الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوعيد لم يضر الإنسان إذا ترك ذلك الفعل خطؤه في اعتقاده زيادة العقوبة" (1) .
وقال الشافعي: "فأما ما كان من سنة من خبر الخاصة الذي قد يختلف الخبر فيه، فيكون الخبر محتملاً للتأويل، وجاء الخبر فيه من طريق الانفراد فالحجة فيه عندي أن يلزم العالمين، حتى لا يكون لهم رد ما كان منصوصًا منه، كما يلزمهم أن يقبلوا شهادة العدول"(2) .
6-
إفادة نصوص الكتاب والسنة القطع
(3) :
نصوص الكتاب والسنة تفيد القطع، والمراد من إفادتها القطع:
أ- أن حصول العلم والقطع بها ممكن.
ب- أن العلم بها لا يحصل لكل أحد.
جـ- أن العلم بها إنما يحصل لمن اجتهد واستدل لا للمقلدين.
د- أن العلم بها يحصل في غالب الأحكام، وأن الظن فيها إنما هو قليل جدًا ولبعض المجتهدين، وذلك غالبًا ما يكون في مسائل الاجتهاد والنزاع، أما مسائل الإيمان والإجماع فالعلم فيها أكثر قطعًا.
7-
بطلان القول بأن نصوص الكتاب والسنة لا تفيد اليقين:
إذا علم ما سبق فإن القول بأن نصوص الكتاب والسنة أدلة لفظية لا يحصل بها اليقين قول باطل.
وقبل ذكر الأدلة على بطلان هذا القول نشير إلى خطورته:
ذلك أن المتكلمين (4) قالوا: إن الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا عند تيقن أمور عشرة: عصمة رواة تلك الألفاظ، وإعرابها وتصريفها، وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والتخصيص بالأشخاص والأزمنة، وعدم الإضمار، والتقديم والتأخير، والنسخ، وعدم المعارض العقلي.
(1)"مجموع الفتاوى"(20/260، 261) .
(2)
"الرسالة"(461) .
(3)
انظر: "الاستقامة"(1/55، 56) ، و"الصواعق المرسلة"(2/740، 746) ، و"شرح الكوكب المنير"(1/292) .
(4)
انظر: "محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين"(45) ، و"المواقف"(40) .
هذا القول طاغوت من الطواغيت التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين، وانتهكوا بها حرمة القرآن ومحوا بها رسوم الإيمان.
فأسقطت حرمة النصوص من القلوب، ونهجت طريق الطعن فيها لكل زنديق وملحد، فلا يحتج عليه المحتج بحجة من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إلا لجأ إلى طاغوت من هذه الطواغيت واعتصم به، واتخذه جنة يصد به عن سبيل الله (1) .
ومما يوضح بطلان هذا القول ويكسر هذا الطاغوت:
أ- أن جميع الاحتمالات التي ذكروها ترجع إلى أمر واحد، وهو احتمال اللفظ لمعنى آخر غير ما يظهر من الكلام. ولا خلاف أن غالب ألفاظ النصوص لها ظواهر، هي موضوعة لها ومفهومة عند الإطلاق منها. أما كون ذلك الظاهر يحتمل خلافه فهذا قد يقع بهذه الاحتمالات العشرة وبغيرها من القرائن التي يتفاوت الناس في الاطلاع عليها وفي فهمها، فهذا من لوازم الطبيعة الإنسانية، لكنه قليل جدًا بالإضافة إلى ما تيقنه الصحابة من مراد الرسول صلى الله عليه وسلم بألفاظه، فلا يجوز أن يُدعي لأجله أن كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يفيد اليقين بمراد، وأنه لا سبيل إلى اقتباس العلم واليقين منه (2) .
ب- أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعلمون أحوال النبي صلى الله عليه وسلم بالاضطرار وكانوا لا يتوقفون على هذه الأمور العشرة في حصول اليقين لهم بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهم جازمون متيقنون لمراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم يقينًا لا ريب فيه، فكيف يقال مع ذلك لا يحصل اليقين بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل كان التابعون وتابعوهم أيضًا ومن بعدهم كذلك (3) .
جـ- أن قولهم: إن كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يستفاد منه اليقين، إما أن يراد به نفي اليقين في باب الأسماء والصفات، وباب المعاد، وباب الأمر والنهي، أو في بعضها دون بعض.
فإن قالوا: إنها لا تفيد اليقين لا في باب الأسماء والصفات، ولا في المعاد،
(1) انظر: "الصواعق المرسلة"(2/632، 633) .
(2)
انظر: "الصواعق المرسلة"(2/657 – 659) .
(3)
انظر المصدر السابق (2/659 – 663) .