الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكلام في الدين بالخرص والتخمين، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها.
وبين أن من جهل النصوص والآثار وقاس برأيه من غير نظر إليها فقد وقع في الرأي المذموم (1) .
وقد تقدم بيان تحريم القول على الله بدون علم (2) ، فهذا الشرط راجع إلى هذا الأصل.
سادسًا: أن يكون المجتهد عارفًا بالواقعة، مدركًا لأحوال النازلة المجتهد فيها.
قال الشافعي: «ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به، دون التثبيت......» (3) .
(تنبيه:
قال ابن قدامة: «فأما العدالة فليست شرطًا لكونه مجتهدًا، بل متى كان عالمًا بما ذكرناه فله أن يأخذ باجتهاد نفسه، لكنها شرط لجواز الاعتماد على قوله، فمن ليس عدلاً لا تقبل فتياه» (6) .
وأما
الشروط اللازم توفرها في المسألة المجتهد فيها
فيمكن إجمالها فيما يأتي:
(1) انظر: "إعلام الموقعين"(1/68) .
(2)
انظر (ص355) من هذا الكتاب.
(3)
"الرسالة"(510) .
(4)
أي: الإمام أحمد وسيأتي نقل كلامه كاملاً. انظر (ص509) من هذا الكتاب.
(5)
"إعلام الموقعين"(4/204، 205) .
(6)
"روضة الناظر"(2/402) .
أولاً: أن تكون هذه المسألة غير منصوص (1) أو مجمع عليها.
والدليل على هذا الشرط حديث معاذ رضي الله عنه المشهور (2) ، إذ جعل الاجتهاد مرتبة متأخرة إذا لم يوجد كتاب ولا سنة.
وقد كان منهج الصحابة رضي الله عنهم النظر في الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم الاجتهاد (3) .
ومعلوم أن الاجتهاد يكون ساقطًا مع وجود النص.
قال ابن عبد البر: «باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة» (4) .
وقال الخطيب البغدادي أيضًا: «باب في سقوط الاجتهاد مع وجود النص» (5) .
وقال ابن القيم: «فصل في تحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسقوط الاجتهاد والتقليد عند ظهور النص، وذكر إجماع العلماء على ذلك» (6) .
ثانيًا: أن يكون النص الوارد في هذه المسألة –إن ورد فيها نص– محتملاً، قابلاً للتأويل، كقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» (7) . فقد فهم بعض الصحابة من هذا النص ظاهره من الأمر بصلاة العصر في بني قريظة ولو بعد وقتها، وفهم البعض من النص الحث على المسارعة في السير مع تأدية الصلاة في وقتها ولم ينكر صلى الله عليه وسلم على الفريقين ما فهم،
(1) المراد بذلك ألا يوجد في المسألة نص أصلاً – وهذا ما ذكر في الشرط الأول – وإن وجد نص فيشترط أن يكون هذا النص محتملاً غير قاطع – وهذا ما ذكر في الشرط الثاني – ويمكن بيان المراد من هذين الشرطين وجمعهما في شرط واحد بأن يقال: يشترط ألا يوجد في المسألة نص قاطع ولا إجماع. انظر: "مذكرة الشنقيطي"(314، 315) .
(2)
انظر (ص190) من هذا الكتاب.
(3)
انظر: "إعلام الموقعين"(1/85، 61، 62، 84) وانظر (279) من هذا الكتاب.
(4)
"جامع بيان العلم وفضله"(2/55) .
(5)
"الفقيه والمتفقه"(1/206) .
(6)
"إعلام الموقعين"(2/279) .
(7)
رواه البخاري (7/407) برقم (4119) .
ولم يعنف الطرفين على ما فعل (1) .
وقد استدل الشافعي على أن الاختلاف مذموم فيما كان نصه بينًا بقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4]، وقوله تعالى:{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] .
وقد عد ابن تيمية ذلك من أسٍباب الاختلاف بين العلماء فقال:
ثالثًا: ألا تكون المسألة المجتهد فيها من مسائل العقيدة، فإن الاجتهاد والقياس خاصان بمسائل الأحكام على النحو الذي سبق بيانه في القياس (4) .
قال ابن عبد البر: «قال أبو عمر: لا خلاف بين فقهاء الأمصار وسائر أهل السنة - وهم أهل الفقه والحديث - في نفي القياس في التوحيد وإثباته في الأحكام، إلا داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي (5) ومن قال بقوله
(1) انظر: "مجموع الفتاوى"(3/344) .
(2)
"الرسالة"(560) .
(3)
"مجموع الفتاوى"(20/259) .
(4)
انظر (ص183، 194) من هذا الكتاب.
(5)
هو: داود بن علي بن خلف الأصبهاني ثم البغدادي، الفقيه المشهور بالظاهري، وكان صاحب مذهب مستقل، وتبعه جمع يعرفون بالظاهرية، وكان ولده أبو بكر محمد على مذهبه، توفي سنة (270هـ) . انظر:"وفيات الأعيان"(2/255) ، و"شذرات الذهب"(2/158) .
فإنهم نفوا القياس في التوحيد والأحكام جميعًا.....» (1) .
وعد ابن القيم (2) من أنواع الرأي المذموم باتفاق سلف الأمة الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال (3) .
رابعًا: أن تكون المسألة المجتهد فيها من النوازل، أو مما يمكن وقوعه في الغالب والحاجة إليه ماسة. أما استعمال الرأي قبل نزول الواقعة والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات والاستغراق في ذلك، فهو مما كرهه جمهور أهل العلم واعتبروا ذلك تعطيلاً للسنن وتركًا لما يلزم الوقوف عليه من كتاب الله عز وجل ومعانيه (4) .
وقد استدل الجمهور على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته» (5) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» (6) . قال ابن القيم: «ولكن إنما كانوا [أي الصحابة رضي الله عنهم} يسألونه [أي النبي صلى الله عليه وسلم] عما ينفعهم من الواقعات، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم، وقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} [المائدة: 101، 102] .
ولم ينقطع حكم هذه الآية، بل لا ينبغي للعبد أن يتعرض للسؤال عما إن
(1)"جامع بيان العلم وفضله"(2/74) .
(2)
انظر: "إعلام الموقعين"(1/68) وانظر (ص471) من هذا الكتاب.
(3)
سبق التنبيه على حكم القياس في باب التوحيد وما يجوز منه وما لا يجوز انظر (ص 183) من هذا الكتاب.
(4)
انظر: "جامع بيان العلم وفضله"(2/139) ، و"إعلام الموقعين"(1/69) ، و"جامع العلوم والحكم"(1/240 - 252) ، و"شرح الكوكب المنير"(4/584 - 588) .
(5)
رواه البخاري (13/264) برقم (7289) واللفظ له، ومسلم (15/110) .
(6)
رواه البخاري (13/340) ، برقم (1477) ، ومسلم (12/12) .