الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب-
الأقوال في المسألة:
القول الأول: إثبات الحسن والقبح العقليين، بمعنى أن العقل يدرك الحسن والقبح، فهو يحسن ويقبح، وهذا مذهب المعتزلة (1) .
القول الثاني: نفي الحسن والقبح العقليين، بمعنى أن العقل لا يدرك الحُسن والقُبح، فالعقل لا يحسن ولا يقبح، وهذا مذهب الأشاعرة (2) .
القول الثالث: مذهب أهل السنة، وهم وسط بين الطرفين، وقبل تفصيل مذهبهم في هذه المسألة لا بد من ذكر أصولٍ لهم يُحتاج إلى بيانها في هذا المقام:
جـ-
أصول مهمة عند أهل السنة:
(الأصل الأول: أنهم يثبتون الحكمة والتعليل في أفعال الله سبحانه وتعالى وأحكامه، فجميع الأوامر والنواهي مشتملة على مصالح العباد (3) .
قال ابن القيم: "كيف والقرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مملوآن من تعليل الأحكام بالحكم والمصالح وتعليل الخلق بهما والتنبيه على وجود الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان، ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضعٍ أو مائتين لسقناها، ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة.
فتارة يذكر لام التعليل الصريحة، وتارة يذكر المفعول لأجله، الذي هو المقصود بالفعل، وتارة يذكر "من أجل" الصريحة في التعليل، وتارة يذكر أداة "كي"، وتارة يذكر "الفاء" و"إن"، وتارة يذكر أداة "لعل" المتضمنة للتعليل المجردة عن معنى الرجاء المضاف إلى المخلوق، وتارة ينبه على السبب بذكره صريحًا،....وتارة يخبر بكمال حكمته وعلمه المقتضي أنه لا يفرق بين متماثلين ولا يسوي بين مختلفين وأنه ينزل الأشياء منازلها ويرتبها مراتبها" (4) .
(الأصل الثاني: أن أفعال الله سبحانه كلها حسنةٌ جميلة، لا يقبح منها
(1) انظر: "المعتمد"(2/315) .
(2)
انظر: "الإحكام" للآمدي (1/79) ، و"المواقف" للإيجي (323) .
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(8/434، 17/300) ، و"شفاء العليل" لابن القيم (190) .
(4)
"مفتاح دار السعادة"(2/22، 23) . وانظر الأمثلة على ما تقدم (ص199- 201) من هذا الكتاب.
شيء، قال تعالى:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] .
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله جميل يحب الجمال» (1) ، فأفعال الله إذن مباينة لأفعال المخلوقين تمامًا (2) .
(الأصل الثالث: أنهم يصفون الله سبحانه بما وصف به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، فلا يجوز نفي ما أثبته الله لنفسه من الصفات، ولا أن تمثل صفاته بصفات المخلوقين، ولا أفعاله سبحانه بأفعال المخلوقين (3) .
(الأصل الرابع: أنهم لا يوجبون على الله شيئًا إلا ما أوجبه سبحانه على نفسه تفضلاً منه وتكرمًا، كما قال تعالى:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] .
قال ابن تيمية: "وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه، فهذا قول القدرية، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئًا"(4) .
(الأصل الخامس: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه برسله وكتبه (5)، قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15]، وقال تعالى:{رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] .
وقال صلى الله عليه وسلم: «ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين» (6) .
(1) رواه مسلم (2/88) .
(2)
انظر: "مجموع الفتاوى"(11/351، 353) .
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى"(8/432) ، و"شرح العقيدة الطحاوية"(99، 143، 144) .
(4)
"اقتضاء الصراط المستقيم"(2/776) .
(5)
انظر: "مجموع الفتاوى"(8/435) ، و"طريق الهجرتين"(411 – 414) .
(6)
رواه البخاري بهذا اللفظ: (13/399) برقم (7416) ، ومسلم (17/78) وانظر (ص342) ، وما بعدها من هذا الكتاب فيما يتعلق بهذا الأصل.