الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* أو بيانًا وتخصيصًا: وذلك إذا لم يحصل التراخي بين الخطابين بل كانا متصلين.
المسألة الثانية: شروط النسخ
يشترط في صحة النسخ الشروط الآتية:
* الشرط الأول: أن توجد حقيقة النسخ ومعناه، وقد تقدم بيان ذلك في المسألة السابقة.
* الشرط الثاني: أن يكون الناسخ وحيًا، من كتاب أو سنة (1) .
والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15] .
وبذلك يعلم:
(أن النسخ بمجرد الإجماع لا يجوز؛ فإن الإجماع لا ينعقد إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته ينقطع النسخ لأنه تشريع، ولا تشريع ألبتة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (2) .
(وإذا وجد في كلام العلماء أن الإجماع نسخ نصًّا، فالمراد بالإجماع الناسخ، النص الذي استند إليه الإجماع لا نفس الإجماع، فيكون من قبيل نسخ النص بنص مثله (3) .
(1) انظر: "أضواء البيان"(3/361) .
(2)
انظر: "الفقيه والمتفقه"(1/86، 123) ، و"روضة الناظر"(1/229، 230) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/570) ، و"أضواء البيان"(3/361، 362) ، و"مذكرة الشنقيطي"(88) .
(3)
انظر: "روضة الناظر"(1/229، 230) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/570) ، و"أضواء البيان"(3/362) ، و"مذكرة الشنقيطي"(88) .
(وأن النسخ لا يجوز بالقياس؛ لأن القياس إنما يعتبر فيما لا نص فيه وحيث وجد النص بطل القياس المخالف له (1) .
(وأنه لا يجوز النسخ بأدلة العقل؛ لأن دليل العقل ضربان:
ضرب لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه فلا يتصور نسخ الشرع به.
وضرب يجوز أن يرد الشرع بخلافه –وهو البقاء على حكم الأصل– فهذا إنما يجب العمل به عند عدم الشرع (2) .
ولا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ، أو في مرتبته، بل يكفي أن يكون الناسخ وحيًا صحيح الثبوت (3) خلافًا لما ذهب إليه الأصوليون من قولهم:
"لا يجوز نسخ المتواتر بالآحاد، لأن المتواتر أقوى من الآحاد والأقوى لا يرفع بما هو دونه"(4) .
ويمكن بيان غلط الأصوليين في هذا من وجهين:
الوجه الأول: ما ذكره الشيخ محمد الأمين الشنقيطي إذ يقول:
"أما قولهم: إن المتواتر أقوى من الآحاد، والأقوى لا يرفع بما هو دونه فإنهم قد غلطوا فيه غلطًا عظيمًا مع كثرتهم وعلمهم، وإيضاح ذلك:
أنه لا تعارض ألبتة بين خبرين مختلفي التاريخ؛ لإمكان صدق كل منهما في وقته، وقد أجمع جميع النظار أنه لا يلزم التناقض بين القضيتين إلا إذا اتحد زمنهما، أما إن اختلفا فيجوز صدق كل منهما في وقتها (5) .
فلو قلت: النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس، وقلت أيضًا: لم يصل إلى بيت المقدس، وعنيت بالأولى ما قبل النسخ، وبالثانية ما بعده؛ لكانت كل منهما صادقة في وقتها" (6) .
(1) انظر: "الفقيه والمتفقه"(1/86) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/571 – 573) ، و"مذكرة الشنقيطي"(88، 89) .
(2)
انظر: "الفقيه والمتفقه"(1/123) .
(3)
انظر: "أضواء البيان"(2/250، 251) ، و"مذكرة الشنقيطي"(86) .
(4)
انظر على سبيل المثال: "الإحكام" للآمدي (3/134) .
(5)
انظر (ص 286) من هذا الكتاب.
(6)
"مذكرة الشنقيطي"(86) .
الوجه الثاني: "أن الناسخ في الحقيقة إنما جاء رافعًا لاستمرار حكم المنسوخ ودوامه، وذلك ظني وإن كان دليله قطعيًا، فالمنسوخ إنما هو هذا الظني لا ذلك القطعي"(1) .
* الشرط الثالث: أن يتأخر الناسخ عن المنسوخ، وذلك يثبت بطرق، منها (2) :
الإجماع: وهو أن تُجمع الأمة على خلاف ما ورد من الخبر فيُستدل بذلك على أنه منسوخ لئلا تجتمع على الخطأ، فالإجماع في مثل هذا بين أن النص المتأخر ناسخ للنص المتقدم، لا أن الإجماع هو الناسخ كما تقدم التنبيه على ذلك قريبًا.
وقوله صلى الله عليه وسلم وفعله.
وقول الراوي: كان كذا ونُسخ، أو رُخَّص في كذا ثم نُهي عنه.
وأن يضبط تاريخ القصص؛ فيُعلم الناسخُ بتأخره مع وجود ما يعارضه.
والحاصل أن الناسخ والمنسوخ إنما يعرفان بمجرد النقل الدال على ذلك، ولا يعرف ذلك بدليل عقلي ولا بقياس (3) .
* الشرط الرابع: أن يمتنع اجتماع الناسخ والمنسوخ؛ بأن يكونا متنافيين قد تواردا على محل واحد (4) ، يقتضي المنسوخ ثبوته والناسخ رفعه أو بالعكس (5) .
* الشرط الخامس: أن يكون المنسوخ حكمًا لا خبرًا (6) ، إذ الأخبار لا
(1)"نزهة الخاطر العاطر"(1/228، 229) .
(2)
انظر: "الفقيه والمتفقه"(1/126، 127) ، و"روضة الناظر"(1/234، 235) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/563 - 566) ، و"مذكرة الشنقيطي"(92، 93) .
(3)
انظر: "شرح الكوكب المنير"(3/569، 570) ، و"مذكرة الشنقيطي"(92) .
(4)
لما سيأتي بيانه من أنه إذا وجد التعارض فالواجب أولاً الجمع وهو إعمال كلا الدليلين ولو من بعض الوجوه دون بعض، فهذا أولى من النسخ وهو من طرق الجمع إلا أنه إعمال لأحد الدليلين دون الآخر، أو هو إعمال لكلا الدليلين في وقت دون وقت انظر (ص 271) من هذا الكتاب.
(5)
انظر: "إعلام الموقعين"(2/319، 320، 321) ، و"شرح الكوكب المنير"(3/529، 530) .
(6)
إلا إذا أريد بهذا الخبر الإنشاء فإنه يُنسخ، كقوله تعالى:{والمطلقات يتربصن} [البقرة: 228] . انظر: "شرح الكوكب المنير"(3/538، 539) .