الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الاجتهاد الفاسد، فهو: الذي صدر من جاهل بالكتاب والسنة ولغة العرب، لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد، أو صدر من مجتهد أهل للاجتهاد لكنه وقع في غير موضعه من المسائل التي لا يصح فيه الاجتهاد (1) .
قال ابن قدامة بعد ذكره لآثار عن السلف في ذم الرأي - في معرض جوابه عنها-: «قلنا هذا منهم ذم لمن استعمل الرأي، والقياس في غير موضعه أو بدون شرطه
…
جواب ثانِ، أنهم ذموا الرأي الصادر عن الجاهل الذي ليس أهلاً للاجتهاد والرأي، ويرجع إلى محض الاستحسان ووضع الشرع بالرأي، بدليل أن الذين نقل عنهم هذا هم الذين نقل عنهم القول بالرأي والاجتهاد» (2) .
ولابن القيم رحمه الله تعالى بحث نفيس في أنواع الرأي، أنقله فيما يأتي ملخصًا (3) .
«الرأي ثلاثة أقسام:
رأي باطل بلا ريب، ورأي صحيح، ورأي هو موضع الاشتباه.
والأقسام الثلاثة قد أشار إليها السلف.
فاستعملوا الرأي الصحيح، وعملوا به، وأفتوا به، وسوغوا القول به.
وذموا الباطل، ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به، وأطلقوا ألسنتهم بذمه وذم أهله.
والقسم الثالث سوغوا العمل والفتيا والقضاء به عند الاضطرار إليه، حيث لا يوجد منه بد، ولم يلزموا أحدًا العمل به، ولم يحرموا مخالفته، ولا جعلوا مخالفه مخالفًا للدين، بل غايته أنهم خيروا بين قبوله ورده، فهو بمنزلة ما أبيح للمضطر من الطعام والشراب الذي يحرم عند عدم الضرورة إليه.
كما قال الإمام أحمد: سألت الشافعي عن القياس فقال لي: عند الضرورة
(1) انظر في المسألة الآتية: "شروط الاجتهاد" بيان من هو أهل للاجتهاد وبيان المسائل التي يجوز الاجتهاد فيها.
(2)
"روضة الناظر"(2/241، 242) . وانظر: "الفتاوى الكبرى"(6/145) .
(3)
انظر: "إعلام الموقعين"(1/67 - 85) .
وكان استعمالهم لهذا النوع بقدر الضرورة.
لم يفرطوا فيه، ويفرعوه، ويولدوه، ويوسعوه، كما صنع المتأخرون بحيث اعتاضوا به عن النصوص والآثار، وكان أسهل عليهم من حفظها.
أنواع الرأي الباطل:
أ- الرأي المخالف للنص، وهذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه ولا تحل الفتيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد.
ب- الكلام في الدين بالخرص والظن مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها، فإن من جهل النصوص وقاس برأيه من غير نظر إليها فقد وقع في الرأي المذموم الباطل.
جـ- الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهلُ البدع والضلال، حيث استعملوا قياساتهم الفاسدة، وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة، فقابلوا هذه النصوص بالتحريف والتأويل، وقابلوا بالتكذيب معاني النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيلاً.
د- الرأي الذي أحدثت به البدع، وغيرت به السنن، وعم به البلاء.
فهذه الأنواع الأربعة من الرأي الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه وإخراجه من الدين.
هـ- ما ذكره أبو عمر بن عبد البر عن جمهور أهل العلم، وهو استعمال الرأي في الوقائع قبل أن تنزل، وتفريع الكلام عليها قبل أن تقع، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات.
أنواع الرأي المحمود:
أ- رأي الصحابة رضي الله عنهم فهم أفقه الأمة وأبرها قلوبًا، وأقلها تكلفًا، الذين شاهدوا التنزيل، وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الشريعة.
فحقيق أن يكون رأيهم لنا خيرًا من رأينا لأنفسنا، كيف لا وهو الرأي الصادر من قلوب ممتلئة نورًا وإيمانًا، وحكمة وعلمًا، ومعرفة وفهمًا عن الله