلك فإن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن وجوب إنكار المنكر لا يسقط عنه بالخوف على نفسه لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67](6) .
وإنما يكون سكوته صلى الله عليه وسلم وعدم إنكاره حجة فيدل على الجواز بشرطين (7) :
أ- أن يعلم صلى الله عليه وسلم بوقوع الفعل أو القول، فإما أن يقع ذلك بحضرته، أو في غيبته لكن ينقل إليه، أو في زمنه وهو عالم به لانتشاره انتشارًا يبعد معه ألا يعلمه صلى الله عليه وسلم.
ب- ألا يكون الفعل الذي سكت عنه صلى الله عليه وسلم صادرًا من كافر، لأن إنكاره صلى الله عليه وسلم لما يفعله الكفار معلوم ضرورة، فالعبرة في فعل أحد المسلمين.
خامسًا: حجية تركه صلى الله عليه وسلم
-:
و
المقصود بالترك:
تركه صلى الله عليه وسلم فعل أمر من الأمور (8) .
وهو نوعان بالنسبة لنقل الصحابة رضي الله عنهم له (9) :
1-
التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم ترك كذا وكذا ولم يفعله، كقول الصحابي في صلاة العيد:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة"(10) .
(1) انظر: "قواعد الأصول"(39) ، و"شرح الكوكب المنير"(2/166) .
(2)
انظر: "صحيح البخاري"(1/548) برقم (453) .
(3)
انظر: "شرح الكوكب المنير"(2/194 - 196) .
(4)
انظر هذه المسألة فيما يأتي (ص391) من هذا الكتاب.
(5)
"صحيح البخاري"(13/323) .
(6)
انظر: "تفسير ابن كثير"(2/81) .
(7)
انظر: "المسودة"(298) ، و"قواعد الأصول"(39) ، و"شرح الكوكب المنير"(2/194) .
(8)
انظر: "شرح الكوكب المنير"(2/165) .
(9)
انظر: "إعلام الموقعين"(2/389 - 391) .
(10)
أخرجه أبو داود في سننه (1/298) برقم (1147)، وصححه النووي. انظر:"المجموع"(5/13) ، وأصل الحديث في الصحيحين.
2-
عدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله صلى الله عليه وسلم لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحدٍ منهم على نقله للأمة، فحيث لم ينقله واحد منهم ألبتة ولا حدث به في مجمع أبدًا عُلم أنه لم يكن.
وذلك كتركه صلى الله عليه وسلم التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهو يؤمنون على دعائه، بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات.
وتركه صلى الله عليه وسلم لفعل من الأفعال يكون حجة، فيجب ترك ما ترك كما يجب ما فعل بشرطين (1) :
الشرط الأول: أن يوجد السبب المقتضي لهذا الفعل في عهده صلى الله عليه وسلم، وأن تقوم الحاجة إلى فعله، فإذا كان الحال كذلك وتركه صلى الله عليه وسلم ولم يفعله كان تركه لهذا الفعل سنة (2) يجب الأخذ بها ومتابعته في ترك هذا الفعل. أما إن انتفى المقتضي ولم يوجد السبب الموجب لهذا الفعل فإن ترك النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ لا يكون سنة؛ لأن تركه كان بسبب عدم وجود المقتضي إذ لو وجد المقتضي لفعله صلى الله عليه وسلم وذلك كتركه صلى الله عليه وسلم قتال مانعي الزكاة فقط؛ إذ إن هذا الترك كان لعدم وجود السبب وعدم قيام المقتضي، فلما فعل أبو بكر رضي الله عنه (3) ذلك وقاتل مانعي الزكاة فقط (4) لم يكن مخالفًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما ما أحدثه بعض الأمراء من الأذان للعيدين فإن هذا من البدع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ذلك مع وجود ما يعتقد فاعل ذلك أنه مقتضٍ (5) ، فإنه صلى الله عليه وسلم
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(26/172) ، و"اقتضاء الصراط المستقيم"(2/591 – 597) .
(2)
بشرط انتفاء الموانع كما سيأتي في الشرط الثاني.
(3)
هو: عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر القرشي التيمي، أبو بكر الصديق، خليفة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورفيقه في الهجرة، ومؤنسه في الغار، أول من أسلم من الرجال، توفي سنة (13هـ) . انظر:"الاستيعاب"(2/234) ، و"الإصابة"(2/333) .
(4)
انظر: "صحيح البخاري"(12/ 275) برقم (6924، 6925) .
(5)
كأن يستدل فاعل ذلك على استحسانه بالعمومات الدالة على فضل الذكر كقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا} [الأحزاب: 41]، وقوله:{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله} [فصلت: 33]، والقياس على الأذان في الجمعة. انظر:"اقتضاء الصراط المستقيم"(2/596) .